الجريدة الرسمية - العدد 50 مكرر(هـ) - السنة الثامنة والخمسون
5 ربيع الأول سنة 1437هـ، الموافق 16 ديسمبر سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من ديسمبر سنة 2015م، الموافق الثالث والعشرين من صفر سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمود خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 97 لسنة 32 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيدة/ مريم رؤوف عياد.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد رئيس مجلس الشعب
4 - السيد المستشار وزير العدل.
5 - السادة أعضاء دائرة جنح مستأنف الجيزة.


الإجراءات

بتاريخ الثامن من مايو سنة 2010، أودعت المدعية صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية, طالبةً فى ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (152) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعية وآخرين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 2591 لسنة 2006 أمام محكمة الجيزة الابتدائية، بطلب إخلاء العين المملوكة لهم بالعقار رقم 10 شارع يافع بن زيد بمحافظة الجيزة، لعدم سداد الإيجار وتسليمها إليهم، فقضت المحكمة لهم بطلباتهم فيها، فطعن الممتد إليه عقد الإيجار على هذا الحكم بالاستئناف رقم 32769 لسنة 124 قضائية أمام محكمة استئناف الجيزة، فقضت بإلغاء الحكم المستأنف وانعدامه لعدم انعقاد الخصومة، ثم أقام شقيقه بطريق الادعاء المباشر، ضد المدعية وآخرين، الجنحة رقم 22544 لسنة 2008 أمام محكمة جنح الجيزة، لقيامهم بتبديد المنقولات المملوكة له الموجودة بعين النزاع، فقضت المحكمة بحبس المتهمين، ومنهم المدعية، ستة أشهر، فطعنت على هذا الحكم بالاستئناف رقم 34740 لسنة 2009 أمام محكمة الجنح المستأنفة بالجيزة، وبجلسة 21/ 11/ 2009 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 30/ 1/ 2010، وفيها قضت بقبول الاستئناف شكلاً، ورفضه موضوعًا، وتأييد الحكم المستأنف، وكانت المدعية قد قدمت بتاريخ 21/ 1/ 2010 - بعد إقفال بباب المرافعة - طلبًا إلى رئيس محكمة الجيزة الابتدائية لرد أعضاء الدائرة التى أصدرت الحكم، قُيد برقم 59 لسنة 127 قضائية أمام الدائرة المختصة بنظر طلبات الرد بمحكمة استئناف القاهرة؛ وأسست طلبها على أنه قد ظهرت أسباب قوية لردهم؛ تتحصل فى وجود صلات بين كل من محاميها والمدعى بالحق المدنى من ناحية، وبعض أعضاء تلك الدائرة من ناحية أخرى. وبجلسة 10/ 3/ 2010 دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (152) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (152) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1986 المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 تنص على أن: " لا يُقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، أو ممن سبق له طلب رد نفس القاضى فى ذات الدعوى، ولا يترتب على طلبات الرد فى هاتين الحالتين وقف الدعوى المنصوص عليها فى المادة (162) من هذا القانون.
ويسقط حق الخصم من طلب الرد إذا لم يحصل التقرير به قبل إقفال باب المرافعة فى طلب رد سابق مقدم فى الدعوى أُخطر بالجلسة المحددة لنظره متى كانت أسباب الرد قائمة حتى إقفال باب المرافعة".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مقتضى نص المادة (29/ ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يتحدد نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها؛ بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع مرتبطًا بالطلبات الموضوعية وفى الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته. لما كان ذلك، وكانت المدعية تهدف من دعوى الرد السالف البيان إلى تمكينها من استعمال حقها فى التقاضى وإبداء دفاعها على قدم المساواة مع سائر المتقاضين، وذلك؛ بقبول طلب الرد المقدم منها بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، وأن يترتب على هذا الطلب وقف الدعوى الأصلية إلى أن يُحكم فيه، وكان نص الفقرة الأولى من نص المادة (152) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المستبدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992، فيما تضمنه من أنه لا يُقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، وألا يترتب عليه فى هذه الحالة وقفها، يحول دون القضاء للمدعية بطلباتها فى الدعوى الموضوعية، فإن نطاق الدعوى الماثلة والمصلحة فيها يتحددان فيما تضمنه ذلك النص من أنه لا يقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، وألا يترتب عليه فى هذه الحالة وقفها ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام أخرى تضمنها ذلك النص.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم - مخالفته لنصوص المواد (40) و(68) و(69) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد حرمها من استعمال حقها فى التقاضى وإبداء دفاعها على قدم المساواة مع سائر المتقاضين، بأن أوجب عدم قبول طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، وعدم وقف الدعوى فى هذه الحالة، ومايز بذلك بينها وبين سائل المتقاضين الذين قدموا طلب الرد قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى؛ بالرغم من وحدة طبيعة الدعوى وتكافؤ المراكز القانونية للمتداعين فيها، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة، وإهدارًا لحق التقاضى، وتقييدًا لحق الدفاع.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه؛ إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظم الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظم العامل التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها فى ضوء أحكام الدستور المعدَّل الصادر سنة 2014
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن قانون المرافعات المدنية ولتجارية حرص على تنظيم الحق فى رد القضاة من زاويا متعددة؛ غايتها ألا يكون اللجوء إليه إسرافًا أو نزقًا، بل اعتدالاً وتبصرًا، ومن ذلك أن يقدم طلب الرد قبل تقديم أى دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه، فإذا أقفل باب المرافعة فى الدعوى؛ غدا طلب الرد ممتنعًا، ولا يجوز كذلك أن يُقدم هذا الطلب ممن سبق له طلب رد نفس القاضى فى الدعوى ذاتها، ولا أن يكون متعلقًا بقضاة المحكمة أو مستشاريها جميعًا أو ببعضهم، بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفى للحكم فى الدعوى الأصلية أو طلب الرد، بل إن المشرع - فى إطار هذا الاتجاه - لم يجز الطعن فى الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأصلية. وقد توخى المشرع بذلك لأحوال رد القضاة - وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية - توكيد قاعدة أصولية قوامها أن كل متقاض يجب أن يطمئن لأن قضاء قاضيه لا يصدر إلا عن الحق وحده، دون تأثير من دخائل النفس البشرية فى هواها وتحيزها، وكانت ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها تتعلقان بإدارة العدالة ضمانًا لفعاليتها؛ بما مؤداه بالضرورة تلازمهما فلا ينفصلان، ومن غير المتصور، تبعًا لذلك، أن يكون الدستور نائيًا بالسلطة القضائية عن أن تقوض بنيانها عوامل خارجية تؤثر فى رسالتها، وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددًا بالتواء ينال من حيدة وتجرد رجالها. وإذا جاز القول - وهو صحيح - أن الفصل فى الخصومة القضائية - حقًا وعدلاً - لا يستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر عنها، أيًا كانت طبيعتها، وبغض النظر عن مصدرها أو دوافعها أو أشكالها، فقد صار أمرًا مقضيًا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالهما بالفصل فى الحقوق انتصافًا؛ ترجيحًا لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداها على أخراها أو تجبها، بل يتضاممان تكاملاً، ويتكافآن قدرًا.
وحيث إن الدستور القائم قد حرص فى مادتيه (184) و(186) على النص على أن السلطة القضائية مستقلة، وأن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، فدّل بذلك على حماية استقلال القاضى من ناحية، والحيلولة كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة، ومن ثم تكون حيدة القاضى شرطًا لازمًا دستوريًا لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون، وذلك على أساس أن طبيعة العمل القضائى تستوجب تحصين عمل القاضى بحسب الأصل, وهو حكم عام لا يُراد به إضافة ميزة شخصية للقاضى، بل يُراد به توفير مناخ من الحرية فى عمله ينأى به عن اتخاذ قراره القضائى فى ظل مخافة المساءلة عنه، أو تهيّب سطوة الخصوم ونفوذهم، وقد استعاض عنها المشرع بأن أوجب على القاضى إيداع المبررات التى ارتكن إليها فى أسباب حكمه أو قراره، وهى تخضع للطعن وفقًا للمنهج الذى نظمه المشرع، وأتاح لمن تضرر منها أن يلجأ إلى الطعن على هذا الحكم أو القرار سالكًا هذه السبل؛ إذ لو كان كل قرار يتخذه القاضى فى دعوى منظورة أمامه يعرضه إلى المساءلة عنه، لما جرؤ قاض على الانتصاف لحق مطروح عليه، بل قعد عن ذلك مخافة تعرضه للمساءلة القضائية عنه
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - فى جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كافة تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستوريًا هو ما يكون تحكميًا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يُعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها؛ إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التى يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً.
