الجريدة الرسمية - العدد 50 مكرر(هـ) - السنة الثامنة والخمسون
5 ربيع الأول سنة 1437هـ، الموافق 16 ديسمبر سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من ديسمبر سنة 2015م، الموافق الثالث والعشرين من صفر سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 14 لسنة 30 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ أحمد إبراهيم على الديب.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء
3 - السيدة/ إيمان محمد إبراهيم طلبة


الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من يناير سنة 2008، أودع المدعى صحيفة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (22) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدمت المدعى عليها الثالثة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى واحتياطيًا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى عليها الثالثة كانت قد أقامت ضد المدعى الدعوى رقم 261 لسنة 2007 أمام محكمة قسم أول طنطا لشئون الأسرة طالبة القضاء لها بفرض نفقة متعة، مع أمره بالأداء وذلك على سند من أنها كانت زوجة له بصحيح العقد الشرعى، وأنه طلقها غيابيًا بتاريخ 19/ 12/ 2006، وأعلنت به بتاريخ 21/ 12/ 2006، وإذ تدوولت تلك الدعوى أمام المحكمة فاستحلفتها على أنها رأت دم الحيض ثلاث مرات متتاليات من تاريخ الطلاق فحلفت، وقررت أن المدعى لم يراجعها خلال فترة العدة بعد وقوع الطلاق، وبجلسة 2/ 10/ 2007، قرر المدعى أن الطلاق وقع فى 18/ 12/ 2006 - طلقة أولى رجعية - وأنه قد راجع المدعى عليها الثالثة بتاريخ 5 يناير سنة 2007، قبل انقضاء عدتها، إلا أنها غادرت مسكن الزوجية بعد يومين من مراجعتها وأنه لم يعلنها بالمراجعة، فقررت تلك المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 25/ 12/ 2007، مع التصريح بمذكرات فقدم المدعى خلال الأجل المحدد مذكرة بدفاعه دفع فيها بعدم دستورية نص المادة (22) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية، فقررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 15/ 1/ 2008 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية, فأقام المدعى الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (22) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية تنص على أن: "مع عدم الإخلال بحق الزوجة فى إثبات مراجعة مطلقها لها بكافة طرق الإثبات، لا يقبل عند الإنكار ادعاء الزوج مراجعته مطلقته ما لم يعلنها بهذه المراجعة بورثة رسمية قبل انقضاء ستين يومًا لمن تحيض، وتسعين يومًا لم عدتها بالأشهر من تاريخ توثيق طلاقه لها، وذلك ما لم تكن حاملاً أو تقر بعدم انقضاء عدتها حتى إعلانها بالمراجعة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية المطرحة لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطرحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك وكان النزاع الموضوعى يتعلق بطلب المدعية فيها القضاء لها بنفقة متعة على سند من أنها قد طُلقت على غير رغبتها وبغير سبب من جانبها، الأمر الذى واجهه المدعى عليها - المدعى فى الدعوى الدستورية - بأن المدعية ما زالت زوجته؛ إذ راجعها بعد الطلاق الرجعى وقبل انقضاء عدتها دون أن يُعلنها بهذه المراجعة، وهو ما أنكرته المدعية، وكان النص المطعون عليه قد اشترط - حال إنكار المطلقة علمها بالمراجعة - أن يتم إعلانها بها بورقة رسمية قبل انقضاء مدة العدة، ومن ثم فإن الفصل فى النزاع المعروض على محكمة الموضوع يتوقف على الفصل فى دستورية ما نصت عليه المادة (22) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية من أن "لا يقبل عند الإنكار ادعاء الزوج مراجعته مطلقته ما لم يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء ستين يومًا لمن تحيض" وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة ولا يمتد على غير ذلك من الأحكام التى تضمنها ذلك النص.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم - إخلاله بالحق فى المساواة فى الإثبات بين المُراجع والمُراجعة، إذ أقر حق الزوجة فى إثبات مراجعة المطلق لها بكافة طرق الإثبات، حال أنه قصر حقه فى إثبات المراجعة - حال إنكار الزوجة علمها بها - على اتباعه وسيلة وحيدة، هى إعلانها بورقة رسمية خلال مدة العدة بحسب حال كل مطلقة، بحيث لا تنتج المراجعة أثرها إلا إذا تم الإعلان لها خلال هذه المدة، وهو حكم يخالف فى تقديره نص الآية رقم (228) من سورة البقرة فى قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحًا) التى وردت مُطلقة من غير تقييد بوسيلة محددة لإعلام الزوجة، الأمر الذى يتفق مع اجتهاد المذهب الحنفى الذى أباح المراجعة الصريحة والضمنية، ويخالف نصى المادتين (2، 40) من دستور سنة 1971
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها النظام العام فى المجتمع، بحسبانها أسمى القواعد الآمرة التى تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه فى ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور الصادر عام 1971 - منذ تعديلها فى 22 من مايو سنة 1980 والذى رددته الدساتير المتعاقبة حتى دستور سنة 2014 - يدل على أن الدستور - واعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة - مصدرًا وتأويلاً - والتى يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد فى الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية - النقلية منها والعقلية - حقًا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا لولى الأمر ينظر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا فى إطار الصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهمًا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقًا على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان واجبًا كذلك ألا يشرع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى فى سورة المائدة - الآية (6): (ما يُريد الله ليجعل عليهم من حرج). لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد صدر بعد تعديل الدستور فى 22 مايو سنة 1980، ومن ثم فإن المحكمة تعمل فيه رقابتها إعمالاً لنص المادة (2) من الدستور الصادر سنة 2014
وحيث إن الطلاق شُرّع رحمة من الله بعباده، وجعل أمره بيد الرجل باعتباره أقدر على تحكيم العقل وتبصر العاقبة؛ وكان الطلاق من فرق النكاح التى ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحًا كان أن كنائيًا؛ وكان غالبًا ما يقع إذا ما غاب وازع الدين والخلق، وصار بنيان الأسرة متهادمًا، وصرحها متداعيًا، ورباطها متآكلاً يكاد أن يندثر؛ وكان وقوع شقاق استفحل أمره بين الزوجين انحرافًا من أحدهما أو كليهما عن مقاصد الزواج، يقيم بينهما جفوة فى المعاملة لا يكون العدل والإحسان قوامها، بل يزكيها التناحر، فلا يكون حياتهما إلا سعيرًا يمتد أواره إلى الأسرة جميعها، فلا يؤول أمرها إلا هشيمًا، ولا يكون إلفها ووفاقها إلا حسيرًا؛ وكان خلافهما وإن صار عميقًا، ونزاعهما مستحكمًا، لا يحول دون جهد يبذل من جانبهما، ليقيما بينهما حدود الله تعالى.
لما كان ذلك، كان أصل شرعة الرجعة قول الله تعالى فى صورة الطلاق الآية (1) (يا أيها النبى إذا طلقتهم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تُخرجوهن من بُيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مُبينة وتلك حُدود الله ومن يَتعد حُدود الله فقد ظَلم نفسه لا تَدرى لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا).
والآية (2) (فإذا بَلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروفٍ أو فارقوهن بمعروفٍ وأشهِدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادةَ لله ذلكم يُوعظُ به من كان يُؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ ومَن يتق اللهَ يجعل له مخرجًا).
وقولة تعالى فى الآية (228) من سورة البقرة (وبُعولتهن أحقُّ بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحًا).
وكان مفاد ما تقدم أنه يتعين وجوبًا على المطلق طلاقًا رجعيًا إبقاء إقامة مطلقته فى بيت الزوجية حتى انتهاء العدة، وهو التزام يقع على المطلقة كذلك، أنزاله الله تعالى منزلة حدوده التى يُعَدُّ من تَجاوزها قد ظلم نفسه، وقد كشف الله - جل وعلا - حكمته فى ذلك وهى احتمال مراجعة المطلق نفسه وإعادة الزوجية مرة أخرى، الأمر الذى يدل على أن الأصل هو أن تكون المراجعة فى مواجهة المطلقة وبعلمها، وقد يسَّر الشارع العلى ذلك خلال مدة العدة بأن جعل المراجعة من قبل المطلق بإرادته المنفردة دون اشتراط موافقة المطلقة ولا وليّها؛ مراعاة لأن الطلاق وقع من طرفه دون رضاها، ويكون ذلك دون مهر جديد رغم اعتبار الطلاق الرجعى فى احتساب عدد الطلقات. وقد اختلف فقاء الشريعة الإسلامية انطلاقًا من هذه الأحكام فى تكييف الرجعة فذهب الأحناف ومن وافقهم لاعتبار المراجعة استدامة لعقد الزواج الذى لم ينقطع بالطلاق الرجعى ورتبوا على ذلك جواز المراجعة الصريحة أو الضمنية على تقدير استمرار الزوجية أثناء الطلاق الرجعى حكمًا، بينما ذهب الشافعى فى القديم، والإمام أحمد فى أحد قوليه، والظاهرية، ومعه الشيعة الاثنى عشرية إلا اعتبار المراجعة أثناء العدة بمثابة إعادة الزوجية التى انفصمت بالطلاق الرجعى، وهى لذلك تشترط الإشهاد بحسبانه عقدًا جديدًا وإن كان له أحكامه الخاصة. وقد زاد الظاهرية على ذلك وجوب إعلام المطلق مطلقته بالرجعة، وهو شرط بديهى عند من يقولون بالرجعة الضمنية إذ التزام المطلقة بالبقاء فى منزل الزوجية واستئناف حياتهما الزوجية يفترض علمها بالرجعة عند من يقولون بذلك. مما مؤداه أن الخلاف قد اتسع لاستيعاب هذه الآراء جميعًا من غير إنكار، بيد أن أهمية إعلام المطلقة بالرجعة حال العدة تكمن فى الحيلولة دون تعدد الأزواج، إذ بانقضاء العدة يحق للمطلقة أن تتزوج بغيره من الرجال عملاً بقول الله تعالى فى سورة البقرة الآية (234): (فإذ بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف) فكان إعلامها بالمراجعة قبل انقضاء مدتها واجبًا لحفظ العرض، بإقامة الدليل فى مواجهتها على عودة الزوجية ورجوعها إلى عصمة مطلقها، وللحيلولة دون تلاعب المطلقين بمدد العدة الشرعية وهى مقررة حقًا لله تعالى وتنزل منزلة النظام العام الإسلامى، بما يحقق مصلحة مشتركة للمطلق والمطلقة كليهما، وللغير حسن النية.
وحيث إن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص يعد من القواعد الشرعية المقررة، وأنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، وأن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة الحقوق من العبث والضياع، وخاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية والطلاق والإقرار بها، وألِفَ الناس هذه القيود واطمأنوا إليها بعد أن تبين ما لها من عظيم الأثر فى صيانة حقوق الأسرة. وقد دلت الحوادث على أن عقد الزواج - وهو أساس رابطة الأسرة - فى حاجة إلى الصيانة والاحتياط فى أمره، لما له من شرف وقدسية تحمل على ضرورة حمايته من الجحود والإنكار، والبعد به عن المفاسد، وما يترتب على ذلك من ضياع الحقوق أو العبث بها.
لما كان ذلك، وكان النص المطعون عليه قد واجه احتيال بعض المطلقين طلاقًا رجعيًا على مطلقاتهن بادعاء المراجعة قبل انقضاء العدة، وعدم إخبار المطلقة بها إلا بعد انقضاء العدة الشرعية لها للتحايل على أحكام العدة، أو استهانة بحق المطلقة فى العلم بالمراجعة قبل صيرورة الطلاق بائنًا، فأوجب على المطلق أن يعلن مطلقته بهذه المراجعة بورثة رسمية قبل انقضاء عدتها لتفادى إنكارها العمل بهذه المراجعة من ناحية وحماية لحقوقها الشرعية من جهة أخرى، وبذلك يكون هذا النص قد تحوط لمصلحة جديرة بالحماية وقصد على درء مفاسد ومضار أكبر، وقد وقع اجتهاده فى دائرة الأحكام غير قطعية الدلالة التى تحتمل أكثر من اجتهاد، وكان اجتهاده فيها محمولاً على أسس سائغة لها أصول ثابتة فى الشريعة، واتجهت مقاصده من ذلك إلى تحقيق الصالح العام، ومن ثم يكون النص المطعون فيه غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من إخلاله بالحق فى المساواة تأسيسًا على انفتاح وسائل إثبات المراجعة للمطلقة بكافة طرق الإثبات حال استغلاق ذلك أمام المطلق واقتصاره على إعلانها بالورقة الرسمية خلال مدة العدة، مردود بأن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ المساواة، أمام القانون، ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صمّاء تنبذ صور التميّيز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة رده, إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، لا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدوانًا معبرًا عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا. إلا أنه من الجائز أيضًا أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها.
