مجلس الدولة
محكمة القضاء الإدارى
الدائرة الأولى
مسودة بأسباب ومنطوق الحكم الصادر
بجلسة 3/ 4/ 2013
فى الدعويين رقمى 35900، 35901 لسنة 67 ق

المقامتين من:
أحمد محمد قذاف الدم القذافى

ضـد

1 - رئيس الجمهورية بصفته.
2 - رئيس مجلس الوزراء بصفته.
3 - وزير الداخلية بصفته.
4 - وزير الخارجية بصفته.
5 - رئيس مصلحة الهجرة والجنسية بصفته.
6 - النائب العام بصفته.
الواقعات:
أقام المدعى الدعوى رقم 35900 لسنة 67ق بموجب عريضة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 25/ 3/ 2013 طالبًا فى ختامها الحكم أولاً: بقبول الدعوى شكلاً، ثانيًا: وبصفة مستعجلة بإيقاف تنفيذ القرار السلبى بامتناع الجهة الإدارية المطعون ضدها عن الاعتداد بالجنسية المصرية الأصلية له وعدم تمكينه من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحصوله على شهادة تفيد جنسيته المصرية الأصلية وذلك نظرًا لتوافر شرطى الجدية والاستعجال مع كل ما يترتب على ذلك من آثار وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان. ثالثًا: بصفة مستعجلة بإصدار أمر على عريضة بإلزام المطعون ضدهم بعد تسلميه وترحيله إلى السلطات الليبية لوجود خطر داهم يهدد حياته خاصة أنه مصرى الجنسية بالميلاد لأم وأب مصريين ولا ينطبق عليه اتفاقية التعاون القضائى والقانونى الخاص بالتسليم، رابعًا: وفى الموضوع: أصليًا: بإلغاء القرار السلبى المطعون فيه مع القضاء له بثبوت الجنسية المصرية الأصلية بالولادة من أب وأم مصريين، وإلزام المطعون ضده الثالث بإعطائه شهادة تفيد تمتعه بالجنسية المصرية عملاً بأحكام القانون رقم 154 لسنة 2004 بتعديل القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية مع كل ما يترتب على ذلك من آثار. احتياطيًا: بإلغاء القرار السلبى المطعون فيه مع القضاء له بحق اللجوء السياسى ووقف تنفيذ قرار ترحيله إلى دولة ليبيا أو إلى أى دولة أخرى لحين الفصل فى الطلب الأصلى بشأن تمتعه بالجنسية المصرية بالميلاد لأبوين مصريين. خامسًا: إلزام جهة الإدارة المطعون ضدها المصروفات. وذكر المدعى شرحًا لدعواه أنه كان يعمل منسقًا للعلاقات الليبية المصرية وولد عام 1962 بجمهورية مصر العربية وتحديدًا بمحافظة البحيرة لأب يتمتع بالجنسية المصرية الأصلية وأم مصرية من القذاذفة وأخواله يقطنون بمحافظة البحيرة حتى الآن، وأن له أشقاء جميعهم يحملون الجنسية المصرية وفقًا لشهادات ميلاد رسمية صادرة من السحل المدنى بمصر ومدون عليها الرقم القومى، باعتبار أنهم من قبائل أولاد على وهى قبائل متواجدة تاريخيًا بالمناطق قرب الحدود الليبية المصرية وهى قبائل مصرية من أصل ليبى، حيث ساهم فى إنشاء العديد من المشاريع التجارية والاستثمارية الواسعة بجمهورية مصر العربية، وبلغت حجم الاستثمارات الليبية فى مصر عشرة مليارات جنيه عام 2011. وأضاف المدعى أنه عاش طيلة حياته مع والديه وأشقائه داخل الأراضى المصرية، وأنه بعد تخرجه من الكلية الحربية بمصر شارك مع الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973 وحصل على نجمة سيناء من الرئيس الراحل أنور السادات تقديرًا لدوره وبطولته أثناء الحرب. وقد استثنى من شرط الحصول على تأشيرة للدخول إلى ليبيا لكونه من أبناء محافظة مرسى مطروح، وأنه يهتم بشئون 2 مليون مصرى يعملون بالأراضى الليبية ويسعى لحل مشاكلهم، مما يؤكد الانتماء الواضح لديه تجاه مصر لأنه مولود من أبويين مصريين ورفض التمتع بجنسية دولة أخرى لتمسكه بالجنسية المصرية، وهو ما حدا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار القرار رقم 39 بتاريخ 24/ 4/ 2011 بالسماح له بالتواجد الآمن داخل الأراضى المصرية ومنحه حق الإقامة بها فى حدود ضوابط معينة التزم بها ولم يخالفها، فضلاً عن أنه توافرت بشأنه كافة الشروط القانونية المتطلبة لاكتساب الجنسية المصرية، وأعلن وزير الداخلية (المطعون ضده الثالث) برغبته فى الاعتداد بجنسيته المصرية أسوة بأشقائه جميعًا إعمالاً لأحكام القانون، إلا أن المذكور اتخذ موقفًا سلبيًا حيال طلبه مما ألحق به ضررًا بالغًا وجسيمًا حيث قامت قوات الأمن المصرية بالقبض عليه بتاريخ 19/ 3/ 2013 بأمر من الإنتربول المصرى تمهيدًا لتسليمه إلى السلطات الليبية بالمخالفة للقوانين الوطنية وقوانين حقوق الإنسان الدولية الموقع عليها من جمهورية مصر العربية مثل العهد الدولى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية، وبالمخالفة لأحكام الدستور المصرى، مما يشكل خطرًا داهمًا على حياته لعدم تحقق المعايير الدولية فى المحاكمات العادلة. ونعى المدعى على القرار المطعون فيه صدوره بالمخالفة لحكم القانون ومشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها بالإضافة إلى توافر ركنى الجدية والاستعجال، الأمر الذى حدا به إلى أقامة دعواه بغية الحكم بطلباته آنفة البيان.
كما أقام المدعى الدعوى رقم 35901 لسنة 67ق بموجب عريضة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 25/ 3/ 2013 طالبًا فى ختامها الحكم بإصدار الأمر العادل والعاجل بإلزام المطعون ضدهم جميعًا بعدم تسليمه أو ترحيله إلى السلطات الليبية لوجود خطر داهم يهدد حياته فى حالة حدوث هذا التسليم غير القانونى خاصة أنه يحمل الجنسية المصرية بقوة القانون لميلاده من أبوين مصريين، وبوقف إجراءات صفقة تسليم الليبيين المطلوب تسليمهم من السلطات الليبية والتى تتناولها كافة وسائل الإعلام حاليًا.
وذكر المدعى شرحًا لدعواه أنه كان يعمل منسقًا للعلاقات الليبية المصرية وولد عام 1952 بجمهورية مصر العربية وتحديدًا بمحافظة البحيرة لأب يتمتع بالجنسية المصرية الأصلية وأم مصرية من القذاذفة، وله أشقاء جميعهم يحملون الجنسية المصرية وفق شهادات ميلاد رسمية، كما عاش طيلة حياته داخل الأراضى المصرية، فضلاً عن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر قراره بتاريخ 24/ 4/ 2011 بالسماح له بالتواجد داخل مصر محددًا ضوابط لإقامته، ولم يخالفها طوال مدة إقامته، إلا أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض عليه بتاريخ 19/ 3/ 2013 بأمر من الإنتربول المصرى تمهيديًا لتسليمه إلى السلطات الليبية بالمخالفة للمواثيق الدولية وأحكام الدستور المصرى، وهو ما يشكل خطر داهمًا على حياته كونه مواطنًا مصريًا بالميلاد، بالإضافة إلى أنه يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه بطلباته سالفة البيان.
ونظرت المحكمة الشق العاجل من الدعويين بجلسة 2/ 4/ 2013، حيث قدم الحاضر عن المدعى فى الدعوى الأولى أربع حوافظ مستندات طويت على صور قيد الميلاد لكل من عسرانه محمد قذافى قذافى، مسعوده محمد قذاف الدم، عزيزة محمد قذافى قذافى، وعبد العزيز حامد على محمد فضل (شقيق والدة المدعي) ثابت بها تجنسهم بالجنسية المصرية، وذكر الحاضر عن المدعى بأن الجهة الإدارية امتنعت عن إعطائه قيد عائلى لوالد المدعى المتمتع بالجنسية المصرية، وطلب من المحكمة التصريح له باستخراجه. كما قدم الحاضر عن المدعى فى الدعوى الثانية أربع حوافظ مستندات طويت على ذات المستندات المشار إليها آنفًا. وبذات الجلسة 2/ 4/ 2013 - قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 35901 لسنة 67 ق إلى الدعوى رقم 35900 لسنة 67 ق ليصدر فيهما حكم واحد، والتأجيل لجلسة اليوم الساعة الواحدة ظهرًا وكلفت الجهة الإدارية ببيان الموقف القانونى للمدعى، وما إذا كان مصرى الجنسية من عدمه، وطبيعة إقامته بمصر إذا لم يكن مصريًا مع تكليفها بتقديم صور رسمية من القيود العائلية المشار إليها بمحضر الجلسة، وصرحت للمدعى باستخراج صورة رسمية من هذه القيود من مصلحة الأحوال المدنية.
وبجلسة اليوم قدم الحاضر عن المدعى عددًا من حوافظ المستندات طوى معظمها على صور ضوئية مستخرجة من المواقع الإلكترونية (الإنترنت) كما قدم الحاضر عن الدولة حافظة مستندات طويت على رد وزارة الداخلية على الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم فى الدعويين آخر الجلسة وصرحت للخصوم بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال ساعة واحدة. وفى الأجل المحدد أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، وآخر الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
ومن حيث إن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن تكييف الدعوى إنما هو من تصريف المحكمة، إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات وأن تستظهر مراميها وما قصده الخصوم منها وأن تعطى الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانونى الصحيح على هدى ما تستنبطه من واقع الحال فيها وملابساتها دون التقيد فى هذا الصدد بتكييف الخصوم.
ومن حيث إن المدعى يهدف من الدعويين - وفقًا للتكييف القانونى الصحيح لطلباته - إلى الحكم أولاً: بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات تسليمه إلى السلطات الليبية مع ما يترتب على ذلك من آثار. ثانيًا: بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الجهة الإدارية بالامتناع عن اعتباره مصرى الجنسية مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامها المصروفات.
ومن حيث إنه عن الطلب الأول فإنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى، فإنه مردود عليه بأن المدعى ذكر بأن جهة الإدارة قامت باحتجازه تمهيدًا إلى تسليمه إلى السلطات الليبية، كما قامت بالفعل بتسليم بعض المواطنين الليبيين المقيمين فى مصر إلى ليبيا، ولم تنكر جهة الإدارة واقعة احتجازه، ومن ثم فإن مسلكها باتخاذ إجراءات تسليم المدعى إلى ليبيا يشكل قرارًا إداريًا، ويغدو بذلك هذا الدفع مفتقدًا لسنده القانونى السليم جديرًا بالالتفات عنه. وتكتفى المحكمة بالإشارة إلى ذلك فى الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إن الدعويين استوفيا سائر أوضاعهما الشكلية المقررة قانونًا، فإنهما تكونان مقبولتين شكلاً.
ومن حيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك فى صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها ...".
ومن حيث إن مفاد هذا النص أنه يتعين للحكم بوقف تنفيذ القرار الإدارى ضرورة توافر ركنين، الأول ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه بحسب الظاهر من الأوراق ودون مساس بطلب الإلغاء مرجح الإلغاء لأسباب ظاهرة تكفى بذاتها لحمل هذه النتيجة، والثانى ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية بالنسبة لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن المادة (34) من الدستور تنص على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس".
وتنص المادة (40) منه على أن "الحياة الآمنة حق تكلفه الدولة لكل مقيم على أراضيها، ويحمى القانون الإنسان مما يهدده من ظواهر إجرامية".
كما تنص المادة (57) منه على أن "تمنح الدولة حق الالتجاء للأجانب المحرومين فى بلادهم من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور. ويحظر تسليم اللاجئين السياسيين. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون".
وتنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضى الجمهورية والخروج منها المعدل بالقانون رقم 88 لسنة 2005 على أن "يعتبر أجنبيًا فى حكم هذا القانون كل من لا يتمتع بجنسية جمهورية مصر العربية".
واشترطت المادة (16) من ذات القانون على كل أجنبى مقيم بجمهورية مصر العربية أن يكون حاصلاً على ترخيص بإقامته بها، وعليه أن يغادرها عند انتهاء مدة إقامته.
وتنص المادة (31) من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة فى جنيف بتاريخ 28/ 7/ 1951 والتى وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم 331 لسنة 1980 والمنشورة بالجريدة الرسمية بتاريخ 26/ 11/ 1981 على أن: "تمتنع الدولة المتعاقدة على فرض جزاءات بسبب الدخول والوجود غير الشرعى على اللاجئين القادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة ...".
وتنص المادة (32) من الاتفاقية المشار إليها على أن:
1 - تمتنع الدولة المتعاقدة عن طرد اللاجئ الموجود بصورة شرعية على أرضها إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطنى أو النظام العام.
2 - لا يتم طرد مثل هذا اللاجئ إلا تنفيذًا لقرار متخذ وفقًا للأصول القانونية، ويسمح للاجئ ما لم يتعارض ذلك مع أسباب ملحة تتعلق بالأمن الوطنى بأن يقدم الإثبات على براءته وأن يتقدم بالمراجعة وأن يمثل بوكيل لهذه الغاية أمام سلطة صالحة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصوصًا من قبل السلطة الصالحة ...".
وتنص المادة (33) من ذات الاتفاقية على أن:
1 - يحظر على الدولة المتعاقدة طرد أو رد اللاجئ بأية صورة إلى الحدود أو الأقاليم حيث حياته أو حريته مهددتان بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.
2 - لا يحق للاجئ التذرع بهذه الأحكام إذا ما توافرت بحقه أسباب وجيهة تؤدى إلى اعتباره خطرًا على أمن البلد الموجود فيه أو سبق وأدين بموجب حكم نهائى بجرم هام يشكل خطرًا على مجتمع ذلك البلد".
وتنص المادة (13) من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة بتاريخ 16/ 12/ 1966 وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 بالموافقة عليها على أن: لا يجوز إبعاد الأجنبى المقيم بصفة قانونية فى إقليم دولة طرف فى هذا العهد إلا تنفيذًا لقرار اتخذ وفقًا للقانون وبعد تمكينه - ما لم تحتم دواعى الأمن خلاف ذلك - من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده، وعرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصًا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن الدستور كفل الحرية الشخصية لكل إنسان بغض النظر عن جنسيته، ولم يقتصر هذا الحق على المواطنين فقط، مع توفير الحياة الآمنة كحق لكل مقيم على أراضى الجمهورية، وتمنح الدولة كذلك حق الالتجاء للأجانب المحرومين فى بلادهم من مباشرة حقوقهم وحرياتهم العامة، وكذا عدم تسليم اللاجئين السياسيين، وقد نظم المشرع دخول الأجانب وإقامتهم وخروجهم من مصر، واعتبر كل من لا يتمتع بجنسية جمهورية مصر العربية أجنبيًا، وأوجب على كل أجنبى بمصر أن يحصل على ترخيص بالإقامة وأن يغادرها حال انتهاء مدة إقامته، فضلاً عن أن اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية - والتى لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا للأوضاع المقررة قانونًا - أوجبت فى المادة (13) المشار إليها توفير الحماية للأجانب عند إبعادهم من الدول التى يقيمون بها، وحظرت إبعاد الأجنبى المقيم بصفة قانونية إلا بموجب قرار يصدر وفقًا للقانون، وبعد تمكين الأجنبى من بيان الأسباب التى تؤيد عدم إبعاده - إلا إذا حتمت دواعى الأمن غير ذلك - وأن يكفل له عرض أمر الإبعاد على السلطة المختصة سواء كانت السلطة القضائية أو أية جهة يحددها قانون الدولة المقيم بها.
ومن حيث إن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الحماية التشريعية فى مصر لم تقتصر على اللاجئين السياسيين، وإنما تمتد إلى اللاجئين إليها لأسباب إنسانية ممن اضطرتهم ظروف دولتهم من حرب أو نزاعات داخلية إلى الخروج من أوطانهم واللجوء إلى مصر، فقد انضمت مصر إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية اللاجئين ومنها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة فى جنيف بتاريخ 28/ 7/ 1951 وقد أصبح لها قوة القانون بعد التصديق عليها وصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 331 لسنة 1980 ونشرها فى الجريدة الرسمية بتاريخ 26/ 11/ 1981، وقد أوجبت هذه الاتفاقية على الدولة العضو أن تمتنع عن فرض جزاءات على اللاجئين بسبب دخولهم أراضيها أو وجودهم فيها بشكل غير شرعى إذا كانوا قد قدموا من إقليم كانت حياتهم أو حرياتهم مهددة فيه، كما أوجبت عدم طرد اللاجئين الموجودين على أرض الدولة العضو بصورة شرعية إلا إذا وجدت أسباب تتعلق بالأمن الوطنى أو النظام العام، واشترطت لطرد اللاجئ أن يتم بموجب قرار يصدر وفقًا للأصول القانونية، وأن يسمح للاجئ بتقديم الأدلة على براءته مما نسب إليه، وأن يكون له حق مراجعة قرار الطرد أو الإبعاد أمام جهة مختصة أو أمام أحد الأشخاص المختصين مع تمكينه من توكيل وكيل للدفاع عنه، كما حظرت الاتفاقية المشار إليها طرد اللاجئ أو رده إلى الحدود أو الأقاليم التى تكون حياته أو حريته مهددة فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه أو آرائه السياسية إلا إذا وجدت أسباب وجيهة تؤدى إلى اعتباره خطرًا على أمن الدولة الموجود فيها أو إذا كان قد سبق إدانته بحكم نهائى فى جرم هام يشكل خطرًا على مجتمع الدولة الموجود بها. وعليه فإن اللاجئ يتمتع فى مصر بالضمانات المشار إليها قبل إبعاده أو ترحيله، وهى ضمانات تزيد على تلك المقررة للأجنبى العادى الذى يقيم فيها إقامة عادية أو إقامة مؤقتة، ومرد ذلك إلى الظروف الإنسانية التى مر بها اللاجئ والتى تبرر منحه مزيدًا من الرعاية والحماية إعمالاً لمبدأ التضامن الإنسانى.
ومن حيث إن النظام القانونى المصرى يعرف نوعين من اللجوء إلى مصر، الأول فهو نظام اللجوء السياسى والذى نصت عليه المادة 57 من الدستور، وهو قاصر على فئة السياسيين، ونظام اللجوء الإقليمى الذى نظمته اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين المشار إليها وهذا النظام يتسع ويشمل كل أجنبى دخل إلى مصر، وأقام فيها بشكل شرعى أو غير شرعى لأسباب تتعلق بالأوضاع السياسية فى بلده، أو لأسباب تهدد حياته وحريته للخطر بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسى.
ومن حيث إن المحكمة تشير بداية إلى أنه دون خوض فى مدى تمتع المدعى بالجنسية المصرية من عدمه، ومدى ثبوت تمتعه بحق اللجوء السياسى من عدمه، فإن البادى من ظاهر الأوراق أن المدعى دخل جمهورية مصر العربية وأقام بها بصفة شرعية غير منكرة من الجهة الإدارية المدعى عليها، وذلك وفقًا لما جاء برد مصلحة الجوازات والهجرة والمبين بكتابها رقم 18515 بتاريخ 3/ 4/ 2013 المودع ضمن حافظة مستندات الدولة المقدمة بجلسة اليوم، وقد ذكر المدعى بصحيفة دعواه أنه يرتبط بصلة القربى مع رئيس ليبيا السابق، والذى ثار عليه الشعب الليبى الشقيق، وأنه كان قبل الثورة الليبية منسق العلاقات المصرية الليبية، واستمر مقيمًا فى مصر بعد قيام الثورة الليبية، وهو الأمر الذى لم تنكره الجهة الإدارية، ولما كان البادى من ظاهر الأوراق أن المدعى يتمتع بالحماية القانونية المقررة للمقيمين على الأراضى المصرية، والتى قررتها نصوص الدستور المصرى والاتفاقيات الدولية المشار إليها التى انضمت إليها مصر وصارت جزءًا من النظام القانونى المصرى، والتى كفلت للمقيم على الأراضى المصرية حق الإقامة بمأمن من الملاحقة وحظرت ترحيله أو تسليمه إلى أية دولة على غير رغبة منه وإرادة، سيما إذا كانت حياته ستتعرض للخطر فى الدولة التى تطلب تسليمه إليها بسبب انتمائه إلى فصيل سياسى معين، أو نظام حاكم أسقطه الشعب، أو آراء سياسية، الأمر الذى يغدو معه قرار تسليم المدعى إلى السلطات الليبية - بحسب الظاهر من الأوراق - مخالفًا لأحكام الدستور والاتفاقيات الدولية المشار إليها، مما يتوافر معه ركن الجدية. فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لما فى تسليم المدعى من تعريض حياته للخطر والانتقاص من حقوقه وحريته، وهى آثار يتعذر تداركها، ذلك أن مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية قد أمرت المسلم إذا استجار به أحد المشركين أن يُجره، مصداقًا لقوله تعالى " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (سورة التوبة - الآية 6). فإذا كان الله تبارك وتعالى قد أوجب على المسلم أن يجير غير المسلم حتى يبلغ مأمنه، فإن الأمر أولى مع المسلم، فإجارة المستجير خلق كريم من أخلاق العرب يضرب بجذوره فى تاريخهم اتسمت به عاداتهم فأبقى الله تعالى على هذا الخلق، بل وأوجبه على الدولة الإسلامية عامة، والمسلم خاصة، كما أن المصريين دولة وشعبًا متحضرًا ضاربًا بجذور حضارته فى أعماق التاريخ على مر العصور - مع تغير الأنظمة السياسية واختلافها - جُلبوا على إجارة المظلوم وإغاثة الملهوف متى لجأ إلى مصر طالبًا الأمان، وذلك أيًا كانت جنسيته أو ديانته أو ثقافته أو عرقه أو لغته أو انتماءاته السياسية.
وإذا استقام طلب وقف التنفيذ على ركنيه الجدية والاستعجال، فمن ثم تقضى المحكمة بوقف تنفيذ إجراءات تسليم المدعى إلى السلطات الليبية مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن شروط تنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان قد توافرت طبقًا لنص المادة 286 من قانون المرافعات، فإن المحكمة تأمر به.
ومن حيث إنه عن الطلب الثانى والمتعلق بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الامتناع عن اعتبار المدعى مصرى الجنسية، فإن المحكمة تحيل هذا الطلب إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى شقيه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الدعويين شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اتخاذ إجراءات تسليم المدعى إلى السلطات الليبية مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها منع تسليم المدعى وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وألزمت الجهة الإدارية مصاريف هذا الطلب، وبإحالة الدعويين إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى الموضوع.