الجريدة الرسمية - العدد 12 (مكرر) - فى 26/ 3/ 2003

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 16 مارس سنة 2003م الموافق 13 من المحرم سنة 1424هـ.
برئاسة السيد المستشار/ محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
 وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى :

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 107 لسنة 20 قضائية "دستورية".

المقامة من:

السيد/ يحيى إبراهيم طاهر مصطفى.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى.
4 - السيد مدير مكتب تأمينات سيارات المحلة الكبرى.


الإجراءات:

بتاريخ الواحد والعشرين من مايو سنة 1998، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان يتقاضى معاشاً من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى (مكتب تأمينات سيارات المحلة الكبرى) بصفته وصياً على أخيه القاصر/ شوقى إبراهيم طاهر والذى تم تجنيده بتاريخ 2/ 1/ 1995 واستمرت الهيئة فى صرف هذا المعاش حتى فوجئ بوقفه ومطالبته برد مبلغ 625 جنيهاً للهيئة بدعوى تقاضيه لهذا المبلغ دون وجه حق وفقاً لحكم المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى فقام المدعى بالاعتراض على هذا الإجراء أمام لجنة فحص المنازعات بمنطقة الغربية للتأمين الاجتماعى التى قررت رفض الاعتراض فأقام الدعوى رقم 41 لسنة 1997 مدنى كلى أمام محكمة طنطا الابتدائية (مأمورية المحلة الكبرى الابتدائية) طالباً الحكم بإلغاء قرار لجنة فحص المنازعات والاستمرار فى صرف المعاش الخاص بالقاصر من تاريخ وقفه حتى انتهاء فترة تجنيده مع إلغاء مطالبته بدفع مبلغ 625 جنيهاً وبجلسة 23/ 12/ 1997 حكمت المحكمة برفض الدعوى فطعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 290 لسنة 47 قضائية أمام محكمة استئناف طنطا وأقام استئنافه على عدة أسباب من بينها الدفع بعدم دستورية المادة (116) من قانون التأمين الاجتماعى، وإذ قدرت المحكمة جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى دفعت بعدم قبول الدعوى من ثلاثة وجوه: الوجه الأول هو قيام المدعى بالطعن على المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى بأكملها دون أن يحدد الجزء المطعون عليه منها، بالمخالفة لحكم المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979. وفى الوجهين الثانى والثالث انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة وانعدام صفة المدعى تأسيساً على أنه غير مخاطب أصلاً بالنص المطعون عليه وأن المخاطب به هو شقيقه الذى كان موضوعاً تحت وصايته ثم بلغ سن الرشد سنة 1995 قبل إقامة الدعوى الموضوعية سنة 1997 ومن ثم كان يتعين إقامة هذه الدعوى من قبل شقيقه المذكور.
وحيث إن هذا الدفع مردود فى الوجه الأول منه ذلك أن صحيفة الدعوى جاءت واضحة وصريحة فى الطعن على المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى فيما تضمنته من التمييز فى استحقاق المعاش بين الولد أو الأخ المجند الذى سبق التحاقه بعمل قبل تجنيده ونظيره الذى لم يسبق له الالتحاق بعمل، كما تضمنت الصحيفة الإشارة إلى مواد الدستور المدعى مخالفتها ومن ثم تأتى مطابقة لما يتطلبه نص المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا وبها يتحدد نطاق الدعوى الماثلة، كما أن هذا الدفع مردود فى الوجهين الثانى والثالث منه إذ من المقرر أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأنه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكفى لتوافر هذه المصلحة أن يكون النص التشريعى المطعون عليه مخالفاً فى ذاته للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل فى خصومة تكون المصلحة بشأنها نظرية صرفه، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التى تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التى كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية أثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، وهو ما يحتم أن يكون الضرر الذى لحق بالمدعى ناشئاً عن النص المطعون عليه ومترتباً عليه.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإنه لما كان هدف المدعى من إبطال النص المطعون عليه هو الحيلولة بين الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى ومطالبته بما سبق أن صرفه من المعاش والمستحق لأخيه بالمخالفة - فى نظر الهيئة - لحكم النص المذكور فإنه من ثم تتوافر فى حقه المصلحة الشخصية المباشرة والصفة فى إقامة الدعوى الدستورية محددة نطاقاً على النحو المتقدم ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى على غير أساس بما يتعين الالتفات عنه.
وحيث إن المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 - محل الطعن الماثل - تنص على أنه "إذا كان المعاش المستحق للولد أو الأخ لم يرد على باقى المستحقين بعدم قطعه يعاد صرفه فى حالة إيقاف صرف أجره أثناء فترة التجنيد الإلزامية طالما لم يبلغ سن السادسة والعشرين".
وينعى المدعى على المادة المذكورة أنها حين أخرجت الولد أو الأخ الذى لم يلتحق بعمل قبل تجنيده من مظلة التأمين الاجتماعى وفضلت عليه الذى التحق بعمل قبل التجنيد فقضت باستمرار الأخير دون الأول فى صرف المعاش المستحق فإنها تكون مخالفة لأحكام المواد 2، 4، 7، 8 و17 من الدستور.
وحيث إن النعى صحيح فى جوهره، ذلك أن الدستور قد حرص على النص على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون باعتباره الوسيلة الأساسية لتعزيز الحماية القانونية المتكافئة للحقوق والحريات جميعاً سواء التى نص عليها الدستور أو تلك التى يكفلها التشريع، وإذا كانت صور التمييز المخالف لمبدأ المساواة لا تقع تحت حصر، فإن قوامها هو تحقق أية تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد بصورة تحكمية تؤدى إلى الحرمان من التمتع بالحقوق المكفولة دستورياً أو تشريعى، ومناط إعمال مبدأ المساواة هو تماثل المراكز القانونية بالنسبة للتنظيم التشريعى محل البحث.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون عليه قد قصر صرف المعاش المستحق للولد أو الأخ على حالة إيقاف صرف أجره - بافتراض التحاقه بعمل - أثناء فترة التجنيد الإلزامية وحرم قرينه الذى لم يلتحق بعمل قبل التجنيد من هذا الحق بالرغم من تماثل مركزهما القانونى من حيث أصل استحقاقهما لمعاش من هيئة التأمين الاجتماعى ومن حيث أداء كل منهما للواجب الوطنى فى التجنيد الإلزامى فإن النص الطعين يكون قد أنشأ بهذه التفرقة تمييزاً تحكمياً غير مبرر، حيث كان التجنيد سبباً لحرمان الأول من صرف أجره، وهو بذاته سبباً لحرمان الثانى من السعى لعمل يتقاضى عنه أجراً، إذ كان ذلك، فإن النص الطعين يكون قد وقع فى حمأة الخروج على مبدأ المساواة ويكون بالتالى مخالفاً لحكم المادة 40 من الدستور مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية فيما تضمنه من قصر الحق فى صرف المعاش المستحق للولد أو الأخ على حالة إيقاف صرف أجره أثناء فترة التجنيد الإلزامية دون قرينه الذى لم يلتحق بعمل قبل التجنيد.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 116 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فيما تضمنه من حرمان الولد أو الأخ الذى لم يكن قد التحق بعمل قبل التجنيد من صرف المعاش المستحق أثناء فترة التجنيد الإلزامية، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة

أمين السر رئيس المحكمة