الجريدة الرسمية - العدد 10 (تابع) - فى 10/ 3/ 2005م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 فبراير سنة 2005م، الموافق 4 من المحرم سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين: حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد العزيز الشناوى والدكتور/ عادل عمر شريف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 81 لسنة 25 قضائية "دستورية".

المقامة من:

الدكتورة/ منى محمد الحسينى عليوة.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد وزير العدل.
5 - السيد رئيس جامعة القاهرة.


الإجراءات:

بتاريخ العشرين من شهر فبراير سنة 2003، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية المادة (91) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات المعدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994، فيما تضمنته من احتساب مدة رعاية الطفل ضمن مدة العشر سنوات المسموح بها كإجازات لعضو هيئة التدريس بالجامعة طوال مدة خدمته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 204 لسنة 51 "قضائية" أمام محكمة القضاء الإدارى "دائرة التسويات"، بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الأستاذ الدكتور رئيس جامعة القاهرة رقم 602 لسنة 1996 بتحديد إجازتها لرعاية الطفل لمدة أقل من المدة التى طلبتها، وفى الموضوع بإلغائه مع إلزام الجامعة بتجديد إجازتها حتى 3/ 9/ 1998، واحتياطياً تحديد أجل لرفع دعوى بعدم دستورية نص المادة (91) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بتنظيم الجامعات المعدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994. وقالت بياناً لدعواها أنها أُعيرت للعمل بإحدى الدول العربية مدة ست سنوات خلال الفترة من 24/ 9/ 1987 حتى 25/ 7/ 1993، ثم حصلت على إجازة بدون مرتب لرعاية الطفل لمدة ثلاث سنوات متتالية فى الفترة من 2/ 9/ 1993 حتى 2/ 9/ 1996، وبتاريخ 5/ 2/ 1996 تقدمت بطلب للموافقة على إسقاط إجازة رعاية الطفل السابق حصولها عليها فى الفترة من 3/ 9/ 1993 حتى 31/ 5/ 1994 من مدة العشر سنوات المصرح بها كإجازات لعضو هيئة التدريس إعمالاً لنص المادة (91) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 آنف البيان، قبل تعديله بالقانون رقم 142 لسنة 1994 والذى أضاف إجازة رعاية الطفل إلى مدة السنوات العشر، مع طلب تجديد إجازتها الخاصة لرعاية الطفل لمدة عامين اعتباراً من 3/ 9/ 1996، وبناء على هذا الطلب صدر القرار رقم 602 لسنة 1999 المذكور قبلاً متضمناً الموافقة على إسقاط مدة إجازة رعاية الطفل السابق منحها للمدعية فى الفترة من 3/ 9/ 1993 حتى 31/ 5/ 1994 من مدة العشر سنوات، وتجديد إجازتها الخاصة بدون مرتب لرعاية الطفل حتى 23/ 6/ 1998 تاريخ استكمال السنوات العشر، وهى مدة أقل من المدة التى سبق أن طلبتها المدعية، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت لها بإقامة دعواها الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (91) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات المعدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994 تنص - مقروءة على هدى حكم هذه المحكمة فى القضية رقم 77 لسنة 23 "قضائية دستورية" - على أنه: "فى جميع الأحوال لا يجوز أن يزيد مجموع مدد الإعارات والمهمات العلمية وإجازات التفرغ العلمى ورعاية الطفل على عشر سنوات طوال مدة خدمة عضو هيئة التدريس، ويجوز فى جميع الحالات التى تقتضيها المصلحة القومية التجاوز عن هذه المدة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص بالتعليم العالى بعد أخذ رى رئيس الجامعة المختص".
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية المطعون عليها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات فى الدعوى الموضوعية. لما كان ذلك، وكانت المدعية تبغى من دعواها الموضوعية إلغاء قرار رئيس جامعة القاهرة بمنحها إجازة خاصة لرعاية الطفل تقل عن المدة التى طلبتها، مستنداً فى ذلك إلى أن الفترة المصرح بها تكمل مدة عشر سنوات المحددة قانوناً كإجازة خاصة لعضو هيئة التدريس بالجامعة، وبالتالى يكون الفصل فى دعواها الموضوعية متوقفاً على الفصل فى دستورية النص الطعين فيما تضمنه من احتساب إجازة رعاية الطفل ضمن مدة الإجازات المصرح بها لعضو هيئة التدريس طوال مدة خدمته - وفى حدود هذا النطاق دون غيره - وهو ما تتحقق به مصلحتها الشخصية المباشرة.
وحيث إن المدعية تنعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - مخالفته للمواد (8، 9، 10، 11، 40) من الدستور، لإهداره الحماية التى كفلها الدستور للأسرة المصرية باعتبارها أساس المجتمع، وإخلاله بحماية الأمومة والطفولة، فضلاً عن تصادمه مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذى كفله الدستور.
وحيث إن هذا النعى فى جملته صحيح، ذلك أن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن الدستور نص فى المواد (9، 10، 11، 12) على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية - وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد - هى ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلاقات داخل المجتمع، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها - وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة - هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى تضمنها الدستور. متى كان ذلك، وكانت وحدة الأسرة - فى الحدود التى كفلها الدستور - لازمها ضرورة تماسكها، توكيداً للقيم العليا النابعة من اجتماعها، وصوناً لأفرادها من مخاطر التبعثر، وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وهو ما يوجب على المشرع أن يهيئ لأفرادها مناخاً ملائماً لضمان وحدتها.
وحيث إن البين من المادة (70) من قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، أن الجهة الإدارية تلتزم دوماً بمنح العاملات بالدولة إجازة بدون أجر لرعاية الطفل بحد أقصى عامين فى المدة الواحدة، ولثلاث مرات طوال حياتهن الوظيفية، على أن تتحمل تلك الجهة - استثناء من أحكام قانون التأمين الاجتماعى - اشتراكات التأمين المستحقة عليها وعلى العاملة وفق أحكام القانون، أو تمنح العاملة تعويضاً يساوى 25% من المرتب الذى كانت تستحقه فى تاريخ بدء مدة الإجازة وفقاً لاختيارها. وبذلك يكون المشرع قد أفصح بجلاء عن مسلكه فى حماية الأمومة والطفولة - إنفاذاً لأحكام الدستور -، فقد عمد إلى تجريد الجهة الإدارية من سلطتها التقديرية فى منح إجازة رعاية الطفل، ضماناً لوحدة الأسرة، والتزاماً بقيمها، وتنظيماً لشئونها، بما يوفق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها، فلم تعد جهة الإدارة تترخص فى منح أو منع هذه الإجازة، وإنما غدا إقرارها وجوبياً وفقاً لطلب العاملة فى الحدود المقررة.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون، الذى رددته الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى الحقوق التى يقررها القانون العادى ويكون مصدراً لها، ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل فى عناصرها.
وحيث إن النص الطعين، إذ احتسب إجازة رعاية الطفل ضمن مدة السنوات العشر المسموح بها كإجازة لعضو هيئة التدريس بالجامعة طوال مدة خدمته، يكون قد أفرد الأمهات أعضاء هيئة التدريس بالجامعة بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك - وعلى غير أسس موضوعية - بينهن وبين غيرهن من العاملات بالدولة، اللاتى يحق لهن قانوناً الحصول على تلك الإجازة باعتبارها تمنح لهن وجوباً وفق ضوابط معينة لا تنال من مدتها أو تمس جوهر الحق فيها، فى حين حرم الأم عضو هيئة التدريس بالجامعة من تلك الإجازة إذا كانت قد استنفدت - قبل الإنجاب - مدة السنوات العشر فى بعثة علمية أو إعارة خارجية مما تستلزمه طبيعة عملها. كما مايز النص المطعون فيه بين المرأة والرجل أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، إذ أتاح للرجل فرصة الاستفادة بمدة الإجازة المصرح بها كاملة فى إجراء الدراسات العلمية أو الإعارات الخارجية، فى حين حرم الأم عضو هيئة التدريس من هذه الميزة، عندما أدرج مدة إجازة رعاية الطفل فى الفترة المذكورة، وبذلك يكون قد تبنى تمييزاً تحكمياً منهياً عنه. وفضلاً عن ذلك فإن هذا النص يخلّ بوحدة الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها، التى حرص الدستور على صونها دون الاعتداد بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، أو خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، يكون النص الطعين قد تردى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (9 و10 و11 و12 و40) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (91) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات المعدل بالقانون رقم 142 لسنة 1994 فيما تضمنه من احتساب مدة إجازة رعاية الطفل فى مدة العشر سنوات المسموح بها كإجازات لعضو هيئة التدريس بالجامعة طوال مدة خدمته، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة