الجريدة الرسمية - العدد 22 (تابع) - فى 29/ 5/ 2003

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 11 مايو سنة 2003م الموافق 10 من ربيع الأول سنة 1424هـ.
برئاسة السيد المستشار/ محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد على سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى :

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 77 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المقامة من:

السيد الدكتور/ نبيل محمد رشاد الميقاتى.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد المستشار وزير العدل.
4 - السيد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب.
5 - السيد الدكتور رئيس جامعة القاهرة.
6 - السيد الدكتور عميد كلية الطب بجامعة القاهرة.


الإجراءات:

بتاريخ الثالث عشر من مايو سنة 2001، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 91 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات فيما تضمنه من أنه لا يجوز أن يزيد مجموع الإجازة الخاصة لمرافقة الزوج المرخص له بالسفر إلى الخارج، على عشر سنوات طوال مدة خدمة عضو هيئة التدريس.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 561 لسنة 53 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد المدعى عليهما الأخيرين، بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار جامعة القاهرة برفض منحه إجازة بدون مرتب لمدة عام يبدأ من 28/ 6/ 1998 لمرافقة زوجته التى تعمل بالخارج، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب عليه من آثار، وقال شرحاً لدعواه أنه يشغل وظيفة أستاذ التخدير بكلية الطب بجامعة القاهرة، وتقدم بطلب لتجديد أجازته المرخص له بها لمرافقة زوجته التى تعمل بالخارج، فرفض طلبه استناداً إلى نص المادة 91 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، والتى تمنع عضو هيئة التدريس من الحصول على مثل هذه الأجازة إذا تجاوز مجموع الأجازات الخاصة التى حصل عليها طوال مدة خدمته عشر سنوات، وبعد أن قضت تلك المحكمة للمدعى بطلباته فى الشق المستعجل، فقد دفع بعدم دستورية النص المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 91 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات تنص على أنه "فى جميع الأحوال لا يجوز أن يزيد مجموع مدد الإعارات والمهمات العلمية وإجازات التفرغ العلمى وإجازة مرافقة الزوج على عشر سنوات طوال مدة خدمة عضو هيئة التدريس".
وحيث إنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وأن يكون من شأن الحكم فى المسألة الدستورية تأثير فيما أبدى من طلبات فى دعوى الموضوع، متى كان ذلك وكان المدعى فى الدعوى الموضوعية ينبغى وقف تنفيذ وإلغاء قرار جامعة القاهرة برفض منحه إجازة خاصة لمرافقة زوجته التى تعمل بالخارج، لأن مجموع ما حصل عليه من إجازات لمرافقة الزوج تجاوز عشر سنوات، فإن الفصل فى دعواه الموضوعية يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص الطعين - وفى حدود هذا النطاق دون غيره - وهو ما تتحقق به مصلحته الشخصية المباشرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - إهداره للحماية التى كفلها الدستور للأسرة المصرية باعتبارها أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية، كما أخل بالحماية التى تكفلها الدولة للأمومة التى ترعى النشأ والشباب، ومن ثم يكون ذلك النص مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية، هذا فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة الذى كفله الدستور للمواطنين جميعاً.
وحيث إن هذا النعى فى جملته صحيح، ذلك أن الدستور نص فى المواد (9 و10 و11 و12) على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية - وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد - وهو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلاقة داخل المجتمع، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها - وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة - هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى كفلها الدستور.
وحيث إن وحدة الأسرة - فى الحدود التى كفلها الدستور يقتضيها أمران:
أولهما: ضرورة تماسكها وعدم انفراطها، توكيداً للقيم العليا النابعة من اجتماعها، وصوناً لأفرادها من مخاطر التبعثر والضياع وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق.
ثانيهما: أن مشاعر الوطنية المصرية التى يجب أن تكون الوهج الذى لا يخبو داخل وجدان كل مصرى، والشعلة التى تضئ له الطريق أياً كان مكانه فى العالم، توجب أن يوفر المشرع لكل مواطن المناخ الذى يشعر فيه بتمسك الوطن به، وإعزازه إياه، ليس فقط بحسبانه فرداً مصرى، وإنما أيضاً باعتباره عضواً فى أسرة مصرية تحفل بها مصر وترعاها وتبارك ولاءها حيثما غدت، فيصبح حفظ الأسرة المصرية فى اجتماعها هو حفاظ على الوطنية المصرية فى مهج أبنائها.
وحيث إن البين من المادة 69 من قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، أن الجهة الإدارية يتعين عليها دوماً أن تمنح العاملين بالدولة، أجازة بدون مرتب لمرافقة الزوج المرخص له بالعمل فى الخارج - سواء كان ذلك الزوج من العاملين فى الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص -، ولم يضع المشرع حداً أقصى لمنح هذه الأجازة لهؤلاء العاملين طوال مدة خدمتهم، واقتصر القيد فى هذه الحالة على ألا تجاوز الأجازة مدة بقاء الزوج فى الخارج، وأوضحت المذكرة الإيضاحية للنص سالف الذكر، أنه يقرر فى وضوح أن المشرع قد وازن بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة، وبين حسن سير العمل، وهو ما يعنى الحفاظ على وحدة الأسرة، وضمان وحدتها، بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى ممارسة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها إلى الحقوق التى يقررها القانون العادى ويكون مصدراً لها ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل عناصرها.
وحيث إن النص الطعين، يحول بين عضو هيئة التدريس وبين الحصول على إجازة لمرافقة الزوج، إذا تجاوز مجموع ما حصل عليه من إجازات مماثلة مدة عشر سنوات طوال حياته الوظيفية، وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتراحمها واتصال روابطها، فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتحدد بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعى، ولا بطبيعة عمل أحد الزوجين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام، بل يتعين أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها أو يضعفها، أو يقود إلى انحرافها، وإلا كان ذلك، إخلالاً بوحدتها التى قصد الدستور صونها لذاتها، ومن ثم فإن النص الطعين، إذ أفرد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم اجتماعها بدونها، ومايز بهذا الإفراد بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة على غير أسس موضوعية، فإنه بذلك يكون قد تبنى تمييزاً تحكمياً منهياً عنه، بما يوجد القضاء بعدم دستوريته فى هذا النطاق.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون النص الطعين قد وقع فى حمأة مخالفة أحكام المواد (9 و10 و11 و12 و40) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (91) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، فيما تضمنه من قيد زمنى على منح عضو هيئة التدريس بالجامعات أجازة خاصة لمرافقة الزوج المرخص له بالعمل فى الخارج، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة