الجريدة الرسمية - العدد 3 (مكرر) - فى 24/ 1/ 2006م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 15 يناير سنة 2006م، الموافق 15 من ذى الحجة سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 113 لسنة 26 قضائية "دستورية".
المحالة من محكمة شبين الكوم الإبتدائية نفاذاً لحكمها الصادر فى الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى (نفس).

المقامة من:

السيدة/ عفاف عبد الغفار قاسم.

ضـد:

السيد/ محمد صابر سليمان صوار.


الإجراءات:

بتاريخ 10 مايو سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم، بعد أن قضت محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس، بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى، أمام محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس، بطلب الحكم بإثبات طلاقها من المدعى عليه طلاقاً بائناً بينونة كبرى المكمل للثلاث طلقات اعتباراً من شهر مايو سنة 2003، قولاً منها بأنها تزوجت من المدعى عليه بالعقد الصحيح بتاريخ 15/ 12/ 1971، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج وأنجب منها ذكوراً وإناثاً، وأنه دأب على طلاقها ومراجعتها من نفسه دون توثيق الطلاق رغم وقوعه شرعاً، إلى أن قام فى غضون شهر مايو سنة 2003 بطلاقها الطلقة الثالثة، التى غدا بها طلاقها منه بائناً بينونة كبرى، وقد اعترف بذلك أمام شهود عدول، وأفتت دار الإفتاء المصرية فى مواجهته بأن المدعية أصبحت محرمة عليه شرعاً لطلاقها المكمل لثلاث، بحيث لا تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره، دون أن تكون هناك فتوى مكتوبة، وعلى أثر ذلك انتقلت المدعية للإقامة مع ذويها، غير أن المدعى عليه رفض توثيق الطلاق، مما حدا بها إلى إقامة دعواها المشار إليها توصلاً للقضاء لها بطلباتها المتقدمة. وأثناء نظر الدعوى قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم - المقامة من المدعية ضد المدعى عليه للاعتراض على إنذار الطاعة الموجه منه لها - إلى هذه الدعوى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 31/ 3/ 2004 قضت المحكمة بوقف الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة (21) من القانون رقم 1 لسنة 2000 لما تراءى لها من مخالفته للمادتين (2، 12) من الدستور، وفى الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم بوقف الاعتراض وقفاً تعليقياً لحين الفصل فى موضوع الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم بإثبات طلاق المعترضة بحكم نهائى.
وحيث إن المادة (21) من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أن "لا يعتد فى إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق، وعند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق، ويدعوهما إلى اختيار حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما، فإن أصر الزوجان معاً على إيقاع الطلاق فوراً، أو قرراً معاً أن الطلاق قد وقع، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه.
وتطبق جميع الأحكام السابقة فى حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق فى ذلك فى وثيقة الزواج.
ويجب على الموثق إثبات ما تم من إجراءات فى تاريخ وقوع كل منها على النموذج المعد لذلك، ولا يعتد فى إثبات الطلاق فى حق أى من الزوجين إلا إذا كان حاضراً إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه، أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقة رسمية".
وحيث إن المسائل الدستورية التى تقضى محكمة الموضوع بإحالتها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا عملاً بالبند ( أ ) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، لازمها أن تبين النصوص القانونية التى تقدر مخالفتها للدستور، ونصوص الدستور المدعى بمخالفتها، ونطاق التعارض بينهما، وأن يكون قضاؤها هذا دالاً على انعقاد إرادتها على عرض المسائل الدستورية التى ارتأتها مباشرة على المحكمة الدستورية العليا استنهاضاً لولايتها بالفصل فيها، وهو ما يتعين على هذه المحكمة تحريه فى ضوء ما قصدت إليه محكمة الموضوع وضمنته قضاؤها بالإحالة، وصولاً لتحديد نطاق المسائل الدستورية التى تدعى المحكمة للفصل فيها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق، أن نطاق الإحالة كما قصدت إليه محكمة الموضوع، وضمنته أسباب حكمها بالإحالة، إنما ينصب على ما تضمنه نص المادة (21) المطعون فيه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق دون غيره من طرق الإثبات المقررة، وهو الشق من النص الطعين الذى تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة بالنسبة له، بحسبان أن مبنى النزاع الموضوعى هو طلب الحكم بإثبات الطلاق لامتناع المدعى عليه المطلق عن إثباته طبقاً للنص المشار إليه، وأن القضاء فى مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره وانعكاسه على الطلب الموضوعى سالف الذكر، وقضاء محكمة الموضوع فيه، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الراهنة والمصلحة فيها تكون قائمة بالنسبة للنص المذكور فى حدود إطاره المتقدم، ولا تمتد إلى غير ذلك من الأحكام التى وردت بنص المادة (21) المطعون فيه.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على هذا النص الطعين، محدداً نطاقاً على النحو المتقدم، مخالفته لنص المادتين (2، 12) من الدستور، على سند من أن هذا النص بقصره إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق، خلافاً للأصل المقرر شرعاً من جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات من بينة وإقرار ويمين، يترتب عليه نتائج يأباها الشرع ويتأذى لها الضمير، وذلك إذا ما وقع الطلاق بالتلفظ بألفاظه الدالة عليه صراحة أو ضمناً، رغم عدم إمكان إثباته بغير الدليل الذى حدده النص الطعين، بما مؤداه اعتبار العلاقة الزوجية قائمة ومستمرة قانوناً، رغم ما يشوبها من حرمة شرعية، وهو ما يخالف أحكام الدستور.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها فى 22 من مايو سنة 1980 - يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل - قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة - مصدراً وتأويلاً - والتى يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد فى الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية - النقلية منها والعقلية - حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر ينظر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهماً فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقاً على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثماً، وكان واجباً كذلك ألا يشرع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسراً، وإلا كان مصادماً لقوله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج".
وحيث إن الطلاق وقد شرع رحمة من الله بعباده، وكان الطلاق هو من فرق النكاح التى ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كناية، ولذلك حرص المشرع فى القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية وتعديلاته - وفقاً لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 10 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية - على عدم وضع قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء بكافة طرق الإثبات المقررة، غير أن المشرع قد انتهج فى النص الطعين نهجاً مغايراً فى خصوص إثبات الطلاق عند الإنكار، فلم يعتد فى هذا المجال بغير طريق واحد هو الإشهاد والتوثيق معاً، بحيث لا يجوز الإثبات بدليل آخر، مع تسليم المشرع فى ذات الوقت - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه - بوقوع الطلاق ديانة، وهذا النص وإن وقع فى دائرة الاجتهاد المباح شرعاً لولى الأمر، إلا أنه - فى حدود نطاقه المطروح فى الدعوى الماثلة - يجعل المطلقة فى حرج دينى شديد، ويرهقها من أمرها عسراً، إذا ما وقع الطلاق وعلمت به وأنكره المطلق، أو امتنع عن إثباته إضراراً بها، مع عدم استطاعتها إثبات الطلاق بالطريق الذى أوجبه النص المطعون فيه، وهو ما يتصادم مع ضوابط الاجتهاد، والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، فضلاً عما يترتب على ذلك من تعرض المطلقة لأخطر القيود على حريتها الشخصية وأكثرها تهديداً ومساساً بحقها فى الحياة، التى تعتبر الحرية الشخصية أصلاً يهيمن عليها بكل أقطارها، تلك الحرية التى حرص الدستور على النص فى المادة (41) منه على أنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، والتى يندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التى لا تكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها، ومن بينها حقى الزواج والطلاق وما يتفرع عنهما، وكلاهما من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها، ولا تعمل بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور فى المادة (9/ 1) منه قوام الأسرة الدين والأخلاق، كما جعل رعاية الأخلاق والقيم والتقاليد والحفاظ عليها والتمكين لها، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمع ككل، ضمنه المادتين (9/ 2، 12) من الدستور، والذى غدا إلى جانب الحرية الشخصية قيداً على السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تأتى عملاً يخل بهما، ذلك أنه وإن كان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرع يلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته، وأن يراعى كذلك أن كل تنظيم للحقوق لا يجوز أن يصل فى منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقص منها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها، الأمر الذى يضحى معه هذا النص فيما تضمنه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق، دون غيرهما من طرق الإثبات المقررة، مخالفاً للمواد (2، 9، 12، 41) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 فيما تضمنه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق.

أمين السر رئيس المحكمة