الجريدة الرسمية - العدد 19 مكرر ( أ ) - السنة التاسعة والخمسون
9 شعبان سنة 1437هـ، الموافق 16 مايو سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من مايو سنة ٢٠١٦م، الموافق الثلاثين من رجب سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 36 قضائية "دستورية"
بعد أن أحالت محكمة الزقازيق الابتدائية" مأمورية بلبيس الكلية" بحكمها الصادر بجلسة 25/ 12/ 2013 ملف الدعوى رقم 376 لسنة 2013 عمال كلى.

المقامة من

السيد/ محمد على السيد.

ضـد

السيد رئيس مجلس إدارة شركة أوميا إيجيبت للتعدين.


الإجراءات

بتاريخ التاسع من فبراير سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 376 لسنة 2013 عمال كلى، بعد أن قضت محكمة الزقازيق الابتدائية بحكمها الصادر بجلسة 25/ 12/ 2013، بوقف الدعويين الأصلية والفرعية تعليقًا، وإحالتهما إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية نص المادة (70) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003, بعد استبدالها بالقانون رقم 180 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة, طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى, على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - فى أنه بموجب عقد عمل مؤرخ 1/ 11/ 2010، التحق المدعى بالشركة المدعى عليها، فى وظيفة عامل تشغيل أوناش وآلات رفع، وبتاريخ 24/ 2/ 2013، أبلغ فى المحضر رقم 767 لسنة 2013 إدارى قسم العاشر من رمضان، بأن الشركة قامت بمنعه من العمل اعتبارًا من 1/ 11/ 2012، دون مبرر، وفى اليوم التالى لتحرير المحضر، قدم شكوى إلى اللجنة الإدارية المختصة بالمضمون ذاته، ولتعذر قيامها بالتسوية الودية للنزاع، قامت بإحالته إلى المحكمة العمالية بمحكمة الزقازيق الابتدائية "مأمورية بلبيس الكلية"، وقيدت أماها برقم 376 لسنة 2013 عمال كلى، وبتاريخ 25/ 5/ 2013، قام العامل بإعلان طلباته الموضوعية، بإلزام الشركة بأن تؤدى له جملة مبالغ مستحقة له وتعويضه عن فصله تعسفيًا. وحال نظر الدعوى بجلسة 30/ 10/ 2013، وجهت الشركة المدعى عليها دعوى فرعية، بطلب الحكم برفض الدعوى الأصلية، وإلزام العامل بأن يؤدى لها مبلغ مائتى ألف جنيه، تعويضًا عن حصوله بغير حق على أوراق ومستندات تخص الشركة، والتقاضى الكيدى، وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، أوقفت نظر الدعويين الأصلية والفرعية، وأحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريته.
وحيث إن المادة (70) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بعد استبدالها بالقانون رقم 180 لسنة 2008، تنص على أن: "إذا نشأ نزاع فردى بين صاحب العمل والعامل فى شأن تطبيق أحكام هذا القانون أو أى من القوانين أو اللوائح المنظمة لعلاقات العمل الفردية، فلأى منهما أن يطلب من لجنة - تشكل من: ممثل للجهة الإدارية المختصة (مقررًا)، وممثل للمنظمة النقابية، وممثل لمنظمة أصحاب الأعمال - خلال عشرة أيام من تاريخ النزاع، تسويته وديًا، فإذا لم تتم التسوية خلال واحد وعشرين يومًا - من تاريخ تقديم الطلب - جاز لأى منهما أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية المنصوص عليها فى المادة (71) من هذا القانون، أو أن يلجأ إليها فى موعد أقصاه خمسة وأربعون يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية، سواء كان قد تقدم للّجنة بطلب التسوية أو لم يتقدم به، وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على المحكمة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى المنازعة فى الدعوى الموضوعية تدور حول نزاع عمل فردى شجر بين العامل (المدعى) وصاحب العمل (الشركة المدعى عليها)، بشأن ما يطالب به الأول من تعويضه عن فصله تعسفيًا، وصرف كافة مستحقاته المالية، وما تطالب به الثانية من إلزام العامل بتعويضها عن استيلائه بغير حق على مستنداتها، وعن التقاضى الكيدى. وقد ارتأت محكمة الموضوع أن العامل قد تجاوز مدة عشرة الأيام الواردة بنص المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، التى يجب خلالها أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة تسوية النزاع وديًا. وأن الشركة المدعى عليها قد تجاوزت مدة الخمسة والأربعين يومًا الواردة فى ذلك النص، لإبداء طلباتها فى الدعوى الفرعية أمام المحكمة العمالية، بما يسقط حقهما فى اللجوء إلى تلك المحكمة. ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية هاتين المدتين، وما ترتب عليهما من جزاء سقوط الحق فى إقامة الدعوى، يترتب انعكاسًا مباشرًا على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، الأمر الذى يتوافر معه شرط المصلحة فى الدعوى الماثلة، ويتحدد نطاقها بما ورد فى صدر المادة (70) من قانون العمل المشار إليه، ومن تحديد مدة عشرة أيام من تاريخ النزاع، لطلب تسويته وديًا من اللجنة الإدارية. وما ورد فى عجزه من تحديد مدة خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية لإقامة الدعوى أمام المحكمة العمالية، وإلا سقط الحق فى عرض الأمر عليها، دون سائر ما تضمنه النص من أحكام أخرى.
وحيث إن محكمة الموضوع تراءى لها أن جملة مثالب دستورية قد اعترت النص التشريعى المحال، فى خصوص ما رتبه، دون مبرر منطقى، من جراء سقوط حق العامل فى اللجوء إلى المحكمة العمالية عند تجاوز المواعيد الواردة فيه، وذلك على سند من أنها تمثل قيدًا على الحق فى اللجوء إلى القضاء والحصول على الحماية القضائية من خلال محاكمة منصفة، وافتئات من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية، وتدخل فى تكوين عقيدة المحكمة وسلطتها فى إعمال النصوص القانونية الأولى بالتطبيق، فضلاً عن مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية فى شأن الضرر والضرار، وحماية حقوق العباد تجاه ولى الأمر، وإخلال بمبدأ المساواة بين العمال وغيرهم من الدائنين الخاضعين لأحكام القانون المدنى فى الحصول على الحماية القضائية، وإخلال بمبدأى التضامن والتكافل الاجتماعى، وتساند أفراد المجتمع عند النوائب, والافتئات على الملكية الخاصة، وحق العامل فى الحصول على الأجر والمعاش. ومن جانب آخر، رأت محكمة الموضوع أن النص التشريعى المحل قد شابه الغموض واعتراه الإغفال، لعدم بيان نطاق سريانه على ما يبديه أطراف المنازعة العمالية من طلبات فى الدعوى الأصلية، أو بطريق الادعاء الفرعى، وكيفية حساب مدة الخمسة والأربعين يومًا التى يجب رفع الدعوى خلالها، وتحديد معيار بداية النزاع، والمقصود بفشل التسوية الودية، وما إذا كانت المواعيد الواردة بالنص يرد عليها الانقطاع والوقف والسقوط، خاصة فى ظروف الاضطرابات الأمنية، وما إذا كانت تلك المواعيد من النظام العام تتعرض لها المحكمة من تلقاء نفسها، أو يجب أن يتمسك أحد الخصوم بالسقوط قبل التعرض للموضوع، وما إذا كان ذلك السقوط من قبيل الدفع بعدم القبول الوارد فى المادة (115) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوصه تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة. وترتيبًا على ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص التشريعى المحال فى ضوء أحكام الدستور القائم الصادر عام 2014.
وحيث إن ما نسبته محكمة الموضوع للنص التشريعى المحال، بإخلاله بحق التقاضى والمحاكمة المنصفة، برصده جزاء سقوط الحق فى اللجوء إلى المحكمة العمالية، لمجرد تجاوز مدة عشرة الأيام المحددة لطلب تسوية النزاع وديًا من اللجنة الإدارية، أو تجاوز مدة الخمسة والأربعين يومًا المحددة لإقامة الدعوى أمام تلك المحكمة، مردود بما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا. وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها. وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صمّاء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا جافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل فى القضايا، غايته أن يتم الفصل فى الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها - خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًا. متى كان ذلك، وكان النص التشريعى المحال قد انتهج أسلوبًا لسرعة حسم منازعات العمل الفردية، على نحو يكفل مصالح أطرافها، وذلك بأن أجاز لكل من العامل وصاحب العمل اللجوء للجنة الإدارية المختصة، خلال عشرة أيام من تاريخ النزاع، بطلب تسويته وديًا، فإن لم تتم التسوية خلال واحد وعشرين يومًا من تاريخ الطلب، جاز لأيهما أن يطلب من الجهة الإدارية إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية المختصة، أو أن يرفع الدعوى مباشرة إلى تلك المحكمة خلال خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية، ولو لم يكن قد تقدم بطلب التسوية، وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على تلك المحكمة. وقد روعى فى تلك المواعيد - فضلاً عن الميعاد المحدد لتسوية النزاع وديًا - تحقيق استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل، والمواثبة إلى تصفية ما قد يشجر من منازعات بين العامل وصاحب العمل، وذلك مراعاة للطبيعة الخاصة لهذه المنازعة، وبما يكفل حماية حقوق العامل من عسف وسطوة صاحب العمل، وفى الحين ذاته تحقيق ما يصبو إليه صاحب العمل من انتظار العمل بمنشأته على نحو مرضٍ، وهو ما ينعكس أثره بالضرورة على المصلحة العامة. ومن ثم يتسق الهدف الذى سعى إليه المشرع، بالوسائل التى انتظمها ذلك النص، لتصفية تلك المنازعات من خلال إجراءات مبسطة، وفى غضون فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول على نحو يلحق بأى من أطرافها ضررًا، لا يكون قصرها متناهيًا إلى حد يعوق طلب الحماية القضائية، وهو ما يدور فى فلك اصطباغ منازعات العمل الفردية بالسمات العامة للمنازعات المستعجلة التى تستوجب السرعة فى حسمها. ومن ثم تكون المدد الزمنية الواردة بالنص التشريعى المحال - فى النطاق السالف تحديده - واقعة فى إطار السلطة التقديرية للمشرع فى تنظيم حق التقاضى، ولا تنال منه أو من ولاية القضاء، ولا تعزل المحاكم عن نظر المنازعة العمالية التى تختص بالفصل فيها، بل تقتصر على تحديد ميعاد يسقط بفواته الحق فى إقامة الدعوى بطلب الحقوق التى كفلها القانون، فلا ينقطع جريانها أو يقف سريانها لتعلقها بالنظام العام. وإذا فرض المشرع المدد الزمنية المشار إليها لتحقيق المهمة التى ناطها بها، وهى أن تكون حدًا زمنيًا نهائيًا لطرح المنازعة على المحكمة العمالية، فإن التقيد بها - وباعتبارها شكلاً جوهريًا فى التقاضى تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل التى عينها خلال المدة التى حددها - لا يعنى مصادرة الحق فى الدعوى، بل يظل هذا الحق قائمًا ما بقى ميعاد رفعها مفتوحًا، وليس ذلك إلا تنظيمًا تشريعيًا للحق فى التقاضى، لا مخالفة فيه لنص المادة (97) من الدستور.
وحيث إن ما ارتأته محكمة الموضوع من أن أحكام النص التشريعى المحال تمثل تدخلاً من المشرع فى تكوين عقيدة المحكمة، وسلطتها فى إعمال النصوص القانونية التى ترى أنها الأولى بالتطبيق على النزاع المعروض عليها، بما يُعد افتئاتًا من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية، فمردود بما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل هاتان الولايتان أو تتماسّان، بل يتعين دومًا مراعاة الحدود التى فصل فيها الدستور بينهما، فلا تباشر السلطة التشريعية غير اختصاصاتها التى بينتها المادة (101) من الدستور، ومن بينها سلطة إقرار التشريعات، ولا تتولى السلطة القضائية - من خلال محاكمها على اختلاف أنواعها ودرجاتها - إلا ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات التى أثبتتها لها المادة (184) من ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص التشريعى المحال لم ينطوِ على أى تدخل فى تكوين المحكمة العمالية لعقيدتها، إذا ما رفع النزاع إليها فى غضون الميعاد الذى حدده المشرع، كما لم ينطوِ على إلزام تلك المحكمة بإعمال نص قانونى بعينه، فإنه لا يكون قد تغول على اختصاص محجوز للسلطة القضائية.
وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع من مخالفة النص التشريعى المحال لأحكام الشريعة الإسلامية فى شأن قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وضمان حقوق العباد تجاه ولى الأمر، فمردود فى جملته - فضلاً عن كونه نعيًا مجهلاً بشأن المقصود منه - بما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا، من أن ما نص عليه دستور سنة 1971، فى مادته الثانية بعد استبدالها فى 22/ 5/ 1980، - وتردد حكمه فى كافة الدساتير المصرية التالية حق الدستور القائم - من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 وما طرأ عليه من تعديلات - فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ إذا هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومستلهمًا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حقًا على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان واجبًا عليه ألا يشرّع حكمًا يضيّق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى - فى الآية (6) من سورة المائدة - "ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عليكُم منْ حَرَجٍ". لما كان ذلك، وكان ما طواه النص التشريعى المحال من تنظيم لتصفية منازعات العمل الفردية، خلال المواعيد الإجرائية الواردة فيه، لم يرد بشأنها نص قطعى الثبوت والدلالة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيها، تنظيمًا لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل حركتهم فى الحياة، وذلك فى إطار الأصول الكلية للشريعة، وبما يصون مقاصدها العامة، وهو ما سعى إليه المشرع فى النص المحال، مستهدفًا من خلال الإجراءات والمواعيد التى حواها بلوغ الغاية المتمثلة فى تصفية تلك المنازعات خلال أجل مناسب, سدًا للذرائع التى ينفذ من خلالها المبطلون لإطالة أمد النزاع فى تلك الدعاوى، نظرًا لطبيعتها، ودرءًا للأضرار الناجمة عن طول أمد التقاضى فيها. وقد رصد المشرع جزاء سقوط الحق فى اللجوء إلى المحكمة العمالية عند مخالفة المواعيد الواردة فى ذلك النص، استنادًا إلى أن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص من القواعد الشرعية المقررة، وأن يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، أو أن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة حقوقهم من العبث والضياع، وهو أظهر ما يكون فى منازعات العمل الفردية، خاصة بالنسبة للعامل، الذى يعتبر الأجر، وما يلحق به، مصدر رزقه الوحيد فى الأغلب الأعم. ومن ثم يكون ذلك النص متفقًا والمقاصد العامة للشريعة بما توجبه من الحفاظ على المال، وعدم ضياع الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو الذى عناه نص المادة (2) من الدستور.
وحيث إن ما أثاره حكم الإحالة من إخلال النص التشريعى المحال بمبدأ المساواة، بمقولة أنه أوجب على العامل، فى منازعات العمل الفردية، تقديم طلب للجنة الإدارية المختصة، خلال عشرة أيام من النزاع، لتسويته وديًا، وإقامة الدعوى أمام المحكمة العمالية، خلال مدة خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة لتسوية النزاع وديًا، وإلا سقط حقه فى إقامتها، بينما الدعاوى الخاضعة لأحكام القانون المدنى، التى يقيمها غيره من الدائنين لا يتقيد قبولها بهذا القيد الزمنى، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، لا يعنى أن تعامل فئاتهم - على تباين مراكزهم القانونية - معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التى تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين، والنتائج التى رتبها عليها ليكون التمييز بالتالى موافقًا لأحكام الدستور، التى ينافيها انفصال هذه النصوص عن أهدافها وتوخيها مصالح ضيقة لا تجوز حمايتها. لما كان ذلك، وكان العمال الخاضعون لأحكام قانون العمل, تختلف مراكزهم القانونية فى المطالبة القضائية بحقوقهم فى منازعات العمل الفردية، عن غيرهم من الدائنين فى المنازعات المدنية الأخرى، ذلك أن علاقة العمال بأصحاب الأعمال علاقة عقدية تخضع لأحكام عقد العمل والقوانين واللوائح المنظمة له، بينما علاقة غيرهم من الدائنين تستمد من سند المديونية الذى يربط كلاً منهم بمدينه. فضلاً عن اصطباغ منازعات العمل الفردية - نظرًا لطبيعتها - بالسمات العامة لمنازعات المستعجلة، التى تستوجب السرعة فى حسمها، درءًا للأضرار الناجمة عن إطالة أمد التقاضى بشأنها. ومن جانب آخر، فإن النص التشريعى المحال لا يقيم فى مجال سقوط الحق فى اللجوء إلى المحكمة العمالية تمييزًا بين العامل وصاحب العمل، بل ساوى بينهما فى هذا المجال، ومن ثم فإن قالة إخلال ذل النص بمبدأ المساواة المكفول لجميع المواطنين بموجب المادة (53) من الدستور، يكون منتحلاً.
وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع على النص التشريعى المحال بأنه يخل بمبدأ الضمان الاجتماعى، والكفالة الاجتماعية التى تتطلب تساند أعضاء المجتمع وتكافلهم عند النوائب، فمردود بما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن مقتضى ما نص عليه الدستور فى المادة (8) منه - كغيره من الوثائق الدستورية السابقة عليه - من قيام المجتمع على التضامن الاجتماعى، والتزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، مؤداه تداخل مصالح أعضاء الجماعة لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها، بما يرعى القيم التى يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق آخر انتهازًا، ولا ينال قدرًا من الحقوق يكون بها - دون مقتضٍ - أكثر امتيازًا من سواه، بل يتمتعون جميعًا بالحقوق عينها - التى تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل ذاتها التى تعينهم على ممارستها. متى كان ذلك، وكان التنظيم التشريعى الذى أوجده المشرع فى النص المحال، بما حواه من حد زمنى لطلب تسوية النزاع وديًا أو للجوء إلى المحكمة العمالية من ذوى الشأن وإلا سقط حقهم فى اللجوء إليها، إنما جاء فى إطار السلطة التقديرية للمشرع فى تنظيم حق التقاضى، كافلاً فى شأنه المساواة بين العامل وصاحب العمل، ودون أن يميز أحدهم على الآخر فى هذا الشأن، فلا يتقدم على ضوئها أحدهم على الآخر انتهازًا، ولا ينال قدرًا من الحقوق يكون بها أكثر امتيازًا عن الآخر، بل تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها، وبالوسيلة ذاتها التى تعينهم على ممارستها. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص التشريعى المحال بالتضامن أو التكافل الاجتماعى بين أفراد المجتمع، يكون لغوًا، لا سند له، جدير بالالتفات عنه.
وحيث إن ما نعته محكمة الموضوع على النص التشريعى المحال، فيما تضمنه من سقوط الحق فى اللجوء إلى المحكمة العمالية إذا لم يتم خلال المدد الزمنية الواردة فيه، من افتئاته على الملكية الخاصة، فى خصوص ما يستحق للعامل من أجر ومعاش، فمردود بأن المدة التى أجاز المشرع لأى من أطراف النزاع طلب تسويته وديًا من اللجنة الإدارية، أو المدة التى يجب اللجوء خلالها إلى المحكمة العمالية - وهى من الشروط الإجرائية لقبول الدعوى - قصد بها تصفية تلك المنازعات خلال أجل مناسب، بما يحفظ المستحقات المالية للعمال، سواء كانت أجرًا، وهو أحد عناصر تقدير المعاش، أو تعويضًا، بما يثرى الجانب الإيجابى للذمة المالية، والتى تتأثر سلبًا إذا طال أمد النزاع، بما لازمه حمل العمال على الالتزام بتلك المواعيد - وهى ليست بالقصيرة - والفرض فيهم أنهم الأحرص على الذود عن حقوقهم، ذلك أن الحماية القضائية للحقوق لا ينالها إلا من هو جاد وحريص فى الذود عنها. ومن ثم فإن قالة افتئات النص التشريعى المحال على الحماية المقررة للحق فى الأجر، والحق فى المعاش، والملكية الخاصة، المكفولة بنصوص المواد (12، 17، 35) من الدستور القائم تكون فاقدة لسندها.
وحيث إن ما نسبته محكمة الموضوع للنص التشريعى المحال من اعتواره بالغموض والإغفال، فمردود من وجهين، أولهما: أن التعرض لتلك الأمور من صميم اختصاص محكمة الموضوع, من خلال فهمها وتفسيرها لأحكام قانون العمل، فى ضوء ما ورد بمذكرته الإيضاحية وأعماله التحضيرية، وما نصت عليه المادة (3) منه، بأنه "القانون العام الذى يحكم علاقات العمل، مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية وأحكام المادة (5) من هذا القانون", وما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (71) من ذلك القانون، من أنه "...، ويتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى هذا القانون، أحكام قانونى المرافعات والإثبات فى المواد المدنية والتجارية". وما تصل إليه محكمة الموضوع فى هذا الشأن، يخضع للرقابة القضائية التى تتولاها المحكمة الأعلى منها، وفقًا للأصول التى قوم عليها التنظيم القضائى. وثانيهما: أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص التشريعية - على النحو المقررة بنص المادة (192) من الدستور الحالى، والمادة (33) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - له طرائقه وشرائطه، لا تقبل الدعوى بشأنه إلا من خلال ولوجه، وهو ما لا يتوافر فى الدعوى الماثلة.
وحيث إن النص التشريعى المحال - فى النطاق السالف تحديده - لا يتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

أمين السر رئيس المحكمة