الجريدة الرسمية - العدد 39 (مكرر) - السنة التاسعة والخمسون
2 المحرم سنة 1438هـ، الموافق 3 أكتوبر سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع والعشرين من سبتمبر سنة ٢٠١٦م، الموافق الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 25 لسنة 36 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ شاهيناز محمد عبد المجيد بدراوى

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير العدل.
4 - السيد النائب العام.
5- السيد محافظ البنك المركزى.
6- الشركة الشرقية للهندسة والتجارة.


الإجراءات

بتاريخ الثانى والعشرين من فبراير سنة 2014، أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة في ختامها الحكم بعدم دستورية البند (12) من المادة (4) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 فيما لم يتضمنه من اختصاص قضائيًا الجنائى نوعيًا ومكانيًا بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد بالمحكمة الاقتصادية المختصة، وما يترتب على ذلك من عدم اختصاص محكمة جنح مستأنف شمال الجيزة بنظر الدعوى الموضوعية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها, طلبت في ختامها الحكم, أصليًّا: بعدم قبول الدعوى, واحتياطيًّا: برفضها.
كما قدمت الشركة المدعى عليها السادسة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن الشركة المدعى عليها السادسة أقامت الجنحة رقم 5047 لسنة 2013 العجوزة بطريق الادعاء المباشر ضد المدعية لتوقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، لاتهامها بإصدار شيك بدون رصيد للشركة المذكورة. وبجلسة 15/6/2013 حكمت المحكمة بحبس المدعية سنة مع الشغل وإلزامها بمبلغ 5001 جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت، فطعنت المدعية على هذا الحكم بالاستئناف رقم 11487 لسنة 2013 أمام محكمة جنح مستأنف شمال الجيزة. وبجلسة 22/ 1/2014 دفعت المدعية بعدم دستورية البند (12) من المادة (4) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (4) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 تنص على أن "تختص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، دون غيرها، بنظر الدعاوى الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الآتية:
1- .........
.........................
12- قانون التجارة في شأن جرائم الصلح الواقى من الإفلاس.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه، مخالفته لنصى المادتين (40، 68) من دستور سنة 1971، على سند من أن خلو النص المطعون فيه من جريمة إصدار شيك بدون رصيد المعاقب عليها بالمادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، إنما ينطوى على سلب لاختصاص القاضى الطبيعى بنظر الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، وإهدار النص المطعون فيه لمبدأ المساواة بين المتهم في جريدة إصدار شيك بدون رصيد، ونظيره مرتكب إحدى جرائم الصلح الواقى من الإفلاس، بقصره اختصاص المحاكم الاقتصادية على الجرائم الأخيرة وحدها، دون الجريمة الأولى رغم انتظامها جميعًا في قانون التجارة المشار إليه، وتكافؤ المراكز القانونية للمتداعيين في كلتا الحالتين، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزًا تحكميًا غير مبرر، وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ المساواة وتقييدًا لحق المتقاضى في اللجوء إلى قاضيه الطبيعى.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعاوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكانت المدعية تبغى من دعواها الماثلة الحكم بعدم دستورية نص البند (12) من المادة (4) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليه، فيما لم يتضمنه من اختصاص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد مما مؤداه انحسار اختصاص غيرها من الدوائر الجزئية والابتدائية بمحاكم جهة القضاء العادى عن نظر الدعاوى الجنائية السالف ذكرها. ومن ثم فإن مصلحة المدعية الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على هذا النص في النطاق المشار إليه، بحسبان أن الفصل في دستوريتها سيكون له انعكاس على الحكم في الدعوى الموضوعية.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم – لأحكام المادتين (40، 68) من دستور سنة 1971، وكان نصا هاتين المادتين يتطابقان في أحكامهما مع نصى المادتين (53، 97) من دستور سنة 2014.
وحيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغالية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارسته، وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطه التقديرية، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور. وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص أبعادها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، مما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه دستوريًا هو ما يكون تحكميًا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يُعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيًّا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التى يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا.
وحيث إنه، من المقرر كذلك – في قضاء هذه المحكمة – أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر في طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخوّل للناس جميعًا فلا يتميزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائى لاختصاص المحاكم الاقتصادية بنظر الدعاوى الجناية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين التى عددتها المادة (4) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، ووضع لذلك معيارًا يقوم على أساس الطبيعة الاقتصادية الخالصة للتصرف القانونى أو النشاط الذى نشأ عنه أو ترتب عليه فعلاً مكونًا للركن المادى لجريمة نص عليها في أحد القوانين التى أوردتها حصرًا المادة السالف ذكرها، فخص بالنص المطعون فيه الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، دون غيرها، بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن جرائم الصلح الواقى من الإفلاس، كونها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأعمال التجارية، المؤثرة حتمًا في الشأن الاقتصادى، فلا تقع هذه الجرائم إلا بمناسبة طلب أو قبول صلحٍ واقٍ من إفلاس تاجر، إذ ترتكب الجريمة المذكورة ممن له صفة التاجر مدينًا كان أم دائنًا، ولا يقترفها غير تاجر إلا إذا كان أمينًا للصلح اشترك بسوء نية في تقديم أو الإقرار ببيانات غير صحيحة عن حالة المدين التاجر، ولا كذلك الحال في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، حيث لا يتطلب النص المؤثم لهذا الفعل أن تتوافر صفة التاجر في فاعل هذه الجريمة، كما أن الشيك باعتباره أداة وفاء، قد يصدر مقابلاً لالتزام ينشأ عن معاملة مدنية منبتة الصلة بأى من الأعمال التجارية كما عرفها قانون التجارة، الأمر الذى يكون معه استبعاد النص المطعون فيه جريمة إصدار شيك بدون رصيد من اختصاص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، قد تساند إلى أسس موضوعية، لا يقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين بها، كما يقوم على أسس مبررة ترتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، وبالتالى تنتفى عنه قالة الإخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إن التنظيم التشريعى للدعاوى الجناية التى تختص بنظرها المحاكم الاقتصادية مرتبطًا في مجمله بالغايات التى استهدفها المشرع من هذا القانون والتى تتمثل – على ما يتضح جليًّا – من أعماله التحضيرية – في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الاقتصادى الذى يعتبر الزمن عنصرًا جوهريًا فيه، وعاملاً أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بهذا الفرع من النشاط، مع عدم الإخلال في الوقت ذاته بكفالة الضمانات الأساسية لحق التقاضى، ولا بأركانه التى كفلها الدستور، والتى يقع اللجوء إلى القاضى الطبيعى في الصدارة منها، إذ كان ذلك وكان النص المطعون فيه قد استبعد جريمة إصدار شيك بدون رصيد من اختصاص المحاكم الاقتصادية وما يستتبعه ذلك من اختصاص الدوائر الجنائية بمحاكم السلطة القضائية، على اختلاف درجاتها، بالفصل في هذه الجريمة، فإن هذا الاستبعاد لا يتعارض مع أى من الضمانات الأساسية لحق التقاضى، لاسيما اللجوء إلى القاضى الطبيعى، في ضوء ما نصت عليه المادة (188) من الدستور من اختصاص محاكم جهة القضاء العادى بالفصل في كافة الجرائم، وعلى نحو دعا المشرع في قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية إلى الالتزام بإسناد الفصل في الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين المسماة في المادة (4) من القانون ذاته إلى قضاة من جهة القضاء العادى يندبون للمحاكم الاقتصادية وفق نصى المادتين (1، 2) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية المشار إليها آنفًا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يعد مخالفًا لأحكام المادتين (53، 97) من الدستور, كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
وحيث إنه عن طلب المدعية الحكم بعدم اختصاص محكمة جنح مستأنف شمال الجيزة بنظر الدعوى الموضوعية، فإنه مما يخرج عن ولاية هذه المحكمة، ويغدو – من ثم – متعينًا عدم قبوله.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة