الجريدة الرسمية - العدد 31 مكرر ( أ ) - السنة الستون
16 ذى القعدة سنة 1438هـ، الموافق 8 أغسطس سنة 2017م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثلاثين من يوليو سنة 2017م، الموافق السابع من ذى القعدة سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 54 لسنة 29 قضائية "دستورية".

المقامة من

1 - آسر محمد نور عبد الوهاب إمام.
2 - ريم محمد نور عبد الوهاب إمام.
3 - إلهام عبد الحميد مسلم صوان.

ضـد

1 - رئيس الجمهورية.
2 - رئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًا).
3 - رئيس مجلس الوزراء.
4 - وزير العدل.
5 - النائب العام.


الإجراءات

بتاريخ الأول من مارس سنة 2007، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين فيها الحكم بعدم دستورية نص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت محمد نور عبد الوهاب إمام (المتهم الأول) وآخرين فى قضية الجناية رقم 29928 لسنة 2004 حدائق القبة – المقيدة برقم 1320 لسنة 2004 كلى غرب – بأنه ارتكب مع بعضهم جرائم الرشوة وتربيح الغير وتزوير محررات رسمية وتقليد خاتم شعار الجمهورية واستعمالها فيما زوُد وقُلد من أجله مع علمهم بذلك، وأحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهم طبقًا للمواد (40/ ثانيًا وثالثًا و41 و103 و104 و107 و115 و118 و188 مكررًا و119/ أ و119 مكررًا "أ" و206/ 3، 4 و211 و214) من قانون العقوبات وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة توفى المتهم الأول؛ فأمرت المحكمة بإدخال ورثته (المدعين) إعمالاً لنص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975، ليكون الحكم بالرد فى مواجهتهم؛ نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وبجلسة 29/ 1/ 2007 حضر وكيل عنهم، وطلب أصليًا: الحكم برفض طلب إدخالهم شكلاً وموضوعًا، ودفع احتياطيًا: بعدم دستورية نص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، أقاموا الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1975 تنص على أنه "لا يحول انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة، قبل أو بعد إحالتها إلى المحكمة، دون قضائها بالرد فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد (112 و113 فقرة أولى وثانية ورابعة و113 مكررًا فقرة أولى و114 و115) من قانون العقوبات.
وعلى المحكمة أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى لهم وكل من أفاد فائدة جدية من الجريمة ليكون الحكم بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد.
ويجب أن تندب المحكمة محاميًا للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول إدخال محكمة الموضوع المدعين، بوصفهم ورثة المتهم الأول، ليكون الحكم بالرد فى مواجهتهم نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وكان المركز القانونى لكل من الورثة والموصى لهم، فى شأن إعمال نص المادة (208 مكررًا "د") من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليه، متساويًا لوحدة مصدر الأموال التى آلت إليهم جميعًا، متمثلاً فى تركة مورثهم، ومن ثم فإن مصلحة المدعين الشخصية المباشرة تكون متحققة فى الطعن على ما تنص عليه الفقرة الثانية من هذه المادة المطعون فيها من أنه "وعلى المحكمة أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى لهم ليكون الحكم بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد" وفيها ينحصر نطاق الدعوى المعروضة، ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون عليه، فى نطاقه المشار إليه، مخالفته لنصى المادتين (41) و(67) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد أعطى محكمة الموضوع مكنة القضاء بالرد فى مواجهتهم بالرغم من انقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم، ودون أن يكفل لهم حق الدفاع عنه أو دحض الأدلة الجنائية ضده؛ مما يهدر مبدأ أصل براءة المتهم ويخل بالحماية الدستورية للحرية الشخصية، فضلاً عن إخلاله بحق الملكية والحق فى الميراث، ومخالفته مبدأ المساواة فيما انطوى عليه ذلك النص من تمييز بين حقهم فى الدفاع عنه فى مواجهة مكنات كل من محكمة الموضوع وجهة الادعاء فى إقامة أدلة الاتهام ضده.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنه الدستور, إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إذن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام دستور سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن النص المطعون فيه قد أضافه المشرع بالقانون رقم 63 لسنة 1975 بشأن تعديل بعض أحكام قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية، مستهدفًا - وفقًا لما ورد بمذكرته الإيضاحية – استدراك ما تبين من قصور فى المواد (208 مكررًا "أ") و(208 مكررًا "ب") و(208 مكررًا "ج") التى عالجت أسلوب تتبع الأموال المتحصلة، حال حياة الجانى، من جرائم الاختلاس، والاستيلاء، وأخذ ما ليس مستحقًا من رسوم أو غرامات أو عوائد أو ضرائب، أو التربح؛ المُعاقب عليها بالمواد (112 و113 فقرة أولى وثانية ورابعة و113 مكررًا فقرة أولى و114 و115) من قانون العقوبات، دون أن تعالج الفرض الذى فيه يُتوفى الجانى قبل أو بعد إحالة قضيته إلى المحكمة، فسدًّا لهذا النقص؛ رخصت المادة (208 مكررًا "د") للمحكمة الجنائية المختصة، فى حالة انقضاء الدعوى العمومية بالوفاة سواء قبل المحاكمة أو فى أثنائها، أن تنظر الدعوى أو تستمر فى نظرها بالإجراءات المُتبعة فيها للقضاء بالرد.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص المطعون فيه مردود أولاً: بأن افتراض براءة المتهم – كما جرى به قضاء هذه المحكمة – يمثل أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتميًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة وتكون من مجموعها عقيدتها؛ حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، الذى يرتبط فى نطاق الاتهام الجنائى بالحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور، فى المادة (54) منه، من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولا يقتصر نطاقها على الاتهام الجنائى؛ وإنهما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية.
لما كان ذلك، كان النص المطعون فيه قد أوجب على محكمة الموضوع أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى لهم؛ ليكون الحكم البرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، بهدف إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الفعل الذى يمثل الجريمة المنسوبة لمورثهم المتهم المتوفى، كما أوجب نص الفقرة الأخيرة من المادة (208 مكررًا "د") – على النحو السالف بيانه – أن تنتدب المحكمة محاميًا للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم؛ تمكينًا لهم من دحض الأدلة المقدمة ضد مورثهم لنفى خطئه أو وجود مال فى تركته مصدره الجريمة المنسوبة إليه، أو أيلولته – فى حالة وجوده – إليهم، بالإضافة إلى حقهم فى الطعن على الحكم الذى قد يصدر بإلزامهم بالرد، وهى ضمانات تكفل لهم إبراء ذمتهم والدفاع عن سمعة مورثتهم، ومن ثم ينتفى عن النص المطعون فيه إخلاله بأصل البراءة أو مساسه بالحرية الشخصية.
ومردود ثانيًا: بأن الملكية – فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردين وتدخل الدولة – لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها, ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل هى تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التى ينبغى رصدها عليها؛ وفى إطار هذه الدائرة وتقيدًا بتخومها يفاضل المشرع بين البدائل ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية، وفقًا لأحكام الدستور، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تُعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة، وقد قرن الدستور كفالة حق الإرث بصون الملكية الخاصة؛ متفقًا فى ذلك مع الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تبديل فيها؛ ومنها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض وجعلهم مسئولين عما فى أيدهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا؛ إذ يقول تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مُستخلفين فيه" وليس ذلك إلا نهيًا عن الولوغ بها فى الباطل، وتكليفًا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضر قدر الإمكان، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهوانهما اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام، وينبغى – من ثم أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر؛ ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس، بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة للممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها؛ لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه – على ما سلف بيانه – قد أوجب على محكمة الموضوع أن تأمر بالرد فى مواجهة الورثة والموصى عليهم؛ ليكون حكمها الصادر بالرد نافذًا فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد، وكانت تلك الأموال قد انتقلت إليهم من مورثهم، إلا أن انتقالها لا يكون إلا بعد سداد الديون المستحقة على تركته، أيًا كان مصدر هذه الديون، ومن بينها الفعل الضار الذى يكون المورث قد ارتكبه، وهو التزام غير قابل للانقسام فى مواجهتهم، فيلزم كل منهم بأداء الديون كاملة إلى الدائنين طالما كان قد آل إليه من التركة ما يكفى للسداد، فإن كان دون ذلك؛ فلا يلزم إلا فى حدود ما آل إليه من التركة، لأنه لا يرث دين المورث، وله الرجوع على سائر الورثة و الموصى لهم بما يخصهم فى الدين الذى وفاه، كل بقدر نصيبه، ومن ثم فلا يكون النص المطعون فيه قد انتقص من حق الملكية أو أخل بالحق فى الميراث.
ومردود ثالثًا: بأن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة – وفقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قد كلفه الدستور، باعتبار أن ضمانه الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضى ما لم يكن متساندًا لضمانه الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامته؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضى، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها، إذ إن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًا لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعى، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق فى أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه – لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائيًا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
لما كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأخيرة من المادة (208 مكررًا "د") من النص المطعون فيه – على النحو آنف الذكر – قد أوجب على محكمة الموضوع أن تنتدب محاميًا للدفاع عمن وُجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم، ولم يضع أى قيد عليهم فى مناقشة عناصر الدعوى والتحقيقات التى تجريها المحكمة، وتفنيد الأدلة المقدمة من النيابة العامة، من أجل التوصل إلى نفى الفعل المنسوب لمورثهم، ونفى واقعة إضافة أو استمرار المال فى ذمة مورثهم، وكذلك نفى أيلولته إليهم، إن ثبت وجوده فى تركته، وكان المشرع قد أعمل سلطته التقديرية فى شأن التنظيم الإجرائى للخصومة فى دعوى الرد، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين فيها نظامًا للتداعى يقوم على أساس نوع المنازعة، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائى للخصومة فى مجمله بالغايات التى استهدفها المشرع من هذا التنظيم، والتى تتمثل فى تحقيق التوازن بين طرفيها – على النحو السالف البيان – عن طريق تنظيم إجراءات تقديم النيابة العامة الأدلة من ناحية، وتفنيدها ممن وُجه إليهم طلب الرد من ناحية أخرى، وما يستلزمه ذلك من حسم المنازعة فيها على النحو الذى يتفق مع الطبيعة الخاصة لها، التى يُعتبر صون المال العام عنصرًا جوهريًا فى حسمها، وعاملاً أساسى لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال – فى الوقت ذاته – بكفالة الضمانات الأساسية لكل من حق التقاضى وحق الدفاع، ولا بأركانه التى كفلها الدستور، بما يكفل لأى من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعى، متمتعًا بفرص متكافئة فى ممارسة حقه فى الدفاع الذى كفله له الدستور بنص المادة (98) منه، بما يجعل للخصومة فى هذا النوع من المنازعات حلاً منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع فى المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التى اتبعها المشرع فى تنظيمه لإجراءات التقاضى فى تلك الدعوى وفقًا للنص المطعون فيه، على أساس اختلاف المركز القانونى لكل من طرفيها وقصد المشرع فى إحداث التوازن بينهما على النحو الذى يتفق مع طبيعتها، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، وبالتالى تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو تقييد حق الدفاع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يعد مخالفًا لأحكام المواد (35 و53 و54 و96 و97 و98) من الدستور، كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة