الجريدة الرسمية - العدد 21 تابع ( أ ) - فى 25/ 5/ 2002

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 12 مايو سنة 2002م الموافق 29 صفر سنة 1423هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: على عوض محمد صالح والدكتور/ حنفى على جبالى وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه.
وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 326 لسنة 23 قضائية "دستورية".
بعد أن أحالت محكمة النقض (الدائرة الجنائية) الطعن رقم 992 لسنة 65.

المقامة من:

النيابة العامة.

ضـد:

السيد/ أحمد محمد مهران.


الإجراءات:

بتاريخ 16/ 11/ 2001 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الحكم الصادر من محكمة النقض (الدائرة الجنائية) بجلسة 3/ 4/ 2001 بوقف نظر الدعوى وبإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ما تضمنه نص المادة (175) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبات المالية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المطعون ضده فى قضية الجنحة رقم 8735 سنة 1997 قسم العجوزة، بأنه قبل سبعة أشهر من يوم 18 نوفمبر سنة 1993 بدائرة قسم العجوزة - مخالفة الجيزة: ( أ ) بدد المبلغ المبين قدراً بالأوراق والمملوك لهريدى سالم محمد أبو زيد والمسلم إليه على سبيل الأمانة وذلك إضراراً بالمجنى عليه. (ب) الحق العامل المصرى بالعمل بالخارج قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. وطلبت عقابه بالمادتين 341، 342 من قانون العقوبات، والمادتين 28 (مكرراً)، 169 (مكرراً) من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 المستبدلتين بالقانون رقم 10 لسنة 1991، وإذ حُكِم غيابياً بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة مائة جنية لوقف تنفيذ العقوبة عن التهمة الأولى، وتغريمه ألف جنية عن التهمة الثانية، فقد عارض فى هذا الحكم وقضى بتأييده، فأقام الاستئناف رقم 7388 لسنة 1994 أمام محكمة الجنح المستأنفة التى قضت بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات. طعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض، وبجلسة 30/ 4/ 2001 قضت محكمة النقض بإيقاف نظر الدعوى وبإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ما تضمنه نص المادة (175) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبات المالية.
وحيث إن المادة 28 (مكرراً) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 حظرت فى فقرتها الأولى إلحاق المصريين بالعمل فى الخارج قبل الحصول على ترخيص بذلك من وزارة القوى العاملة والتدريب. وتنص المادة (169) مكرراً على أنه: - "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على عشرين ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب إحدى الجرائم الآتية:
1 - مزاولة عمليات إلحاق المصريين بالعمل فى الخارج دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه فى المادة (28 مكرراً)، أو بترخيص صادر بناء على بيانات غير صحيحة".
كما تنص المادة (175) المطعون عليها على أنه: - "لا يجوز الحكم بوقف التنفيذ فى العقوبات المالية أو النزول عن الحد الأدنى للعقوبة المقررة قانوناً لأسباب تقديرية".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية المحالة من إحدى المحاكم يتحدد بالنص التشريعى الذى تراءى لها شبهة مخالفته للدستور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فيما نصت عليه المادة (175) المشار إليها من عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ فى العقوبات المالية، والذى ارتأت محكمة النقض مخالفته للدستور لما اشتمل عليه من إلغاء سلطة القاضى فى وقف تنفيذ عقوبة الغرامة بما يمثل فى حقيقته إلغاء لسلطته فى تفريد العقوبة، وهى إحدى خصائص الوظيفة القضائية التى لا يصح التدخل فى شئونها لما ينطوى عليه ذلك من إهدار لحقوق أصلية كفلها الدستور فى المواد 41، 67، 165، 166.
وحيث إن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، ولذا فإن تقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التى يتوخاها - مؤداه التسليم بأن ظروف الجناة قد تماثلت بما يقتضى توحيد ما يحيق بهم من جزاء، وهو الأمر الذى يخل بتناسب العقوبة مع قدر الجريمة وملابساتها وسمات الجانى الشخصية. وإذا كانت أهم عناصر مشروعية العقوبة - من الناحية الدستورية - أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها فى الحدود المقررة قانوناً، فإنه لا مجال لحجب القاضى عن ممارسة هذه السلطة التقديرية وحرمانه من مباشرة حقه فى الحكم بالبدائل العقابية التى يرى ملاءمتها لكل حالة على حدة.
وحيث إن السلطة التقديرية التى يباشرها القاضى فى مجال تفريد العقوبة يندرج فيها الأمر بإيقافها باعتباره أحد محاورها المبنية على مراعاة شخصية الجانى، إذ أن وطأة العقوبة على المحكوم عليه لا ترتهن فحسب بنوعها أو مدتها، بل ترتبط كذلك بما إذا كان وجه الردع يتحقق بتنفيذها أم بوقف تنفيذها، لما كان ذلك، وكان الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها باعتبارها أشد إصراً على من تغلب عليهم رقة الحال، ولذا فإن تناسبها فى شأن جريمة بذاتها تقديراً لواقعها وحال مرتكبها يجب أن يوكل للسلطة التقديرية للقاضى الذى يمكنه المفاضلة - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذ هذه العقوبة أو إيقاف تنفيذها.
وإذا كان المشرع قد حجب القاضى عن مباشرة هذه السلطة بالمادة (175) من قانون العمل سالفة الذكر، فإنه بذلك يكون قد أخل بأهم خصائص الوظيفة القضائية وهى تقدير العقوبة التى تناسب الجريمة محل الدعوى الجنائية.
وحيث إنه لا يجوز للدولة - فى مجال مباشرة سلطتها فى فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعى - أن تنال من الحد الأدنى لحق المتهم فى محاكمة قانونية يطمئن خلالها إلى توافر الضمانات المقررة بالمادة (67) من الدستور، ومن بينها شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة وارتباطهما بشخص الجانى ونيته والضرر الناجم عنها، حتى يرد الجزاء موافقاً لما قارفه، وكان تقدير هذه العناصر جميعها يتولاه القاضى بمقتضى سلطته فى مجال تفريد العقوبة، فإن حرمانه من ذلك يخل بالضمانات المشار إليها ويؤدى بالغاية من النصوص العقابية.
وحيث إن حصيلة الغرامات المحكوم بها وإن كانت توجه وفقاً للمادة الخامسة من مواد إصدار القانون رقم 137 لسنة 1981 وقرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 32 لسنة 1989 للصرف على المؤسسات الثقافية والاجتماعية العمالية والعاملين بمديريات القوى العاملة والتدريب وغيرها من أوجه الرعاية الاجتماعية والثقافية، إلا أن ذلك كله لا ينبغى أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية، كتلك التى تتعلق بتفريد العقوبة، وهذه الحقوق تعلو قدراً بطبيعة الحال على الأغراض المادية التى لا يقبل أن تكون قيداً ينال منها.
وحيث إن النص المطعون عليه - وفقاً لما تقدم - يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً على تدخل فى صميم شئونها، نائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة، فتردى بالتالى فى مخالفة أحكام المواد 41، 67، 165، 166 من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (175) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ فى العقوبات المالية.

أمين السر رئيس المحكمة