الجريدة الرسمية - العدد 18 (مكرر) - فى 6/ 5/ 2006م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 9 إبريل سنة 2006م، الموافق 11 ربيع الأول سنة 1427هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح والدكتور حنفى على جبالى وإلهام نجيب نوار وماهر سامى يوسف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 24 قضائية "دستورية".

المقامة من:

1 - السيد/ رجب محمد عبد القوى.
2 - السيد/ عبدالمحسن زكى أحمد.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد المستشار وزير العدل.


الإجراءات:

بتاريخ الثامن من أبريل سنة 2002، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى الأول - باعتباره عضواً منتخباً عن العمال بمجلس إدارة شركة آمون للتوكيلات الملاحية - كان قد أقام الدعوى رقم 86 لسنة 2000 أمام محكمة العمال الجزئية بالإسكندرية ضد وزير قطاع الأعمال العام، والممثل القانونى للشركة القابضة للنقل البحرى، ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة آمون للتوكيلات البحرية، بطلب إلزام المدعى عليهما الثانى والثالث بصرف كل من مكافأة العضوية والمكافأة السنوية المستحقة له أسوة بأعضاء مجلس الإدارة المعينين وذلك من الميزانية المنتهية فى 30/ 6/ 1997 و30/ 6/ 1998، وأثناء نظر تلك الدعوى تدخل المدعى الثانى انضمامياً إلى المدعى الأول فى طلباته مضيفاً إليها طلب الحكم له بمكافأة العضوية والمكافأة السنوية المستحقة له عن عام 98/ 1999. وبجلسة 23/ 10/ 2001 دفع المدعيان بعدم دستورية نص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، فيما تضمنه النص الأول من قصر مكافأة العضوية على الأعضاء المعينين دون المنتخبين، وما قرره النص الثانى من ألا تجاوز المكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون الأجر السنوى الأساسى لهم، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 18/ 12/ 2001 للمذكرات. وبجلسة 12/ 2/ 2002 صمم الحاضر عن المدعيين على الدفع بعدم الدستورية فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 28/ 5/ 2002 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقاما الدعوى الماثلة، وبجلسة 26/ 11/ 2002 قضت محكمة العمال الجزئية بالإسكندرية بعدم اختصاصها نوعياً وقيمياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية بدائرة عمالية حيث قيدت أمامها برقم 2750 لسنة 2002 عمال كلى الإسكندرية، وبجلسة 30/ 1/ 2003 قضت تلك المحكمة بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل فى الطعن بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 تنص على أن:
"مع مراعاة أحكام المادة (4) من هذا القانون يتولى إدارة الشركة التى يساهم فى رأس مالها أفراد أو أشخاص اعتبارية من القطاع الخاص، مجلس إدارة يعين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد يتكون من عدد فردى من الأعضاء لا يقل عن خمسة ولا يزيد على تسعة بما فيهم رئيس المجلس وذلك على النحو التالى:
( أ ) رئيس غير متفرغ من ذوى الخبرة، يعينه رئيس الجمعية العامة للشركة بناء على ترشيح مجلس إدارة الشركة القابضة.
(ب) أعضاء غير متفرغين، من ذوى الخبرة يختارهم مجلس إدارة الشركة القابضة يمثلون الجهات المساهمة فى الشركة.
(ج) أعضاء غير متفرغين بنسبة ما تملكه الأشخاص الاعتبارية من القطاع الخاص أو الأفراد المساهمين فى الشركة يختارهم ممثلو هذه الجهات فى الجمعية العامة.
(د) أعضاء غير متفرغين يتم انتخابهم من العاملين بالشركة طبقاً للقانون المنظم لذلك ويكون عددهم مساوياً لمجموع عدد أعضاء مجلس الإدارة طبقاً للبندين (ب) و(ج).
(هـ) رئيس اللجنة النقابية ولا يكون له صوت معدود وفى حالة تعدد اللجان النقابية فى الشركة تختار النقابة العامة أحد رؤساء هذه اللجان.
وتحدد الجمعية العامة ما يتقاضاه كل من رئيس وأعضاء المجلس المشار إليهم فى البنود أ وب وج من مكافأة العضوية، كما يحدد النظام الأساسى للشركة المكافأة السنوية التى يستحقونها بمراعاة نص المادة (34) من هذا القانون.
وتحدد الجمعية العامة ما يتقاضاه أعضاء المجلس من بدل حضور الجلسات وما يستحقه أعضاء المجلس المنتخبون من مكافأة سنوية بما لا يجاوز الأجر السنوى الأساسى.
ويختار مجلس إدارة الشركة القابضة.........".
وحيث إن المدعيين يستهدفان بنزاعهما الموضوعى مساواتهما بأعضاء مجلس الإدارة المعينين فى مجال استحقاق كل من مكافأة العضوية والمكافأة السنوية، وكانت الفقرة الثانية من المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام بما تضمنه من قصر مكافأة العضوية على أعضاء مجلس الإدارة المعينين دون غيرهم، وما نصت عليه الفقرة الثالثة من ذات المادة من حد أقصى للمكافأة السنوية التى يستحقها الأعضاء المنتخبون يتمثل فى الأجر السنوى الأساسى، يحولان دون إجابتهما إلى طلبهما، فإن تقرير صحة أو بطلان النصين المذكورين - فى هذا النطاق - يؤثر بالضرورة على النزاع الموضوعى، ومن ثم تتوفر للمدعيين مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن عليهما بعدم الدستورية.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النصين الطعينين - محددين نطاقاً على ما تقدم - مخالفتهما للمواد 13 و23 و25 و34 و40 من الدستور، ذلك أنهما قد انطويا على تمييز غير مبرر بين أعضاء مجلس الإدارة المعينين ونظرائهم المنتخبين فى شأن مكافأة العضوية والمكافأة السنوية رغم تماثلهم جميعاً فى المركز القانونى باعتبارهم أعضاء فى مجلس إدارة الشركة، فأهدرا بذلك مبدأ المساواة أمام القانون، ونقضا مبدأ التضامن الاجتماعى فضلاً عن إخلالهما بحق العمل وبقاعدة ربط الأجر بالإنتاج تحقيقاً لزيادة الدخل القومى، ومساسهما كذلك بحق الملكية.
وحيث إن السلطة التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق وإن كان الأصل فيها هو إطلاقها، إلا أن القيود التى قد يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور العدوان المحتمل عليها هى التى تبين تخوم الدائرة التى لا يجوز أن يتدخل التنظيم التشريعى فيها هادماً للحقوق التى يكفلها الدستور، أو مؤثراً فى محتواها بما ينال منها. ومن ثم تمثل هذه الدائرة مجالاً حيوياً لا يتنفس الحق إلا من خلالها بحيث لا يكون تنظيم الحق ممكناً من زاوية دستورية إلا فيما وراء حدودها الخارجية، ليكون اقتحامها مجافياً لتنظيمه، وعدواناً عليه أدخل إلى مصادرته أو تقييده. كذلك لا يجوز أن تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعاً محدداً عن أهدافها، بل يجب أن تكون هذه النصوص مدخلاً إليها وموطئاً لإشباع مصلحة عامة لها اعتبارها، ومرد ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصوداً لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العمل - وفى إطار الخصائص التى يقوم عليها باعتباره حقاً وواجباً وشرفاً وفقاً للمادة (13) من الدستور - مكفول من الدولة سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير. وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته، يحملها على تقدير من يمتازون فيه، ليكون التمايز فى أداء العاملين، مدخلاً للمفاضلة بينهم. وهو ما يعنى بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هى التى يعتد بها فى تقدير العمل وتحديد المقابل المستحق عنه، والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها، والحقوق التى يتصل بها، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها، وأن ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (13) من الدستور من أن العمل لا يجوز أن يُفرض جبراً على المواطنين إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، وبمقابل عادل، مؤداه أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر، فلا يُفرض عنوة على أحد، إلا أن يكون ذلك وفق القانون - وباعتباره تدبيراً استثنائياً متصلاً بدواعى الخدمة العامة مرتبطاً بمتطلباتها - وبمقابل عادل. وهو ما يعنى أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل سواء فى نوعها أم كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين: الأول أن يكون متناسباً مع الأعمال التى أداها العامل، مقدراً بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها، وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها. والثانى: أن يكون ضابط التقدير موحداً، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر. وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محدداً التواءً أو انحرافاً، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها، فإذا كان عملهم واحداً، فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً، بما مؤداه أن قاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها، تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها.
وحيث إن مجلس إدارة الشركة المشكل وفقاً لنص المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، هو أداة تسييرها وتصريف شئونها وتقرير سياستها العامة بلوغاً لأهدافها فى إطار اختصاصاته المقررة قانوناً، وكان أعضاء هذا المجلس يتولون مهامهم فيه متضامنين معاً، ويتحملون المسئولية الجماعية الكاملة عما يصدر عن مجلسهم فى الشئون التى يتولاها، فإن مناط استحقاق مكافأة العضوية والمكافأة السنوية يكون متحققاً سواء بالنسبة للأعضاء المعينين أم الأعضاء المنتخبين، ولا يجوز تقدير كلتا المكافأتين على غير معيار التماثل بالنسبة إليهم جميعاً، دون أن ينال من ذلك ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن الأعضاء المنتخبين بمجلس الإدارة يختلفون فى مركزهم القانونى عن المعينين من أعضائه، لتمتعهم دون الآخرين بمزايا تقتصر عليهم سواء فى مجال الأرباح التى يتم توزيعها، أو من خلال مزايا عينية تقدمها إليهم شركتهم فى مجال الإسكان وغيره مع بقائهم فى الشركة عمالاً بها بعد انتهاء عضويتهم بمجلس الإدارة، على خلاف المعينين، ذلك أن مكافأة العضوية والمكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون، واقعتها المنشئة هى عملهم فيه، ولا شأن لها بالمزايا التى يحصلون عليها من شركتهم بوصفهم من العاملين بها، بل قوامها ذلك الجهد المبذول فى مجلس إدارتها من أجل إدارة الشركة وتصريف شئونها، متكاتفين فى ذلك مع الأعضاء المعينين فى هذا المجلس. وإذ وقع التمييز بالنصين الطعينين بين الأعضاء المعينين والمنتخبين فى مجال مكافأة العضوية والمكافأة السنوية والتى تندرج كلتاهما تحت مفهوم الأجر دون مقتض، وكانت صور التمييز التى تناهض مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أم تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، فإن النصين الطعينين يكونان هادمين لمبدأ المساواة أمام القانون، مُخلين بالتضامن الاجتماعى الذى يقوم عليه المجتمع، منتهكين حق العامل - أياً كان موقعه أو دوره فى تسيير دفة الإنتاج - فى اقتضاء الأجر العادل لقاء عمله الذى يتكافأ مع عمل نظيره، متصادمين مع مبدأ ربط الأجر بالإنتاج تحقيقاً لزيادة الدخل القومى، ومخالفين بالتالى للمواد (7 و13 و23 و40) من الدستور.
وحيث إن الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أم الأدبية أم الصناعية، وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام، وكان النصين الطعينين قد انتقصا - دون مقتض - من الحقوق التى تثرى الجانب الإيجابى للذمة المالية للمخاطبين بحكميهما، فإنهما يكونان قد انطويا على عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادتين (32 و34) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (22) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 وذلك فيما تضمنه من حرمان أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين من مكافأة العضوية، وعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الثالثة من ذات المادة من تحديد حد أقصى للمكافأة السنوية التى يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة