الجريدة الرسمية - العدد 50 مكرر(هـ) - السنة الثامنة والخمسون
5 ربيع الأول سنة 1437هـ، الموافق 16 ديسمبر سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من ديسمبر سنة 2015م، الموافق الثالث والعشرين من صفر سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 26 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ عطية أحمد عبد العال عبده.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد رئيس مجلس الشعب
4 - السيد رئيس مجلس الشورى
5 - السيد المستشار وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقاري
6 - السيد/ محمود أحمد عبد العال عبده
7 - السيد/ فتحى أحمد عبد العال عبده
8 - السيد/ عبد العزيز أحمد عبد العال عبده
9 - السيد/ إكرام أحمد عبد العال عبده
10 - السيد/ محمد أحمد عبد العال عبده
11 - السيدة/ سامية أحمد عبد العال عبده
12 - السيدة/ ماجدة أحمد عبد العال عبده


الإجراءات

بتاريخ الثامن والعشرين من يناير سنة 2004، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (917) من القانون المدنى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن الميراث الشرعى للمرحومة أمينة عبد العزيز عجوة، قد انحصر بعد وفاتها فى المدعى، وأشقائه وشقيقاته المدعى عليهم، من السادس وحتى الثانية عشرة، وكانت قد تصرفت قبل وفاتها فى العقارين رقمى (2) تنظيم الزنبق، و(109) تنظيم شارع راغب باشا بالإسكندرية، بالبيع للمدعى، والمدعى عليهم من السابع وحتى الثانية عشرة، وذلك بموجب عقدين مسجلين، الأول برقم (260) لسنة 1988 توثيق الإسكندرية، خاص بالعقار الأول، والثانى برقم (266) لسنة 1980 توثيق الإسكندرية؛ ويتعلق بالعقار الأخير. وإذ قدر المدعى عليه السادس أن التصرف الذى طواه هذان العقدان قصد منه حرمانه من نصيبه الشرعى فى الميراث، مما يحيله فى حقيقة الأمر إلى وصية لا تنفذ إلا فى حدود الثلث على نحو ما نصت عليه المادة (917) من القانون المدنى؛ فقد أقام الدعوى رقم 1976 لسنة 2001 مدنى كلى، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية (الدائرة السادسة عشرة)، ضد باقى الورثة، والمدعى عليه الخامس، طالبًا الحكم بإبطال هذين العقدين فيما زاد على الثلث، وإلزام المدعى عليه الخامس بمحو ما تم بشأنهما من تسجيلات. وبجلسة 30/ 7/ 2003، قررت المحكمة إحالة الدعوى للتحقيق، ليثبت المدعى عليه السادس بكافة طرق الإثبات صورية هذين العقدين، وأنهما يبطنان وصية مضافة إلى ما بعد الموت، وأن الثمن الوارد بهما لا يتناسب مع الحقيقة، وقُصد منه التحايل على قواعد الإرث، لحرمانه من نصيبه الشرعى؛ ولينفى المدعى، والمدعى عليهم من السابع وحتى الأخيرة، بكافة الطرق، ادعاء الصورية، وأن العقدين حقيقيان. وبجلسة 16/ 12/ 2003، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (917) من القانون المدنى. إذ قدّرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن نص المدة (917) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، والمطعون بعدم دستوريته، قد جرى على أنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته، واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التى تصرف فيها، وبحقه فى الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافًا إليه ما بعد الموت، وتسرى عليه أحكام الوصية، ما لم يقم دليل يخالف ذلك".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم فى الدعوى الدستورية مؤثرًا فى الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول مدى صحة تصرف مورثة المدعى - حال حياتها - ببيع العقارين المملوكين لها لبعض الورثة، وما إذا كان تصرفها هذا يستر وصية لا تجوز إلا فى حدود الثلث. ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية النص المطعون فيه يكون له أثره على الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، الأمر الذى تتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على ما تضمنه هذا النص من أحكام، وبه يتحدد نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعى ينهى على النص المطعون فيه أنه يجرد بعض الورثة/ من ملك انتقل إليهم بالتسجيل، وينزع ملكهم عنهم جبرًا، ويحدث تفرقة فيما بين المتصرف إليهم بحسب ما إذا كانوا من الورثة أو غيرهم؛ إذ يحمى أوضاع الأخيرين، ويعترف بصحة التصرف الصادر إليهم على إطلاقه دون التصرف الصادر إلى الورثة، مخلاً بذلك بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين هاتين الطائفتين؛ كما أنه قد خلع عن البيع طبيعته الرضائية، وأهدر قيمته، وأحل النزاع والبغض والضغائن، محل الوئام، والترابط، والتعاون فيما بين الورثة، وداخل المجتمع، مما يجعله مخالفًا لأحكام المواد (2، 7، 8، 32، 34, 40) من دستور سنة 1971، وذلك لخروجه على أحكام الشريعة الإسلامية، وإهداره لجملة مبادئ دستورية، تتصل بحماية حق الملكية الخاصة، وقيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى، وتكافؤ الفرص، والمساواة أمام القانون.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صوت الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية؛ وهى أحكام ليس فيها ما يخالف ما أورده المدعى بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه فى الدستور الصادر سنة 1971. فالمادة (2) الخاصة بالشريعة الإسلامية، والمادتان (7) و(8) فى شأن التضامن الاجتماعى، وتكافؤ الفرص، والمادتان (32) و(34) المتعلقتان بحماية الملكية الخاصة، والمادة (40) المقررة لمبدأ المساواة، والواردة جميعها فى دستور سنة 1971، رددتها أحكام المواد (2) و(8) و(9) (33) و(35) و(53) من الدستور القائم.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة نص المادة (917) من القانون المدنى المطعون عليها للمادة الثانية من دستور سنة 1971، المقابلة للمادة الثانية من الدستور القائم، مردود بأن حكم المادة الثانية من دستور سنة 1971، بعد تعديلها فى 22 مايو سنة 1980 والذى رددته الدساتير المتعاقبة حتى الدستور الصادر عام 2014، يدل على أن الدستور - واعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تُقره من نصوص تشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن تُرد إليه هذه النصوص. وكان من المقرر أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا فى وجوده على هذه النصوص ذاتها، إذ إن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التى أقامها الدستور من معايير قياس الشريعة الدستورية، تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بتلك المبادئ صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور التى تقاس على مقتضاه. ولما كان هذا القيد هو مناط الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لأحكامه. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد صدر قبل نفاذ التعديل الذى أُدخل على المادة الثانية من الدستور فى 22 من مايو سنة 1980، ولم يُدخل المشرع عليه أى تعديل بعد هذا التاريخ، فإن الادعاء بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور يكون فى غير محله.
وحيث إنه بالرغم مما تقدم، وكانت المادة (35) من الدستور القائم تنص على كفالة حق الإرث، وكانت الشريعة الإسلامية تعد المرجع الوحيد لأحكام المواريث والوصية باعتبار أنها هى التى تعين الورثة وتحدد أنصبتهم، وتبين قواعد انتقال أموال التركة إليهم، مما مؤداه أن الشريعة الإسلامية تعتبر مرجعًا نهائيًا فى كل ما يتصل بقواعد التوريث والوصية، ومن بينها ما إذا كان الشخص يعتبر وارثًا أم غير وارث، ونطاق الحقوق المالية التى يجوز توزيعها بين الورثة، ونصيب كل منهم فيها، إذ يقوم الورثة مقام مورثهم فى هذه الحقوق، ويحلون محله فى مجموعها، و بمراعاة أن توزيعها شرعًا لا يجعلها لواحد من بينهم يستأثر بها دون سواه، ولا يخول مورثهم سلطة عليها فيما يجاوز ثلثها ليوفر بثلثيها حماية للأقربين، وليكون مال الأسرة بين آحادها بما يوثق العلائق بينهم ولا يوهنها. وتلك حدود الله تعالى التى حتم التقيد بها، فلا يتعداها أحد بمجاوزتها. وفى ذلك يقول تعال حملاً على إعمال قواعد المواريث وفقًا لمضمونها: "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم".
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن تدخل المشروع بالتنظيم لضبط أوضاع الميراث والوصية، كسبب من أسباب كسب الملكية, يتعين أن يتفق والأحكام قطعية الثبوت والدلالة, فى القرآن الكريم والسنة المشرفة، والأصول الكلية المعتبرة، وبما يضمن حفظ الحقوق لمستحقيها الشرعيين، وعدم حرمان الورثة من أنصبتهم الشرعية.
وحيث إن المشرع استهدف بنص المادة (917) من القانون المدنى المطعون فيها حماية أنصبة الورثة الشرعيين من شبهة التلاعب الذى من أنه المساس بها؛ فأقام قرينة قانونية مفادها أنه إذا تصرف المورث فى العين لأحد ورثته، مع احتفاظه بحيازتها وحق الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر تصرفه هذا تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وتسرى عليه أحكام الوصية - وهو ما لا يجوز إلا فى حدود الثلث - نزولاً على الحديث الشريف الذى أجاز الوصية فى حدود ثلث التركة بقوله صلى الله عليه وسلم: (الثُلث والثُلث كثير) وذلك ما لم يقم دليل على خلاف ذلك. وقد تبنى المشرع هذا الاتجاه تحرّزًا من إمكانية التحايل على أحكام المواريث، وتجنبًا لاستخدام الوسائل المختلفة فى التعاقدات على نحو يؤدى إلى حرمان بعض الورثة المستحقين من أنصبتهم الشرعية، أو خص بعضهم بأكثر مما يستحقونه شرعًا. والمشرع فى ذلك، وإن توخى حماية الورثة، والحفاظ على ميراثهم الشرعى، فإنه لم يهدر فى الوقت ذاته إرادة المورث المتصرف، ولا حقوق الورثة المستفيدين من تصرفه قبل الموت، ذلك أن القرينة التى أقامها النص المطعون فيه هى محض قرينة قانونية بسيطة، يملك الأفراد المعنيون إثبات عكسها بمختلف طرق الإثبات. فإذا ثبت أن التصرف صحيح فلا مناص من اعتماده، أما إذا كان صوريًا، فإن سريانه لا يكون إلا فى حدود الثلث المسموح بالإيصاء به شرعًا، وباعتبار أن صوريته تحيله إلى وصية تخضع لما يسرى على الوصايا من أحكام شرعى. ومن ثم يكون المشرع قد أجاز التصرف بالقدر الذى لا يتعارض فيه مع أحكام الميراث والوصية المعتبر شرعًا، بما ليس فيه مساس بالملكية الخاصة، وإنما حفاظًا على حقوق الورثة ورعاية لهم. ذلك أن كفالة الدستور لحق الإرث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تعنى أن حق الورثة الشرعيين فى تركة مورثهم يجب أن يؤول إلى أصحابه كل بحسب نصيبه دون نقصان، كما تعنى فى الوقت ذاته أن مورثهم لا يملك أن يخص واحدًا من بينهم بنصيب فيها يجوز به على حق غيره فى التركة عينها، إلا إذا كان ذلك فى القدر الذى تجوز فيه الوصية للوارث، فإن خالف المورث ذلك، عُدَّ مسلكه هذا عدوانًا على الملكية الخاصة لكل وارث فى نصيبه المحدد فى تركة مورثة، الأمر الذى يُخالف نص المادة (35) من الدستور التى كفلت حق الإرث، كأحد أسباب كسب الملكية.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها، وحذوا بما استقام عليه نهج الأمم المتحضرة، قد حرصت على صوت الملكية الخاصة، وأكدت على حمايتها كواحدة من أهم المقومات الأساسية التى لا ينهض المجتمع سويًا بغير كفالتها، فقد نصت المادة (35) من الدستور القائم، والتى تقابل المادة (34) من دستور سنة 1971، على أن "الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا للقانون". وتمتد الحماية الدستورية لتشمل الحق فى الملكية فى ذاته، وبغض النظر عن وسيلة اكتسابه سواء أكانت العقد أم الإرث أم غير ذلك من الأسباب المعتبرة قانونًا لاكتسابها، تقديرًا لأهمية هذا الحق بالنسبة لأصحابه، وبمراعاة ما عساه أن يكون له من وظيفة اجتماعية. وإذ كان النص المطعون فيه لم يقيد المالك المتصرف، حال حياته، من التصرف فى ملكه، وإنما وضع من الضوابط ما من شأنه عدم التلاعب بأنصبة الورثة، التزامًا بقواعد الشرع الحنيف، ومن ثم، فإن النعى بمخالفته للحماية المقررة للملكية الخاصة يغدو لغوًا، خاصة أن الأصل فى مبادئ الشريعة الإسلامية، والأسس التى تقوم عليها، أن الأموال جميعها مضافة إلى الله تعالى، فهو الذى خلقها وإليه تعود، وقد عهد إلى عباده عمارة الأرض، وهم مسئولون عما فى أيديهم من الأموال، بما فى ذلك ما آل إليهم بطريق الميراث أو الوصية، باعتبارهم مستخلفين فيها، لقوله سبحانه وتعالى "وأنفقوا مما جعلكم مُسْتَخْلَفين فيه".
وحيث إنه لا مجال كذلك للنعى على النص المطعون فيه بالخروج على مبدأ المساواة أمام القانون الذى كفلته المادة (40) من دستور سنة 1971، المقابلة للمادة (53) من الدستور القائم، بدعوى تمييزه فى المعاملة فيما بين الورثة المتصرف إليهم، وغيرهم من المتصرف إليهم من غير الورثة، ذلك أن ما أقامه ذلك النص لا يعدو أن يكون قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس بمختلف طرق الإثبات، وعلى ما سبق بيانه، ويملك كل ذى شأن أو مصلحة دحضها عند اللزوم تحت رقابة القضاء، حرصًا على عدم المساس بأحكام المواريث، وعدم حرمان وارث مستحق من حق قرره الشرع الحنيف له، وبذلك، فإن التنظيم الذى تبناه المشرع فى هذا الشأن تغيًا به تحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة عامة لها اعتبارها، يقوم عليها هذا التنظيم، حيث اتخذ المشرع من القواعد القانونية التى أقرها مدخلاً له، فاتصل التنظيم الذى أقامه بأهدافه، بما ليس فيه تمييز بين الخاضعين لأحكامه، ولا إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون الذى كفله الدستور.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص المطعون فيه للأحكام المادتين (7 و9) من دستور سنة 1971، المقابلتين للمادتين (8 و10) من الدستور القائم؛ فمردود ذلك أن الأحكام التى انتظمها هذا النص من شأنها الحيلولة دون أشكال التحايل المختلفة التى قد تناول من أحكام المواريث، إعلاءً لقدسية الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة التى نظمت أوضاع الإرث، والتى يؤدى صحيح إعمالها بالضرورة إلى الحفاظ على تماسك الأسرة، ونبذ الخلافات فيما بين أعضائها، على النحو الذى يحقق فى نهاية المطاف صالح المجتمع فى مجموعه، فيسود الوئام والوفاق بين أفراده، وتنتفى معه قالة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ تكافؤ الفرص، فمردود بأن الفرص التى يستنهضها هذا المبدأ، هى تلك التى تتعهد الدولة بتقديمها، ويفترض ذلك بالضرورة أن تكون هذه الفرص محدودة عددًا، وأن من يطلبونها يتزاحمون فيما بينهم للنفاذ إليها، وأن ترتيبهم على ضوء أجدرهم بالحصول عليها، يقتضى تحديد شروطها الموضوعية وفق ضوابط يمليها التبصر والاعتدال؛ وإذ كانت أحكام النص المطعون فيه لا تتصل بفرص يجرى التزاحم عليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص لا يكون لها من سند.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يناقض حكمًا آخر فى الدستور، فإن الطعن عليه يكون حريًا بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة