الجريدة الرسمية - العدد 10 (تابع) - فى 10/ 3/ 2005م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 فبراير سنة 2005م، الموافق 4 من المحرم سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين: حمدى محمد على وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 297 لسنة 25 قضائية "دستورية". المحالة من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية "الدائرة الأولى" بالحكم الصادر بجلسة 3/4/2003 فى الدعوى رقم 12411 لسنة 56 قضائية.

المقامة من:

السيدة/ شيرين جابر محمد مصطفى.

ضـد:

1 - السيد وزير التعليم العالى.
2 - السيد وزير الشباب والرياضة.
3 - السيد رئيس جامعة الإسكندرية.


الإجراءات:

بتاريخ الرابع عشر من شهر ديسمبر سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 12411 لسنة 56 "قضائية" من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية تنفيذاً لحكمها الصادر بجلسة 3/ 4/ 2003 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية الفقرة الثالثة من المادة (80) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعى عليه الثالث مذكرة طلب فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 12411 لسنة 56 "قضائية"، أمام محكمة القضاء الإدارى بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول العذر المقدم منها عن دخول امتحان عامى 2000/ 2001 و2001/ 2002 وما يترتب على ذلك من آثار. وقالت بياناً لدعواها أنها التحقت بكلية التربية الرياضية - جامعة الإسكندرية عام 1994/ 1995، وقد أصيبت بعدة إصابات أثناء وبسبب التدريبات العملية التى كانت تؤديها بالكلية، فتقدمت بثلاثة أعذار مرضية لإعفائها من أداء الامتحانات تم قبولها كلها، وعندما تقدمت بطلب جديد لقبول عذرها المرضى عن عدم أداء امتحان الفرقة الرابعة، رفضته الإدارة العامة للتعليم بجامعة الإسكندرية استناداً إلى نص المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، ولذا فقد أقامت دعواها آنفة البيان. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) سالفة الذكر، فقد قررت وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 278 لسنة 1981 تنص على أنه: "وإذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهرى يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوباً بشرط ألا يزيد التخلف عن فرصتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنى الدراسة بالكلية ويجوز فى حالة الضرورة بقرار من مجلس الجامعة منح فرصة ثالثة للطالب".
وحيث إن محكمة القضاء الإدارى إذ أحالت الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا لقول فصل فى دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، بعد أن قدرت لزوم الفصل فى المسألة المتعلقة بدستوريته للبت فى النزاع الموضوعى الذى يدور حول إلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول عذر المدعية المرضى لإعفائها من دخول امتحان الفرقة الرابعة، وكان صحيحاً أن المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة للطعن على النص المشار إليه قبلاً لانعكاس الفصل فى الطعن على الحكم فى الدعوى الموضوعية، وبالتالى يتحدد نطاق الدعوى بالطعن على النص المذكور.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون فيه أنه يحول بين المدعية وبين الحق فى التعليم المكفول بنص المادة (18) من الدستور، ويناهض ما جاء ببقية أحكام الدستور التى تراعى حالات الضرورة، ولا تكلف المواطن غير طاقته أو ترهقه من أمره عسراً، وبذلك يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وفقاً لما جاء بالمادة الثانية من الدستور.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص الطعين لأحكام الشريعة الإسلامية فهو مردود، ذلك أن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن النص فى المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها فى عام 1980 على أن: "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع". يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعى يصدر فى ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو فى ذلك أوجب وأولى لولى الأمر ليواجه به ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.
وحيث إن تنظيم الاعتذار عن عدم أداء الامتحانات لأسباب صحية من الأمور الوضعية التى لا تندرج تحت قاعدة كلية أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، فإنه يكون لولى الأمر - بواسطة التشريع الوضعى - تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة، ومن ثم يكون النعى بمخالفة النص المطعون عليه لمبادئ الشريعة الإسلامية فاقداً لسنده متعيناً الالتفات عنه.
وحيث إنه عن النعى بإخلال النص الطعين بالحق فى التعليم المقرر بالمادة (18) من الدستور، والتفاته عن مبادئ الدستور التى تأخذ بالضرورة، ولا تكلف المرء ما يزيد على طاقته، أو تحسب عليه ما لا يملك له دفعاً، فهو صحيح فى جملته، ذلك أن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن كفالة الدستور لحق التعليم إنما جاء انطلاقاً من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطراً وأنه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وأن التعليم العالى بجميع كلياته ومعاهده يشكل الركيزة الرئيسية لمدّ المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، وأنه أصبح لزاماً على الدولة أن تراعى عند تنظيمها للحق فى التعليم أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى منه قدراً يتناسب مع ميوله وملكاته وقدراته ومواهبه، وذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها فى مجال هذا التنظيم بمبدى تكافؤ الفرص والمساواة.
وحيث إن المشرع فى مجال رعايته لطلاب الجامعات، أفرد أصحاب الأعذار القهرية التى تحول بينهم وبين أداء الامتحانات بمعاملة خاصة، إذ أتاح لهم التخلف عن دخول الامتحان ثلاث مرات متتالية أو متفرقة بناء على قرار مجلس الكلية فى المرتين الأولى والثانية ومجلس الجامعة فى الثالثة، إلا أنه عاد وحال دون الاعتداد بالحالات القهرية المفاجئة التى تطرأ بعد استنفاد المرات الثلاث آنفة البيان، وهو ما يتأبى على طبيعة العذر القهرى ويتنافر مع مدلولها، بحسبانه حدث غير مألوف تنتظمه فكرة المفاجأة التى يستحيل توقعها ويتعذر دفعها من جانب أشد الناس يقظة وبصراً بالأمور. ولا يحول دون اعتبار العذر قهرياً سابقة وقوعه، إذا كان من الندرة بحيث لا يقوم سبب خاص للتنبؤ بحدوثه، ولا يكون فى طاقة من حاق به أن يدفعه أو يمنع أثره. وقد كان الأحجى لدى المشرع أن يقيم ضرباً من ضروب التوازن بين التزام الطلاب بأداء الامتحانات فى مواعيد محددة، وبين ما قد يلم بهم من أحداث قاهرة تحول بينهم وبين إنفاذ هذا الالتزام، وأن يحرص - اتساقاً مع منهجه - على أن يتجاوزوا تلك الأحداث.
وحيث إن القول بإفراد أصحاب الأعذار القهرية بمعاملة خاصة ينطوى على إخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور، مردود بأن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن إعمال حكم هذه المادة، يعتبر كذلك - وبالنظر إلى محتواه - قرين العدل والحرية والسلام الاجتماعى، فلا يكفل أغراضاً تقتضيها موازين المساواة المطلقة بين المواطنين جميعهم على ما بين ظروفهم وأوضاعهم من فوارق. وهو بذلك لا يردهم جميعاً إلى قاعدة صماء، ولا يحول دون التمييز بينهم على أسس موضوعية يكون مبناها تلك العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية - باعتبارها وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعاً واحداً - والأغراض التى قصد إليها من إجراء هذا التنظيم. لما كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه يناهض مبادئ العدالة والتضامن الاجتماعى، ولا يقيم وزناً للأحداث القاهرة التى تصادف بعض الطلاب، فلا يملكون لها دفعاً، كما يهدر كفالة الدولة للحق فى التعليم، مما أدى إلى ترديه فى مخالفة المادتين (7 و18) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 المستبدلة بالقرار رقم 278 لسنة 1981، فيما تضمنه من تحديد عدد المرات التى يجوز تخلف الطالب عن دخول الامتحان فيها بعذر قهرى.

أمين السر رئيس المحكمة