مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الإدارية العليا
في السنة الثالثة والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2007 إلى آخر مارس سنة 2008 - صـ 660

(93)
جلسة 20 من فبراير سنة 2008
الطعن رقم 3956 لسنة 47 القضائية العليا
(الدائرة السادسة)

السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
والسادة الأساتذة المستشارون/ سامي أحمد محمد الصباغ ومحمد محمود فرج حسام الدين ومحمد البهنساوى محمد الرمام وحسن عبد الحميد البرعي وحسن سلامة أحمد محمود ود/ حمدي حسن محمد الحلفاوي نواب رئيس مجلس الدولة.
أمين - وسيط تأمين - القيد في سجل وسطاء التأمين - شطب القيد.
المادتان (72) و(73) من قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر، الصادر بالقانون رقم (10) لسنة 1981، والمعدل بالقانون رقم (91) لسنة 1995.
وسيط التأمين هو حلقة الوصل بين الشركة المؤمنة والمؤمن له، وهو مرآة الشركة لدى عملائها حيث لا يعرفون سواه في علاقتهم بالشركة - يتعين أن يكون مصدر ثقة واطمئنان من جانب كل من العملاء والشركة، ومن ثم اشترط القانون في هذا الوسيط أكبر قدر من الأمانة وحسن الخلق فضلاً عن النزاهة والشرف، وإلا اهتزت سمعة الشركة في سوق التأمين وفقدت ثقة العملاء وضاعت حقوقهم - من شروط القيد في سجل وسطاء التأمين ألا يكون قد سبق الحكم على المراد قيده بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة - هذا الشرط من شروط القيد ابتداءً ومن شروط استمرار القيد - لم يضع المشرع تحديدًا للجرائم التي تمس الأمانة أو الشرف - مؤدى ذلك: يتعين على المحكمة أن تستخلص هذا من ظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، آخذة في الحسبان عدة اعتبارات، منها: طبيعة عمل المتهم، وما يستشف عنه، وجسامة الفعل المسند إليه، ومدى تأثيره في المرفق الذي ينتمي إليه، وخطؤه الشخصي الذي يرجع إلى ضعف في خلقه وانحراف في طبعه، وتأثره بالشهوات والنزوات، وما اشتهر عنه من سوء السمعة، وصحيفة سوابقه الجنائية، ومخالفاته الإدارية، والباعث على ارتكاب الجريمة - أثر ذلك: إذا كانت الجريمة في ظل ما تقدم مخلة بالشرف أو الأمانة فقد وسيط التأمين أحد الشروط التي يجب توافرها فيه باستمرار، وتعين شطب قيده من سجل وسطاء التأمين - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 25/ 1/ 2001 أودع الأستاذ/ ...... بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 1462 لسنة 54ق بجلسة 28/ 11/ 2000، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، والأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقًا للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات ثم قررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع لنظره، ونفاذًا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة، ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 13/ 11/ 1999 أودع المطعون ضده قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 1462 لسنة 54ق طالبًا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الهيئة المصرية للرقابة على التأمين رقم 400 لسنة 1999 الصادر في 20/ 9/ 1999، وما يترتب على ذلك من آثار وتنفيذ الحكم بمسودته.
وذكر شرحًا لدعواه أنه أثار بينه وبين شركة........ للتأمين حول مستحقاته لديها، وتحرر عنه الشكوى رقم 1136 لسنة 96 إداري قسم ثان سوهاج، ثم وجهت النيابة العامة إليه تهمة البلاغ الكاذب بأن أبلغ كذبًا في 5/ 10/ 1997 بأن المدعو..... أمين خزينة الشركة اختلس مبلغ 389 جنيه قيمة الشيك المؤرخ 21/ 4/ 1996، وزور توقيعه على مستندات الصرف، حيث قيدت ضده الجنحة رقم 120 لسنة 1998 جنح قسم أول سوهاج، وصدر ضده حكم بحبسه شهرين ومئة جنيه لإيقاف التنفيذ، وغرامة مئتي جنيه، وتعويض مؤقت قدره (501) جنيه للمدعي بالحق المدني، وعدم قبول الدعوى المدنية المقامة من شركة..... وتأيد هذا الحكم استئنافيًا بجلسة 18/ 5/ 1999 فيما عدا تعديل مدة الحبس لتصبح شهرًا بدلاً من شهرين. وتم الطعن على هذا الحكم بالنقض ولا زال قيد النظر. وأضاف المدعي أن الشركة المذكورة أبلغت الهيئة المدعى عليها بهذا الحكم الصادر ضده، فأصدرت القرار المطعون فيه عملاً بقانون الرقابة على التأمين، وأن هذا القرار مخالف للقانون لشطبه في غير حالاته.