متى كان ذلك وكان الشارع الأعلى قد اختص الزوج - دون الزوجة بحسب الأصل - بِمُكْنَةِ تطليق زوجته بإراداته المنفردة، فيفك بذلك عقدة النكاح دون التزام باللجوء إلى القضاء، كما اختصه - متى كان الطلاق رجعيًا - بِمُكْنَةِ مراجعة مطلقته بإرادته المنفردة كذلك، ودون رضاء منها أو من وليها، ودن مهر جديد، فيعيد وصل ما انقطع، وربط ما انفك من عرى الزوجية متى أعرب عن هذه الإرادة خلال مدة العدة، فإن ذلك يدل على اختلاف المركز القانونى للزوج فى الطلاق والرجعة عن المركز القانونى للزوجة المُطَلَّقة والمراجعة بما يكشف عن استئثار الزوج دون الزوجة بِمُكْنَةِ التصرف بالإرادة المنفردة فى الرابطة الزوجية فَصْمًا لعُراها وإبرامًا لميثاقها، ولا كذلك الزوجة التى لا تمتلك إرادة فَصْم عُرَى الزوجية بإرادتها المنفردة ولا إعادة وَصْلها مرة أخرى. وكان الشارع الأعلى قد أجاز للمطلقة رجعيًا فور انقضاء عدتها أن تزوج نفسها بالمعروف إن شاءت بما يستوجب وقوفها على نحو قاطع قبل انقضاء العدة على إعادة الزوجية، وكان النص المطعون عليه قد أوجب على المطلق الذى يراجع زوجته - حال إنكارها - أن يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء العدة فى المواقيت التى عينها لكل حالة على حدة، حال أنه أجاز للمطلقة إثبات مراجعة المطلق بكافة طرق الإثبات تقديرًا منه أن الطلاق والمراجعة كليهما وقعا بإرادة الزواج وحده، وبفعله استقلالاً، مفرِّقًا فى ذلك بين إرادة إحداث أثر الزواج بالمراجعة، وهو ما يتصل بفعل المراجع، وبين إرادة إثبات الأثر الذى وقع على المراجعة من قِبَلِ الزوج، فإن ذلك يكشف عن اختلاف فى المركز القانونى لطرفى العلاقة الزوجية بما يسوغ المخالفة فى الحكم، ويكون النص المطعون عليه بذلك قد سلم من مظنة انتهاك الحق فى المساواة والحق فى التقاضى.
وحيث إن النص المطعون فيه قد تغيا من إعطاء الزوجة المطلقة الحق فى إثبات مراجعة مطلقها لها بكافة طرق الإثبات وصلاً لعُرى الزوجية، ليتحقق التزامها بمقتضيات إعادة الزوجية، فيمتنع عليها الزواج بآخر بعد انقضاء عدتها، وفى الوقت ذاته يحول دون تجاوز الزوج مدة العدة تحايلاً بادعاء المراجعة قبل انقضائها، فإنه يكون قد تغى تحقيق مصلحة عامة جديرة بالرعاية والحماية، وأتى بتنظيم راعى فيه تباين الحقوق الشرعية للزوج والزوجة مستهدفًا به تحقيق الصالح العام، وحفظ الحق فى العِرض، وسلامة الأسرة، فيكون بذلك قد جمع بين سلامة المقصد وشرعية الوسائل، ويكون التنظيم الذى أتى به النص قد جاء فى حدود السلطة التقديرية للمشرع دون المساس بأى من الحقوق الدستورية المشروعة.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان النص المطعون عليه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور، فإنه يتعين - والحال كذلك - القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة