الجريدة الرسمية - العدد 3 (مكرر) - فى 24/ 1/ 2006م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 15 يناير سنة 2006م، الموافق 15 من ذى الحجة سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 74 لسنة 23 قضائية "دستورية".
المحالة من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بحكمها الصادر بجلستها المنعقدة فى 25/ 7/ 2000 فى القضية رقم 220 لسنة 54 قضائية.

المقامة من:

جبران سليم سالم البصير - بصفته وكيلاً عن ورثة المرحوم/ رجب محمد كاطو.

ضـد:

1 - السيد محافظ الإسكندرية.
2 - السيد وكيل وزارة الإسكان بالإسكندرية.
3 - السيد رئيس حى المنتزة.
4 - السيد مدير عام الإدارة الهندسية بحى المنتزة.


الإجراءات:

بتاريخ الخامس من مايو سنة 2001، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 220 لسنة 54 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بجلستها المنعقدة فى 25/ 7/ 2000 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية قرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998 وأمرى رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقمى 7 لسنة 1996 و2 لسنة 1998.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى بصفته وكيلاً عن ورثة المرحوم/ رجب محمد كاطو قد أقام الدعوى رقم 220 لسنة 54 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرار رفض التصريح بهدم العقار موضوع الطلب رقم 23 لسنة 1997 حى المنتزه، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار، وذلك على سند من أن مورث موكليه كان قد اشترى العقار رقم 18 شارع الإقبال - قسم المنتزه بالإسكندرية والمكون من ثلاثة طوابق بموجب عقد بيع نهائى مشهر ومسجل برقم 4131 لسنة 1978 توثيق الإسكندرية، وقد تقدم نيابة عن الورثة إلى حى المنتزه بطلب للتصريح له بهدم ذلك العقار قُيّد برقم 23 لسنة 1997، وبعرضه على لجنة الهدم بمديرية الإسكان حررت مذكرة بتاريخ 11/ 12/ 1997 - بعد معاينتها للعقار - ورد بها أن العقار عبارة عن فيلا مكونة من بدروم وأرضى وطابق أول وثان، ويتميز بسمات معمارية وحضارية تستوجب الحفاظ عليه رغم أنه غير مدرج بالجداول، وانتهت إلى عدم الموافقة على هدمه، وبعرضها على محافظ الإسكندرية وافق على ما انتهت إليه، وأخطر المدعى بذلك، فتقدم بتظلم إلى محافظ الإسكندرية، فقرر - بعد إعادة معاينة العقار من قبل مديرية الإسكان - رفض طلب هدم العقار، وبتاريخ 15/ 8/ 1999 قامت الإدارة الهندسية بحى المنتزة بإخطار المدعى بأن السيد محافظ الإسكندرية قرر بتاريخ 2/ 8/ 1999 رفض طلب هدم العقار لكونه (فيلا) وذلك عملاً بقرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998 والأمرين العسكريين رقمى 7 لسنة 1996 و2 لسنة 1998.
وإذ ارتأت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية أن قرارى رئيس مجلس الوزراء وأمرى نائب الحاكم العسكرى العام سالفى الذكر بما اشتملت عليه من حظر هدم الفيلات، فيه اعتداء على الملكية الخاصة التى يحميها الدستور فقد قضت بجلستها المنعقدة فى 25/ 7/ 2000 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية قرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998، وأمرى نائب الحاكم العسكرى العام رقمى 7 لسنة 1996 و2 لسنة 1998.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الماثلة، وذلك تأسيساً على أن النزاع الموضوعى تدور رحاه حول طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الإدارى برفض هدم الفيلا موضوع الطلب رقم 23 لسنة 1997 والصادر استناداً إلى أحكام قرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998، اللذين يحظران هدم القصور والفيلات، ومن ثم فلا شأن لهذا النزاع بأمرى نائب الحاكم العسكرى العام رقمى 7 لسنة 1996 و2 لسنة 1998 الصادرين بالتطبيق لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ والتى تختص محاكم أمن الدولة طوارئ بمعاقبة كل من ارتكب أيَّا من الأفعال المنصوص عليها فيهما، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية هذين الأمرين ليس لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى المعروض على محكمة القضاء الإدارى، كما أن ما ارتأته محكمة الموضوع من مخالفة أحكام قرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998 لأحكام القانون رقم 178 لسنة 1961 فى شأن تنظيم هدم المبانى لا يدخل بحثه فى اختصاص المحكمة الدستورية العليا الذى يتحدد بالفصل فى التعارض المدعى به بين نص تشريعى وقاعدة فى الدستور، أما التناقض الذى يقع بين التشريعات الأصلية والفرعية فهو أمر يخرج عن اختصاص هذه المحكمة.
وحيث إن هذا النعى بوجهيه مردود، ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح التى عهد الدستور إلى هذه المحكمة بممارستها تنحصر فى النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها، متى تولدت عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التى أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التى أصدرتها السلطة التنفيذية فى حدود الصلاحيات التى ناطها الدستور بها. فضلاً عن أن المناعى التى وجهتها محكمة الموضوع إلى النصوص الطعينة لم تقتصر على بيان تعارضها مع أحكام وردت فى نصوص تشريعية أخرى، وإنما نسبت إليها مآخذ تتعلق بعوار دستورى، الأمر الذى يتطلب أن تجيل المحكمة الدستورية العليا بصرها فى تلك المآخذ وأن تعرضها على أحكام الدستور كى تقول كلمتها بشأن توافق هذه النصوص أو تعارضها مع تلك الأحكام. هذا بالإضافة إلى أن أمر رئيس مجلس الوزراء و نائب الحاكم العسكرى رقم 2 لسنة 1998 قد حظر فى مادته الثانية هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات، وقرَّر فى مادته الثالثة عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب ذلك الفعل، وقضى بسريان ذات العقوبة على كل ممثل لجهة حكومية حال وقوع الفعل المخالف أو الشروع فيه بتكليف منه. وإذ كان القضاء بعدم دستورية قرارى رئيس مجلس الوزراء رقمى 3086 لسنة 1996 و463 لسنة 1998 فيما تضمناه من حظر هدم الفيلات لن يحقق للمدعى مبتغاه من دعواه الموضوعية، إذ يظل الحظر المفروض بقرار نائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 المشار إليه والعقوبة المقررة فيه سيفا مسلطاً عليه وإلا تعرض لتلك العقوبة إذا قام بهدم عقاره، كما أن الجهة المختصة بشئون التنظيم لن تستطيع إصدار قرار بهدم ذلك العقار خشية توقيع ذات العقاب على من صرح بذلك من موظفيها، ومن ثم كان الفصل فى دستورية أمر نائب الحاكم العسكرى المشار إليه أمراً لازماً لزوماً مطلقاً للفصل فى الدعوى الموضوعية.
وحيث إن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 بشأن حدود الترخيص فى تعلية المبانى وقيود الارتفاع بمدينة الإسكندرية ينص فى مادته الأولى على أن:
"يحظر الموافقة على طلب الترخيص فى التعلية فى مدينة الإسكندرية،...
كما يحظر فى ذات المدينة الموافقة على هدم القصور والفيلات......".
كما تنص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 463 لسنة 1998 بشأن حظر هدم القصور والفيلات فى أنحاء جمهورية مصر العربية على أن "يحظر الموافقة على هدم القصور والفيلات أو على إقامة بناء فى أرض عقار سبق هدمه أو يُشرع فى هدمه بغير ترخيص، إلا فى حدود ارتفاعه الذى كان عليه من قبل دون أى تجاوز، وذلك فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية".
وينص أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 7 لسنة 1996 فى مادته الأولى على أن: "يحظر على الملاك والمستأجرين.... ارتكاب أى فعل من الأفعال الآتى ذكرها بالمخالفة لأحكام أى من القانونين رقمى 106 لسنة 1976 و178 لسنة 1961 المشار إليهما:
(1) إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها قبل الحصول على ترخيص فى ذلك من الجهة الإدارية المختصة.
(2)..............".
كما ينص أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 فى مادته الثانية على أن "يحظر فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية ارتكاب أى فعل من الأفعال الآتية:
أولاً: هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات."
وتنص مادته الثالثة على أن: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أى قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب أى فعل من الأفعال المنصوص عليها فى المادة السابقة.
وتسرى العقوبة كذلك بحسب الأحوال على كل ممثل لشخص اعتبارى عام أو خاص أو لجهاز أو جهة حكومية أو غير حكومية وقع الفعل أو الشروع بتكليف منه، وعلى المقاول والمهندس المشرف على التنفيذ.
كما يعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك فى الجريمة، أو لم يقم بواجبه فى منعها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، من العاملين المختصين بشئون التنظيم وغير ذلك من الجهات الإدارية المختصة.
................."
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة مؤداها ألا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى، ومن ثم يتحدد مفهوم هذا الشرط بأن يكون ثمة ضرر قد لحق بالمدعى فى الدعوى الموضوعية، وأن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المدعى بمخالفته لأحكام الدستور، فإذا كان الإخلال بالحقوق المدعى بها لا يعود إليه، أو كان النص المذكور قد ألغى وزال كل ما كان له من أثر قانونى منذ صدوره، دلَّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الحالة لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 463 لسنة 1998 بشأن حظر هدم القصور والفيلات فى أنحاء جمهورية مصر العربية، قد أُلغى العمل به بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 925 لسنة 2000، وزال كل ما كان له من أثر قانونى منذ صدوره فى 20 إبريل سنة 2000، وذلك قبل إحالة الدعوى الماثلة من محكمة القضاء الإدارى فى الخامس من مايو سنة 2001، كما أن البادى من استعراض أحكام أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام 7 لسنة 1996 أنه لم يحظر هدم القصور والفيلات على سبيل الإطلاق، وإنما حظر هدم المبانى - أياً كان طرازها - دون الحصول على ترخيص فى ذلك من الجهة الإدارية المختصة، وكان قرار الجهة الإدارية برفض التصريح بهدم العقار محل المنازعة الموضوعية، يرجع إلى كونه فيلا وليس لعدم استيفائه الشروط والإجراءات المنصوص عليها فى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 178 لسنة 1961 بشأن تنظيم هدم المبانى، ومن ثم فإن المصلحة فى الطعن على كل من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 463 لسنة 1998، وأمر نائب الحاكم العسكرى العام رقم 7 لسنة 1996 تكون منتفية، إذ أن الفصل فى أمر دستورية أى منهما لن يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية، وبذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة بما تضمنه نص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات بمدينة الإسكندرية، وما تضمنه نص المادة الثانية من أمر نائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 من حظر هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام وردت بذلك القرار أو الأمر العسكرى المشار إليهما.
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية، وإن كان يتحدد أصلاً بالنصوص القانونية التى يتعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، أو التى أحالتها تلك المحكمة للفصل فى دستوريتها، إلا أن هذا النطاق يمتد ليشمل أيضاً النصوص التى يُضار المدعى فى الدعوى الموضوعية من جراء تطبيقها عليه ولو لم يتضمنها الدفع بعدم الدستورية أو حكم الإحالة إذا كان فصلها عن النصوص التى اتصلت بالمحكمة الدستورية العليا متعذراً، وكان ضمها إليها يكفل تحقيق الأغراض التى يتوخاها المدعى من دعواه الموضوعية، لما كان ذلك، وكانت المادة 11 مكرراً (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المضافة بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة رقم 180 لسنة 1998، تنص على حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية. وكان من شأن القضاء بعدم دستورية ذلك النص إزالة كافة العقبات القانونية التى تعوق إصدار قرار هدم فيلا المدعى، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة يمتد ليشمل أيضاً ما تضمنته نص المادة 11 مكرراً (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية.
وحيث إن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساساً على تنفيذ القوانين وإعمال أحكامها، غير أنه استثناءً من هذا الأصل، وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها فى حالات محددة أعمالاً تدخل فى نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (144) من الدستور على أن "يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره فى إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يصدر القوانين اللازمة لتنفيذه".
ومؤدى هذا النص، أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى، وإلا وقع عمله اللائحى مخالفاً لنص المادة (144) المشار إليها، كما أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 178 لسنة 1961 فى شأن تنظيم هدم المبانى ناط فى المادة (11) منه بوزير الإسكان والمرافق إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، وطبقاً لهذا النص وإعمالاً لنص المادة (144) من الدستور يكون وزير الإسكان والمرافق هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 178 لسنة 1961 المشار إليه، ومن ثم فإن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 فيما نص عليه فى مادته الأولى من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات بمدينة الإسكندرية يكون قد صدر مشوباً بعيب دستورى لصدوره من سلطة غير مختصة بإصداره بالمخالفة لحكم المادة (144) من الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
وحيث إن البين من استعراض أحكام قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 180 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء أنه ينص فى مادته الأولى على إضافة فصل ثان مكرر للائحة التنفيذية لقانون توجيه وتنظيم أعمال البناء الصادرة بقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 268 لسنة 1996 ورد به نص المادة 11 مكرراً (5) الذى يقضى بحظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية.
ويبين من الاطلاع على أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليه أنه ناط فى المادة (34) منه بوزير الإسكان والتعمير إصدار اللائحة التنفيذية لأحكام هذا القانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به، وإذ خلت نصوص القانون رقم 106 لسنة 1976 من أية أحكام تنظم هدم المبانى، أو تحظر هدم مبان بعينها باستثناء ما نصت عليه المادة (4) من أنه "لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها أو إجراء أية تشطيبات خارجية مما تحدده اللائحة التنفيذية إلا بعد الحصول على ترخيص فى ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أو إخطارها بذلك وفقاً لما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون"، فإن قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 180 لسنة 1998 يكون قد صدر مجاوزاً حدود اختصاصه، إذ أنه لم يُفصل أحكاماً أوردها المشرع إجمالاً فى قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، وإنما استحدث نصوصاً جديدة لا يمكن إسنادها إلى ذلك القانون، مجاوزاً بذلك الحدود التى رسمتها المادة (144) من الدستور للوائح التنفيذية.
وحيث إن من المقرر أن المسائل التى احتجزها الدستور بنص صريح ليكون التشريع فيها بقانون صادر من السلطة التشريعية لا يجوز تنظيمها أو تعديل أحكامها أو إلغاؤها بأداة تشريعية أدنى، وإلا كانت مخالفة للدستور.
وحيث إن الدستور كفل للملكية الخاصة حرمتها ولم يُجز المساس بها إلا استثناءً، وكان تنظيمها لدعم وظيفتها الاجتماعية لا يجوز إلا بقانون يوازن به المشرع حقوق أصحابها بما يراه من المصالح أولى بالاعتبار. وكان نص المادة 11 مكرراً (5) من اللائحة التنفيذية لقانون توجيه وتنظيم أعمال البناء فيما فرضه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات يتضمن تقييداً لحق الملكية إذ يمنع المالك من الانتفاع بملكه على النحو الذى يراه محققاً لمصالحه، وقد صدر هذا القيد فى مسألة لا يجوز تنظيمها إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، ومن ثم فإن هذا القرار صدر مخالفاً لأحكام المواد (32، 34، 86) من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
وحيث إنه يبين من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 بحظر هدم القصور والفيلات أنه قد أشار فى ديباجته إلى قانون حالة الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958، ويبين من استعراض أحكام هذا القانون معدلاً بالقانون رقم 37 لسنة 1972 أنه قضى فى المادة (1) منه بأنه "يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر سواء أكان بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات فى الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء".
كما نصت المادة (3) منه على أن "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص:
(1) وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
(2) الأمر بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها، على أن تكون الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلان مقصورة على الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى.
(3) تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.
(4) تكليف أى شخص بتأدية أى عمل من الأعمال والاستيلاء على أى منقول أو عقار ويتبع فى ذلك الأحكام المنصوص عليها فى قانون التعبئة العامة فيما يتعلق بالتظلم وتقدير التعويض.
(5) سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة.
(6) إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة فى الفقرة السابقة، على أن يُعرض هذا القرار على مجلس الشعب فى المواعيد وطبقاً للأحكام المنصوص عليها فى المادة السابقة.....".
وتنص المادة (17) من ذات القانون على أن "لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص عليها فى هذا القانون كلها أو بعضها وفى كل أراضى الجمهورية أو فى منطقة أو مناطق معينة منها".
وحيث إن التدابير التى ناطت المادة (3) من القانون رقم 162 لسنة 1958 برئيس الجمهورية اتخاذها متى أعلنت حالة الطوارئ مردها تعرض الأمن والنظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر، والغاية من تقريرها المحافظة على أمن الوطن والمواطنين معاً، وكل تدبير أو إجراء يتخذ فى هذا الشأن ينبغى أن يرتبط بهذه الغاية دون سواها، وقد خلت تلك التدابير من إعطاء رئيس الجمهورية سلطة إصدار تشريع لتنظيم أمر معين حتى ولو كان يدور حول تحقيق تلك الغاية، وله إن شاء ذلك أن يلجأ إلى السلطة التى حددها المشرع الدستورى لإصدار هذا التشريع. وإذ كان هذا هو حال الأصيل عند ممارسة سلطة الطوارئ، فإن من ينيبه ذلك الأصيل للقيام ببعض اختصاصاته ليس له أن يباشر اختصاصاً لا يمنحه قانون حالة الطوارئ للأصيل، بل إن هذا الأخير لا يملك إضافة تدابير أخرى إلى تلك المحددة بنص المادة (3) من ذلك القانون، وكل ما يستطيعه أن يصدر قراراً بتوسيع دائرة تلك التدابير، على أن يعرض هذا القرار على مجلس الشعب فى المواعيد وطبقاً للأحكام المنصوص عليها فى المادة (2) من القانون المشار إليه، يؤيد ذلك أن قانون الطوارئ ما هو إلا نظام خاص قُصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بمكنات معينة تحد بها من الحقوق والحريات العامة بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومى للبلاد مثل الحرب وأخطار التهديد الخارجى والاضطرابات التى تهدد الأمن الداخلى، أو حدوث وباء أو ما شابه ذلك من أمور وثيقة الصلة بالسلامة العامة والأمن القومى، وهو بهذه المثابة محض نظام استثنائى يستهدف غاية محددة فلا يجوز التوسع فى تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه. ولتأكيد الطبيعة الاستثنائية لهذا النظام نصت المادة 48 من الدستور على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناءً فى حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يُفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقاً للقانون"، فعبارات هذا النص صريحة وواضحة الدلالة على أن الرقابة المحددة المشار إليها فيه إنما تكون فى الأمور ذات الصلة بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وهو ما يتعين التقيد به أيضاً بالنسبة للأوامر أو التدابير التى تصدر من السلطة التى حددها قانون حالة الطوارئ والتى تتمثل فى رئيس الجمهورية أو من ينيبه عند إصدارها أى من التدابير المنصوص عليها فى المادة (3) من ذلك القانون.
وحيث إن أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 ينص فى مادته الثانية على أن يحظر فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات، كما قررت المادة الثالثة منه عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من خالف حكم المادة الثانية أو شرع فى ذلك، وتسرى العقوبة المشار إليها على كل ممثل لجهة حكومية وقع الفعل أو الشروع بتكليف منه، كما يعاقب بذات العقوبة كل من ساهم أو اشترك فى الجريمة أو لم يقم بواجبه فى منعها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها من العاملين المختصين بشئون التنظيم وغير ذلك من الجهات الإدارية المختصة. وإذ كان تنظيم الأمر المتقدم يتصل بالمصلحة العامة ومقتضياتها إلا أنه لا يعد من قبيل التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام والتى تعلن من أجلها حالة الطوارئ، ومن ثم فليس للسلطة التى حددها قانون الطوارئ من سبيل إلا ولوج أسلوب التشريع العادى بضوابطه وإجراءاته من أجل وضع تنظيم تشريعى يقيم توازناً دقيقاً بين حقوق أصحاب تلك العقارات فى استغلالها على النحو الذى يكفل لهم مصالحهم، وبين مقتضيات الحفاظ على تلك الثروة العقارية وما تمثله من تراث قومى، وإذ تنكب ذلك الأمر العسكرى هذا الطريق فإنه يكون قد وقع فى حومة مخالفة نص المادة (86) من الدستور الذى عهد بسلطة التشريع إلى مجلس الشعب.
وحيث إنه فى ضوء ما تقدم جميعه فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية نص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 فيما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات بمدينة الإسكندرية، وعدم دستورية نص المادة الثانية من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، وعدم دستورية نص المادة 11 مكرراً (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 المضاف بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 180 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، وذلك لمخالفتها أحكام المواد (32، 34، 86، 144) من الدستور.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 قضت باتخاذ الإجراءات التأديبية ضد كل مسئول عن الموافقة المخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من ذات القرار والذى يحظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى مدينة الإسكندرية، كما رصدت المادة الثالثة من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 عقوبة جنائية لمن يخالف الحظر المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار المشار إليه، فإن القضاء بسقوط أحكامهما تبعاً للقضاء بعدم دستورية النصين المتعلقين بهما يكون لازماً.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة:
أولاً - بعدم دستورية نص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996 فيما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات بمدينة الإسكندرية.
ثانياً - بعدم دستورية نص المادة الثانية من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر هدم أو التصريح بهدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية.
ثالثاً - بعدم دستورية نص المادة 11 مكرراً (5) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 المضاف بقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 180 لسنة 1998 فيما تضمنه من حظر الموافقة على هدم القصور والفيلات فى جميع أنحاء جمهورية مصر العربية.
رابعاً - بسقوط ما يقابل هذا الحظر من أحكام وردت بكل من المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3086 لسنة 1996، والمادة الثالثة من أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكرى العام رقم 2 لسنة 1998 المشار إليهما.

أمين السر رئيس المحكمة