وخلص المدعي في صحيفة دعواه إلى طلب الحكم بطلباته.
وبجلسة 28/ 11/ 2000 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، استنادًا إلى أن جريمة البلاغ الكاذب المتهم فيها المدعي التي صدر بشأنها الحكم الجنائي لا تعد من الجرائم المخلة بالشرف، ومن ثم يكون شطب قيد المدعي من سجل وسطاء التأمين بموجب القرار المطعون فيه استنادًا لهذا الحكم مخالفًا للقانون ومرجح الإلغاء عند نظر الموضوع، وأنه لا ينال من ذلك أن سجل المدعي خلال عمله بشركتي.............. للتأمين و......... للتأمين حافل بالعديد من المخالفات خاصة المالية، مما دعاهما لإنهاء خدمته بهما، لأن ذلك الأمر ليس مطروحًا على المحكمة. وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الهيئة الطاعنة فأقامت طعنها ناعية عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ حيث إن طبيعة وظيفة وسيط التأمين تتطلب قدرًا كبيرًا من الأمانة وحسن الخلق، وقد التفتت المحكمة عن ذلك وعن المستندات المقدمة لها حول مخالفاته العديدة وإنها خدماته في شركتي....... رغم أهمية ذلك. كما أن المحكمة قدرت فقط ظروف المدعي ومدى حرمانه من مورد رزقه، والتفتت عن مراعاة المصلحة العامة وخطورة إعادة قيده على سوق التأمين والمتعاملين معه، فضلاً عن عدم اعتبار الجريمة التي ارتكبها المطعون ضده وهي جريمة البلاغ الكاذب غير مخلة بالشرف، رغم أنه صراف الشركة بتزوير توقيعه على الشيك وتسلم مستحقاته، وأثبت قسم التزييف والتزوير أن التوقيع المزور هو توقيعه وليس توقيع الصراف، مما يعد دليلاً صارخًا على ضعف في خلقه وانحراف في طبعه، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة وظيفته كوسيط تأمين يتعين أن يتحلى بالشرف والأمانة.
واختتمت الهيئة الطاعنة تقرير طعنها بطلب الحكم بطالباتها.
ومن حيث إن المادة (72) من قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر الصادر بالقانون رقم (10) لسنة 81 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1995 تنص على أنه "لا يجوز لوسطاء التأمين أو إعادة التأمين أن يزاولوا أعمالهم ما لم تكن أسماؤهم مقيدة في السجل المعد لهذا الغرض بالهيئة......".
وتنص المادة (73) منه على أنه "يشترط في الوسيط المشار إليه...... 2 - أن تتوافر فيه الشروط المبينة في البنود من 2 إلى 6 من المادة 63 من هذا القانون..... كما يتم شطب القيد إذا فقد الوسيط أحد شروط القيد.... أو لم يتم تجديد قيده أو إذا ثبت أنه قام بأعمال مخالفة لهذا القانون أو تنطوي على غش أو خطأ جسيم".
وبالرجوع إلى الشروط المشار إليها في المادة (63) من ذات القانون فقد اشترط البند رقم (2) منها "ألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة تمس الأمانة أو الشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره".
كما اشترط البند رقم (5) من ذات المادة "ألا يكون قد فصل من عمله بحكم أو بقرار تأديبي نهائي أو......".
ومن حيث إن وسيط التأمين هو حلقه الوصل فيما بين الشركة المؤمنة والمؤمن له، وهو مرآة الشركة لدى عملائها لأنهم لا يعرفون سواه، حيث يبرمون معه وثائق التأمين الخاصة بالشركة، ويحصل منهم الأقساط المستحقة عليهم، ويسددها للشركة، ويسعى معهم للحصول على مبالغ التأمين والمزايا التأمينية المستحقة لهم، ومن ثم فإنه يتعين أن يكون مصدر ثقة واطمئنان من جانب العملاء والشركة في ذات الوقت، وألا يعيث في سوق التأمين فسادًا، ومن ثم اشترط القانون في هذا الوسيط أكبر قدر من الأمانة وحسن الخلق، فضلاً عن النزاهة والشرف، وإلا اهتزت سمعة الشركة في سوق التأمين وفقدت ثقة العملاء وضاعت حقوقهم، وكان من بين تلك الشروط التي اشترطها القانون في وسيط التأمين حتى يتم قيده في السجل المعد لذلك ألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة تمس الأمانة أو الشرف، وهذا الشرط كما أنه من شروط القيد ابتداء فهو شرط استمرار، يترتب على فقده شطب الوسيط من السجل عملاً بصريح النص المذكور.
غير أنه تثور مشكلة تحديد الجريمة التي تمس الأمانة أو الشرف التي إذا ارتكبها الوسيط وحكم عليه بعقوبتها تعين شطبه من السجل نظرًا لسكوت المشرع عن وضع تحديد جامع مانع لها، وإزاء ذلك تعين على المحكمة أن تستخلص ذلك من ظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، آخذة في حسبانها عدة اعتبارات منها: طبيعة عمل المتهم وما يستشف عنه، وجسامة الفعل ومدى تأثيره على المرفق الذي ينتمي إليه، وخطؤه الشخصي الذي رجع إلى ضعف في خلقه وانحراف في طبعه وتأثره بالشهوات والنزوات، وما اشتهر عنه من سوء السمعة وصحيفة سوابقه الجنائية ومخالفاته الإدارية، وفي النهاية الباعث على ارتكاب تلك الجريمة مشروعًا أو غير مشروع، بحيث إذا كانت هذه الجريمة في ظل ما تقدم مخلة بالشرف أو الأمانة فقد وسيط التأمين أحد الشروط الواجب توافرها فيه باستمرار، وتعين شطب قيده من سجل وسطاء التأمين.
ومن حيث إنه هديًا بما تقدم فإن الثابت بالأوراق وبالقدر اللازم للفصل في الشق العاجل وطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن المطعون ضده يعمل وسيط تأمين ومقيد في سجل وسطاء التأمين، وقد اتهم زميله في العمل الذي يعمل صراف في الشركة بأنه زور توقيعه على كشوف العمولة واختلس مبلغ 389 جنيهًا، وبعد إجراء التحقيقات بمعرفة النيابة الإدارية والنيابة العامة أحيلت تلك الكشوف إلى مصلحة الطب الشرعي التي انتهت إلى أن التوقيع المنسوب صدوره للصراف هو توقيع المطعون ضده (الشاكي) ذاته، وأنه ليس هناك تزوير في تلك الكشوف، فقدمت النيابة الشاكي إلى المحاكمة الجنائية بتهمة البلاغ الكاذب ضد الصراف، وصدر ضده الحكم في الجنحة رقم 120 لسنة 98 جنح قسم أول سوهاج حضوريًا بالحبس شهرين ومئة جنه لإيقاف التنفيذ، وغرامة مئتي جنيه، وتعويض مؤقت مقداره (501) جنيه للمدعي بالحق المدني، وتأيد هذا الحكم استئنافيًا بجلسة 18/ 5/ 1999 فيما عدا تعديل مدة الحبس يجعلها شهرًا مع الشغل. وبناء على ذلك قررت الهيئة الطاعنة بصدور هذا الحكم فقدان أحد الشروط المنصوص عليها قانونًا، وأصدرت قرارها المطعون فيه بشطب المطعون ضده من سجل وسطاء التأمين. وإن المحكمة ترى أن هذا القرار قد قام على صحيح أسبابه المبررة له قانونًا، إذ جاء مستخلصًا استخلاصًا سائغًا من وقائع ومستندات أفرزته، أهمها هذا الحكم الجنائي النهائي الذي أصبح عنوان الحقيقة, حتى ولو تم الطعن عليه بطريق النقض، وهو بذلك يقيد القاضي الإداري فيما فصل فيه من وقائع ونستبها إلى فاعلها، وهي بحق جريمة مشينة مخلة بالشرف من وسيط التأمين الذي كان يتعين عليه أن يتحلى بأقصى درجات النزاهة والشرف حتى يحظى بثقة شركات التأمين وعملائها معًا، ولا يضر بسمعتها في سوق التأمين، فضلاً عن أن المستندات الأخرى التي التفتت عنها المحكمة المطعون في حكمها تتساند جميعها في النيل من شرط حسن السمعة الذي يجب توافره في جميع العاملين وبخاصة وسطاء التأمين، حيث إن سجل المطعون ضده خلال عمله لدى شركتي...... حافل بالعديد من المخالفات مما حدا هاتين الشركتين على إنهاء خدمته بهما. ولئن كان ذلك الأمر غير مطروح على المحكمة بالفعل غير أنه يؤكد وبصدق فقدان المطعون ضده أحد الشروط كوسيط للتأمين وصحة القرار المطعون فيه، مما ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، مما يتعين معه رفض هذا الطلب دونما حاجة للبحث في ركن الاستعجال.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى غير هذه النتيجة فإنه يكون مخالفًا لصحيح حكم الواقع والقانون جديرًا بالإلغاء.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصاريفه عملاً بالمادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده المصروفات.