مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 1082

(122)
جلسة 22 من يونيه سنة 2011
الطعن رقم 11008 لسنة 48 القضائية عليا
(الدائرة السادسة)

السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - فريد نزيه تناغو
2 - سامي أحمد محمد الصباغ
3 - أسامة محمود عبد العزيز محرم
4 - محمد البهنساوي محمد الرمام
5 - حسن عبد الحميد البرعي
6 - على محمد الششتاوي إبراهيم
7 - حماد مكرم توفيق محمد
عقد إداري - إبرامه - متى حدد المشرع طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة فإن طريقة التعبير عن الإرادة تختلط حالتئذ بمشروعيتها، فلا تكون الإرادة صحيحة ومعتبرة إلا بإتباع هذه الطريقة. - القرار الذي يصدره المحافظ بتخصيص قطعة أرض داخل نطاق محافظته بالأمر المباشر يعد بمثابة عقد بيع باطل رغم إلباسه حلة التخصيص.
المواد المطبقة:
المادة الأولى إصدار، والمادتان رقما (30) و(31) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998.


الإجراءات

في يوم الأحد الموافق 10/ 7/ 2002 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن في حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه، القاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن - في ختام تقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا وبصفة عاجلة بوقف تنفيذ قرار محافظ مرسى مطروح الصادر في 13/ 8/ 2001 بإلغاء تخصيص قطعة أرض بمنطقة الملاحة الشرقية بمرسى مطروح لإقامة مشروع سياحي عليها، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرة الخامسة عليا (فحص) التي أحالته إلى الدائرة الثالثة عليا (فحص) التي أحالته بدورها إلى الدائرة الأولى(فحص) فأحالته أيضًا إلى الدائرة السادسة عليا (فحص) للاختصاص، وبجلسة 5/ 4/ 2011 قررت إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة عليا (موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 11/ 5/ 2011 وبها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 7393 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ 13/ 9/ 2001 طالب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ مرسى مطروح الصادر بتاريخ 13/ 8/ 2001 فيما تضمنه من إلغاء تخصيص قطعة الأرض الكائنة بناحية الملاحة الشرقية ابتداء الكورنيش بمنطقة روميل السياحية بمساحة 13568.75 مترًا لإقامة فندق سياحي للشركة .... للاستثمارات السياحية، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وذكر شرحًا لدعواه أنه تقدم إلى المحافظة المذكورة بعرض لإقامة فندق سياحي عالمي خمس نجوم، ووافقت المحافظة على ذلك، وقررت تخصيص المساحة المشار إليها لإقامة الفندق بسعر تسعة وأربعين جنيهًا للمتر، وقامت الشركة بسداد 10% من إجمالي قيمة الأرض، فضلاً عن المصاريف الإدارية وتبرع مقداره خمسون قرشًا عن المتر الواحد للمحافظة، إلا أنه لم يتم تحرير عقد تخصيص الأرض، ثم فوجئ بإلغاء ذلك التخصيص بغير سند من القانون.
وبجلسة 16/ 5/ 2002 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه استنادًا إلى أن قرار إلغاء التخصيص استند إلى أسباب تبرره حقًا وعدلاً في ضوء اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات وما تبين من غبن واضح في تقدير ثمن الأرض موضوع المنازعة، مما دفع الجهة الإدارية إلى إلغاء تخصيصها وعرضها للبيع في مزاد علني، ومن ثم فإن الظاهر من الأوراق أن القرار المطعون فيه يستند إلى أسباب تبرره مما لا يرجح إلغاءه عند النظر في موضوع الدعوى.
وإذ لم يصادف هذا القرار قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه تأسيسًا على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون مشوبًا بعيب الفساد في الاستدلال وماسًا بأصل الحق، ذلك أن قرار التخصيص صدر عن السلطة المختصة بتاريخ 9/ 1/ 2001 وهي المجلس التنفيذي للمحافظة، المعتمد من المحافظ، في حين صدر القرار المطعون فيه بإلغاء التخصيص من المحافظ منفردًا دون العرض على المجلس التنفيذي، فضلاً عن أن القرار المطعون فيه ألغي قرارًا صحيحًا يرتب مركزًا قانونيًا وتحصن هذا القرار بفوات فترة تزيد على سبعة أشهر على تاريخ صدوره، كما أن القرار المطعون فيه استند إلى مذكرة الجهاز المركزي للمحاسبات بالاعتراض على تخصيص قطعة الأرض محل المنازعة تأسيسًا على أن اللجنة العليا لتثمين أرض الدولة بمحافظة مرسى مطروح هي وحدها المنوط بها تحديد سعر الأرض وأن هذه اللجنة قدرت سعر المتر في الأرض المشار إليها بمبلغ ثمان مئة جنيه، ونعي الطاعن على هذا السبب أنه لا يوجد له أدنى أساس من الصحة؛ لأن اللجنة المشار إليها حددت سعر متر الأرض بمبلغ 49.20 جنيهًا، ولم تقدم الجهة الإدارية أي مستند آخر يفيد تحديدها لسعر المتر بمبلغ ثمان مئة جنيه، وأنه لا يجوز الاسترشاد بسعر متر الأرض التي تم بيعها لفندق... نظرًا لاختلاف الموقع، فضلاً عن أن تعليمات رئيس مجلس الوزراء تضمنت ضرورة تشجيع إقامة المشروعات السياحية، وأن محافظة مرسى مطروح لم تقم قط بتحديد سعر المتر بمبلغ يزيد على السعر الذي حددته للأرض محل المنازعة، وأضاف الطاعن أن الحكم المطعون فيه تضمن مساسًا بأصل الحق في حين أن المطلوب كان مجرد اتخاذ إجراء وقتي، واختتم الطاعن تقرير طعنه طالبًا الحكم له بطلباته سالفة البيان.
وحيث إنه قد جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه من الأصول المسلمة أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة في إبرام العقود إدارية كانت أو مدنية، ذلك أنها تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وأوضاع رسمها المشرع في القوانين واللوائح، كفالة لاختيار أفضل الأشخاص للتعاقد، وضمانًا في الوقت ذاته للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقًا للمصلحة العامة.
ومن مؤدى ما تقدم أنه متى حدد المشرع - بموجب ما يسنه من قوانين ولوائح - طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة، تقديرًا من المشرع بأن هذه الطريقة هي التي تتحقق بها المساواة وتكافؤ الفرص حسبما يوجبه الدستور، فضلاً عن حرية المنافسة وما تثمره من تنافس تتحقق به المصلحة العامة، حيث يتبارى المتقدمون في تقديم أفضل العروض؛ ففي هذه الحالة تختلط طريقة التعبير علن الإرادة - بإتباع هذه الطريقة أو عدم اتباعها - بمشروعية الإرادة ذاتها، ومن ثم لا تكون الإرادة - التي هي قوام ركن الرضا في العقد - صحيحة ومعتبرة إلا بإتباع هذه الطريقة، خاصة إذا كان المقبل على التعاقد مع جهة الإدارة يعلم حقيقة أو حكمًا من خلال علمه المفترض بالقوانين واللوائح التي توجب هذه الطريقة سبيلاً لإبرام العقد بوجوب اتباع هذه الطريقة لتحقيق هذا الغرض.
ومن حيث إن المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات تنص على أن: " يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة, خدمية كانت أم اقتصادية، ويلغي القانون رقم 147 لسنة 1962 بشأن تنفيذ أعمال خطة التنمية الاقتصادية، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983، كما يلغي كل حكم آخر يخالف أحكام هذا القانون".
ومن حيث إنه لما كانت المادة (30) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه تنص على أنه: "يكون بيع وتأجير العقارات والمنقولات والمشروعات التي ليس لها الشخصية الاعتبارية، والترخيص بالانتفاع أو باستغلال العقارات، بما في ذلك المنشآت السياحية والمقاصف عن طريق مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة، ومع ذلك يجوز استثناء، وبقرار مسبب من السلطة المختصة، التعاقد بطريق الممارسة المحدودة فيما يلي:
أ - الأشياء التي يخشى عليها من التلف ببقاء تخزينها.
ب - حالات الاستعجال الطارئة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المزايدة.
جـ - الأصناف التي لم تقدم عنها أية عروض في المزايدات أو التي لم يصل ثمنها إلى الثمن الأساسي
د - الحالات التي لم تجاوز قيمتها الأساسية خمسين ألف جنيه..".
كما تنص المادة (31) من هذا القانون على أنه: "يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المزايدة أو الممارسة المحدودة أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من:
أ - رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة ومن له سلطاته في الجهات الأخرى، وذلك فيما لا تجاوز قيمته عشرين ألف جنيه.
ب - الوزير المختص ومن له سلطاته أو المحافظ فيما لا تجوز قيمته خمسين ألف جنيه..".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع في قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه اتخذ من المزايدة العامة أو المحلية والمظاريف المغلقة سبيلاً أصليًا لبيع وتأجير العقارات المملوكة للجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون؛ بحسبان أن المزايدة - عامة كانت أو محلية - والمظاريف المغلقة تقومان على المساواة وتجسدان مبدأ تكافؤ الفرص، فضلاً عن تحقيق المصلحة العامة, حيث يطرح العقار المطلوب بيعه أو تأجيره على الكافة، ومن ثم يتقدم الراغبون في الشراء أو الاستئجار بعروضهم، وفي سبيل الفوز به يتنافس المتنافسون، فتحل الشفافية محل الضبابية، وتجري المزايدة ويتم فتح المظاريف المغلقة على رءوس الأشهاد، ويتم الاختيار الأفضل الشروط والأسعار، ومن ثم تجني المصلحة ثمرة ذلك بالوصول إلى أعلى الأسعار.
ومن حيث إن قرار الجهة الإدارية المطعون ضدها بتخصيص مساحة 13568.75 مترًا للشركة الطاعنة بناحية الملاحة الشرقية امتداد الكورنيش بمنطقة روميل السياحية بمحافظة مرسى مطروح هو عقد بيع رغم إلباسه خلعة التخصيص، وأنه قد جرى إبرامه بالأمر المباشر في خروج سافر وإهدار بواح لأحكام قانون المناقصات والمزايدات المشار إليه، وما تقتضيه أصول الإدارة الرشيدة من أن يجري إبرامه من خلال مزايدة علنية أو مظاريف مغلقة يتبارى فيها المتنافسون، وهو ما يعيب الإرادة التي انعقد بموجبها العقد بها، ويلقي بطلانه ويعكس آثاره على التوازن المالي - مقابلاً وشروطًا - للعقد، وهو ما من شأنه أن يعيب العقد بالبطلان (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 14/ 9/ 2010 في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56 ق. عليا)
ومن حيث إنه لما كان العقد موضوع المنازعة قد شابه البطلان - حسبما سلف الإيضاح - ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية وبإلغاء تخصيص قطعة الأرض محل هذا العقد هو مجرد أثر ونتيجة حتمية لبطلان العقد المشار إليه، ولا يجوز المحاجة في ذلك بأن قرار التخصيص قد تحصن بمضي ستين يومًا على صدوره وأنه لا يجوز المساس به؛ فهذا القول مردود بما سبق بيانه من أن الأمر لا يتعلق في حقيقة الأمر بقرار إداري يتحصن بمضي المدة المقررة للسحب أو الإلغاء، وإنما يتعلق بعقد بيع ثبت بطلانه على النحو سالف البيان، ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية المطعون فيه بإلغاء قرار التخصيص سالف الذكر يكون قائمًا - بحسب الظاهر من الأوراق - على سبب من صحيح حكم القانون بما ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض هذا الطلب.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ذات النتيجة فإنه يكون متفقًا وصحيح حكم القانون ما يتعين معه القضاء برفض الطعن.
ومن حيث إن المصروفات يلزم بها من أصابه الخسر في الطعن عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.