الجريدة الرسمية - العدد 10 تابع ( أ ) - فى 4/ 3/ 2004م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 8 فبراير سنة 2004م، الموافق 17 ذى الحجة سنة 1424هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين: حمدى محمد على وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق وإلهام نجيب نوار.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 176 لسنة 21 قضائية "دستورية".

المقامة من:

1 - السيد/ كمال الدين عباس على رمضان.
2 - السيد/ أبو الحديد سليمان فازورة.
3 - السيد/ محمد عبد الغنى محمد.
4 - السيد سعد عبد الونيس حسين.

ضـد:

1 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
2 - السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى.


الإجراءات:

بتاريخ الثامن عشر من سبتمبر سنة 1999 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 3 لسنة 1986 فى شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعى، فيما تضمنه من إلغاء توزع الأرض على المنتفعين دون تفرقة بين من تصرفوا فى الأرض قبل صدوره بعد وفائهم بكامل الثمن وبين من لم يوفوا بالثمن كاملاً.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المجمعة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتلخص فى أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3702 لسنة 51 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بطلب الحكم بإلغاء قرار الهيئة المذكورة الذى يقضى بإلغاء توزيع الأراضى الزراعية التى كانت قد وزعت عليهم عامى 1966 و1967 وسددوا جميع أقساط ثمنها منذ سنة 1980 وإن لم يتم نقل ملكيتها إليهم بالتسجيل بتقاعس من مديرية الإصلاح الزراعى بالجيزة، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية المادة (4) من القانون رقم 3 لسنة 1986، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت لهم بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن القانون رقم 3 لسنة 1986 فى شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعى، بعد أن حدد فى مادته الأولى الأراضى الخاضعة لأحكامه، نص فى المادة الثانية على تشكيل لجان تتولى حصر وتحديد الأراضى المشار إليها وإعداد قوائم توضح اسم القرية والمساحة والقطعة أو الوحدة والحوض والحدود واسم صاحب التكليف، وناط بمادته الثالثة باللجان المذكورة حصر وتحديد المساحات الموزعة على صغار الفلاحين من الأراضى المشار إليها فى المادتين السابقتين، وتتبع الوضع الحيازى فيها حتى تاريخ العمل بهذا القانون، ثم نص فى المادة الرابعة منه (محل الطعن الماثل) على أنه: - "إذا ثبت أن واضع اليد على المساحة الموزعة من الأراضى المشار إليها هو غير المنتفع أو ورثته، يصدر قرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة بإلغاء التوزيع الصادر إليه ويجرى بحث لواضع اليد فإذا كانت تتوافر فيه الشروط المقررة قانوناً للانتفاع بالتوزيع وكان ملتزماً بأداء الواجبات المقررة على المنتفعين ومضى على وضع يده خمس عشر سنة، اعتد بوضع يده وصدرت شهادات التوزيع إليه.
وبالنسبة لمن لا تتوافر فيه شروط وضع اليد لمدة خمس عشرة سنة وتوافرت بشأنه الشروط المنصوص عليها فى الفقرة السابقة جاز للهيئة العامة للإصلاح الزراعى الاعتداد بوضع يده وإصدار شهادات التوزيع إليه وغلا اتخذت إجراءات إزالة وضع يد المخالف بالطريق الإدارى على نفقته والتصرف فيها وفق ما يقرره مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال وذلك طبقاً للإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها توافر ارتباط مباشر بينها وبين المصلحة القائمة فى النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وإذ كان جوهر النزاع الموضوعى هو مدى مشروعية إلغاء توزيع الأراضى المشار إليها بالقانون رقم 3 لسنة 1986 وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة الرابعة من هذا القانون بالنسبة للمنتفعين الذين قاموا بالتصرف فى الأراضى الموزعة عليهم، وذلك رغم وفائهم بكامل ثمنها قبل صدور القانون المذكور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة ينحصر فى نص الفقرة المشار إليها فيما قضى به من أنه إذا ثبت للجنة أن واضع اليد على المساحة الموزعة من الأراضى المشار إليها هو غير المنتفع أو ورثته يصدر قرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة بإلغاء التوزيع الصادر إليه، وذلك دون تفرقة بين من قاموا بسداد كامل ثمن هذه الأراضى قبل صدور القانون وبين غيرهم ممن تقاعسوا عن ذلك.
وينعى المدعون على النص المذكور - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - أنه جاء من العموم بحيث يشمل من صار مالكاً للأرض التى وزعت عليه بعد وفائه بكامل ثمنها ويحرمه من حق التصرف فيها، الأمر الذى يمثل اعتداء على حق الملكية ومساساً بالحقوق المكتسبة لما فيه من مصادرة لأموالهم بالمخالفة لأحكام المادتين 34 و36 من الدستور.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن المدعين وإن لم تكن ملكية الأراضى الموزعة عليهم قد انتقلت إليهم قانوناً وذلك لعدم تسجيل سند الملكية، إلا أن المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى قد اعتد بملكيتهم لهذه الأراضى حيث خولهم حق التصرف فيها حال وفائهم بالثمن المقدر لها كاملاً، وهو ما يستفاد بمفهوم المخالفة من حكم المادة (16) من القانون المذكور التى تنص على أنه "لا يجوز لصاحب الأرض ولا لورثته من بعده التصرف فيها قبل الوفاء بثمنها كاملاً...".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة ليختص صاحبه دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليها ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها، وألا يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها، أو ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان لا يجوز كذلك أن يتذرع المشرع بتنظيمها لتقويض محلها، فإن إسقاط الملكية عن أصحابها أو سلب غلتها - سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر - يعتبر عدواناً عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
كما جرى قضاء المحكمة على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التى لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التى ينبغى أن يملكها كل شخص فضلاً عن كونها وثيقة الصلة بالحق فى الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التى ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أياً كان الدائن بها أو المدين بأدائها.
وحيث إن العقود التى يقيمها أطرافها وفق نصوص الدستور ذاتها، لا يجوز أن ينهيها المشرع، ولو عارضتها مصلحة أياً كان وزنها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان المدعون - باعتبارهم من المنتفعين الخاضعين لقانون الإصلاح الزراعى - قد وزعت عليهم أراض وفقاً للقانون المذكور بعد أن توافرت فى حقهم الشروط المقررة قانوناً لذلك وقاموا بالوفاء بثمن هذه الأراضى كاملاً ما لم تجحده جهة الإدارة فإنه تكون لهم كافة الحقوق المترتبة على حق الملكية، وعلى رأسها حق التصرف فيها، ومن ثم يكون ما انطوى عليه النص الطعين من أحقية الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى إلغاء التوزيع الصادر إليهم نتيجة لتصرفهم فيها بالبيع اعتداءاً على حق الملكية ومساساً بالحرية الشخصية بالمخالفة لأحكام المواد (32، 34، 41) من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 3 لسنة 1986 فى شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعى فيما انطوى عليه من عدم استثناء المنتفعين الذين قاموا بالوفاء بالثمن كاملاً قبل صدور هذا القانون من الحكم الخاص بإلغاء التوزيع، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة