الجريدة الرسمية - العدد 19 مكرر ( أ ) - السنة التاسعة والخمسون
9 شعبان سنة 1437هـ، الموافق 16 مايو سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنیة المنعقدة یوم السبت السابع من مايو سنة ٢٠١٦م، الموافق الثلاثين من رجب سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السید المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السید المستشار الدكتور/ عبد العزیز محمد سالمان - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السید/ محمد ناجى عبد السمیع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضیة المقیدة بجدول المحكمة الدستوریة العلیا برقم 295 لسنة 25 قضائیة "دستوریة".

المقامة من

العضو المنتدب لشركة السكر والصناعات التكاملية

ضـد

1 - السید رئیس مجلس الوزراء.
2 - السید وزیر المالیة.
3 - السید رئیس مصلحة الضرائب على المبيعات.


الإجراءات

بتاریخ الرابع عشر من ديسمبر سنة 2003، أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة فى ختامها الحكم بعدم دستورية المسلسل رقم (7/ ج) من الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997، فيما نص عليه من تحديد سعر الضريبة على اللتر الصرف من الكحول الإثيلى النقى غير المحول؛ بمبلغ سبعة جنيهات ونصف.
وقدمت هیئة قضایا الدولة مذكرة بدفاعها, طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضیر الدعوى، أودعت هیئة المفوضین تقریرًا برأیها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فیها بجلسة الیوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حیث إن الوقائع تتحصل - على ما یتبین من صحیفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن الشركة المدعية أقامت ضد المدعى عليه الثالث وآخرين الدعوى رقم 1695 لسنة 2003 أمام محكمة المنيا الابتدائية بطلب الحكم ببراءة ذمتها من مبلغ 114667 جنيهًا قيمة الضريبة التى تطالبها بها مصلحة الضرائب على المبيعات، بواقع سبعة جنيهات ونصف عن كل لتر كحول إثيلى نقى غير محوّل، وذلك على سند من القول بأنه فى غضون شهر فبراير سنة 2002 وقع حادث لإحدى سيارتها، مما نتج عنه انسكاب حمولتها من الكحول، وحُرر عن ذلك الحادث المحضر رقم 835 لسنة 2002 إدارى أبو قرقاص، وانتهت النيابة العامة إلى حفظه إداريًا، بيد أن مصلحة الضرائب على المبيعات طالبتها بالمبلغ المشار إليه كضريبة مبيعات مقررة على كمية الكحول المسكوبة، وأثناء نظر الدعوى بجلسة 29/ 9/ 2003، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص المسلسل رقم (7/ ج) من الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "يكون سعر الضريبة على السلع 10% وذلك عدا السلع المبينة فى الجدول رقم (1) المرافق فيكون سعر الضريبة على النحو المحدد قرين كل منها.
ويحدد الجدول رقم (2) المرافق سعر الضريبة على الخدمات.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية إعفاء بعض السلع من الضريبة وتعديل سعر الضريبة على بعض السلع.
كما يجوز لرئيس الجمهورية تعديل الجدولين رقمى (1) و(2) المرافقين".
وحيث إن الجدول رقم (1) المشار إليه قد تضمن نص المسلسل رقم (7) على النحو الآتى:
"( أ ) كحول إثيلى نقى غير محوّل تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر، ووحدة تحصيله "اللتر الصرف"، وفئة الضريبة ثلاثة جنيهات لكل من المستورد والمحلى.
(ب) كحول إثيلى نقى غير محول تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر (يستخدم فى صناعة العطور والكولونيا........)، ووحدة تحصيله "اللتر الصرف"، وفئة الضريبة ثلاثة جنيهات لكل من المستورد والمحلى.
(ج) كحول إثيلى غير محول تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر للأغراض الطبية (بشرط أنه يتم توزيعه تحت إشراف وزارة الصحة)، ووحدة تحصيله "اللتر الصرف"، وفئة الضريبة 00.750 جنيه لكل من المستورد والمحلى....".
وإعمالاً للفقرتين الثالثة والرابعة من المادة (3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه؛ صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 بتعديل الجدولين المرافقين للقانون المذكور، ونصت المادة الأولى من هذا القرار على أن "يُعدّل المسلسلان رقما (4، 7) من الجدول رقم (1) المرافق للقانون رقم 11 لسنة 1991 بإصدار قانون الضريبة العامة على المبيعات، وفقًا لما هو مبين بالكشف حرف ( أ ) المرفق بهذا القرار".
وقد تضمن هذا الكشف بالنسبة للمسلسل رقم (7) المشار إليه ما يأتى:
"( أ ) كحول إثيلى نقى غير محوّل مهما بلغت درجته الكحولية، ووحدة تحصيله اللتر الصرف، وفئة الضريبة سبعة جنيهات ونصف جنيه لكل من المستورد والمحلى...".
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بحكمها الصادر فى القضية الدستورية رقم 79 لسنة 22 قضائية بجلسة 14/ 10/ 2012؛ بعدم دستورية ما تضمنه نص البند (أولا) من المادة (3) من القانون رقم 2 لسنة 1997 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 من العمل بأحكامه اعتبارًا من 5/ 3/ 1992.
وحيث إن البند "أولاً" من المادة (3) من القانون رقم 2 لسنة 1997 المشار إليه صار ينص مقروءًا فى ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا السالف البيان على أنه: "أولاً يُعدل المسلسلان رقما 4 و7 من الجدول رقم (1) المرافق للقانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه وفقًا لما هو مبين بالجدول (د) المرافق لهذا القانون".
وقد ردد الجدول (د) المشار إليه ما تضمنه المسلسلان رقما (4 و7) من الكشف ( أ ) المرفق بقرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 المشار إليه.
وتنص المادة (11) من القانون رقم 2 لسنة 1997 المشار إليه على أن "تُلغى قرارات رئيس الجمهورية أرقام..... و77 لسنة 1992 و......، وذلك اعتبارًا من تاريخ العمل بكل منها"، كما تنص المادة (12) من القانون ذاته على أن "تُلغى الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة (3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991".
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا - وعلى ما جرى عليه قضاؤها - هى وحدها التى تهيمن على تكييف الدعوى الدستورية وإضفاء الوصف القانونى الصحيح عليها، كما استقر قضاؤها على أن نطاق الدعوى الدستورية يتسع لتلك النصوص التى أُضير المدعى من جراء تطبيقها عليه - ولو لم يتضمنها الدفع بعدم الدستورية أو حكم الإحالة - إذا كان فصلها عن النصوص التى اشتمل الدفع عليها أو شملها حكم الإحالة متعذرًا، وكان ضمها إليها كافلاً الأغراض التى توخاها المدعى بدعواه الدستورية أو حكم الإحالة، فلا تُحمل إلا على مقاصده، ولا تتحقق مصلحته الشخصية والمباشرة بعيدًا عنها. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية قد طلبت الحكم بعدم دستورية المسلسل رقم (7/ ج) من الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997، فيما نص عليه من تحديد سعر الضريبة على اللتر الصرف من الحكول الإثيلى النقى غير المحول؛ بمبلغ سبعة جنيهات ونصف، فإن صحيح ما تتغيا الحكم بعدم دستوريته يتمثل فى المسلسل رقم (7/ أ) من الجدول المشار إليه، باعتباره يتعلق بوعاء الضريبة محل النزاع فى الدعوى الموضوعية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول براءة ذمة الشركة المدعية من قيمة الضريبة العامة على المبيعات التى قامت مصلحة الضرائب على المبيعات بمطالبتها بسدادها، وكانت هذه الشركة تبغى من دعواها الماثلة - مرتبطة بطلباتها الموضوعية على النحو السالف البيان - الحكم بعدم دستورية المسلسل رقم (7/ أ) من الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة عل المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997، فيما نص عليه من تحديد سعر الضريبة على اللتر الصرف من الحكول الإثيلى النقى غير المحول؛ بمبلغ سبعة جنيهات ونصف، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية تكون متحققة فى الطعن على هذا النص فى النطاق المشار إليه، بحسبان أن الفصل فى دستوريته سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية؛ على سند من القول بأنها لا تتحمل عبء الضريبة، وإنما يتحمله المستهلك النهائى للسلعة.
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الملتزم بالضريبة، دون أن يكون محملاً بعبئها، تقوم له مصلحة فى الطعن بعدم دستورية النص الفارض للضريبة، وذلك أن الحكم بعدم دستورية ذلك النص يعنى امتناع تحصيل الضريبة التى فرضها وانهدام الأساسى القانونى الذى تقوم عليه، خاصة أن الضريبة فى مثل هذه الحالة تُعتبر جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدى إلى زيادة فى التكلفة ويؤثر بالضرورة فى فرص تسويقها، والتى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب هذه السلعة فى الأسواق المحلية والدولية. متى كان ذلك؛ فإن الشركة المدعية تُعد مخاطبة بالنص المطعون فيه؛ باعتبارها ملتزمة بتوريد الضريبة إلى مصلحة الضرائب على المبعيات، وتبعًا لذلك؛ تتوافر مصلحتها الشخصية المباشرة فى الدعوى الماثلة، ويضحى الدفع بعدم قبولها واردًا على غير أساس، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (33 و34 و38 و61 و119) من دستور سنة 1971، على أن سند من أن هذا النص قد حدد سعر الضريبة على المنتج بما يجاوز 80% من قيمته البيعية، مما يخل بمبدأ العدالة الاجتماعية، ويعصف بحق الملكية، فضلاً عن إهداره الأركان الشكلية والموضوعية للضريبة.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن الدستور - وفقًا لما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا - قد أعلى من شأن الضريبة العامة، وقدّر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار الاقتصادية التى ترتبها، ومايز - ترتيبًا على ذلك - بنص المادة (38) منه، بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى حدود القانون، مما مؤداه أن السلطة التشريعية هى التى تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمنًا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديرها، وبيان مبلغها والملتزمين أصلاً بأدائه، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون. والأصل أن يتوخى المشرع - بالضريبة التى يفرضها - أمرين يكون أحدهما أصلاً مقصودًا منها ابتداءً، ويتمثل فى الحصول على غلتها؛ لتعود إلى الدولة وحدها، لتعينها على مواجهة نفقاتها، ويكون ثانيهما مطلوبًا منها بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة، كاشفًا عن طبيعتها التنظيمية، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها، أو حمل المكلفين بها - عن طريق عبئها - على التخلى عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثمًا جنائيًا. وينبغى أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونًا لمحتوى النظام الضريبى وغاية يتوخاها، ويتعين بالتالى - بالنظر إلى وطأة وخطورة تكلفة الضريبة - أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنًا عليها بمختلف صورها؛ محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها. ولا ينال من دستورية الضريبة أن يكون هدفها الحصول أصلاً من المكلفين بها على مبلغها مع تنظيم نشاطهم عرضًا بما يجعل استمرارهم فيه مرهقًا. ويقابل حق الدولة فى اقتضاء الضريبة حق الملتزمين بها والمسئولين عنها؛ فى تحصيلها وفق القوالب الشكلية والأسس الموضوعية التى ينبغى أن تكون قوامًا لها من زاوية دستورية، وبغيرها تنحل الضريبة عدمًا.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تحديد حقيقى للمال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة وسلامة بنيانها، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، وبالتالى يتعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً فى المال المحمل بعبئها، محققًا ومحددًا على أسس واقعية واضحة لا تثير لبسًا أو غموضًا، بما يمكن معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وباعتباره منسوبًا إليه ومحمولاً عليه. واختيار المشرع للمال محل الضريبة هو مما يخضع لسلطته التقديرية؛ وفق الشروط التى يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور، وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها، والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية فى شأن تحديد وعاء الضريبة وسعرها والملتزم بها، بأن حدد هذا السعر على أساس موحد بالنسبة لكمية ونوع السلعة الخاضعة للضريبة، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيق النص المذكور تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين به؛ بأن حدد السلعة الخاضعة للضريبة تحديدًا دقيقًا، معينًا ماهية السلعة بعبارة واضحة لا يشوبها لبس أو غموض، كما بيّن وحدة التحصيل وفئة الضريبة على نحو يقينى وجلى يتحقق به إحاطة الممولين بالعناصر التى تقيم البنيان القانونى لهذه الضريبة، متوخيًا فى ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى ويتخذها مضمونًا وإطارًا له، منظورًا إليها من زاوية طبيعة تلك السلع والفئات والجهات التى تقوم على ابتياعها بوصفها المحملة أصلاً بعبئها، ذلك أن هذا النوع من الضرائب غير المباشرة يُفرض على عمليات تداول السلعة؛ وقد خصّ المشرع السلع الواردة بالجدول رقم (1) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات، بعد تعديله على النحو المشار إليه، بأسعار خاصة راعى فيها أهمية السلعة وضرورتها الاجتماعية، وهى أمور تخضع للكثير من العوامل المتداخلة؛ مثل العرض والطلب على السعة وعناصر تكلفتها وضرورتها واستخداماتها وطبيعتها، وما إذا كانت كمالية أو ضرورية، ومدى وجود بدائل لها سواء كانت محلية أو مستوردة، وكلها مقاييس تدخل فى إطار السلطة التقديرية للمشروع، فضلاً عن أن هذا التحديد لسعر الضريبة ووعائها قد جاء بقانون صادر عن السلطة التشريعية التى تملك بيدها زمام الضريبة العامة ووضع القواعد الأساسية لتحصيل الأموال العامة وإجراءات صرفها، ومن ثم فلا يخل النص المطعون فيه بمبدأ العدالة الاجتماعية، ولا يهدر الأركان الشكلية والموضوعية للضريبة.
وحيث إن من المقرر أن الملكية لم تعد حقًا مطلقًا يستعصى على التنظيم التشريعى، ومن ثم غدا سائغًا تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التى يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع - فى ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال - محل الملكية - والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها على النحو الذى يحقق الصالح العام للمجتمع؛ تقديرًا بأن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تُعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضًا مع الخير العام للشعب ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها؛ مراعيًا أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية. ولئن كانت الضريبة العامة، بل وكافة الفرائض المالية، تمثل فى حقيقتها عبئًا ماليًا على الممولين؛ إذ هى فى كافة صورها تشكل اقتطاعًا لقيمتها من أموال الممولين وتقتضيها الدولة منهم بما لها من سيادة، إلا أن هذه الفريضة فى الوقت ذاته تُعد من أهم مارد الدولة المالية التى تعينها على أداء مهامها ووظائفها الحيوية فى مختلف أوجه الأنشطة الموكولة إليها، ومن هنا وجب على المشرع التوفيق دائمًا بين حماية الملكية الخاصة ومبدأ ضرورة الضريبة، وذلك فى إطار من المبادئ الدستورية التى لا حول عنها، ولا تحلل منها، ومن أهمها ألا يكون القصد من فرضها مجرد جباية الأموال فى حد ذاتها، وأن يكون الدخل هو الوعاء الأساسى للضريبة، وألا تكون رؤوس الأموال وعاءً لها بصورة استثنائية. ولئن كانت تلك المبادئ الدستورية قد تقررت فى شأن الضرائب المباشرة، إلا أنه يمكن تسريتها على الضرائب غير المباشرة، بحيث يمكن القول بأن الأخيرة يتعين ألا تتمخض فى نهاية أمرها عن عدوان على الملكية الخاصة للممول؛ مما يقتضى بالضرورة أن يُقابل حق الدولة فى اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها والمسئولين عنها فى تحصيلها منهم، وفق تلك الأسس الموضوعية التى يكون إنصافها نائيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها؛ إذ إن الضريبة؛ وإن مثلت - فى حقيقتها - اقتطاع جزء من ملكية الممول، إلا أن ذلك يأتى واقعًا فى إطار الدور الاجتماعى لحق الملكية، بحسبان الضريبة العامة هى ضرورة اجتماعية أيضًا لكل تنهض الدولة بمسئولياتها الملقاة على عاتقها فى شتى مجالات الخدمات التى تقدمها من صحة وتعليم ومرافق وغيرها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الضريبة العامة على المبيعات ضريبة غير مباشرة تقوم الشركة المدعية، بتوريدها، بعد تحصيلها من المستهلك؛ وهى بحسبانها ضريبة غير مباشرة بتحمل المستهلك عِبْأها النهائى، وتبعًا لذلك؛ تنتفى قالة المساس بحق الملكية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد (33) و(35) و(38) و(126) من الدستور، كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة