الجريدة الرسمية - العدد 45 (مكرر) - السنة الخمسون
3 ذو القعدة سنة 1428هـ، الموافق 13 نوفمبر سنة 2007م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 4 من نوفمبر سنة 2007م، الموافق 23 من شوال سنة 1428هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف، وحضور السيد المستشار/ رجب عبد الحكيم سليم - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 28 قضائية "دستورية".
المقامة من: شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.

ضد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد وزير العدل.
5 - السيد نقيب نقابة مصممي الفنون التطبيقية بصفته الممثل القانوني للنقابة.


الإجراءات

بتاريخ 20 مايو سنة 2006 أودع المدعي بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص البندين (ج، هـ) من المادة (45) من القانون رقم 84 لسنة 1976 بشأن نقابة مصممي الفنون التطبيقية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدمت نقابة مصممي الفنون التطبيقية مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
بعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن نقابة مصممي الفنون التطبيقية كانت قد أقامت الدعوى رقم 590 لسنة 99 مدني كلي أمام محكمة طنطا الابتدائية مأمورية المحلة الكبرى، ضد الشركة المدعية بطلب الحكم بندب خبير لحساب قيمة الدمغة المستحقة للنقابة على منتجات الشركة وعلى كافة عقود البيع وأوامر التوريد، عن مدة أربع سنوات سابقة على رفع الدعوى، وذلك على سند من التزام الشركة بسداد قيمة هذه الدمغة طبقاً لنص البندين (ج، هـ) من المادة (45) من القانون رقم 84 لسنة 1976 المشار إليه، وأثناء نظر الدعوى أضافت النقابة طلباً جديداً بإلزام الشركة بدفع مبلغ أربعة ملايين وخمسمائة وخمسين ألفاً وأربعمائة وتسعة وخمسين جنيهاً، والذي انتهى إليه تقرير اللجنة الثلاثية المنتدبة في الدعوى بتاريخ 23/ 5/ 2003، وبجلسة 30/ 1/ 2005 قضت المحكمة بإلزام الشركة بأن تؤدي للنقابة مبلغ أربعة ملايين وخمسمائة وخمسين ألفاً وأربعمائة وتسعة وخمسين جنيهاً، كرسم دمغة عن الفترة من عام 1994/ 1995 وحتى عام 1997/ 1998، وإذ لم ترتض الشركة هذا القضاء فقد طعنت عليه بالاستئناف رقم 1677 لسنة 55 قضائية أمام محكمة استئناف طنطا، وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البندين (ج، هـ) من المادة (45) من القانون رقم 84 لسنة 1976 سالف الذكر، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (45) من القانون رقم 84 لسنة 1976 المشار إليه تنص على أن "يكون لصق دمغة النقابة إلزامياً على الأوراق والدفاتر والرسومات ومنتجات الفنون التطبيقية ......................................................................................
( أ ) .................................. (ب) ........................................
(ج) عقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم لأعمال تصميمات الفنون التطبيقية وذلك كله طبقاً لما يحدده النظام الداخلي للنقابة.
(د) ..................................................................................
(هـ) منتجات تصميمات الفنون التطبيقية التي تنتجها الهيئات الصناعية الحكومية والقطاع العام والأفراد المشتغلين بإنتاجها.
وتكون فئة الدمغة .................................................................".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول مدى التزام الشركة المدعية بأداء قيمة دمغة النقابة المستحقة على منتجاتها، وعقود البيع وأوامر التوريد، عن السنوات الأربع السابقة على رفع الدعوى، ومن ثم تضحى للشركة المدعية مصلحة في الطعن على نص البند (ج) من المادة (45) من القانون رقم 84 لسنة 1976 المشار إليه، ونص البند (هـ) من المادة ذاتها فيما تضمنه من إلزام شركات القطاع العام - التي حلت محلها شركات قطاع الأعمال العام إعمالاً لأحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 - بلصق دمغة النقابة على منتجات تصميمات الفنون التطبيقية التي تنتجها هذه الشركات.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصين المطعون فيهما مخالفة المواد 8، 25، 38، 40، 56، 61، 115، 116، 119، 120 من الدستور، قولاً منها إن المشرع قد فرض بهذين النصين ضريبة لصالح نقابة بذاتها وهي نقابة مصممي الفنون التطبيقية، وبالتالي يكون قد اختص هذه النقابة بميزة لا تتوافر لغيرها، بما يصادم مبدأي المساواة والعدالة اللذين كفلهما الدستور، فضلاً عن أن هذه الدمغة تعد ضريبة فرضت بالمخالفة للضوابط الشكلية والموضوعية للضريبة التي حددها الدستور، وبقصد تحقيق أغراض نقابة بعينها، دون أن تستهدف تحقيق مصلحة المواطنين في مجموعهم، ولا تدخل حصيلتها خزانة الدولة، بل تستأثر بها النقابة وحدها.