وحيث إنه من المقرر كذلك - فى قضاء هذه المحكمة - أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته. والحق فى رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد، وثيق الصلة بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (97) من الدستور، ذلك أن مجرد النفاذ إلى القضاء لا يُعتبر كافيًا لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية، بل يتعين دومًا أن يقترن هذا النفاذ بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفًا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة - وفقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهاية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضى ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها، كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضى، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها. ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًا لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعى، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق فى أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه - لثقته فيه - أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائيًا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث إن المشرع قد تغيا من النصوص التى نظم بها رد القضاة - ومن بينها النص المطعون فيه - تحقيق التوازن بين أمرين؛ أولهما: ألا يفصل فى الدعوى - أيًا كان موضوعها - قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالأة أحد أطرافها، والتأثير - تبعًا لذلك - فى حيدتهم, فلا يكون عملهم انصرافًا لتطبيق حكم القانون فى شأنها، بل تحريفًا لمحتواه، ومن ثم أجاز المشرع ردهم وفق أسباب حددها، ليحول دونهم وموالاة نظر الدعوى التى قام سبب ردهم بمناسبتها، وثانيهما: ألا يكون رد القضاة مدخلاً على التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا، أو التهوين من قدرهم عدوانًا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولددًا، وكان ضروريًا، تبعًا لذلك، أن يكفل المشرع - فى إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين وبما يوازن بينهما - تنظيمًا لحق الرد لا يجاوز الحدود التى ينبغى أن يُباشر فى نطاقها، ولا يكون موطئًا إلى تعطيل الفصل فى النزاع الأصلى؛ إذ عمد، بالنص المطعون فيه، إلى وضع حد يمثل نهاية لحق طالب الرد فى خوض خصومة رد القضاة، بما يتيح قدرًا من الاستقرار للخصومة يُمكن القاضى من مباشرة عمله، ويزود عنه مكائد المماطلين، بما يحول دون إطالة أمد التقاضى اعتسافًا؛ فأتاح لطالب الرد إثارة هذه الخصومة، بحسب الأصل، قبل الخوض فى موضوع الدعوى، فإذا جد من الأسباب ما يجيز له الرد، أو تأخر علمه بها بعد التكلم فى الموضوع؛ أجاز له إثارة هذه الخصومة بعد ذلك، وإلى ما قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى الأصلية، مفسحًا بذلك لطالب الرد مجالاً يسمح له بممارسة حقه فى التقاضى على قدم المساواة مع سائر أقرانه من المتقاضين الذين تتكافأ مراكزهم القانونية معه، فإذا أثار طالب الرد تلك الخصومة بعد إقفال باب المرافعة، انتفت قالة الإخلال بالمساواة بينه وبين المتقاضين الذين عجَّلوا بها قبل هذا الحد، تبعًا لاختلاف مركزه القانونى عنه، وكان حتمًا مقضيًا؛ تبعًا لذلك، أن ينظم المشرع حق التقاضى لطالب الرد على النحو السالف البيان، كما أتاح له الطعن فى الحكم الصادر فى طلب الرد مع الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأصلية؛ ما يمثل - فى مجموعه - قاعدة موضوعية تتفق مع الطبيعة الخاصة لدعوى الرد؛ تغيا بها المشرع ألا تكون هذه الدعوى وسيلة للكيد وترويع القضاة لفترة قد تطول مما يتناقض مع الطبيعة الخاصة لهذه الدعوى وما تستلزمه من وجوب سرعة الفصل فيها؛ حتى لا تظل سيفًا مسلطًا على القاضى المطلوب رده فى يد رافع الدعوى إذا ما تراخى، سواء عن عمد أو إهمال، فى إثارة خصومة الرد لزمن قد يطول؛ مما مؤداه اهتزاز الشعور العام بالعدالة بغير مقتض، ومن ثم فإن النص المطعون فيه؛ وإن مايز فى هذا الصدد بين طرفى الخصومة الخاضعين لأحكامه، إلا أن هذا التمييز؛ وقد شُيد على أساس القاعدة الموضوعية السالفة البيان، فإنه ينهض تمييزًا مبررًا غير قائم على أساس تحكمى.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية فى شأن التنظيم الإجرائى للخصومة فى دعوى رد القضاة، بأن أوجب عدم قبول طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى، وعدم وقف الدعوى فى هذه الحالة؛ مشيدًا بذلك للحماية القضائية للمتقاضين فى خصومة الرد نظامًا للتداعى يقوم على أساس نوع المنازعة، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائى للخصومة فى مجمله بالغايات التى استهدفها المشرع من هذا التنظيم، والتى تتمثل فى تحقيق التوازن بين طرفيها - على النحو السالف البيان - عن طريق تنظيم إجراءات طلب الرد، وما يستلزمه ذلك من حسم المنازعة فيها بالسرعة التى تتفق مع الطبيعة الخاصة لها التى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًا فى حسمها، وعاملاً أساسيًا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال - فى الوقت ذاته - بكفالة الضمانات الأساسية لكل من له حق التقاضى وحق الدفاع، ولا بأركانه التى كفلها الدستور، بما يكفل لأى من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعى، متمتعًا بفرص متكافئة فى ممارسة حقه فى الدفاع الذى كفله له الدستور بنص المادة (98) منه، وبما يجعل للخصومة فى هذا النوع من المنازعات حلاً منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع فى المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التى اتبعها المشرع فى تنظيمه لإجراءات التقاضى فى دعوى الرد وفقًا للنص المطعون فيه، على أساس اختلاف المركز القانونى لكل من طرفيها وقصد المشرع إحداث التوازن بينهما على النحو الذى يتفق مع طبيعتها، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، وبالتالى تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو إهدار حق التقاضى أو تقييد حق الدفاع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد (53 و97 و98) من الدستور، كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة