الجريدة الرسمية - العدد 6 مكرر (ب) - السنة الستون
18 جمادى الأولى سنة 1438هـ، الموافق 15 فبراير سنة 2017م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من فبراير سنة 2017م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 97 لسنة 28 قضائية "دستورية".

المقامة من

محمد سالمان مصلح سالمان.

ضـد

1 - رئيس الجمهورية.
2 – النائب العام.
3 - رئيس مجلس الوزراء.
4 - رئيس مجلس الشعب "النواب حاليًا".


الإجراءات

بتاريخ الخامس من يونيو سنة 2006، أقام المدعى هذه الدعوى، بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية البند (د) من المادة (33) من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد أحالت المدعى وآخرين، إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات القاهرة (مأمورية شرق القاهرة)، فى الجناية رقم 2627 لسنة 1995 جنايات السلام، المقيدة برقم 88 لسنة 1995 كلى شرق القاهرة، بتهمة تأليف عصابة فيما بينهم من أغراضها جلب الجواهر المخدرة للبلاد والاتجار فيها فى غضون الفترة من أول مارس وحتى 5 ديسمبر سنة 1993 بمحافظات القاهرة والجيزة والمنوفية وشمال سيناء وجنوب سيناء، وطلبت عقابهم بنصى المادتين (33/ أ، د)، و(42) من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المستبدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989، وإذ تدوولت الدعوى أمام محكمة الجنايات، فقضت بجلسة 10 يناير سنة 1996 بإدانة المدعى غيابيًا وآخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهم خمسمائة ألف جنيه، ومصادرة المبالغ النقدية المضبوطة، وإذ قبض على المدعى فقد أعيدت إجراءات محاكمته، وأثناءها دفع بعدم دستورية نص البند (د) من المادة (33) من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، وهو الدفع الذى قدرت تلك المحكمة جديته وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (33) من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها والمستبدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989 تنص على أن:
"يعاقب بالإعدام وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه:
( أ )، (ب)، (ج)
(د) كل من قام، ولو فى الخارج بتأليف عصابة، أو إدارتها، أو التداخل فى إدارتها، أو فى تنظيمها، أو الانضمام إليها، أو الاشتراك فيها، وكان من أغراضها الاتجار فى الجواهر المخدرة أو تقديمها للتعاطى أو ارتكاب أى من الجرائم المنصوص عليها فى هذه المادة داخل البلاد.
وتقضى المحكمة فضلاً عن العقوبتين المقررتين للجرائم المنصوص عليها فى هذه المادة بالتعويض الجمركى المقرر قانونًا".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى قد قدم إلى المحاكمة الجنائية هو وآخرون بتهمة تأليف عصابة فيما بينهم من أغراضها جلب الجواهر المخدرة للبلاد والاتجار فيها، وهى الجريمة المؤثمة بالبند المطعون فيه وهو أساس الاتهام الموجه إليه، ومن ثم فإن الفصل فى دستوريته سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع فى الدعوى الموضوعية بما يقيم للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى تلك الدعوى، ويتحدد نطاقها فى صدر المادة (33) والبند (د) من قانون مكافحة المخدرات المار ذكره.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه عدم بيانه الركن المادى لجريمة تأليف عصابة بغرض جلب المواد المخدرة والاتجار فيها، على نحو يبلغ حد التجهيل به، وغموض مدلوله، إذ عول على مجرد الاتفاق على تكوين التشكيل العصابى ذاته، أو إدارته، أو التداخل فى إدارته، أو تنظيمه، أو الانضمام إليه، سواء أتم ارتكاب هذه الأفعال أم لم يُتِمْ، وجعل منه جريمة تامة، فأتاح إقامة الدليل على هذه الجريمة استنادًا إلى التحريات المجردة، وهو ما يخالف أحكام المواد (41، 66، 67) من دستور سنة 1971.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره – أيًا كان تاريخ العمل بها – إذ أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثم فإن المحكمة تسبغ رقابتها على النص المطعون فيه استنادًا إلى نصوص الدستور الحالى الصادر عام 2014، لتستند مناعى المدعى إلى نصوص المواد (54، 95، 96) منه المقابلة لنصوص المواد (41، 66، 68) من دستور سنة 1971.
وحيث إن الأصل فى التجريم أن يعمد المشرع إلى تحديد الأفعال التى تنطوى على مساس مباشر بالمصلحة المحمية، إلا أن التطور الحديث فى وسائل وأدوات ارتكاب الجريمة أوجب أن يواجه المشرع الجريمة المنظمة وما تمثله من مساس بتلك المصلحة، ولاسيما فى الجرائم الأشد خطورة على المجتمع، والتى يتصدرها إنشاء كيان إجرامى يتخذ صورة التنظيم العصابى، الذى يكون قوام الانضمام إليه هو الإرادة الحرة للأعضاء المكونين له، والذين تتوزع بينهم الأدوار من تأليف أو إدارة أو تدخل فى الإدارة أو التنظيم أو الانضمام إليه أو الاشتراك فيه، وذلك لتحقيق الغاية التى يرنو إليها التنظيم وهى الاتجار فى الجواهر المخدرة أو تقديمها للتعاطى أو ارتكاب أى من الجرائم المنصوص عليها فى النص المطعون فيه داخل البلاد على نحو يجعل من فعل تأليف العصابة الإجرامية سببًا ومناطًا لتأثيمه، فيكون فى ترصده تجريمًا ومجابهته عقابًا سياسة جنائية رشيدة.
وحيث إنه، ولئن كان مؤدى ما تقدم أن المصلحة الاجتماعية تسوغ التجريم بمجرد تأليف التنظيم العصابى القائم على ارتكاب جرائم على درجة من الخطورة تبرر ذلك، إلا أن هذا التجريم من زاوية دستورية لا يُسوغ للمشرع إذا ما اتخذه نموذجًا للعقاب أن ينفلت به من عقال الضوابط الدستورية المُحْكَمَةِ التى تضبط شرعية الجريمة والعقوبة فيه؛ إذ يجب أن يستند هذا التجريم إلى ضرورة اجتماعية تسوغه، والتى تتمثل فى شأن النص المطعون عليه فى قيام التنظيم العصابى بارتكاب جرائم تنال من مصلحة المجتمع واستقراره الاجتماعى والاقتصادى، ومن أجل ذلك اعتد المشرع بتعدد أفراد التنظيم العصابى وتنوع أدوارهم على نحو تتكامل به حلقات الجريمة وتحكم نسجها من خلال أدوار متراكبة ومتميزة، ذلك أنه ولئن صح أن المشرع يعتد فى غالب الأحوال بالتعدد كسبب فى تشديد العقوبة تقديرًا منه لما لهذا التعدد من أثر فى تقوية عزيمة الجناة، إلا أن التعدد فى مجال التنظيم العصابى يبلغ غايته معتمدًا على تكامل الأدوار وتنوعها بما يكشف عن استقرار خطة المشروع الإجرامى بين أفراد العصابة وتوزيع الأدوار بينهم على نحو احترافى متكرر. وفضلاً عما تقدم؛ يجب أن يكون مناط التأثيم فعلاً ماديًا ظاهرًا، يمكن تعيينه على نحو جلى واضح لا خفاء فيه ولا إبهام فى تحديده، وهو ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه بتأثيم إنشاء التنظيم أو إدارته أو تنظيمه أو الاشتراك فيه أو الانضمام إليه.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مؤدى نص المادة (66) من دستور 1971 والتى تقابل المادة (95) من الدستور القائم على أنه "لا جريمة إلا عقوبة إلا بناء على قانون، و لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، أن الدستور قد دل على أن لكل جريمة ركنًا ماديًا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسًا فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء فى زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًا كان هذا الفعل أم سلبيًا بما يتيح لسلطة الاتهام والمتهم إثباتها ونفيها، كما يتيح لمحكمة الموضوع أن تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ولا يتصور بالتالى وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنيها المادى والمعنوى، ولازم ذلك أن يعين القانون كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية مناط التأثيم، وإلا كان مخالفًا لأحكام الدستور.
وحيث إن النظام القانونى المؤثم للتنظيم العصابى، إذا استجمع عناصره كاملة، بأن كان قد أُعد لارتكاب طائفة من الجرائم بالغة الخطورة، وكان هذا التنظيم على درجة من الإحكام تنذر بتهديد جدى للمصلحة محل الحماية الجنائية، وقد عين المشرع فيه أركان التأثيم واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض، بما يتيح لمن تواجهه سلطة الاتهام بهذه الجريمة أن يبسط حججه فى الرد عليها إيرادًا ونفيًا، كان النص الجنائى المؤثم لذلك التنظيم موافقًا أحكام الدستور، ومستجمعًا لشرائط دستوريته.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان التجريم فى النص المطعون فيه جاء استجابة لضرورة اجتماعية حالة، تهدف إلى مكافحة جرائم تشكيل عصابات تقوم على جلب المخدرات، أو إنتاجها بكافة مراحله، أو الاتجار فيها سواء ببيعها أو بتقديمها للجمهور لتعاطيها، وهى جرائم تنال من سلامة المجتمع واستقراره وأمنه الاجتماعى والاقتصادى، وإذ حدد النص المطعون فيه الركن المادى للجريمة – كما سلف البيان – فى جملة أفعال محددة حصرًا، ولا يشوبها الغموض، ولا يكتنفها الإبهام، ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون قد عين الركن المادى لهذه الجريمة تعيينًا نافيًا للجهالة، على نحو يسلم به من قالة الإبهام أو التجهيل، كما استوجب توافر قصدًا جنائيًا خاصًا لدى مرتكب الجريمة سالفة البيان، أيًا كان الغرض من ارتكابها، فإن النص المطعون فيه يكون قد ا ستجمع عناصر التأثيم التى تستوجبها أحكام الدستور.
ولا ينال من ذلك القول بأن النص المطعون فيه أتاح إقامة الدليل على هذه الجريمة استنادًا إلى التحريات، إذ يظل التشكيل العصابى رهنًا بضمائر أعضائه طالما لم يرتكبوا الجريمة التى تغياها التنظيم العصابى، فإن ذلك القول مردود أن المشرع لم يستثن النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على قيام التنظيم العصابى بأركانه متمثلة فى توزيع الأدوار بين أعضائه، لغاية محددة هى ارتكاب إحدى الجرائم المار ذكرها، كما أوجب أن تثبت سلطة الاتهام دور كل متهم على حده فى التنظيم العصابى سواء أكان التكوين أو التنظيم أو الإدارة أو الانضمام أو الاشتراك فيه، ولم يحل بين المتهم و نفى ما قام ضده من دليل بكافة طرق الإثبات.
لما كان ذلك، وكان المشرع وإن قدر عقوبة ذات حد واحد لأى من الأفعال التى تقوم بها الجريمة المعاقب عليها بالنص المطعون فيه، هى عقوبة الإعدام، مراعيًا فى ذلك خطورة الفعل ومبلغ تهديده لمصلحة المجتمع، إلا أنه أعطى للمحكمة السلطة فى تفريد هذه العقوبة بما نصت عليه المادة (36) من القانون ذاته بإجازة النزول بالعقوبة المنصوص عليها درجة واحدة عن العقوبة الم نصوص عليها، متى رأت محكمة الموضوع مبررًا لذلك، كما أتاح لمحكمة الموضوع سلطة تفريد عقوبة الغرامة بين حدين يبلغ أدناهما مائة ألف جنيه ويبلغ أقصاهما خمسمائة ألف جنيه، مراعية فى ذلك الغرض الذى يستهدفه التشكيل العصابى، والدور الذى اضطلع به الجانى فى البناء التنظيمى للعصابة الإجرامية، الأمر الذى تنفى معه مظنة مخالفة هذه العقوبة لأحكام الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف نصوص المواد (54، 95، 96) من الدستور، ولا أى حكم آخر منه، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة