الجريدة الرسمية - العدد 21 (تابع) - فى 26/ 5/ 2005م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 8 مايو سنة 2005م، الموافق 29 من ربيع الأول سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 51 لسنة 24 قضائية "دستورية".

المقامة من:

السيد الدكتور/ محمد يسرى حافظ.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد رئيس مجلس الشورى.
4 - السيد وزير العدل.
5 - السيد وزير الصحة.
6 - السيد رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة.
7 - السيد الدكتور/ محمد شوقى أبو قورة نقيب صيادلة القاهرة.
8 - السيد الدكتور/ محسن عبد العليم محمود، عن نفسه وبصفته أمين عام نقابة الصيادلة بالقاهرة.


الإجراءات:

بتاريخ الحادى عشر من فبراير سنة 2002، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالباً الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (30، 31) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانونين رقمى 253 لسنة 1955، و44 لسنة 1982.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 8377 لسنة 51 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بسرعة التصرف فى الصيدلية التى كان يملكها والده قبل وفاته، وفى الموضوع بإلغائه، وذلك على سند من القول بأن وزارة الصحة أرسلت إليه إنذاراً بسرعة التصرف فى هذه الصيدلية وإلا سيتم إلغاء الترخيص لانتهاء المدة الممنوحة للورثة لإدارتها لصالحهم، فتقدم المدعى بصفته أستاذاً مساعداً بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة بطلب لتمكينه من نقل ترخيص الصيدلية باسمه، فتم إخطاره بأن المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 لا تجيز لموظفى الحكومة تملك صيدلية، وأن المادة (31) من هذا القانون تلزم الورثة - بعد مرور عشر سنوات - بالتصرف فى الصيدلية بالبيع حتى لا تغلق إدارياً، فأقام المدعى دعواه المشار إليها، وقضت تلك المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، استناداً إلى أن المدعى يشغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية الصيدلة، ومن ثم يتوافر فى شأنه القيد الوارد فى المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955، وهو ألا يكون مالك الصيدلية موظفاً حكومياً. وأثناء نظر الشق الموضوعى، دفع محامى المدعى بجلسة 13/ 11/ 2001 بعدم دستورية المادتين (30، 31) من القانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 تنص على أنه "لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلى مرخص له فى مزاولة مهنته، يكون مضى على تخرجه سنة على الأقل قضاها فى مزاولة المهنة فى مؤسسة حكومية أو أهلية، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلى الذى تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية، ولا يجوز للصيدلى أن يكون مالكاً أو شريكاً فى أكثر من صيدليتين أو موظفاً حكومياً". وتنص المادة (31) المعدلة بالقانون رقم 44 لسنة 1982 على أنه "إذا توفى صاحب الصيدلية، جاز أن تدار الصيدلية لصالح الورثة لمدة لا تجاوز عشر سنوات ميلادية.
وفى حالة وجود أبناء للمتوفى لم يتموا الدراسة فى نهاية المدة المشار إليها فى الفقرة السابقة تمتد هذه المدة حتى يبلغ أصغر أبناء المتوفى سن السادسة والعشرين أو حتى تخرجه من الجامعة أو أى معهد علمى من درجتها أيهما أقرب.
ويعين الورثة وكيلاً عنهم، تخطر به وزارة الصحة، على أن تدار الصيدلية بمعرفة صيدلى.
وتغلق الصيدلية إدارياً بعد انتهاء المهلة الممنوحة للورثة، ما لم يتم بيعها لصيدلي".
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما تعارضهما مع نص المادة الثانية من الدستور، لمخالفتهما أحكام الميراث فى الشريعة الإسلامية، وكذلك مخالفتهما نصوص المواد (32، 34، 40) من الدستور، بإهدارهما حق الملكية الخاصة، إذ أنهما يحظران على الصيدلى موظف الحكومة تملك صيدلية، ويجبران المالك على التصرف فى ملكه على غير إرادته، وبإخلالهما بمبدأ المساواة، إذ يميزان على غير أسس موضوعية بين الأساتذة الجامعيين الصيادلة وبين غيرهم من الأساتذة الجامعيين، ومن ناحية أخرى بين بعض الصيادلة والبعض الآخر، رغم كونهم جميعاً صيادلة ومقيدين بنقابة الصيادلة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا، جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول حرمان المدعى، الذى يعمل أستاذاً مساعداً بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، من تملك الصيدلية التى آلت إليه وباقى الورثة بعد وفاة مورثهم ومطالبة إياهم ببيعها لانتهاء المهلة الممنوحة لهم، فإن مصلحة المدعى فى الدعوى الماثلة تتحدد فيما نصت عليه المادة (30) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المشار إليه، من عدم جواز أن يكون الصيدلى موظفاً حكومياً، وما ألزمت به المادة (31) الورثة من بيع الصيدلية التى آلت إليهم بعد وفاة مورثهم إلى صيدلى، حتى لا تغلق إدارياً بعد انتهاء المهلة التى منحتها لهم، وبهذين النصين وحدهما يتحدد نطاق الدعوى الدستورية ولا يمتد إلى ما تضمنه النصان المذكوران من أحكام أخرى.
وحيث إن الدستور إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة وتوكيداً لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى كفل حمايتها لكل فرد ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، ومن أجل ذلك حظر الدستور فرض قيود على الملكية الخاصة تنافى وظيفتها الاجتماعية أو يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها. وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفاً لها منافياً للحق فيها.
وحيث إن الحماية التى يكفلها الدستور للملكية الخاصة - وبوصفها إحدى القيم الجوهرية التى يرعاها - لا تقتصر على ما هو قائم فعلاً من مصادرها التى استقام بها الحق فى الملكية صحيحاً وفق أحكام الدستور، ولكنها تمتد بداهة إلى ما هو مشروع من صور كسبها التى تعد سبباً لتلقيها أو لانتقالها من يد أصحابها إلى آخرين، فلا يكون تقييد دائرتها جائزاً. فالأموال التى يملكها الفرد، وكذلك ما يؤول إلى أغيار من عناصرها، هى التى قصد الدستور إلى صونها، ولم يجز المساس بها إلا استثناًء، وبمراعاة الوسائل القانونية السليمة التى تقارن حق إنشائها وتغيير سندها. وينبغى بالتالى النظر إلى الحماية التى تشملها بما يقيمها وفق مفاهيم الحرية التى يمارسها الأفراد تعبيراً عن ذواتهم، وتوكيداً لحدود مسئوليتهم عن صور نشاطهم على اختلافها، فلا يكون صون الملكية إلا ضماناً ذاتياً لأصحابها، يرد عن ملكيتهم كل عدوان ينال من عناصرها.
وحيث إن الدستور يعتبر مآباً لكل سلطة وضابطاً لحركتها. والأصل فى النصوص التى يتضمنها أنها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها، وبما يرد عنها التنافر والتعارض، ويكفل اتساقها فى إطار وحدة عضوية تضمها، ولا تفرق بين أجزائها، بل تجعل تناغم توجهاتها لازماً. وكان الدستور إذ نص فى المادة (34) على أن الملكية الخاصة يجب صونها، وأن حمايتها تمتد إلى حق الإرث ليكون مكفولاً، فقد دل بذلك على أن ما يؤول للعباد ميراثاً فى حدود أنصبتهم الشرعية، يعتبر من عناصر ملكيتهم، التى لا يجوز لأحد أن ينال منها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان نص المادة (31) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة قد ألزم ورثة الصيدلى ببيع الصيدلية، التى آلت إليهم ميراثاً، إلى صيدلى بعد انتهاء المهلة الممنوحة لهم بالرغم من أنه يوجد من بينهم من رخّص له بمزاولة مهنة الصيدلة وذلك إعمالاً للحظر الوارد بنص المادة (30) من ذات القانون الذى لم يجز للصيدلى موظف الحكومة تملك صيدلية، فإنهما يكونان بذلك قد حالا بين الورثة وبين أموال دخلت الجانب الإيجابى لذمتهم المالية بطريق الميراث والذى يعد سبباً مشروعاً لكسب الملكية مما ينحلّ اعتداء على حق الإرث وإهداراً لحق الملكية بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نصى المادتين (30، 31) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1955 المعدل بالقانونين رقمى 253 لسنة 1955، و44 لسنة 1982، فيما تضمناه من حظر تملك الصيدلى موظف الحكومة لصيدلية، وإلزام الورثة بضرورة التصرف بالبيع فى الصيدلية ولو كان من بينهم صيدلى يعمل بالحكومة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة