مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الإدارية العليا
في السنة الثالثة والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2007 إلى آخر مارس سنة 2008 - صـ 769

(104)
جلسة 4 من مارس سنة 2008
الطعن رقم 4424 لسنة 50 القضائية عليا
(الدائرة الثالثة)

السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكي عبد الرحمن اللمعي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
والسادة الأساتذة المستشارون/ يحيى عبد الرحمن يوسف ود/ الديدامونى مصطفى أحمد ومنير صدقي يوسف خليل ومحمد علي الموافي محمد البانوني وعبد المجيد أحمد حسن المقنن وعمر ضاحي عمر ضاحي نواب رئيس مجلس الدولة.
أرضٍ زراعية - أعمال التبوير - مدلولها - صورها.
المادتان (151) و(155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983.
حظر المشرع القيام بأي عمل أو الامتناع عن أي فعل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، وأجاز لوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى الجنائية أن يصدر قرارًا بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري على نفقة المخالف - الأعمال التي حجب المشرع عن جهة الإدارة سلطة إزالتها وأناط بها القضاء الجنائي وحده هي تلك التي اكتمل إنشاؤها وصارت مبنى صالحًا للاستخدام في الغرض الذي أقيم من أجله، أما غير ذلك كالتشوينات وإقامة الأسوار وأعمال الحفر والأساسات كالقواعد والسملات أو الأعمال التي تدل بذاتها على عدم إتمام البناء وتهيئته للاستخدام فيجوز قانونًا لجهة الإدارة إصدار قرار بوقفها وإزالتها - لا ينال من ذلك صدور حكم جنائي ببراءة المخالف من تهمة تبوير الأرض الزراعية تأسيسًا على أن المساحة التي وقعت بها الأعمال كانت مقامة عليها مبانٍ قديمة قام المخالف بإعادة بنائها، فهو لم ينف عن الأرض صفة الأرض الزراعية وكذا حدوث هذه الأعمال من المخالف - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 28/ 1/ 2004 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن الماثل قيد بجدولها تحت رقم 4424 لسنة 50ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا - الدائرة الأولى - بجلسة 21/ 12/ 2003 في الدعوى رقم 1172 لسنة 8ق القاضي بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنون للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 17/ 10/ 2007 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - موضوع لنظره أمامها بجلسة 15/ 1/ 2007.
ونظرت المحكمة الطعن بجلسة 15/ 1/ 2007 حيث قررت إصدار الحكم بجلسة 4/ 3/ 2008 مع التصريح بتقديم مذكرات في شهر ولم يقدم الطرفان فيه شيئًا، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع في الطعن تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون ضده أقام الدعوى المطعون في الحكم فيها بصحيفة أودعت بتاريخ 28/ 11/ 2000 قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بطنطا - الدائرة الأولى - وطلب في ختامها الحكم بإلغاء القرار الصادر عن محافظ الغربية رقم 887 لسنة 1999 فيما تضمنه من إزالة تعديه على الأرض الزراعية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر شرحًا للدعوى أن القرار المطعون فيه صدر مخالفًا للقانون لأن الأرض الصادر بشأنها بور غير قابلة للزراعة وداخل الكتلة السكنية والحيز العمراني المعتمد لقرية كفر الديب - مركز زفتي، كما أن المبنى الذي أقامه عبارة عن سور ومبنى بالطوب الأحمر، الأمر الذي يكون معه هذا القرار إذ صدر بإزالة هذه المباني قد اعتدى على السلطة القضائية وافتأت على اختصاصها دون سند من الواقع والقانون.
وبعد أن تدوولت الدعوى أمام المحكمة المذكورة أصدرت بجلسة 21/ 12/ 2003 الحكم المطعون فيه وشيدته على أسباب تخلص في أنه لما كان المشرع بنص المادة 152 من قانون الزارعة رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983 قد حظر إقامة أي مبان أو منشآت في الأرض الزراعية أو اتخاذ أي إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي لإقامة مباني عليها، واعتبر المشرع الأراضي البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية في حكم الأراضى الزراعية، وحدد المشرع في المادة 156 من القانون المذكور عقوبة جنائية هي الحبس والغرامة لمن يخالف نص المادة 152 المشار إليها، ونص على أنه يجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة المخالف، وأناط بوزير الزراعة حتى صدور الحكم في الدعوى وقف أسباب المخالفة بالطريق الإداري على نفقة المخالف، وخلصت المحكمة إلى أنه إعمالاً لهذين النصين يكون من سلطة الجهة الإدارية فقط وقف الأعمال المخالفة دون أن تتجاوز ذلك إلى إصدار قرار بإزالتها لأن المشرع اختص القضاء الجنائي وحده بإزالة هذه الأعمال عند إدانة المخالف بحكم جنائي، وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعي قام بعمل أساسات من السملات الخرسانية والطوب الحجري والطوب الطفلي والأسمنت على مساحة 121م 2 من الأرض الزراعية الكائنة بحوض ساحل البحر بناحية كفر الديب - مركز زفتي، فأصدرت الجهة الإدارية القرار المطعون فيه متضمنًا إزالة هذه المباني، ومن ثم يكون مخالفًا للقانون حيث جاوزت الجهة الإدارية حدود اختصاصها إذ عقد القانون هذا الاختصاص للقضاء الجنائي حال الحكم بإدانة المخالف.
ومن حيث إن الجهة الإدارية لم ترتض ذلك الحكم فأقامت ضده الطعن الماثل استنادًا إلى أسباب حاصلها أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وخالف الثابت بالأوراق وما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا؛ ذلك أن ما قام به المطعون ضده عبارة عن أساسات وسملات خرسانية، وهذه الأعمال من شأنها تبوير الأرض الزراعية والمساس بخصوبتها ومن حق الجهة الإدارية طبقًا لنص المادتين 151 و155 من القانون رقم 53 لسنة 1966 المشار إليه وتعديلاته إصدار قرار بإزالة هذه الأعمال وإعادة الحال إلى ما كانت عليه، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه صادرًا عن سلطة مختصة قانونًا بإصداره ومتفقًا وحكم القانون وقائمًا على ما يبرره من الأوراق مما كان يتعين معه على محكمة القضاء الإداري أن تقضي برفض الدعوى، أما وأنها ذهبت إلى غير ذلك بمقولة أن إزالة المباني من سلطة القاضي الجنائي وحده رغم أن الأعمال التي قام بها المطعون ضده لا ينطبق عليها هذا الوصف فإن حكمها يكون مخالفًا للقانون جديرًا بالإلغاء والقضاء مجددًا برفض الدعوى.
ومن حيث إنه لما كانت المادة 151 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 معدلاً بالقانونين رقم 116 لسنة 1983 ورقم 2 لسنة 1985 تنص على أنه: "يحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة، كما يحظر عليهم ارتكاب أي عمل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها". كما تنص المادة 155 من القانون المذكور على أن: "يعاقب على مخالفة حكم المادة 155 من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسة مئة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة..... ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري على نفقة المخالف".
ومفاد هذين النصين أن المشرع حظر ترك الأرض الزراعية دون زراعة لمدة سنة أو القيام بأي عمل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، وحدد عقوبة جنائية لمن يخالف ذلك هي الحبس والغرامة كما أجاز لوزير الزراعة - قبل الحكم في الدعوى الجنائية أن يصدر قرارًا بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري على نفقة المخالف.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قام بعمل أساسات من السملات الخرسانية والطوب الحجري والطوب الطفلي والأسمنت على مساحة 121م2 من الأراضي الزراعية الكائنة بحوض ساحل البحر - كفر الديب - مركز زفتي.
وقد ترتب على هذه الأعمال تبوير المساحة المشار إليها وعدم زراعتها والمساس بخصوبتها رغم أنها من الأرض الزراعية فيمن ثم يكون القرار المطعون فيه - وقد صدر بإزالة هذه الأعمال وإعادة الحال إلى ما كانت عليه - قائمًا على ما يبرره ومتفقًا وصحيح حكم القانون. وليس صحيحًا أن القرار المطعون فيه صدر عن غير مختص لأنه تضمن إزالة مبانٍ مقامة على المساحة المذكورة، وقد عقد المشرع الاختصاص بإزالتها للقضاء الجنائي حال إدانة المخالف في الدعوى الجنائية التي تقام ضده؛ فذلك القول مردود عليه بأن الأعمال التي حجب المشرع عن جهة الإدارة سلطة إزالتها وأناط بها للقاضي الجنائي وحده هي تلك التي اكتمل إنشاؤها وصارت مبنى صالحًا للاستخدام في الغرض الذي أقيم من أجله، أما غير ذلك كالتشوينات وإقامة الأسوار وأعمال الحفر والأساسات كالقواعد والسملات أو الأعمال التي تدل بذاتها على عدم إتمام البناء وتهيئته للاستخدام، فلا يوجد ما يبرر قانونًا الحيلولة بين الجهة الإدارية وإصدار قرار بوقفها أو إزالتها، بل إن ذلك واجب عليها تلتزم بأن تهم به وتبادر إليه حماية للأرض الزراعية كثروة قومية للبلاد، وغني عن البيان أن ما يصدر عن الجهة الإدارية من تصرف في شأن هذه الأعمال يخضع لرقابة القضاء الإداري الذي يتأكد من توافر الوقائع والأسباب التي تبرر تصرف الإدارة وتبيح لها إصدار وذلك حسبما يترءاى له من الأوراق في كل حالة على حده.
ومن حيث إنه متى كان القرار المطعون فيه قد قام على سببه الذي يبرره ووافق صحيح القانون فإن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير ذلك يكون مخالفا القانون ويتعين إلغاؤه والقضاء مجددًا برفض الدعوى، ولا ينال من ذلك صدور حكم بجلسة 10/ 2/ 2002 في الجنحة رقم لسنة 7232 لسنة 1999 زفتي ببراءة المطعون ضده من تهمة تبوير الأرض الزراعية؛ ذلك أنه من المقرر أن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها الأخير وكان فصله فيها لازمًا وضروريًا، خاصة فيما يتعلق بوقوع الفعل ووصفه القانوني ونسبته إلى فاعله. وغني عن البيان أن تلك الحجية تثبت للحكم الجنائي إذا كان مبنيًا على انتفاء التهمة أي فيما قطع به من أن الواقعة لم تحدث أصلاً أو أنها لم تقع من المتهم بالذات. أما إذا استقى الحكم الجنائي قضاءه بالبراءة من أسباب وأسانيد أخرى ارتكن فيها إلى ظروف الواقع المحيطة بالاتهام وخلص منها إلى أن المتهم لم يكن له دخل فيها، دون أن ينفي حدوث الواقعة المنسوبة إليه أو يفصل في صحة ارتكابه لها من عدمه؛ فإن حكم البراءة في هذه الحالة لا يحول بين القاضي المدني وبحث دليل ارتكاب المتهم للمخالفة التي تكون لتلك الواقعة محلها أو موضوع التصرف المطروح عليه في أمر يتعلق به، وذلك كما هو الشأن في النزاع الماثل؛ حيث يبين أن حكم البراءة الصادر لمصلحة المطعون ضده في الجنحة المشار إليها لم ينف صفة الأرض الزراعية عن المساحة الصادر بشأنها القرار الطعين، وإنما يقوم على أن المساحة التي وقعت بها الأعمال كانت مقامة عليها مبانٍ قديمة قام المطعون ضده بإعادة بنائها وبالتالي لا تمتد حجية ذلك الحكم إلى القول بنفي حدوث هذه الأعمال من المطعون ضده فذلك لم يفصل فيه الحكم الجنائي ولم يكن فصله فيه لازمًا وضروريًا للوصول إلى البراءة, حيث أسسها على أسباب أخرى بعيدة عن مدى صحة نسبة الأعمال المخالفة للمذكور من عدمه باعتبارها تشكل الركن المادي لجريمة تبوير الأرض الزراعية وهي أعمال من حق الجهة الإدارية إصدار قرار بإزالتها على النحو السالف بيانه.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.