الجريدة الرسمية - العدد 19 مكرر ( أ ) - السنة التاسعة والخمسون
9 شعبان سنة 1437هـ، الموافق 16 مايو سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنیة المنعقدة یوم السبت السابع من مايو سنة ٢٠١٦م، الموافق الثلاثين من رجب سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السید المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر وحاتم حمد بجاتو - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السید المستشار الدكتور/ عبد العزیز محمد سالمان - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السید/ محمد ناجى عبد السمیع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضیة المقیدة بجدول المحكمة الدستوریة العلیا برقم 39 لسنة 16 قضائیة "دستوریة".

المقامة من

الممثل القانونى لشركة عمار للطوب الطفلى ببلقاس دقهلية

ضـد

1 - السید رئیس مجلس الوزراء.
2 - السید وزیر المالیة.
3 - السید رئیس مصلحة الضرائب المصریة على المبيعات بالمنصورة.
4 - السيد مندوب الحجز الإدارى بمصلحة الضرائب على المبيعات بالمنصورة.


الإجراءات

بتاریخ الخامس من ديسمبر سنة 1994 أودعت الشركة المدعية قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة الدعوى الماثلة طالبة الحكم بعد دستورية نص المادة (19) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هیئة قضایا الدولة مذكرة, طلبت فیها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطًا: برفضها.
وبعد تحضیر الدعوى، أودعت هیئة المفوضین تقریرًا برأیها.
ونُظرت الدعوى بجلسة 2/ 4/ 2016، وقررت المحكمة إصدار الحكم فیها بجلسة الیوم، وصرحت بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات فى الأجل المشار إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حیث إن الوقائع تتحصل - على ما یتبین من صحیفة الدعوى, وسائر الأوراق - فى أن الشركة المدعية كانت قد أقامت ضد المدعى عليهم من الثانى إلى الرابع الدعوى رقم 451 لسنة 1993 مدنى أمام محكمة بلقاس الجزئية، بطلب الحكم ببراءة ذمتها من المبالغ الواردة بإخطار الربط المؤرخ 3/ 11/ 1992، وإسقاط التسجيل رقم 254 - 209 - 100؛ لعدم بلوغ الشركة حد التسجيل المنصوص عليها بالمادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، قولاً منها: إن مصلحة الضرائب على المبيعات أخطرت الشركة بتعديل الإقرارات المقدمة منها عن نشاط مصنع الطوب الطفلى الذى تمتلكه فى المدة من مايو حتى ديسمبر سنة 1991، وشهر يونيو سنة 1992، وبإجمالى 19160 جنيهًا، واستندت هذه التعديلات إلى تقديرات مبالغ فيها، كما أنها أدخلت فيها أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، التى لا يعمل فيها مصنع الطوب سبب الأمطار، وبالتالى لا تستحق عنها الضريبة؛ لارتباط ذلك بالواقعة المنشأة لها وهى بيع السلعة، فضلاً عن عدم بلوغ حجم المبيعات حد التسجيل المقرر بنص المادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، مما يحق لها طلب إسقاط تسجيلها، وبجلسة 25/ 10/ 1994 دفعت الشركة بعدم دستورية نص المادة (19) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وإذ قدّرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت دعواها الماثلة.
وحیث إن المادة (19) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "يجوز للشخص الطبيعى أو المعنوى الذى لم يبلغ حد التسجيل أن يتقدم إلى المصلحة لتسجيل اسمه وبياناته طبقًا للشروط والأوضاع والإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية، ويعتبر فى حالة التسجيل من المكلفين المخاطبين بأحكام هذا القانون".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى؛ لانتفاء المصلحة على سند من أن الشركة المدعية تقدمت بإرادتها للتسجيل طبقًا للنص المطعون فيه، وأنه كمنتج صناعى لا تتحمل عبء الضريبة التى يلتزم بها المستهلك مشترى السلعة، ويقتصر دور الشركة على تحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة المعتبرة شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، لا تعتبر متوافرة بناءً على مجرد مخالفة النص التشريعى المطعون فيه لأحكام الدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين يحددان معًا مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعى - فى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا اقتصاديًا أو غيره قد لحق به. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئًا عن هذا النص ومترتبًا عليه. متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تدور حول طلب الشكة المدعية براءة ذمتها من مبلغ الضريبة العامة على المبيعات الناشئ عن تعديل الإقرارات المقدمة منها عن الفترة من مايو حتى ديسمبر سنة 1991، وشهر يونيو سنة 1992، وإلغاء تسجيلها رقم 254/ 209/ 100، لعدم بلوغها حد التسجيل المقرر بالمادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وكان نص المادة (19) من هذا القانون - المطعون فيه - هو الذى ينتظم أحكام التسجيل الاختيارى لمن لم يبلغ حد التسجيل المقرر قانونًا، ويحدد الآثار القانونية المترتبة عليه، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية هذا النص يعد أمرًا لازمًا لتحديد التزامات الشركة، وما يستتبعه ذلك من بقاء أو زوال التزاماتها القانونية كمكلف، كما أن ما أثارته الهيئة من انعدام مصلحة الشركة المدعية فى الطعن على هذا النص لكونها غير ملتزمة بأداء الضريبة العامة على المبيعات التى يتحمل عِبْأها المستهلك، وينحصر دورها فى مجرد تحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات، مردود بأن الضريبة فى مثل هذه الحالة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تعتبر جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدى إلى زيادة تكلفتها، ويؤثر بالضرورة فى فرص تسويقها، التى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب السلعة فى الأسواق، الأمر الذى تتحقق معه مصلحة الشركة المدعية فى الطعن على هذا النص.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفة نص المادتين (38، 40) من دستور سنة 1971 قولاً منها: إنه وإن كان مستهلك السلعة هو المتحمل بعبء الضريبة، إلا أن الشركة وقد اختارت التسجيل والالتزام بتحصيل الضريبة وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات، فإنها تضطر إلى تحمل الضريبة لتتمكن من منافسة الشركات التى لم تبلغ حد التسجيل المقرر قانونًا ولم تقم بالتسجيل، حتى لا تتوقف عن العمل، بما يخل بالعدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى، والمساواة التى كفلها الدستور.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح فى خصوص مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور الحالى، قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل إليها منطقيًا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة بكل صورها، تمثل فى جوهرها عِبْأ ماليًا على المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمها نص المادة (38) من الدستور، ويتعين بالتالى - وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها - أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا فى شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًا أن يلزم المشرع الدستور فى المادة (38) من الدستور الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظام الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام فى تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاء لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشأة للضريبة.
وحيث إن من المقرر أن الأصل فى الضريبة العامة على المبيعات - بحسبانها من الضرائب غير المباشرة - أن يتحمل المستهلك عِبْأها، ومن ثم كان يتعين تحصلها منه مباشرة، باعتبار أنها فى حقيقتها ضريبة على الاستهلاك، غير أنه لتعذر تطبيق ذلك من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم وصعوبة تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، كان منطقيًا أن يتجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخر بأدائها؛ لتحقيق سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة، وضمان توريدها إلى الخزانة العامة بما يحقق الغرض المقصود بمنها وهو الحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام الناتج عن التوسع فى المشروعات العامة التى تتصل بالمجالات المختلفة.
وحيث إن المشرع فى مجال تحديده لوسائل تحصيل الضريبة، اتخاذ من التسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات وسيلة لحصل المكلفين والسلع والخدمات الخاضعة للضريبة، والرقابة على تحصيلها وتوريدها، إذ عرفت المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المسجل بأنه هو المكلف الذى تم تسجيله لدى المصلحة وفقًا لأحكام هذا القانون، والذى يلتزم طبقًا لنص المادة (5) من القانون ذاته بتحصيل الضريبة والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة فى المواعيد المقررة قانونًا، وحددت المادة (18) من ذلك القانون حد التسجيل الإجبارى وهو بلوغ أو مجاوزة إجمالى قيمة مبيعات المنتج الصناعى أو المستورد أو وكلاء التوزيع المساعدين للمكلفين أو المقابل الذى يحصل عليه مورد الخدمة خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بالقانون، أو فى أية سنة مالية أو جزء منها بعد العمل به مبلغ 54 ألف جنيه، وعلة هذا التحديد - كما جاء بمضبطة جلسة مجلس الشعب الخامسة والخمسين المعقودة بتاريخ 29/ 4/ 1991 - ما يستلزمه التسجيل من إمكانات، وما ينشأ عنه من التزامات قانونية، وما يتحمله المكلف من أعباء ينوء بها، ولا يتحملها صغار الحرفيين والمنتجين وموردى الخدمات، ممن لا تبلغ تعاملاتهم حد التسجيل.
وحيث إن المشرع رغبته منه فى توسيع دائرة المكلفين بتحصيل الضريبة وتوريدها للمصلحة، سعيًا منه للوصول إلى مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة، حرص على الأخذ بنظام التسجيل الاختيارى لمن لم يبلغ حد التسجيل، فأجاز النص المطعون فيه لمن لم يبلغ هذا الحد التقدم بطلب إلى مصلحة الضرائب على المبيعات لتسجيل اسمه وبياناته، ورتب على ذلك صيرورة المسجل مكلفًا، ومخاطبًا بأحكام القانون المذكور، ومن ثم التمتع بالمزايا التى كفلها ذلك القانون ومنها حق المسجل طبقًا لنص المادة (23) منه فى خصم ما سبق سداده، أو حسابه من ضريبة على المردودات من مبيعاته، وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته، وكذلك خصم الضريبة السابق تحميلها على السلع المبيعة فى كل مرحلة من مراحل توزيعها، وفى الوقت ذاته أجاز له المشرع طلب إلغاء هذا التسجيل والخروج من هذا النظام، طبقًا للتنظيم الذى أتى به نص المادة (16) من اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 749 لسنة 2001، بما يقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المختلفة، وبما يحقق العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى.
وحيث إن النص المطعون فيه قد تضمن تنظيمًا قانونيًا لأحكام التسجيل الاختيارى، وكفل ممارسة هذا الحق بقواعد عامة مجردة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامه ممن لم يبلغوا حد التسجيل المقرر قانونًا، كما أن الأهداف التى توخاها المشرع من تقرير هذا النص - من توسيع دائرة المكلفين، وما يؤدى إليه من تحصيل الضريبة على مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة - تتصل اتصالاً منطقيًا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به ذلك النص للتسجيل الاختيارى، ومن ثم فإن ادعاء مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة الذى كفلته المادة (53) من الدستور يكون فى غير محله.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة