مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
في السنة الثالثة والخمسون - الجزء الثاني - من أول أبريل سنة 2008 إلى آخر سبتمبر سنة 2008 صـ 1239

(162)
جلسة 21 من مايو سنة 2008
الطعن رقم 4759 لسنة 46 القضائية عليا
(الدائرة السادسة)

السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
والسادة الأساتذة المستشارون/ سامي أحمد محمد الصباغ ومحمد محمود فرج حسام الدين ومحمد البهنساوى محمد الرمام وحسن عبد الحميد البرعي وحسن سلامة أحمد محمود ود/ حمدي حسن محمد الحلفاوي نواب رئيس مجلس الدولة.
( أ ) جامعات - جامعة الأزهر - دراسات عليا - السلطة المختصة بمنح الدرجات العلمية, وإعفاء طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية.
المادتان (48) و(80/ 2) من القانون رقم (103) لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها - المادة (114) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مجلس جامعة الأزهر هو المختص بمنح الدرجات العلمية والشهادات, وله إعفاء طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية, وعلى رئيس الجامعة والعمداء تنفيذ قراراته, كل فيما يخصه - تطبيق.
(ب) قرار إداري - الفرق بين بطلانه وانعدامه - أثر ذلك.
مخالفة القرار الإداري للقانون تستتبع البطلان لا الانعدام - الانعدام لا يكون إلا حيث يكون مُصدر القرار مغتصبًا للسلطة, أو إذا شاب القرار غش أو تدليس, أو إذا بلغت المخالفة التي علقت به أو اعتورته حدًا من الجسامة, يفقده كيانه ويجرده من صفاته ويزيل عنه مقوماته كتصرف قانوني - أثر ذلك: يستباح لزامًا سحب القرار المنعدم في أي وقت وفي كل وقت مهما طال, أما القرار الباطل فتزول آثار بطلانه وتمحى معالمه بانقضاء أكثر من ستين يومًا عليه دون مساس به, فمتى انتهت هذه الفترة غدا القرار نهائيًا, وتولد به لصاحب الشأن حق مكتسب مما يستوجب عدم سحبه أو إلغائه - أساس ذلك: أن سحب القرارات المشوبة بالبطلان بعد انقضاء تلك المدة يشكل انتهاكًا لآثار القرارات الفردية وما تولدت عنه - تطبيق.


الإجراءات

في يوم السبت الموافق 1/ 4/ 2000 أودع الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنة قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 5823 لسنة 51 بجلسة 4/ 12/ 1999, الذي قضى في منطوقة بالآتي "حكمت المحكمة برفض الدعوى, وألزمت المدعية المصروفات".
وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء للطاعنة بطلباتها في الدعوى.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقًا للثابت بالأوراق, وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن, انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا, وإلزام الطاعنة المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات, ثم قررت إحالته إلى الدائرة السادسة (موضوع) لنظره, ونفاذًا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها, وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم, وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 4/ 5/ 1997 أودعت الطاعنة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 5823 لسنة 51ق، طالبة في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بعدم تنفيذ القرار الصادر بمنحها درجة الماجستير، وما يترتب على ذلك من آثار، منها تسليمها شهادة الماجستير، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وبجلسة 24/ 6/ 1997 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعية المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم برفض الدعوى، وإلزام المدعية المصروفات؛
وبجلسة 4/ 12/ 1999 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه برفض الدعوى، استنادًا إلى أن المدعية ناقشت رسالة الماجستير في عام 1993، ولم تجتز بعدها امتحان مادة القرآن الكريم، حيث رسبت فيها، وكانت القواعد تقتضي لمنحها هذه الدرجة العملية اجتيازها امتحانًا يعقد في هذه المادة بنجاح، وأنها لا تستفيد من قرار مجلس الجامعة الصادر بالجلسة رقم 355 لسنة 1994 الذي أعفى الطالب من اجتياز هذا الامتحان إذا كان قد سبق له أن أداه في السنتين التمهيديتين؛ حيث إنها تخضع للنظام السابق الذي يلزمها اجتياز الامتحان في هذه المادة بنجاح حتى تحصل على الدرجة العلمية، وأن قرار منحها الماجستير دون اجتيازها هذا الامتحان هو قرار منعدم لا يتحصن، ويكون سحبه حلال عام 1997 وفي أي وقت صحيحًا، وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
لم ترتض الطاعنة هذا القضاء فتقدمت بطلب مساعدة قضائية، ثم أقامت طعنها الماثل ناعية عليه الخطأ في تطبيق القانون؛ حيث إن قرار مجلس جامعة الأزهر الصادر بجلسة رقم 355 في 5/ 10/ 1994 بإعفاء من اجتاز امتحان مادة القرآن الكريم خلال السنتين التمهيديتين من هذا الامتحان عند حصوله على درجة الماجستير أو الدكتوراه لكل من سبق مناقشتها هو قرار صحيح حيث إن هذا القرار يشمل جميع طلبة الدراسات العليا في تاريخ صدوره من ناقش منهم الرسالة ومن لم يناقشها بعد، كما أن قرار مجلس الجامعة الصادر بجلسة رقم 374 في 8/ 5/ 1996 بمنح الطاعنة درجة التخصص (الماجستير) مع إعفائها من شرط اجتياز الامتحان في مادة القرآن الكريم هو كذلك قرار صحيح ومشروع وليس منعدمًا، ولا يجوز بالتالي المساس به أو سحبه أو إلغاؤه حتى على فرض بطلانه، فإنه تحصن بمضي المدة، ويكون القرار الصادر بعد مضي المدة (237 يومًا) بسحبه غير صحيح.
واختتمت الطاعنة تقرير الطعن بطلب الحكم بطلباتها.
ومن حيث إن مناط الفصل في الطعهن الماثل هو البحث في مدى مشروعية قرارات مجلس جامعة الأزهر بإعفاء الطاعنة من شرط اجتياز الامتحان في مادة القرآن الكريم لمنحها درجة الماجستير وسريانها في شأنها، اكتفاء بامتحانها ونجاحها في عشرة أجزاء منه خلال السنتين التمهيديتين، ومناقشتها للرسالة ونجاحها فيها بامتياز، ومدى تحصن هذه القرارات.
ومن حيث إن المادة (48) من القانون رقم (103) لسنة 61 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها تنص على أن "يختص مجلس جامعة الأزهر بالنظر في الأمور الآتية:..... 7 - منح الدرجات العملية والشهادات".
وتنص المادة (80/ 2) من ذات القانون على أنه "..... وللمجلس أن يعفي طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية ومن امتحاناتها إذا ثبت أنه حضر مقررات مماثلة في كلية جامعية أو معهد عالٍ معترف بهما أو أدى بنجاح الامتحانات المقررة".
وتنص المادة (114) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه على أن "ينفذ رئيس الجامعة وعمداء الكليات والمعاهد كل فيما يخصه قرارات مجلس الجامعة....".
ومن حيث إن المستفاد من النصوص المذكورة أن مجلس جامعة الأزهر هو المختص بمنح الدرجات العملية والشهادات، وله إعفاء طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية، وأنه على رئيس الجامعة كل فيما يخصه تنفيذ قرارات مجلس الجامعة.
ومن حيث استقر قضاء هذه المحكمة لدى التمييز بين القرار الإداري الباطل والمنعدم على أن مخالفة القرار الإداري للقانون تستتبع البطلان لا الانعدام، وذلك بحسبان أن الانعدام - كجزاء على مخالفة مبدأ المشروعية - لا يكون إلا حيث يكون مصدر القرار مغتصبًا السلطة المختصة بإصداره، أو شاب القرار غش أو تدليس، أو متى بلغت المخالفة التي علقت بالقرار أو اعتورته حدًا من الجسامة يفقده كيانه ويجرده من صفاته ويزيل عنه مقوماته كتصرف قانوني نابع من جهة الإدارة محدث لمركز قانوني معين، ومن ثم يستباح لزامًا سحبه في أي وقت وفي كل وقت مهما طال، وأن الأمر يخالف ذلك بالنسبة للقرار الباطل إذ يزول أثر هذا البطلان وتنمحي معالمه بانقضاء أكثر من ستين يومًا عليه دون مساس به، وهي الفترة القانونية التي يظل فيها القرار قلقًا مهددًا، فمتى انتهت تلك الفترة غدا القرار نهائيًا، وتولد به لصاحب الشأن حق مكتسب أضحى مستوجبًا عدم سحبه أو إلغائه، نزولاً على مبدأ وجوب استقرار المراكز القانونية واحترامها متى أصبحت نهائية وحقيقية، وباعتبار أن سحب القرارات المشوبة بالبطلان بعد انقضاء هذه المدة إنما يشكل انتهاكًا لآثار القرارات الفردية، وما تولدت عنه، مما يجعل القرارات الساحبة لها غير جائزة من الناحية القانونية.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم فإن الثابت بالأوراق أن الطاعنة التحقت بالدراسات العليا في العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للحصول على درجة التخصص (الماجستير)، وكان مقررًا آنذاك ضرورة اجتيازها امتحانًا في خمسة أجزاء من القرآن الكريم في كل سنة من السنتين التمهيديتين، وعشرة أجزاء عند مناقشة رسالة الماجستير وعشرة عند مناقشة رسالة الدكتوراه لتصبح ثلاثين جزءًا كاملاً، وأنها اجتازت امتحانات القرآن الكريم والمواد الأخرى بنجاح خلال السنتين التمهيديتين، ثم ناقشت رسالة الماجستير في 23/ 11/ 1993 وقررت لجنة المناقشة منحها درجة الماجستير بتقدير ممتاز، على أن تجتاز الامتحان في عشرة أجزاء من القرآن الكريم، وتقدمت الطالبة للامتحان في هذه الأجزاء العشرة خلال العام الجامعي 92/ 1994 غير أنها رسبت.
ومن حيث إن مجلس جامعة الأزهر بجلسته رقم (355) المنعقدة بتاريخ 5/ 10/ 1994 قرر إعفاء طلبة الدراسات العليا من الامتحان في مادة القرآن الكريم عند مناقشة رسائلهم، إذا كانوا قد اجتازوا امتحان هذه المادة خلال السنتين التمهيديتين، وأصدر مجلس الكلية قراره بجلسته رقم 193 لسنة 1994 بتطبيق قرار مجلس الجامعة، وبناء عليه تقدمت الطاعنة بالتماس إلى رئيس الجامعة في 21/ 12/ 1994 لمنحها درجة الماجستير، فوافق على إعفائها من امتحان هذه المادة طبقًا لقرار مجلس الجامعة المشار إليه، وبعرض قرار مجلس الكلية بجلسته رقم 193 سالف الإشارة إليه على لجنة الدراسات العليا وافقت عليه في 22/ 11/ 1995 واعتمده رئيس الجامعة وصادق عليه مجلس الجامعة في 6/ 12/ 1995، ثم أعيد عرض الموضوع مرة أخرى على لجنة الدراسات العليا في 16/ 4/ 1996 حيث أوصت بمنح الطاعنة درجة الماجستير وكلفت الكلية باتخاذ الإجراءات اللازمة، كما أصدر مجلس الجامعة قراره بجلسته رقم 374 في 8/ 5/ 1996 بمنح الطاعنة درجة الماجستير.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم - وهو ما ساقته الطاعنة في تقرير طعنها وقدمت المستندات المؤيدة له ولم تنكر الجامعة المطعون ضدها شيئًا من ذلك - فإنه تنفيذًا لقرارات مجلس الجامعة بمنح الطاعنة درجة الماجستير مع إعفائها من اجتياز امتحان مادة القرآن الكريم، ما دامت قد أنها اجتازت هذا الامتحان في عشرة أجزاء من خلال السنتين التمهيديتين يكون صحيحًا، وكان متعينًا على رئيس الجامعة وعميد الكلية تنفيذ قرارات مجلس الجامعة المشار إليها ومنح الطاعنة درجة الماجستير بتقدير ممتاز، مع إعفائها من اجتياز الامتحان في عشرة الأجزاء الأخرى من القرآن الكريم، وذلك امتثالاً وتطبيقًا لصحيح حكم القانون، حيث لا يكون للكلية الخيرة من أمرها إذا قضى مجلس الجامعة أمرًا.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى نتيجة مغايرة استنادًا لصدور قرار لاحق لمجلس الجامعة بجلسته رقم 381 في 1/ 1/ 1997 والذي اشترط لمنح الطاعنة الدرجة العلمية ضرورة اجتيازها الامتحان في تلك الأجزاء العشرة من القرآن الكريم، مما يعد سحبًا لقرار مجلس الجامعة السابق بإعفائها من اجتياز هذا الامتحان، وحيث إن ذلك مردود بأن قراري مجلس الجامعة بالإعفاء من اجتياز هذا الامتحان لطلبة الدراسات العليا والطاعنة بجلستيه رقمي 355 و374 قد صدرا صحيحين عمن يختص قانونًا بإصدارهما، ويستعصيان بالتالي على السحب أو الإلغاء، حيث إن الأصل هو عدم جواز سحب القرار الإداري الصحيح، فضلاً عن أنهما ليسا منعدمين - حسبما ذهب الحكم المطعون فيه - حتى يمكن سحبهما في أي وقت، وعلى فرض أنهما مشوبان بالبطلان فقد تحصنا بمضي المدة وتجردًا بالتالي من أية شائبة أو عوار، وبالتالي يتأبى كلاهما على السحب، إذ استعصم القرار بفوات مواعيد الطعن عليه، ويكون الحكم المطعون فيه مخالفًا للتطبيق الصحيح للقانون جديرًا بالإلغاء وإلزام الجامعة الطاعنة المصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها منح الطاعنة درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية والعربية، مع إعفائها من امتحان القرآن الكريم، على النحو الموضح بالأسباب، وألزمت الجامعة المطعون ضدها المصروفات.