الجريدة الرسمية - العدد 13 (مكرر) - فى 5/ 4/ 2006م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 12 مارس سنة 2006م، الموافق 12 من صفر سنة 1427هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وإلهام نجيب نوار ومحمد خيرى طه، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لسنة 27 قضائية "دستورية" المحالة من محكمة الفيوم الابتدائية - جنح مستأنف بحكمها الصادر بجلسة 30/4/2005 فى الدعوى رقم 6642 لسنة 2005.

المقامة من:

النيابة العامة.

ضـد:

محمد سيد شلقانى.


الإجراءات:

بتاريخ الثانى والعشرين من مايو سنة 2005، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 6642 لسنة 2005، بعد أن قضت محكمة الفيوم الابتدائية - دائرة الجنح المستأنفة - بجلسة 30/ 4/ 1998 بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أحالت محمد سيد شلقانى إلى محكمة جنح قسم الفيوم متهمه إياه أنه بتاريخ 6/ 7/ 2004 بدائرة قسم الفيوم أنتج خبزاً بلدياً ناقص الوزن، وطلبت معاقبته بالمواد 1/ أ، 8، 56، 58، 61 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالقانون 109 لسنة 1980، وبجلسة 25/ 12/ 2004 قضت المحكمة حضورياً بمعاقبة المتهم بالحبس سنة مع الشغل وكفالة مائة جنيه وغرامة خمسمائة جنيه والغلق لمدة شهر، وإذ لم يرتض المتهم هذا الحكم فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 6642 لسنة 2005 جنح مستأنف الفيوم وأثناء نظر الدعوى بجلسة 19/ 3/ 2005 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة 30/ 4/ 2005 حيث قضت بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمعدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة، على سند من مخالفة ذلك لنصوص المواد (86، 165، 166) من الدستور فى ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها.
وحيث إن المادة (56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 المطعون على فقرتها الأخيرة - تنص على أن: - "يعاقب على كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلثمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، ......... وفى جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مؤداه ألا تفصل المحكمة فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى. ومن ثم يكون للمتهم مصلحة شخصية ومباشرة فى الفصل فى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 56 سالفة البيان. إذ أن القضاء بعدم دستوريتها يحقق له فائدة يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وأن تقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التى يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالى يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، فى الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعى فيعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التى يباشرها القاضى فى مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها، تقديراً بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعى، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هى التى تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
وحيث إن تناسب العقوبة مع الجريمة ومرتكبها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة من بينها تلك التى يجريها القاضى - فى كل واقعة على حدة - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع - بالفقرة الأخيرة من المادة (56) المطعون عليها - قد جرد القاضى من السلطة التى يقدر بها لكل جريمة عقوبتها التى تناسبها بما يناقض موضوعية تطبيقها، وكان لا يجوز للدولة - فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعى - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لا يطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة منصفة، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التى بينتها المادة 67 من الدستور، وكان من المقرر أن "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطتان "بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها" على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، ومدى الضرر الناجم عنها، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية باعتباره من مكوناتها، فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم "بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها" مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها "إلا عملاً مجرداً بعزلها عن بيئتها" دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً مجافياً لقيم الحق والعدل.
وحيث إن النص المطعون فيه - وعلى ضوء ما تقدم - يكون قد أهدر - من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة - جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً كذلك على تدخل فى شئونها، مقيداً الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ووقعاً بالتالى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (41، 67، 165، 166) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبة.

أمين السر رئيس المحكمة