الجريدة الرسمية - العدد 14 (مكرر) - السنة التاسعة والخمسون
2 رجب سنة 1437هـ، الموافق 9 إبريل سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من إبريل سنة ٢٠١٦م، الموافق الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارین: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خیرى طه النجار والدكتور عادل عمر شریف وبولس فهمى إسكندر وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة.
وحضور السید المستشار الدكتور/ عبد العزیز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السید/ محمد ناجى عبد السمیع أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضیة المقیدة بجدول المحكمة الدستوریة العلیا برقم ١٣٧ لسنة 34 قضائیة "دستوریة" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندریة بحكمها الصادر بجلسة ١٧ من ینایر سنة ٢٠٠٩ ملف الدعوى رقم ٤٦٢ لسنة 61 قضائیة.

المقامة من

السید/ سمیر بسیط بشاى

ضـد

١ - السید محافظ الإسكندریة
٢ - السید رئیس حى شرق
٣ - السید مدیر عام الإدارة الهندسیة بحى شرق


الإجراءات

بتاریخ الخامس من سبتمبر سنة ٢٠١٢ ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الدعوى رقم ٤٦٢ لسنة ٦١ قضائیة، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندریة بجلستها المنعقدة فى ١٧ من ینایر سنة ٢٠٠٩ بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستوریة العلیا للفصل فى دستوریة الفقرة الثانیة من المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن حدود الترخیص فى تعلیة المبانى وقیود الارتفاع بمدینة الإسكندریة، والمادة الثامنة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣ بشأن تحدید ارتفاعات المبانى لبعض المناطق بمحافظات جمهوریة مصر العربیة، والبند ثالثًا من المادة الثانیة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩8 بحظر هدم القصور والفیلات وببعض الأحكام الخاصة بتعلیة المبانى وقیود الارتفاع والاشتراطات البنائیة، والمادة (١١) مكررًا (5) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجیه وتنظیم أعمال البناء المضافة بقرار وزیر الإسكان والمرافق رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨، فیما تضمنته جمیعًا من حظر إقامة بناء أو الترخیص بإقامة بناء على أرض عقار سبق هدمه دون ترخیص إلا فى حدود الارتفاع الذى كان علیه دون أى تجاوز.
وقدمت هیئة قضایا الدولة مذكرة طلبت فیها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضیر الدعوى، أودعت هیئة المفوضین تقریرًا برأیها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبین بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فیها بجلسة الیوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة قانونًا.
حیث إن الوقائع تتحصل - على ما یتبین من حكم الإحالة وسائر الأوراق - فى أن المدعى سبق أن أقام الدعوى رقم ٤٦٢ لسنة ٦١ قضائیة أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندریة، طالبًا الحكم بوقف تنفیذ القرار السلبى بامتناع الجهة الإداریة عن تسلیمه ترخیص بناء لدور أرضى وأحد عشر دورًا علویًا، بحد أقصى ستة وثلاثون مترًا، على أرض العقار، المملوك له، رقم ١١ شارع البحیرة جناكلیس قسم الرمل بالإسكندریة ومشتملاته، موضوع الملف رقم ٥3 لسنة ٢٠٠٦ م حى شرق، واعتباره ممنوحًا بقوة القانون، وفى الموضوع بإلغاء القرار، مع ما یترتب على ذلك من آثار، أخصها تسلیم المدعى الترخیص بشروطه المشار إلیها؛ وذلك على سند من أنه فى مستهل عام ٢٠٠٦ م تقدم لحى شرق الإسكندریة بطلب ترخیص لبناء دور أرضى على قطعة الأرض المشار إلیها، وقید طلبه بالملف رقم ٥٣ لسنة ٢٠٠٦ م حى شرق الإسكندریة، ونظرًا لارتفاع سعر الأرض على نحو یجعل الترخیص بالبناء لأقل من الحد الأقصى للارتفاع غیر مجدٍ اقتصاديًا فقد تقدم بطلب إلى محافظ الإسكندریة ملتمسًا الترخیص له بالبناء بارتفاع ستة وثلاثین مترًا بحسبانه الحد الأقصى وفقًا للقانون، فوافق المحافظ فى ١٦ من یونیو سنة ٢٠٠٦، على التصریح له بالبناء بارتفاع ستة وثلاثین مترًا، بید أن الحى رفض إصدار الترخیص، تأسیسًا على أن العقد المسجل، للعقار محل طلب الترخیص، وصفه بأنه منزل دور أرضى وبناء داخل حدیقة محاطة بسور، وأنه هدم ذلك البناء دون الحصول على ترخیص بالهدم، مما حدا بالمدعى إلى معاودة التظلم إلى المحافظ، والذى أشر على تظلمه بالتصدیق على الترخیص، وبالرغم من أن طلب الترخیص قد استوفى جمیع شروطه، فإن حى شرق الإسكندریة امتنع عن إعطائه الترخیص، وإذ ارتأت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندریة أن قرراى رئیس مجلس الوزراء وأمر نائب الحاكم العسكرى العام و قرار وزیر الإسكان والمرافق سالفى الذكر، بما اشتملت علیه من حظر إقامة بناء على أرض عقار سبق هدمه دون ترخیص إلا فى حدود الارتفاع الذى كان علیه دون أى تجاوز، یعد اعتداءً على الملكیة الخاصة التى یحمیها الدستور، فضلاً عن وقوعها فى حومة مخالفة المادتین(٨٦ و ١٤٤) من دستور سنة ١٩٧١، فقد قضت بجلستها المنعقدة فى ١٧ من ینایر سنة ٢٠٠٩ بوقف تنفیذ القرار المطعون فیه، وبوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستوریة العلیا للفصل فى دستوریة الفقرة الثانیة من المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦، والمادة الثامنة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣، والبند ثالثًا من المادة الثانیة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨، والمادة (١١) مكررًا (٥) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦
وحیث إن هیئة قضایا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة، على سند من سبق حسم المحكمة الدستوریة العلیا للمسألة الدستوریة المحالة من محكمة القضاء الإدارى وذلك بحكمها الصادر بجلسة الرابع من ینایر سنة ٢٠٠٩ فى القضیة رقم ١٤٦ لسنة ٢٥ قضائیة "دستوریة".
وحیث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحجیة المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستوریة یقتصر نطاقها على النصوص التشریعیة التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوریتها، وفصلت فیها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم یكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فیه بالفعل، فلا تمتد إلیه تلك الحجیة، لما كان ذلك؛ وكان الحكم الصادر فى القضیة رقم ١٤٦ لسنة ٢٥ قضائیة "دستوریة"، قد قضى: أولاً: بعدم دستوریة نص المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦، ونص البند ثانیًا من المادة الثالثة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨، ونص المادة السابعة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣، وذلك فیما تضمنته من حظر الموافقة على طلب الترخیص فى التعلیة، صراحة أو ضمنًا بالنسبة للمبانى التى بُدئ فى إنشائها قبل تاریخ العمل بالقانون رقم ١٠١ لسنة ١٩٩٦ المعدِّل لبعض أحكام القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦، إلا فى الحدود التى كان مسموحًا بها قبل هذا التاریخ، ثانیًا: بسقوط ما یقابل هذا الحظر من أحكام وردت بكل من نص الفقرة الثانیة من المادة الثانیة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ والمادة الثالثة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨. وكان الحكم الصادر من المحكمة بجلستها المعقودة بتاریخ ١٥ من ینایر سنة ٢٠٠٦ فى القضیة رقم ٧٤ لسنة ٢٣ قضائیة "دستوریة"، قد قضى: أولاً: بعدم دستوریة نص المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ فیما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفیلات بمدینة الإسكندریة، ثانیًا: بعدم دستوریة نص المادة الثانیة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ فیما تضمنه من حظر هدم أو التصریح بهدم القصور والفیلات فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة، ثالثًا: بعدم دستوریة نص المادة ١١ مكررًا (٥) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ المضاف بقرار وزیر الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانیة رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨ فیما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفیلات فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة، رابعًا: بسقوط ما یقابل هذا الحظر من أحكام وردت بكل من المادة الثانیة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦، والمادة الثالثة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ المشار إلیهما، فإن هذین الحكمین تقتصر حجیتهما على هذا النطاق وحده، ولا تتجاوزها إلى ما سواها من بقیة أجزاء المواد الواردة بقرار الإحالة، مما یتعین معه رفض هذا الدفع.
وحیث إن قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن حدود الترخیص فى تعلیة المبانى وقیود الارتفاع بمدینة الإسكندریة ینص فى مادته الأولى على أن:
"یحظر الموافقة على طلب الترخیص فى التعلیة فى مدینة الإسكندریة، ...............
كما یحظر فى ذات المدینة الموافقة.........، أو على إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یُشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز".
كما تنص المادة الثامنة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣ بشأن تحدید ارتفاعات المبانى لبعض المناطق بمحافظات جمهوریة مصر العربیة على أن:
" یحظر الموافقة على إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز ما لم توجد اشتراطات بنائیة معتمدة لموقع العقار تنص على ارتفاعات أقل فیطبق الارتفاع الأقل، وذلك فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة ".
كما ینص أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ فى مادته الثانیة على أن "یحظر فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة ارتكاب أى فعل من الأفعال الآتیة:
أولاً:..................
ثانیًا:.................
ثالثًا: إقامة، وكذا الموافقة صراحة أو ضمنًا على طلب الترخیص بإقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یُشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز".
وتنص مادته الثالثة على أن: "مع عدم الإخلال بأیة عقوبة أشد ینص علیها قانون العقوبات أو أى قانون آخر، یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب أى فعل من الأفعال المنصوص علیها فى المادة السابقة.
وتسرى العقوبة كذلك بحسب الأحوال على كل ممثل لشخص اعتبارى عام أو خاص أو لجهاز أو جهة حكومیة أو غیر حكومیة وقع الفعل أو الشروع بتكلیف منه، وعلى المقاول والمهندس المشرف على التنفیذ.
كما یعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك فى الجریمة، أو لم یقم بواجبه فى منعها واتخاذ الإجراءات القانونیة حیالها، من العاملین المختصین بشئون التنظیم وغیر ذلك من الجهات الإداریة المختصة.
...................".
وتنص المادة (١١) مكررًا (٥) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١06 لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجیه وتنظیم أعمال البناء المضافة بقرار وزیر الإسكان والمرافق رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨ على أن:
" یحظر الموافقة على........ إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز، وذلك فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة".
وحیث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلیة للنصوص التشریعیة المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حین صدورها، ومن ثم فإن هذه المحكمة سوف تبسط رقابتها فى شأن استیفاء النصوص التشریعیة المحالة من محكمة الموضوع للأوضاع الشكلیة فى ضوء أحكام الدستور الصادر عام1971.
وحیث إن الأصل أن السلطة التنفیذیة لا تتولى التشریع، وإنما یقوم اختصاصها أساسًا على تنفیذ القوانین وإعمال أحكامها، غیر أن الدستور - استثناءً من هذا الأصل، وتحقیقًا لتعاون السلطات وتساندها - عهد إلیها فى حالات محددة أعمالاً تدخل فى نطاق الأعمال التشریعیة، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفیذ القوانین فنصت المادة (١٤٤) من دستور سنة ١٩٧١ على أن "یصدر رئیس الجمهوریة اللوائح اللازمة لتنفیذ القوانین، بما لیس فیه تعدیل أو تعطیل لها أو إعفاء من تنفیذها، وله أن یفوض غیره فى إصدارها. ویجوز أن یعین القانون من یصدر القوانین اللازمة لتنفیذه".
ومؤدى هذا النص، أن الدستور حدد على سبیل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفیذیة فقصرها على رئیس الجمهوریة أو من یفوضه فى ذلك أو من یعینه القانون لإصدارها، بحیث یمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى، وإلا وقع عمله اللائحى مخالفًا لنص المادة (١44) المشار إلیها، كما أن القانون متى عهد إلى جهة معینة بإصدار القرارات اللازمة لتنفیذه استقل من عیَّنه القانون دون غیره بإصدارها.
وحیث إن البین من استعراض أحكام قرار وزیر الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانیة رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨ بتعدیل بعض أحكام اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجیه وتنظیم أعمال البناء أنه ینص فى مادته الأولى على إضافة فصل ثان مكرر للائحة التنفیذیة لقانون توجیه وتنظیم أعمال البناء الصادرة بقرار وزیر الإسكان والمرافق رقم ٢٦٨ لسنة١٩٩٦ ورد به نص المادة ١١ مكررًا (٥) الذى یقضى بحظر الموافقة على إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز فى جمیع أنحاء جمهوریة مصر العربیة، وكانت نصوص القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ قد خلت من أیة أحكام تنظم فرض قیود الارتفاع على المبانى، أيًا كانت، باستثناء ما نصت علیه الفقرة الأخیرة من المادة (١٣) المضافة بالقانون رقم ١٠١ لسنة ١٩٩٦ من أنه "ولا یجوز زیادة الارتفاع الكلى للبناء على مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصى ٣6 مترًا، ولرئیس مجلس الوزراء فى حالة الضرورة القصوى تحقیقًا لغرض قومى أو مصلحة اقتصادیة أو مراعاة لظروف العمران تقیید أو إعفاء منطقة أو جزء منها أو مبنى بذاته من الحد الأقصى للارتفاع"، بما مؤداه أن القانون خول رئیس مجلس الوزراء وحده، وبضوابط محددة، سلطة تقیید الارتفاع للمبانى أو الإعفاء منه، ومن ثم فإن ما ورد بنص المادة (١١) مكررًا (٥) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجیه وتنظیم أعمال البناء المضافة بقرار وزیر الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانیة رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨، من حظر الموافقة على إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یشرع فى هدمه بغیر ترخیص إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل، یكون قد صدر مجاوزًا حدود الاختصاص المعقود لوزیر الإسكان، عدوانًا على اختصاص حجزه القانون استئثارًا لرئیس مجلس الوزراء، الأمر الذى یخالف حكم المادة (١٤٤) من دستور سنة ١٩٧١.
وحیث إن البین من استعراض أحكام قانون الطوارئ الصادر بقرار رئیس الجمهوریة بالقانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ معدلاً بالقانون رقم ٣٧ لسنة ١٩97 أنه قضى فى المادة (١) منه بأنه "یجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى أراضى الجمهوریة أو فى منطقة منها للخطر سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب أو قیام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات فى الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء".
كما نصت المادة (٣) منه على أن "لرئیس الجمهوریة متى أعلنت حالة الطوارئ أن یتخذ التدابیر المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص:
١ - وضع قیود على حریة الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معینة والقبض على المشتبه فیهم أو الخطرین على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخیص فى تفتیش الأشخاص والأماكن دون التقید بأحكام قانون الإجراءات الجنائیة.
٢ - الأمر بمراقبة الرسائل أيًا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبیر والدعایة والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطیلها وإغلاق أماكن طبعها، على أن تكون الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلان مقصورة على الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى.
٣ - تحدید مواعید فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.
٤ - تكلیف أى شخص بتأدیة أى عمل من الأعمال والاستیلاء على أى منقول أو عقار ویتبع فى ذلك الأحكام المنصوص علیها فى قانون التعبئة العامة فیما یتعلق بالتظلم وتقدیر التعویض.
٥ - سحب التراخیص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسلیمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة.
٦ - إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظیم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحدیدها بین المناطق المختلفة.
ویجوز بقرار من رئیس الجمهوریة توسیع دائرة الحقوق المبینة فى الفقرة السابقة، على أن یُعرض هذا القرار على مجلس الشعب فى المواعید وطبقًا للأحكام المنصوص عليها فى المادة السابقة".
وتنص المادة (١٧) من ذات القانون على أن "لرئیس الجمهوریة أن ینیب عنه من یقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص علیها فى هذا القانون كلها أو بعضها وفى كل أراضى الجمهوریة أو فى منطقة أو مناطق معینة منها".
وحیث إن التدابیر التى ناطت المادة (٣) من القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ برئیس الجمهوریة اتخاذها متى أعلنت حالة الطوارئ مردها تعرض الأمن والنظام العام فى أراضى الجمهوریة أو فى منطقة منها للخطر، والغایة من تقریرها المحافظة على أمن الوطن والمواطنین معًا، وكل تدبیر أو إجراء یتخذ فى هذا الشأن ینبغى أن یرتبط بهذه الغایة دون سواها، وقد خلت تلك التدابیر، من إعطاء رئیس الجمهوریة سلطة إصدار تشریع لتنظیم أمر معین حتى ولو كان یدور حول تحقیق تلك الغایة، وله - إن شاء ذلك - أن یلجأ إلى السلطة التى حددها المشرع الدستورى لإصدار هذا التشریع، وإذ كان هذا هو حال الأصیل عند ممارسة سلطة الطوارئ، فإن من ینیبه ذلك الأصیل للقیام ببعض اختصاصاته لیس له أن یباشر اختصاصًا لا یمنحه قانون حالة الطوارئ للأصیل، بل إن هذا الأخیر لا یملك إضافة تدابیر أخرى إلى تلك المحددة بنص المادة (٣) من ذلك القانون، یؤید ذلك أن قانون الطوارئ ما هو إلا نظام خاص قُصد به دعم السلطة التنفیذیة وتزویدها بمكنات معینة تحد بها من الحقوق والحریات العامة بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومى للبلاد مثل الحرب وأخطار التهدید الخارجى والاضطرابات التى تهدد الأمن الداخلى، أو حدوث وباء أو ما شابه ذلك من أمور وثیقة الصلة بالسلامة العامة والأمن القومى، وهو بهذه المثابة محض نظام استثنائى یستهدف غایة محددة فلا یجوز التوسع فى تطبیقه، ویتعین التزام التفسیر الضیق لأحكامه. ولتأكید الطبیعة الاستثنائیة لهذا النظام نصت المادة ٤٨ من دستور سنة ١٩٧١ على أن "حریة الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطریق الإدارى محظور، ویجوز - استثناءً فى حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب - أن یُفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقًا للقانون "فعبارات هذا النص صریحة وواضحة الدلالة على أن الرقابة المحددة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام إنما تكون فى الأمور ذات الصلة بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وهو ما یتعین التقید به أیضًا بالنسبة للأوامر أو التدابیر التى تصدر من السلطة التى حددها قانون حالة الطوارئ والتى تتمثل فى رئیس الجمهوریة أو من ینیبه عند إصدارها أيًا من التدابیر المنصوص علیها فى المادة (3) من ذلك القانون.
وحیث إن أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ ینص فى مادته الثانیة بند ثالثًا على "حظر إقامة، وكذا الموافقة صراحة أو ضمنًا على طلب الترخیص بإقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یُشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز"، كما قررت المادة الثالثة منه عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من خالف حكم المادة الثانیة أو شرع فى ذلك، وتسرى العقوبة المشار إلیها على كل ممثل لجهة حكومیة وقع الفعل أو الشروع بتكلیف منه، كما یعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك فى الجریمة أو لم یقم بواجبه فى منعها واتخاذ الإجراءات القانونیة حیالها من العاملین المختصین بشئون التنظیم وغیر ذلك من الجهات الإداریة المختصة، وإذ كان تنظیم الأمر المتقدم یتصل بالمصلحة العامة ومقتضیاتها إلا أنه لا یعد من قبیل التدابیر المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام والتى تعلن من أجلها حالة الطوارئ، ومن ثم فلیس للسلطة التى حددها قانون الطوارئ من سبیل إلا ولوج أسلوب التشریع العادى بضوابطه وإجراءاته من أجل وضع تنظیم تشریعى یقیم توازنًا دقیقًا بین حقوق أصحاب تلك العقارات فى استغلالها على النحو الذى یكفل لهم مصالحهم، وبین مقتضیات الحفاظ على تلك الثروة العقاریة وما تمثله من تراث قومى، وإذ تنكب أمر نائب الحاكم العسكرى رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ هذا الطریق فإنه یكون قد وقع فى حومة مخالفة نص المادة (٨٦) من دستور ١٩٧١ الذى عهد بسلطة التشریع إلى مجلس الشعب، مما یتعین معه القضاء بعدم دستوریة نص المادة الثانیة من هذا الأمر فیما تضمنه من حظر إقامة، وكذا الموافقة صراحةً أو ضمنًا على طلب الترخیص بإقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو یُشرع فى هدمه بغیر ترخیص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان علیه من قبل دون أى تجاوز.
وحیث إن المادة الثالثة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ رصدت عقوبة جنائیة لمن یخالف الحظر المنصوص علیه فى المادة الثانیة منه، فإن القضاء بسقوط أحكامها تبعًا للقضاء بعدم دستوریة النص المتعلق بها یكون لازمًا.
وحیث إن قرار الإحالة ینعى على الفقرة الثانیة من المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن حدود الترخیص فى تعلیة المبانى وقیود الارتفاع بمدینة الإسكندریة، والمادة الثامنة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣ بشأن تحدید ارتفاعات المبانى لبعض المناطق بمحافظات جمهوریة مصر العربیة، مخالفتها لحكم المادة (١٤٤) من دستور سنة ١٩٧١، والاعتداء على حق الملكیة، بحرمان صاحب العقار المهدوم بغیر ترخیص من الانتفاع بماله.
وحیث إن هذا النعى غیر سدید، ذلك أن الفقرة الأخیرة من المادة (١٣) من القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجیه وتنظیم أعمال البناء، المضافة بالقانون رقم ١٠١ لسنة ١٩٩٦، بعد أن بینت الحدود القصوى للارتفاعات التى یحظر مخالفتها، ناطت برئیس مجلس الوزراء تقیید الحد الأقصى للارتفاع فى منطقة أو جزء منها لأسباب عددتها حصرًا، ومن بینها تحقیق مصلحة اقتصادیة أو مراعاة لظروف العمران، بما مؤداه أن القانون قد خول رئیس مجلس الوزراء، إصدار القرارات التنظیمیة بضوابط تقیید ارتفاعات المبانى أو الإعفاء منها، ومن ثم فإن قرارى رئیس مجلس الوزراء، سالفى البیان، یكونان قد صدرا فى حدود التفویض التشریعى، منضبطین بأحكام المادة (١٤٤) من دستور سنة ١٩٧١ ویغدو ما أورده حكم الإحالة، فى هذا الشأن، لا محل له.
وحیث إن الملكیة، فى إطار النظم الوضعیة التى تزاوج بین الفردیة وتدخل الدولة، لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هى عصیة على التنظیم التشریعى، ولیس لها من الحمایة ما یجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحمیلها بالقیود التى تتطلبها وظیفتها الاجتماعیة، وهى وظیفة لا یتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تملیها طبیعة الأموال محل الملكیة، والأغراض التى ینبغى رصدها علیها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معین، فى بیئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحیث إن الدستور قد حرص على النص على صون الملكیة الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبیل الاستثناء، وفى الحدود وبالقیود التى أوردها باعتبار أنها فى الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكَدِّه وعرقه، وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم؛ إذ یختص دون غیره بالأموال التى یملكها. وكانت الملكیة فى إطار النظم الوضعیة التى تزاوج بین الفردیة وتدخل الدولة، لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هى عصیة على التنظیم التشریعى وإنما یجوز تحمیلها بالقیود التى تقتضیها وظیفتها الاجتماعیة، وهى وظیفة یتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبیعة الأموال محل الملكیة، والأغراض التى ینبغى توجیهها إلیها، وبمراعاة الموازنة التى یجریها المشرع، ویرجح من خلالها ما یراه من المصالح أولى بالرعایة وأجدر بالحمایة، ومن ثم كان مقبول دستوريًا أن ینظم القانون أداء هذه الوظیفة مستهدیًا بوجه خاص بالقیم التى تنحاز إلیها الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القیود التى تفرضها الوظیفة الاجتماعیة على حق الملكیة للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها بل غایتها خیر الفرد والجماعة.
وحیث إنه متى كان ذلك؛ وكان تقیید الحد الأقصى لارتفاع المبانى المقامة على أرض عقار سبق هدمه دون ترخیص بحدود الارتفاع الذى كان علیه المبنى قبل هدمه دون أى تجاوز، قد تغیا مراعاة ضوابط واشتراطات التخطیط العمرانى، والأوضاع الاقتصادیة للبلاد، وإعلاء سیادة القانون، فلا یظفر مُخالف القانون بثمار مخالفته، دونما مراعاة للطابع العمرانى للمنطقة التى رام إقامة بنائه فیها، ملتفتًا عما قد یُكبده للدولة من أضرار تتمثل فى تكلفة توفیر الخدمات والمرافق لبنائه، وانعكاس ذلك على كفاءة وكفایة الخدمات التى تقدمها لسائر المواطنین ممن التزموا أحكام القانون، ومن ثم فإن الفقرة الثانیة من المادة الأولى من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٣٠٨٦ لسنة ١٩٩٦ والمادة الثامنة من قرار رئیس مجلس الوزراء رقم ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٣ فیما تضمناه من تقیید الحد الأقصى لارتفاع المبانى المقامة على أرض عقار سبق هدمه بحدود الارتفاع الذى كان علیه قبل هدمه تكونان قد صدرتا فى إطار السلطة التقدیریة للمشرع لتنظیم حق الملكیة، متوائمتین مع متطلبات الواقع والظروف الاقتصادیة والاجتماعیة، وما تتطلبه من القضاء على تنامى ظاهرة البناء العشوائى المخالف للقوانین واللوائح، وهو ما یتفق مع الوظیفة الاجتماعیة لحق الملكیة، الأمر الذى یضحى معه النعى علیهما بمخالفة أحكام المواد (٣٣ و٣٥ و٣٦) من الدستور لا أساس له متعینًا رفضه.
وحیث إن هذین النصین لا یتعارضان مع أى نص آخر من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً:
بعدم دستوریة نص المادة الثانیة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ فیما تضمنه من حظر إقامة بناء أو الترخیص بإقامة بناء على أرض عقار سبق هدمه دون ترخیص إلا فى حدود الارتفاع الذى كان علیه دون أى تجاوز.
ثانیًا: بعدم دستوریة نص المادة (١١) مكررًا (٥) من اللائحة التنفیذیة للقانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ المضاف بقرار وزیر الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانیة رقم ١٨٠ لسنة ١٩٩٨ فیما تضمنه من حظر إقامة بناء أو الترخیص بإقامة بناء على أرض عقار سبق هدمه دون ترخیص إلا فى حدود الارتفاع الذى كان علیه دون أى تجاوز.
ثالثًا: بسقوط نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من أمر رئیس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم ٢ لسنة ١٩٩٨ فى مجال تطبیقه على الأفعال المنصوص علیها فى المادة الثانیة من الأمر ذاته.
ربعًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات.

أمين السر رئيس المحكمة