وحيث إن من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها، ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، على خلاف الرسم الذي يستحق مقابل نشاط خاص أتاه الشخص العام، عوضاً عن تكلفته، وإن لم يكن بمقدارها، متى كان ذلك، وكانت الدمغة المفروضة بالنصين المطعون فيهما، على عقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم لأعمال تصميمات الفنون التطبيقية، وكذا منتجات تصميمات الفنون التطبيقية التي تنتجها شركات القطاع العام لا تقابلها خدمة فعلية، تكون النقابة قد بذلتها مباشرة لمن يتحملون بها، فإنها لا تعد من الناحية القانونية رسماً إنما تنحل إلى ضريبة، وهي بعد ضريبة عامة، إذ لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة، بل تسري كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدود الدولة الإقليمية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة العامة يحكمها أمران أساسيان لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها وثيقة الصلة بوظائفها الحيوية، وقيامها على هذه الوظائف يقتضيها أن توفر بنفسها - ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد - المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها، والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية بوسائلها على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية، كما أن اختصاص السلطة التشريعية في مجال ضبطها لمالية الدولة يقتضي أن تقوم هذه السلطة بربط الموارد في جملتها بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، لا أن تناقض فحواها بعمل من جانبها. ثانيهما: أن الضريبة العامة هي أصلاً وابتداءً مورد مالي يتضافر مع غيره من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها، ومن ثم يكون النفع العام أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية، قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام، ولا يعني ذلك أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئوليتها وتطوير نشاطها، بل يجوز لها ذلك بشرطين:
أولاً: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الصلة بمصالح المواطنين في مجموعهم، أو تؤثر على قطاع عريض من بينهم.
ثانياً: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداءً لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها، بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة، وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفى إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد على ضوئها مقدار هذا الدعم.
وحيث إن الأصل في الضريبة - باعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً - أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها مصدراً واحداً لإيراداتها الكلية، وكان المشرع قد فرض بالنصين المطعون فيهما الضريبة محل النزاع لصالح نقابة بذاتها وهي نقابة مصممي الفنون التطبيقية، واختصها بحصيلة تلك الضريبة، بحيث تؤول إليها مباشرة، فلا تدخل خزانة الدولة أو تقع ضمن مواردها، ليمتنع عليها استخدامها في مجابهة نفقاتها العامة، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة، لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام، ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظيفتها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً، وبالتالي يتعين القضاء بعدم دستورية نص البندين (ج، هـ) من المادة 45 المطعون فيهما، لمخالفتهما أحكام المواد (61، 115، 116، 119، 120) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت أحكام المواد 46، 47، 75/ 7، 98 من القانون رقم 84 لسنة 1976 سالف الذكر، قد تناولت بالتنظيم بعض الجوانب المتعلقة بفرض الضريبة المشار إليها وتحصيلها وتقادمها والعقوبات التي توقع على عدم أدائها، بما مؤداه ارتباط هذه الأحكام بنص البندين (ج، هـ) من المادة 45 المطعون فيها، ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، وذلك بالنسبة لنطاق تطبيقها على النصين المطعون فيهما، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية البندين المذكورين يستتبع حتماً سقوط تلك الأحكام، بقدر اتصالها بهذين البندين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (ج) من المادة 45 من القانون رقم 84 لسنة 1976 بشأن نقابة مصممي الفنون التطبيقية، ونص البند (هـ) من المادة ذاتها فيما تضمنه من إلزام شركات القطاع العام بلصق دمغة النقابة على منتجات تصميمات الفنون التطبيقية التي تنتجها، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة