أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
السنة 59 – صـ 414

جلسة 12 من أبريل سنة 2008

برئاسة السيد القاضي/ محمد متولي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ حسين نعمان، محمد رشاد أمين، كمال نبيه محمد نواب رئيس المحكمة.

(75)
الطعن رقم 10710 لسنة 76 القضائية

(1) قضاة "عدم الصلاحية لنظر الدعوى: دعوى المخاصمة".
دعوى المخاصمة. فصل المحكمة في مرحلتها الأولى المتعلقة بجواز قبولها وتعلق أوجه المخاصمة بالدعوى. تحققه وفق ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه. عدم جواز تقديم المخاصم أوراق ومستندات غير المودعة مع التقرير في تلك المرحلة. مؤدى ذلك. عدم استجابة المحكمة الراهنة لطلب المخاصم المدعي ضم أصول محاضر جلسات دعوى التأديب.
(2) دعوى "الخصوم في الدعوى: إدخال خصم في الدعوى".
تصحيح شكل الدعوى. عدم احتياجه لإذن من المحكمة. خلو أوراق دعوى المخاصمة الراهنة مما يفيد اختصام المخاصم - المدعي - لباقي أعضاء الدائرة مصدرة حكم التأديب محل المخاصمة. مؤداه. التفات المحكمة عن التعرض عن مدى جواز طلب المخاصم بتصحيح شكل الدعوى بإدخال باقي أعضاء الدائرة خصوماً فيها من عدمه.
(3) قضاة "عدم الصلاحية لنظر الدعوى: دعوى المخاصمة: مسئولية القضاة.
دعوى المخاصمة. دعوى مسئولية. الغرض منها. تعويض المخاصم عن الضرر الذي أصابه. استنادها لقيام القاضي بعمل أو إصداره حكماً مشوباً بعيب يجيز مخاصمته. الأصل. عدم مسئوليته عما يصدره من تصرفات أثناء عمله. علة ذلك. الاستثناء. جواز مساءلته عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في الأحوال المبينة بالمادة 494 مرافعات. سبيله. رفع دعوى المخاصمة وفق إجراءات وضمانات لكفالة الطمأنينة للقاضي ف عمله. مؤداه. عدم جواز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
(4) قانون "تفسير القانون: قواعد التفسير".
تفسير النصوص القانونية. وجوب مراعاة التناسق فيما بينها بعدم تفسير النص بمعزل عن الآخر.
(5) قضاة "عدم الصلاحية لنظر الدعوى: دعوى المخاصمة.
القضاة وأعضاء النيابة العامة. جواز مخاصمتهما. م 494 مرافعات. انصراف كلمة القضاة لقضاة المحاكم العادية باختلاف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية وأعضاء النيابة العامة. عدم امتداد سريانها لغيرهم إلا بنص خاص.
(6 ، 7)قضاة "تأديب القضاة: دعوى التأديب: مجلس التأديب".
(6) مساءلة القضاة تأديبياً. اختصاص مجلس التأديب به برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض بحسبانهم أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وأنفذ إلى الضوابط الكافية في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل تخرص أو شبهة. م 98 قرار بق 46 لسنة 1972 قبل تعديله بق 142 لسنة 2006.
(7) دعوى تأديب القضاة. إناطة المشرع لمجلس التأديب ولايته بنظرها وفق قواعد إجرائية وضمانات أساسية للقاضي. انتهاؤها بإصدار حكم ببراءته أو عقابه وفقاً لمدى ثبوت الواقعة المنسوبة إليه وقدر جسامتها. المواد 99، 100، 101، 102، 106، 107 من ق السلطة القضائية. تفرد المجلس بتنظيم خاص في تشكيله من رئيس محكمة النقض وأقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض. مؤداه. عدم اندراجه وفق ذلك التنظيم وتلك المغايرة ذات مفهوم المحاكم العادية. أثره. عدم خضوع أعضاءه لأحكام مخاصمة قضاتها.
(8) قضاة " عدم الصلاحية لنظر الدعوى: دعوى المخاصمة".
أعضاء المحكمة الدستورية العليا. خضوعهم لقواعد المخاصمة. م 15/1 ق 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا. خلو القرار بق 46 لسنة 1972 من النص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب أو الإحالة للأحكام المنظمة لقواعد مخاصمة قضاء المحاكم العادية الواردة بقانون المرافعات. مؤداه. عدم انطباق قواعد المخاصمة على مجلس التأديب. أثره. عدم قبول الدعوى.
(9) دفوع "الدفوع الموضوعية: الدفع بعدم دستورية القوانين".
دفع المخاصم بعدم دستورية م 98 من ق السلطة القضائية. عدم قيامه على سند من الجد إزاء عدم بيان أوجه تعارض تلك المادة مع النصوص الدستورية المدعي بمخالفتها. وجوب الالتفات عنه.
(10) قضاة "عدم الصلاحية لنظر الدعوى: دعوى المخاصمة".
الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة في دعوى المخاصمة. شرطه. المادتان 496، 499 مرافعات.

1- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن مؤدى نص المادتين 495، 496 من قانون المرافعات أن الفصل في دعوى المخاصمة وهى في مرحلتها الأولى - مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها - لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه، وأنه لا يجوز للمخاصم في هذه المرحلة تقديم أوراق ومستندات غير التي أودعت مع التقرير، ومن ثم فإن المحكمة لا تجيب المدعي إلى طلبه ضم أصول محاضر جلسات دعوى التأديب.
2- إذ كان تصحيح شكل الدعوى لا يحتاج إلى إذن من المحكمة، وكانت الأوراق قد خلت مما يفيد اختصام المدعي لباقي أعضاء الدائرة التي أصدرت حكم التأديب محل المخاصمة بما لا مجال معه للمحكمة التعرض لما آثاره المدعي في هذا الخصوص وبحث مدى جوازه من عدمه على ضوء ما سلف بيانه.
3- إن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناءً من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقاً خاصاً لهذه المساءلة وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاض في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
4- يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر.
5- أجازت المادة 494 من قانون المرافعات مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" في مقصود هذه المادة وحملاً على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة إنما تنصرف - بالنسبة إلى قضاة المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف، والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.
6- إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 - الذي يحكم واقعة الدعوى - قبل تعديله بالقانون رقم 142 لسنة 2006 المعمول به اعتباراً من أول أكتوبر 2006 - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبياً، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض مما مفاده أن المشرع أوكل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدميتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهماً للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدى العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل تخرص أو شبهة تنال منها مما يجعل المجلس - على ضوء هذه الحقائق - الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.
7- إن المادة "99" من قانون السلطة القضائية المشار إليه سلفا أوضحت طرية رفع الدعوى التأديبية فنصت على ان تقام من النائب العام بناء على طلب وزير العدل بعد تحقيق جنائي أو تحقيق إداري يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة إلى المستشارين، أو مستشار من إدارة التفتيش القضائي بالنسبة إلى رؤساء بالمحاكم الابتدائية وقضاتها، كما أوجبت المادة "100" منه أن تشمل عريضة الدعوى التأديبية على التهمة والأدلة المؤيدة لها، وأجازات المادة "101" لمجلس التأديب أن يجري ما يراه لازما من التحقيقات أو يندب أحد أعضائه لذلك، وحددت المادة "102" إجراءات المحاكمة بحيث إذا رأى المجلس محلا للسير فيها عن جميع التهم أو بعضها كلف القاضي بالحضور بميعاد أسبوع على الأقل على أن يشتمل التكليف بالحضور على بيان كاف لموضوع الدعوى وأدلة الاتهام، كما نصت المادة "106" على الحكم في الدعوى بعد سماع طلبات النيابة ودفاع القاضي المرفوعة عليه الدعوى وأتاحت له الحضور بشخصه أو أن ينيب للدفاع عنه أحد رجال القضاء من غير مستشاري محكمة النقض، ثم أوجبت المادة "107" أن يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية مشتملاً على الأسباب التي بُنى عليها وأن تتلى هذه الأسباب عند النطق به في جلسة سرية. وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة مجتمعة أن المشرع ناط بمجلس التأديب ولاية نظر دعوى تأديب القضاة، وجعل زمامها بيديه ومآل الأمر فيها إليه، وذلك في إطار ما رسمه لهذه الدعوى من قواعد إجرائية وما كفله للقاضي من ضمانات أساسية، وصولاً إلى القول الفصل فيها - باعتباره هيئة قضائية - بإصدار حكم ببراءته أو بعقابه بالجزاء الذي يراه - اللوم أو العزل - وفقاً لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة إليه وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية إذ أفرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله الذي توخي فيه الجمع - فضلاً عن رئيس محكمة النقض - بين أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض وذلك خلافاً للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.
8- إن المشروع – وفي الإطار السالف بيانه – إذ ارتأى إخضاع أعضاء المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية غذ جاء خلوا من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشروع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب بتشكيله المار وتحقيقا لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة. وحيث إن المحكمة تخلص من جماع ما تقدم – وفي ظل أحكام القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 – إلى أن مخاصمة رئيس مجلس تأديب القضاة وأعضائه غير جائزة ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها، وبالتالي فإن اختصام وزير العدل بصفته في أساسه يكون منتفيا.
9- لا يجدي المدعي الدفع المثار منه بعدم دستورية المادة "98" من قانون السلطة القضائية بحسبان أن هذا الدفع غير قائم على سند من الجد إزاء عدم بيان أوجه تعارض هذه المادة مع النصوص الدستورية المدعي بمخالفتها ومن ثم تلتفت عنه المحكمة.
10- المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضي بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ما ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعي عليهم، مما لا موجب معه الحكم على المدعي بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من سائر أوراقها - تتحصل في أن المدعي أقامها بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض بتاريخ 19/6/2006 للحكم ببطلان الحكم الصادر في دعوى التأديب رقم ..... لسنة 2006 وإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يؤدوا له مبلغ ألف جنيه تعويضاً رمزياً مع حفظ حقه في التعويض الكامل، وقال بياناً لدعواه إنه أحيل وآخر إلى مجلس التأديب في الدعوى المشار إليها إزاء ما نسب إليهما من اقترافهما جريمة القذف بطريق النشر في حق أحد المستشارين إبان رئاسته إحدى لجان دوائر انتخابات مجلس الشعب، وبتاريخ 18/5/2006 حكم المجلس بتوقيع عقوبة اللوم عليه، وإذ وقع المدعى عليهم الأربعة الأول حال نظرهم دعوى التأديب في خطأ مهني جسيم تمثل في استمرارهم في نظر الدعوى والفصل فيها رغم تقديمه طلباً بردهم عن نظرها وفصلهم في هذا الطلب حال أنه كان معروضاً على دائرة أخرى، واستنادهم في رفض طلب تأجيل نظر الدعوى لعذر مرضي آلم به إلى قول محرف لم يصدر عنه، وتأويلهم للأحكام القضائية وخروجهم عند الاستهداء بها عن مدلولها الظاهر، ومعاقبته عن تهمة الإساءة إلى الهيئة القضائية رغم خروجها عن نطاق الدعوى، وكان قد لحقه من جراء إجراءات الدعوى والحكم الصادر فيها ضرر مادي وأدبي فقد أقام الدعوى أمام محكمة النقض وأيضاً وعلى سبيل الاحتياط أقامها أمام محكمة استئناف القاهرة، وشفع دعواه بثلاث حوافظ مستندات طويت إحداها على صورة رسمية من محاضر جلسات دعوى التأديب والحكم الصادر فيها. قدمت النيابة مذكرة ضمنتها دفعاً بعدم جواز مخاصمة رئيس وأعضاء مجلس التأديب وأبدت الرأي فيها بعدم جواز المخاصمة. عرضت الدعوى على المحكمة فحددت جلسة لنظرها في غرفة مشورة، وفيها طلب الحاضر عن المدعي ضم أصول محاضر جلسات دعوى التأديب وتصحيح شكل الدعوى بإدخال باقي أعضاء الدائرة التي أصدرت حكم التأديب خصوماً فيها، كما دفع بعدم دستورية المادة 98 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 لمخالفتها للمواد 65، 67، 68 من الدستور، وصمم على طلباته الواردة بصحيفة الدعوى، وقدم المدعى عليه الثاني مذكرة اتبعها بأخرى طلب فيهما عدم قبول الدعوى، كما قدم محامي الدولة نائباً عن المدعى عليه الخامس – وزير العدل بصفته – مذكرة طلب في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة له، والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مؤدي نص المادتين 495، 496 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفصل في دعوى المخاصمة وهي في مرحلتها الأولى – مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها – لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه، وأنه لا يجوز للمخاصم في هذه المرحلة تقديم أوراق ومستندات غير التي أودعت مع التقرير، ومن ثم فإن المحكمة لا تجيب المدعي إلى طلبه ضم أصول محاضر جلسات دعوى التأديب، وإذ كان تصحيح شكل الدعوى لا يحتاج إلى إذن من المحكمة، وكانت الأوراق قد خلت مما يفيد اختصام المدعي لباقي أعضاء الدائرة التي أصدرت حكم التأديب محل المخاصمة بما لا مجال معه للمحكمة التعرض لما أثاره المدعي في هذا الخصوص وبحث مدى جوازه من عدمه على ضوء ما سلف بيانه.
وحيث إن مبنى الدفع المبدي من النيابة بعدم جواز مخاصمة رئيس وأعضاء مجلس التأديب أن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 الذي يحكم واقعة الدعوى وينظم تأديب القضاة بجميع درجاتهم قد خلت أحكامه من نص يجيز مخاصمتهم، وأن دعوى المخاصمة من نوع خاص والأحكام الصادرة من مجلس تأديب القضاة تصدر أيضاً من هيئة مشكلة تشكيلاً خاصاً مما لا مجال معه لإعمال أحكام المخاصمة الواردة في قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع سديد، ذلك أن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناءً من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقاً خاصاً لهذه المساءلة وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاضي في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
وحيث إنه يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر، وإذ أجازت المادة 494 من قانون المرافعات مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" في مقصود هذه المادة وحملاً على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة إنما تنصرف - بالنسبة إلى قضاة المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف، والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.
وحيث إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 – الذي يحكم واقعة الدعوى - قبل تعديله بالقانون رقم 142 لسنة 2006 المعمول به اعتباراً من أول أكتوبر 2006 - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبياً، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض مما مفاده أن المشرع أوكل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدميتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهماً للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدي العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل تخرص أو شبهة تنال منها مما يجعل المجلس – على ضوء هذه الحقائق – الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.
وحيث إن المادة (99) من قانون السلطة القضائية المشار إليها سلفاً أوضحت طريقة رفع الدعوى التأديبية فنصت على أن تقام من النائب العام بناءً على طلب وزير العدل بعد تحقيق جنائي أو تحقيق إداري يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة إلى المستشارين، أو مستشار من إدارة التفتيش القضائي بالنسبة إلى الرؤساء بالمحاكم الابتدائية وقضاتها، كما أوجبت المادة (100) منه أن تشتمل عريضة الدعوى التأديبية على التهمة والأدلة المؤيدة لها، وأجازت المادة (101) لمجلس التأديب أن يجري ما يراه لازماً من التحقيقات أو يندب أحد أعضائه لذلك، وحددت المادة (102) إجراءات المحاكمة بحيث إذا رأى المجلس محلاً للسير فيها عن جميع التهم أو بعضها كلف القاضي بالحضور بميعاد أسبوع على الأقل على أن يشتمل التكليف بالحضور على بيان كاف لموضوع الدعوى وأدلة الاتهام، كما نصت المادة (106) على الحكم في الدعوى بعد سماع طلبات النيابة ودفاع القاضي المرفوعة عليه الدعوى وأتاحت له الحضور بشخصه أو أن ينيب للدفاع عنه أحد رجال القضاء من غير مستشاري محكمة النقض، ثم أوجبت المادة (107) أن يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية مشتملاً على الأسباب التي بُني عليها وأن تتلى هذه الأسباب عند النطق به في جلسة سرية.
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة مجتمعة أن المشرع ناط بمجلس التأديب ولاية نظر دعوى تأديب القضاة، وجعل زمامها بيديه ومآل الأمر فيها إليه، وذلك في إطار ما رسمه لهذه الدعوى من قواعد إجرائية وما كفله للقاضي من ضمانات أساسية، وصولاً إلى القول الفصل فيها – باعتباره هيئة قضائية – بإصدار حكم ببراءته أو بعقابه بالجزاء الذي يراه – اللوم أو العزل – وفقاً لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة إليه وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية إذ أفرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله الذي توخى فيه الجمع – فضلاً عن رئيس محكمة النقض – بين أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض وذلك خلافاً للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.
وحيث إن المشرع – وفي الإطار السالف بيانه – إذ ارتأى إخضاع أعضاء المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية إذ جاء خلواً من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشرع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب بتشكيله المار وتحقيقاً لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة.
وحيث إن المحكمة تخلص من جماع ما تقدم – وفي ظل أحكام القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 – إلى أن مخاصمة رئيس مجلس تأديب القضاة وأعضائه غير جائزة، ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها، وبالتالي فإن اختصام وزير العدل بصفته في أساسه يكون منتفياً، ولا يجدي المدعي – من بعد – الدفع المثار منه بعدم دستورية المادة (98) من قانون السلطة القضائية آنف البيان بحسبان أن هذا الدفع غير قائم على سند من الجد إزاء عدم بيان أوجه تعارض هذه المادة مع النصوص الدستورية المدعي بمخالفتها، ومن ثم تلتفت عنه المحكمة.
وحيث أن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضي بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ما ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعى عليهم، مما لا موجب معه الحكم علي المدعي بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.