الجريدة الرسمية - العدد 10 (مكرر) - السنة التاسعة والخمسون
5 جمادى الآخرة سنة 1437هـ، الموافق 14 مارس سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة ٢٠١٦م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم ٦ لسنة ٣٤ قضائية " دستورية".

المقامة من

السيد/ أحمد بهاء الدين أحمد الشرباصى.

ضـد

١ - السيد رئيس مجلس الوزراء.
٢ - السيد محافظ أسيوط.
٣ - السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بأسيوط.
٤ - السيد مدير إدارة أسيوط التعليمية.
٥ - السيد مدير مدارس الفرنسيسكان الخاصة بأسيوط.
٦ - السيدة/ إيمان على حسن أحمد.


الإجراءات

بتاريخ الثامن عشر من يناير سنة ٢٠١٢، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٥٤) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة. ١٩٩٦ المستبدلة بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد تزوج بالمدعى عليها السادسة، ورزق منها على فراش الزوجية بالصغيرة "روان" من مواليد ١١/ 4/ ٢٠٠٤، والصغيرة "ريناد" من مواليد ٢١/ 4/ 2004، وانفصلا نتيجة لخلافات زوجية شجرت بينهما، مع احتفاظها بحضانة الصغيرتين، وتقرر لها نفقة زوجية بمبلغ خمسين جنيهًا شهريا، ونفقة للصغيرتين بمبلغ ثمانين جنيهًا شهريا. وإزاء إصرارها على إلحاقهما بمدرسة الفرنسيسكان الخاصة، التى تفوق مصروفاتها مقدرته المالية، فقد وجه إليها إنذارًا على يد محضر، بالتزامه بسداد الرسوم الدراسية المقررة للمدارس الحكومية دون غيرها من رسوم المدارس الخاصة، فلم تستجب، كما حاول سحب ملفى الصغيرتين إلا أن إدارة تلك المدرسة رفضت تسليمه إياهما إلا بموافقة والدتهما الحاضنة لهما، فأقام الدعوى رقم ٨ لسنة ٢٠١٠ أسرة، أمام محكمة بندر أول أسيوط، طلبًا للحكم بنقل ملفى الصغيرتين إلى إحدى المدارس الحكومية، وبجلسة 27/ 11/ 2010، قضت المحكمة برفض الدعوى، على من أن الفقرة الثانية من المادة (٥٤) من قانون الطفل المشار إليه بعد استبدالها بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨، تجعل الولاية التعليمية للحاضن. فطعن المدعى على ذلك الحكم بالاستئناف رقم ٤٣ لسنة ٨٦ ق، أمام محكمة الأسرة باستئناف أسيوط، وحال نظره، دفع بعدم دستورية النص التشريعى المشار إليه، وإذ قدّرت المحكمة جدية ذلك الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المادة (٥٤) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦، تنص فى فقرتها الأولى على أن: "التعليم حق لجميع الأطفال فى مدارس الدولة بالمجان". وتنص فقرتها الثانية المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ على أن: "وتكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى، يرفع أى من ذوى الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضيًا للأمور الوقتية، ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيًا مدى يسار ولى الأمر، وذلك دون المساس بحق الحاضن فى الولاية التعليمية ".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكو ن ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعى تدور حول مدى أحقية الحاضنة فى اختيار دور التعليم لأبنائها، دون من له الولاية على النفس، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٥٤) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦المستبدلة بنص المادة الأولى من القانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ يعد أمرًا لازمًا للفصل فى الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن عليه، ويتحدد نطاق الدعوى الدستورية فيما تضمنه صدر تلك الفقرة من أنه: " وتكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن "، دون سائر ما تضمنه ذلك النص من أحكام أخرى.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم - مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، حال كونها المصدر الرئيسى للتشريع، وذلك على سند من أن المقرر فقهًا وقضاءً أن الحضانة ولاية تربية ورعاية للصغير فى أول مراحل حياته، التى يعجز خلالها عن القيام بشئون نفسه، وعدم إدراكه لما ينفعه وما يضره، فتكون الحاضنة من النساء هى الأصبر عليه والأقدر على القيام بشئونه خلال هذه الفترة. بينما الولاية على النفس وصيانتها، ويدخل فيها الولاية التعليمية، تثبت للولى، فيكون له اختيار دور ونوع التعليم التى تتناسب وقدرات الصغير، وتتناسب أيضًا مصروفاتها ويسار الولى. وإذ انتزع المشرع بموجب النص المطعون فيه، ودون مبرر، الولاية التعليمية من الولى، وأسندها إلى الحاضن، فإنه يكون قد وقع فى حومة مخالفة أحكام المادة الثانية من الدستور.
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التى تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره. وتستهدف هذه الرقابة أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان المطعن الذى وجهه المدعى إلى النص التشريعى المطعون فيه، بمخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، يندرج تحت المطاعن الموضوعية، التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى. ومن ثم، فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص التشريعى المطعون عليه فى ضوء أحكام الدستور الصادر سنة ٢٠١٤، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية، وهى أحكام ليس فيها ما يخالف ما أورده المدعى بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه فى دستور سنة ١٩٧١ والإعلان الدستورى الصادر فى 30/ 2/ ٢٠١١، فالثابت أن نص المادة الثانية فى كليهما من أن " مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع "، هى ذاتها ما ورد النص عليه فى المادة الثانية من الدستور القائم.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من دستور سنة ١٩٧١ - منذ تعديلها فى ٢٢ من مايو سنة ١٩٨٠، والذى رددته الدساتير المتعاقبة حتى دستور سنة ٢٠١٤ - يدل على أن الدستور - واعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد على السلطة التشريعية، يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة - مصدرًا وتأويلاً - والتى يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنيّة غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد فى الأحكام الظنية، وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية - النقلية منها والعقلية - حقَا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا لولى الأمر، ذلك أن الشريعة الإسلامية لا تضفى قدسية على آراء أحد من الفقهاء فى شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها، وإبدال غيرها بها، بمراعاة المصلحة الحقيقية التى لا تناقض المقاصد العليا للشريعة. فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالى اعتبارها شرعًا مقررًا لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهيًا عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى، وإنكارًا لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد. ومن ثم، صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندًا، أكثر ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفًا لأقوال استقر عليها العمل زمنًا. وعلى ذلك، ينظر ولى الأمر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا فى إطار الأصول الكلية للشريعة، لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفرو عها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهمًا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حريًا بولى الأمر، عند الخيار بين أمرين، مراعاة أيسرهما، ما لم يكن إثمًا. وكان واجبًا كذلك ألا يشرع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى فى الآية (٦) من سورة المائدة: " ما يرِيد اللهُ لِيجعلَ عليكُم مّن حرج".
وحيث إن القرآن الكريم والسنة المشرفة قد خليا من نص قطعى الثبوت والدلالة يقرر حكمًا فاصلاً فى شأن من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، وهو ما أكده اختلاف الفقهاء فى هذا الشأن، وكشفت عنه مناقشات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: إذ ارتأى البعض أن تكون الولاية التعليمية للحاضن عند انفصام عرى الزوجية، بينما ذهب رأى ثانٍ إلى أن تلك الولاية تكون للأم الحاضنة حتى بلوغ الصغير سن السابعة، وبعدها تكون الولاية التعليمية للأب باعتباره الولى على النفس، ورأى فريق ثالث أن تكون الولاية التعليمية للأب، إلا إذا تعسف فى استعمال الحق، فتنتقل تلك الولاية للحاضنة. ورأى فريق رابع أنه عند الخلاف على نوعية التعليم، يتم تخيير الصغير لاختيار ما يناسبه. وذهب رأى خامس إلى أن الولاية التعليمية على الصغير تكون للأب، فإن اختلفت معه الأم فى نوع التعليم، فصل القاضى فى هذا الخلاف، مع مراعاة ألا يجبر أحد الوالدين على قبول نوع من التعليم فيه مساس بدين الصغير أو أخلاقه أو يبعد عن مسكن الصغير. وأخيرًا، اتجه فريق سادس إلى أن الولاية التعليمية على الطفل وإن كانت للأب، إلا أنها ليست مطلقة؛ إذ عليه إشراك الأم وجوبًا فى اختيار نوع التعليم والمدرسة التى يريد إلحاق ابنهما بها، فى ضوء ما يحقق مصلحة المحضون، ويفصل القضاء فيما يثور بين الأب والأم من خلاف فى هذا الشأن. وفى ضوء ما تقدم، فقد دل الفقهاء باختلافهم حول مسألة من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، أنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها، لكل وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحقيق نفع ومصلحة الطفل.
متى كان ذلك، وكانت آراء الفقهاء قد تباينت فى شأن من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، فكان على ولى الأمر إعمال حكم العقل فى هذه المسألة، توصلاً لقاعدة عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التى لا تضفى قدسية على آراء أحد الفقهاء فى شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها، بمراعاة المصلحة الحقيقية التى تكفل صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهمًا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها.
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الصغير تثبت له منذ ولادته ثلاث ولايات، أولاها: ولاية التربية (الحضانة)، وثانيتها: الولاية على النفس، وثالثتها: الولاية على المال. وتثبت الولايتان الأخيرتان - كأصل عام - للعصبة من الرجال، والأصل فى الولاية على النفس أنها ولاية إشراف على شئون الصغير، من صيانة وحفظ وتهذيب. أما ولاية التربية - وتعرف بالحضانة - فغايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته التى لا يستغنى فيها عن النساء ممن لهن الحق فى تربيته شرعًا. والأصل فيها ومدار أحكامها مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة إلى جناحها، باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه، وأقدر على صيانته، ولأن انتزاعه منها - وهى أشفق عليه وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبرًا - مضرة به إبان هذه الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره. وتكون الولاية على النفس - ولاية الإشراف - للأب أو لغيره من العصبات، وذلك إلى أن تنتهى مدة الحضانة، فتصير الرعاية الكاملة على الصغير لولى النفس، يهيمن عليها وحده.
وحيث إن المشرع قد تغيا بأحكام النص المطعون فيه - وعلى ما كشفت عنه مناقشات مجلس الشعب - من إسناد الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، مواجهة ضرورة اجتماعية كشف عنها الواقع العملى، وامتلأت بها أضابير النيابات والمحاكم، نتيجة الخلافات التى تثور فى شأن تعليم الأبناء، بين الحاضن والقائم بالولاية على النفس، خاصة بعد انفصام عرى الزوجية، إذ يتعمد بعض ذوى النفوس الضعيفة من الآباء أو غيرهم ممن لهم الولاية على النفس - نكاية فى الحاضنة، أو لإرغامها على التنازل عن بعض أو كل حقوقها أو حقوق الأبناء الشرعية - عدم تقديم طلب لإلحاق الطفل بأى من دور التعليم رغم بلوغه سن التعليم، أو سحب ملفه التعليمى من الدار التى كان يتعلم فيها، وتقديمه إلى أخرى أقل مستوى أو تختلف نوعًا أو تبعد مسافة عن مسكن حضانته، بما قد يضر بمستقبله التعليمى، خاصة إن تم انتزاعه من دار تعليم تتوافق وقدراته ومستواه، ورفاق دراسة ومدرسين تآلف معهم. فكان لزامًا على المشرع التدخل لحماية هذه الفئة من الأطفال، حفاظًا على مستقبلهم التعليمى، والذى يستطيل أثره بالضرورة، إن عاجلاً أو آجلاً إلى المجتمع. فأسند بموجب النص المطعون فيه الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، باعتباره القائم على تربيته ورعايته، والأدرى بميوله واستعداده. وفى الوقت ذاته لم يحرم ولى النفس من المشاركة فى الولاية التعليمية عليه؛ إذ الأصل أن يسعى مع الحاضن إلى ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى، فإن حدث خلاف بينهما فى هذا الشأن، أو تعمد الحاضن إرهاقه بمصاريف تعليم تفوق قدرته المالية، فقد وفر له ذلك النص وسيلة قضائية سريعة، من قاض متخصص فى شئون الأسرة، باستصدار أمر على عريضة فى شأن المسألة المتنازع فيها، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل، وبمراعاة مدى يسار ولى الأمر، وهو ما يتوافق وقول الله عز وجل فى الآية (٢٣٣) من سورة البقرة " لا تُكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بوالدها و لا مولود له بولده".
ويقتصر أثر الأمر الصادر من القاضى فى هذا الشأن على المسألة محل الخلاف. ومن ثم، فقد توافقت الوسيلة التى أوجدها المشرع بموجب النص المطعون فيه، مع الغاية التى سعى إليها، متمثلة فى حماية مصلحة الطفل الفضلى فى التعليم، وهى من مقاصد الشريعة الإسلامية، لما فيها من حفاظ على عقل ونفس الطفل، وحفاظ على المال بالنسبة لولى الأمر الملزم بالإنفاق. الأمر الذى يكون معه النعى بمخالفة هذا النص للشريعة الإسلامية على غير سند صحيح، جديرًا بالرفض.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيا من نصوص الدستور الأخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة