الجريدة الرسمية - العدد 3 مكرر (هـ) - السنة الستون
26 ربيع الآخر سنة 1438هـ، الموافق 24 يناير سنة 2017م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من يناير سنة 2017م، الموافق السادس عشر من ربيع الآخر سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ".

المقامة من

سامى محمد حفنى.

ضـد

1 - رئيس محكمة النقض.
2 - النائب العام.


الإجراءات

بتاريخ الثامن والعشرين من يناير سنة 2016، أقام المدعى هذه الدعوى بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم محكمة النقض الصادر فى الطعن رقم 14935 لسنة 83 قضائية، والاعتداد بالحكم الصادر فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى وآخر إلى المحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنايات الجيزة، فى الدعوى رقم 8701 لسنة 2012 جنايات أطفيح، المقيدة برقم 4873 لسنة 2012 كلى جنوب الجيزة، أسندت فيها إلى المدعى بأنه فى يوم 10/ 8/ 2012, بدائرة مركز شرطة أطفيح بمحافظة الجيزة: (1) استعمل القوة والتهديد قبل مأمورى الضبط القضائى لحملهم بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهم، وهو ضبطه، وقام بإطلاق أعيرة نارية صوبهم، وبلغ مقصده من ذلك، وهو تمكنه من الهرب. (2) حاز سلاحًا ناريًا مششخنًا "بندقية آلية" حال كونها من الأسلحة التى لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها. (3) حاز ذخائر مما تستعمل على السلاح آنف البيان بدون ترخيص. وطلبت عقابه بالمادة (137 مكرر "أ"/ 1، 2) من قانون العقوبات، والمواد (6، 26/ 3، 4، 30) من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقرار بالقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند (ب) من القسم الثانى من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون ذاته. وبجلسة 3/ 3/ 2013، قضت المحكمة حضوريًا بمعاقبة المدعى - عن جملة ما أسند إليه من اتهام للارتباط - بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، ومصادرة السلاح النارى والذخائر المضبوطين، وذلك عملاً بنص المادة (32) من قانون العقوبات، بإنزال عقوبة جناية إحراز سلاح مششخن (بندقية آلية) مما لا يجوز الترخيص بحيازته وإحرازه، باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد، واستعمال الرأفة مع المتهم، إعمالاً للمادة (17) من قانون العقوبات، باستبدال عقوبة السجن المشدد فى حدها الأدنى، بعقوبة السجن المؤبد. وإذ لم يرتض المدعى والنيابة العامة هذا الحكم، طعنًا عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 14935 لسنة 83 قضائية، وقضت تلك المحكمة بجلسة 7/ 4/ 2014، بقبول طعن المدعى شكلاً، ورفضه موضوعًا، وبقبول طعن النيابة العامة شكلاً، وبتصحيح الحكم المطعون فيه بالنسبة للمدعى بجعل العقوبة المقيدة للحرية السجن المؤبد، وبتغريمه خمسة آلاف جنيه، بالإضافة لعقوبة المصادرة المقضى بها، وإعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه. وإذ أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 8/ 11/ 2014 حكمها فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها، فقد أقام المدعى الدعوى المعروضة، على سند من أن الأثر الرجعى لهذا الحكم، يُعد بمثابة قانون أصلح له، يستدعى إعماله فى حقه، والقضاء بالاستمرار فى تنفيذه، وعدم الاعتداد بحكم محكمة النقض المشار إليه.
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنص فقرتها الثالثة على أن" "وتكون العقوبة السجن المؤبد، وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجانى حائزًا أو محرزًا، بالذات أو بالواسطة، سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثانى من الجدول رقم (3)". وتنص فقرتها الرابعة على أن" "ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز، بالذات أو بالواسطة، ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمى (2 و3)". وتنص فقرتها الأخيرة على أن: "واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة".
وتنص المادة (17) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة1937 على أن "يجوز فى مواد الجنايات - إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة - تبديل العقوبة على الوجه الآتى:
- عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد.
- عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن......".
وحيث إن المدعى أقام منازعة التنفيذ المعروضة، على سندمن أن الحكم البات الصادر بإدانته من محكمة النقض، يُعد عائقًا يحول دون إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية الدستورية رقم 196 لسنة 35 قضائية، بجلسة 8/ 11/ 2014، والذى يُعد بمثابة قانون أصلح للمتهم.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن قوام منازعة التنفيذ التى تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها، وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تعترض تنفيذ حكمها عوائق تحول قانونًا - بمضمونها - دون اكتمال مداه، أو تقيد اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة أو يحد منها. ومن ثم تكون هذه العوائق هى محل منازعة التنفيذ التى تستهدف إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها. وتتدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة هذه العوائق التى يفترض أن تكون قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول، دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، وسبيلها فى ذلك الأمر بالمضى فى تنفيذ أحكامها، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذى عطل مجراها. بيد أن تدخل هذه المحكمة لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين جميعهم دون تمييز، يفترض أمرين، أولهما: أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيهما: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها.
وحيث إن الخصومة فى الدعوى الدستورية، وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية، قوامها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور، تحريًا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية، أو هى بالأحرى محلها، وإهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة. ويقتصر نطاق الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى تلك الدعوى، على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت فى مضمونها. كما أن قوة الأمر المقضى لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من الأسباب اتصالاً حتميًا بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها.
وحيث إن المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، تنص على أن "أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة....... فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى، تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادًا إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه".
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن قانونها - ضمانًا لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها عدوانًا - قد نص فى المادة (49) منه على أنه "إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى، تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادًا إلى ذلك النص كأن لم تكن"، وهو ما يعنى سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعًا، لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وتلك هى الرجعية الكاملة التى أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهى - بعد - رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفًا لكل عائق على خلافها ولو كان حكمًا باتًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى - أيضًا - على أن التفسير المنطقى السديد لما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا، بشأن إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر منها بعدم دستورية نص جنائى، اعتبار الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادًا إلى ذلك النص كأن لم تكن ولو كانت باتة. وينسحب هذا الأثر إلى الأحكام التى تزيل وصف التجريم أو تضييق من مجاله، باعتباره وضعًا تأباه العدالة إذا ما أسقط الحكم هذا الوصف عن الأفعال التى ارتكبها المتهم، أو عن طريق تعديل تكييفها، أو بتغيير بنيان بعض عناصرها، بما يمحو عقوبتها كلية أو يجعلها أقل وطأة، استنادًا إلى أن هذا الأثر يسرى فى شأن الأحكام السابقة على صدوره ولو كانت باتة، طبقًا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون هذه المحكمة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 8/ 11/ 2014، فى القضية رقم 196 لسنة35 قضائية "دستورية"، ولئن لم يتعرض - سواء فى منطوقه أو ما يتصل به من أسبابه اتصالاً حتميًا - للفصل فى دستورية أى من نصوص مواد الاتهام المسند إلى المدعى ارتكاب الجرائم الواردة، بها، والتى صدر على أساسها حكم محكمة النقض بجلسة 7/ 4/ 2014، فى الطعن رقم 14935 لسنة 83 قضائية، بتصحيح الحكم المطعون فيه بجعل العقوبة المقيدة للحرية السجن المؤبد وبتغريمه خمسة آلاف جنيه، بالإضافة لعقوبة المصادرة المقضى بها، وهو الحكم الذى يطلب المدعى عدم الاعتداد به فى منازعة التنفيذ المعروضة، إلا أن حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه قد انتهى إلى عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها، وتبعًا لذلك ينصرف أثر هذا الحكم إلى إزالة القيد الوارد على السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون المشار إليه، وهو القيد المتمثل فى عدم جواز النزل بالعقوبة؛ بما يجعل حكمها - بعد إزالة هذا القيد - أقل وطأة، إذا ارتأت استعمال سلطتها التقديرية فى النزول بالعقوبة طبقًا لنص المادة (17) من قانون العقوبات، ومن ثم يكون حكم محكمة النقض الصادر فى الطعن المشار إليه، فيما تضمنه من عدم إمكان استعمال تلك السلطة التقديرية، مخالفًا لما قضت به المحكمة الدستورية العليا فى حكمها الصادر فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، وتبعًا لذلك فإنه يشكل عقبة عطلت تنفيذ الأثر الرجعى لهذا الحكم، مما يتعين معه القضاء بإزالتها، وما يترتب على ذلك من إعادة نظر الدعوى الموضوعية، واسترداد محكمة جنايات الجيزة سلطتها التقديرية فى هذا الصدد، إعمالاً للأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا، وفقًا لأحكام المادة (49) من قانونها على النحو السالف البيان.
وحيث إن طلب المدعى وقف تنفيذ حكم محكمة النقض المشار إليه، يُعد فرعًا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ قضت هذه المحكمة فى موضوع النزاع على النحو السالف البيان، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت فى طلب وقف تنفيذ ذلك الحكم قد بات غير ذى موضوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 8/ 11/ 2014، فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 7/ 4/ 2014 فى الطعن رقم 14935 لسنة 83 قضائية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة