مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الإدارية العليا
في السنة الثالثة والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2007 إلى آخر مارس سنة 2008 - صـ 161

(22)
جلسة 17 من نوفمبر سنة 2007
الطعن رقم 8738 لسنة 49 القضائية عليا
(الدائرة الثانية)

السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد أحمد عطية إبراهيم نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
والسادة الأساتذة المستشارون/ بخيت محمد محمد إسماعيل وبلال أحمد محمد نصار وفوزي علي حسين شلبي ومنير عبد الفتاح غطاس ود/ حسين عبد الله أمين قايد وبهاء الدين يحيى أحمد أمين زهدي نواب رئيس مجلس الدولة.
موظف - تعيين - إعادة تعيين بالمؤهل العالي - تقيد سحب قرار إعادة التعيين بالمواعيد المقررة لسحب القرارات الإدارية الباطلة.
المادة (25) مكررًا من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
استهل المشرع المادة (25) مكررًا من القانون رقم 47 لسنة 1987 وأجرى نصها بعبارة "... يجوز للسلطة المختصة..." وهذه العبارة تقطع بأن إعمال حكم هذه المادة تجريه الجهة الإدارية بموجب سلطة جوازية أو تقديرية منحها بها المشرع الصلاحية وفق ما تقدره لمصلحة العمل والمرفق، لأن تشغل الوظائف التي تقتضي مصلحة العمل شغلها وذلك عن طريق التعيين أو إعادة التعيين بها من العاملين الذين حصلوا أثناء الخدمة الوظيفية على مؤهل أعلى إذا توافرت فيهم شروط التعيين - حكم المادة (25) مكررًا المشار إليها لا ينصرف إلا لمن سبق تعيينهم المبتدأ بمؤهل دراسي، ويترتب على ذلك أن العاملين غير المؤهلين الذين عينوا ابتداء بوظيفة بغير مؤهل، ومنهم العاملون بوظائف الخدمات المعاونة الذين يحصلون على مؤهل دراسي، يخرجون كليًا عن نطاق أو مجال تطبيق المادة (25) مكررًا، فإذا أجرت الجهة الإدارية عليهم حكم هذه المادة فإن القرار الصادر بذلك يكون مخالفًا للقانون ويقع باطلاً. ولا يتعدى أثر المخالفة للقانون في هذا الصدد حد البطلان إلى الانعدام ما دام القرار في هذا الصدد تجريه الجهة الإدارية بموجب سلطة تقديرية ولم يقم به سبب من أسباب الانعدام - مؤدى ذلك: أن سحب القرارات الصادرة طبقًا لحكم المادة (25) مكررًا المذكورة يتقيد قانونًا بالمواعيد المقررة لسحب القرارات الإدارية الباطلة وإلا وقع القرار الساحب مخالفًا للقانون - تطبيق.


الإجراءات

بتاريخ 19/ 5/ 2003 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير هذا الطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة التاسعة) بالقاهرة بجلسة 24/ 3/ 2003 في الطعن رقم 680 لسنة 30ق. س المشار إليه الذي حكمت فيه بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وألزمت الجهة الطاعنة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - إرساء مبدأ قانوني في المسألة الآنف ذكرها في الأسباب والفصل في الطعن وإلزام من يصيبه الخسران المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا، وقد نظرت دائرة فحص الطعون الطعن على النحو الوارد بالأوراق والمبين بمحاضر جلسات الفحص وقررت إحالته إلى هذه المحكمة التي ورد إليها الطعن تنفيذًا لذلك ونظرته بجلسة 7/ 4/ 2007 وبالجلسات التالية على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 20/ 10/ 2007 قررت إصدار الحكم فيه بجلسة 17/ 11/ 2007 وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل حسبما جاء بالأوراق في أن المدعية/ ..... أقامت بتاريخ 3/ 3/ 1997 الدعوى رقم 255 لسنة 44 ق أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها وطلبت في ختام عريضة الدعوى قبولها شكلاً وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ القرار رقم 706 لسنة 1986 ووضع هذا القرار موضع التنفيذ طبقًا لأقدميتها التي اكتسبتها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأبدت المدعية في الصحيفة شرحًا لدعواها أنه صدر قرار محافظ القاهرة رقم 706 لسنة 1986 بتاريخ 6/ 4/ 1986 متضمنًا إعادة تعيينها بوظيفة كاتب سكرتارية ومحفوظات من الدرجة الرابعة المكتبية مع منحها مرتبًا يوازي بداية مربوط الدرجة المعاد تعيينها عليها وعلاوة من علاواتها أو مرتبها السابق أيهما أكبر، إلا أنها علمت بإخطار حي جنوب القاهرة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات بأن القرار رقم 706 لسنة 1986 قد جانبه الصواب، وتضمن التقرير أن المقصود بالمؤهل الأعلى أن يكون العامل معينًا أصلاً بمؤهل وأنها معينة بمجموعة الخدمات المعاونة وتم تعيينها بالقرار رقم 706 لسنة 1986 بالثانوية العامة، وأضافت المدعية المذكورة أن القرار رقم 706 لسنة 1986 صدر صحيحًا من السلطة المختصة وبعد الإعلان للتعيين بالثانوية العامة للعاملين بمحافظة القاهرة والأحياء التابعة لها من الحاصلين على مؤهلات أعلى أثناء الخدمة ولغيرهم من غير العاملين بمحافظة القاهرة، وأردفت المدعية في أن الإعلان رقم 1 لسنة 1985 قد تحصن بعدم الإلغاء أو السحب في المواعيد القانونية وأن محافظة القاهرة محجمة بقرار سلبي بالامتناع عن تنفيذ القرار رقم 706 لسنة 1986 ونقلها إلى مجموعة الوظائف المعاد تعيينها عليها، وأن هذا القرار السلبي بني على أساس خاطئ والحق بها ضررًا جسيمًا، وخلصت المدعية من ذلك إلى طلباتها المذكورة التي اختتمت بها عريضة الدعوى، وبجلسة 30/ 5/ 1998 أصدرت المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية حكمها في الدعوى بقبولها شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة المطعون فيه فيما تضمنه من سحب القرار رقم 706 لسنة 1986 الصادر بإعادة تعيين المدعية في وظيفة كاتب سكرتارية ومحفوظات من الدرجة الرابعة المكتبية مع ما يترتب على ذلك من آثار، فلم ترتض الجهة الإدارية هذا الحكم وأقامت عليه الطعن بالاستئنافي رقم 680 لسنة 30ق س على سند مما نعته على حكم المحكمة الإدارية المشار إليه من مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأن المطعون ضدها (المدعية) كانت تعمل ابتداء بمجموعة وظائف الخدمات المعاونة ولم تكن حاصلة على أي مؤهل ثم حصلت أثناء الخدمة على الثانوية العامة، وتم بعد ذلك إعادة تعيينها في وظيفة كتابية بالدرجة الرابعة، ولما تبين للجهة الإدارية أن قرار إعادة التعيين جاء بالتطبيق الخاطئ للمادة (25) مكررًا من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون العاملين المدنيين بالدولة التي لا تسري على حالة المدعية المذكورة لأن هذه المادة تنظم إعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة وهي بذلك لا تنطبق إلا على العاملين المؤهلين المعينين ابتداء بمؤهل دراسي ثم حصلوا وهم بالخدمة على مؤهل أعلى وأن المدعية لم تكن حاصلة على أي مؤهل عند تعيينها المبتدأ بمجموعة الخدمات المعاونة، وتبعًا لذلك يكون القرار رقم 706 لسنة 1986 الصادر بإعادة تعيينها قرارًا منعدمًا يجوز سحبه في أي وقت دون التقيد بميعاد ولا يتحصن بمرور الوقت، وخلصت الجهة المستأنفة من ذلك أن طلب القضاء بإلغاء حكم المحكمة الإدارية المستأنف والقضاء مجددًا برفض الدعوى.
وقد جرى تحضير الطعن الاستئنافي لدى هيئة مفوضي الدولة على النحو الوارد بالأوراق ونظرته محكمة القضاء الإداري على النحو المبين بمحاضر جلساتها حيث أصدرت فيه بجلستها بتاريخ 24/ 3/ 2003 حكمها سالف الذكر (المطعون فيه) الذي خلصت فيه إلى رفض الطعن موضوعًا. وشيدت محكمة القضاء الإداري حكمها - بعد أن استعرضت المادة (25) مكررًا من قانون العاملين المدنيين بالدولة - على سند من أن القرار الساحب لقرار إعادة تعيين المدعية قد صدر - أي القرار الساحب - بعد 2/ 8/ 1989 أى بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على صدور القرار المسحوب رقم 706 لسنة 1986 المتضمن إعادة تعيين المدعية وأن المخالفة التي شابت قرار إعادة التعيين لا تجعله منعدمًا لعدم توافر أي من حالات أو أسباب الانعدام المقررة قانونًا مما يجعل القرار الساحب محل التداعي وقد صدر بعد الميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية مخالفًا للقانون وحقيقًا بالإلغاء مما يكون معه الحكم المستأنف وقد قضى بذلك قد أصاب وجه الحق ويكون الطعن عليه خليقًا بالرفض. وخلصت محكمة القضاء الإداري من ذلك وعلى النحو الذي سطرته تفصيلاً بأسباب حكمها إلى حكمها المطعون فيه بالطعن الماثل، فأقام رئيس هيئة مفوضي الدولة بصفته هذا الطعن الماثل عملاً بحكم المادة (23) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على سند من أن القرار الساحب محل التداعي المشار إليه مما قد يرجح أنه سليم قانونًا، وجائز للجهة الإدارية أن تسحب قرار إعادة التعيين محل التداعي في أي وقت لأنه صدر منعدمًا لانطوائه على مخالفة جسيمة لحكم المادة (25 مكررًا) من قانون العاملين المدنيين بالدولة المتعلق بإعادة تعيين من يحصل أثناء الخدمة على مؤهل أعلى الذي لا ينطبق على حالة المدعية المعينة ابتداء بدون مؤهل بوظيفة ضمن مجموعة وظائف الخدمات المعاونة وذلك على النحو الذي سطرته هيئة مفوضي الدولة تفصيلاً بتقرير طعنها الماثل وخلصت منه إلى طلباتها المذكورة التي اختتمت بها تقرير هذا الطعن.
ومن حيث إن رحى المنازعة في التداعي والطعن الماثل تدور حول ما استهدفته المدعية/ ........ من التداعي وهو مطالبتها بإلغاء القرار الإداري الصادر عن الجهة الإدارية بسحب القرار رقم 706 لسنة 1986 فيما تضمنه من إعادة تعيينها بوظيفة كاتب سكرتارية ومحفوظات من الدرجة الرابعة المكتبية مع منحها مرتبًا يوازي بداية مربوط الدرجة المعاد تعيينها عليها وعلاوة من علاواتها أو مرتبها السابق مضافًا إليه هذه العلاوة أيهما أكبر وذلك بمؤهل الثانوية العامة الحاصلة عليه سنة 1980 عملاً بحكم المادة (25) مكررًا من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 على النحو الوارد بقرار إعادة التعيين المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن المادة (25)مكررًا من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المضافة بالقانون رقم 115 لسنة 1983 تتص على أنه: ".... يجوز للسلطة المختصة تعيين العاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات أعلى لازمة لشغل الوظائف الخالية بالوحدة التي يعملون بها متى توافرت فيهم الشروط اللازمة لشغل هذه الوظيفة وفقًا لجداول التوصيف والترتيب المعمول بها وذلك مع استثنائهم من شرطي الإعلان والامتحان اللازمين لشغل هذه الوظائف. ويمنح العامل الذي يعين وفقًا لأحكام الفقرة السابقة أول مربوط درجة الوظيفة المعين عليها وعلاوة من علاواتها أو مرتبه السابق مضافًا إليه هذه العلاوة أيهما أكبر حتى وإن تجاوز نهاية مربوط درجة الوظيفة المعين عليها وتمنح هذه العلاوة لمن يعاد تعيينه بوحدة أخرى بالمؤهل الأعلى الذي حصل عليه...".
ومن حيث إن المشرع استهل المادة (25) مكررًا المشار إليها وأخرى نصها بعبارة ".... يجوز للسلطة المختصة...."، وهذه العبارة تقطع بأن إعمال حكم هذه المادة تجريه الجهة الإدارة بموجب سلطة جوازية أو تقديرية منحها بها المشرع الصلاحية وفق ما تقدره لمصلحة العمل والمرفق أن تشغل الوظائف التي تقتضي مصلحة العمل شغلها وذلك بطريق التعيين أو إعادة التعيين بها من العاملين الذين حصلوا أثناء الخدمة الوظيفية على مؤهل أعلى إذا توافرت فيهم شروط التعيين بالوظيفة ومنها بداهة بطبيعة الحال أن يكون العامل قد جاز التأهيل المتطلب لشغل الوظيفة المراد التعيين أو إعادة التعيين بها، ولا ريب أن عبارة "..... العاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهل أعلى......" الذين استن لهم المشرع حكم المادة (25 مكررًا) المشار إليها لا تنصرف إلا لمن سبق تعيينهم المبتدأ بمؤهل دراسي (العاملين المؤهلين) الذين افتتحت علاقتهم الوظيفية من بادئ الأمر أي لأول مرة بتعيينهم بالوظيفة بمؤهل دراسي ثم حصلوا أثناء الخدمة على مؤهل أعلى من المؤهل الأدنى الذي سبق تعيينهم به ابتداءً، ويترتب على ذلك أن العاملين غير المؤهلين الذين عينوا ابتداء بوظيفة بدون مؤهل، ومنهم العاملون بوظائف الخدمات المعاونة الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهل دراسي يخرجون كلية عن نطاق أو مجال تطبيق المادة (25) مكررًا المشار إليها التي تنحسر برمتها عن التطبيق على حالاتهم فإذا ما أجرت الجهة الإدارية عليهم حكم هذه المادة بحسبان أنهم حازوا التأهيل الدراسي المتطلب قانونًا لشغل الوظيفة التي يجري شغلها بالاستناد إلى المادة المذكورة فإن القرار الصادر بذلك يكون مخالفًا للقانون ويقع باطلاً قانونًا ولا يتعدى أثر المخالفة للقانون في هذا الصدد حد مجرد البطلان إلى الانعدام ما دام القرار في هذا الصدد تجريه الجهة الإدارية بموجب سلطة تقديرية وفق ما جرى به صريح نص المادة (25) مكررًا على النحو سالف الذكر، وتبعًا لذلك يقف أثر التطبيق الخاطئ لهذه المادة عند حد البطلان، ولا يؤدي إلى انعدام القرار ما دام أن من جرى تعيينه أو إعادة تعيينه حائزًا على المؤهل الدراسي المتطلب قانونًا لشغل الوظيفة الجديدة كما سلف البيان وما دام لم يقم بالقرار سبب من أسباب الانعدام كغصب السلطة أو صدور القرار بناء على غش أو تدليس وفق ما جرت به أحكام هذه المحكمة، وترتيبًا على ذلك فإن سحب القرارات الصادرة طبقًا لحكم المادة (25) مكررًا المذكورة يتقيد قانونًا بالمواعيد المقررة لسحب القرارات الإدارية الباطلة، وإلا وقع القرار الساحب مخالفًا للقانون وحقيقًا بالإلغاء.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وأن الثابت مما جاء بالأوراق أن الجهة الإدارية قد قامت بسحب القرار رقم 706 لسنة 1986 بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على صدوره وذلك عقب مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات في شهر أغسطس 1989 المتضمنة اعتراضه عليه على النحو الثابت بالأوراق، فمن ثم فإن القرار الساحب محل التداعي وقد صدر بعد فوات الميعاد القانوني للسحب فإنه يكون أي القرار الساحب مخالفًا للقانون وحريًا بالإلغاء، وإذ خلص إلى ذلك الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل فإنه يكون قد صادف صحيح القانون، الأمر الذي يكون معه هذا الطعن في غير محله وحقيقًا لذلك برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا.