الجريدة الرسمية - العدد 16 مكرر (ب) - السنة السابعة والخمسون
20 جمادى الآخرة سنة 1435هـ، الموافق 20 إبريل سنة 2014م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من أبريل سنة 2014م، الموافق السادس من جمادى الآخرة سنة 1435هـ.
برئاسة السيد المستشار/ أنور رشاد العاصى النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 213 لسنة 32 قضائية " دستورية " المحالة من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة والمالية وملحقاتها بحكمها الصادر بجلسة 18/ 1/ 2009 فى الدعوى رقم 352 لسنة 50 قضائية

المقامة من

السيد/ ماهر سمير عبد الشهيد

ضد

1 - وزير المواصلات
2 - رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد


الإجراءات

بتاريخ الخامس والعشرين من شهر ديسمبر سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 352 لسنة 50ق، بعد أن قضت المحكمة الإدارية لوزارة الصحة والمالية وملحقاتها بمجلس الدولة بجلسة 8/ 1/ 2009 بوقف نظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير المواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982، فيما لم يتضمنه من وجوب إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته لانقطاعه عن عمله بغير إذن.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 21781 لسنة 56 ق، أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة طالبًا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين رقمى 122 و2154 لسنة 2001 الصادرين بإنهاء خدمته للانقطاع عن العمل مدة زادت عن خمسة وأربعين يومًا متصلة، بدون إذن، وبجلسة 5/ 5/ 2003 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات وملحقاتها للاختصاص، وقيدت لديها برقم 352 لسنة 50 قضائية، وتدول نظر الدعوى أمامها، وبجلسة 18/ 1/ 2009 قررت المحكمة وقف نظر الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد المشار إليها، فيما لم يتضمنه من وجوب إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته لانقطاعه عن العمل بغير إذن وحيث إن الفقرة السادسة من المادة (16) من القانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد، ناطت بمجلس إدارة الهيئة اقتراح وضع اللائحة المتعلقة بتعيين العاملين بالهيئة وترقيتهم وتحديد رواتبهم وبدلاتهم ومكافآتهم وتأديبهم وسائر شئونهم الوظيفية دون تقيد بنظم العاملين بالدولة، وتصدر اللائحة بقرار من وزير المواصلات. ونفاذًا لذلك، فقد أصدر الوزير المعنى القرار رقم 70 لسنة 1982 بإصدار لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد، والتى نصت المادة (108) منها على أن: " يعتبر العامل مقدمًا استقالته فى الحالات الآتية:
1 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من ثلاثين يومًا متتالية، ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن انقطاعه كان خارجًا عن إرادته وبعذر مقبول، وفى هذه الحالة يجوز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من أجره عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك، وإلا وجب حرمانه من أجره عن هذه المدة. فإذا لم يقدم العامل أسبابًا تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت، اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن مددًا تبلغ أكثر من خمسة وأربعين يومًا غير متصلة فى السنة، ولم يقدم عذرًا تقبله الهيئة، فتعتبر خدمته منتهية من اليوم التالى لاكتمال هذه المدة.
3 - إذا التحق بخدمة أية جهة أجنبية بغير ترخيص من حكومة جمهورية مصر العربية، وفى هذه الحالة تعتبر خدمة العامل منتهية من تاريخ التحاقه بالخدمة فى هذه الجهة الأجنبية.
وفى جميع الأحوال لا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً إذا كان قد اتخذت ضده أى إجراءات تأديبية خلال الشهر التالى لانقطاعه عن العمل أو التحاقه بالخدمة فى هذه الجهة أيهما أسبق".
وحيث إن المحكمة الإدارية لوزارة الصحة والمالية وملحقاتها أوردت فى حكم الإحالة المار ذكره، أن المشرع لم يضمن النص المحال شرط الإنذار المسبق للاعتداد بانقطاع العامل عن العمل - قبل إنهاء خدمته - حتى يمكن أن تقوم به القرينة على اتجاه إرادته الضمنية إلى تأكيد رغبته فى عدم الاستمرار فى العمل، لذا أوجبت المادة (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، لاعتبار العامل مستقيلاً، اتخاذ إجراء شكلى يتمثل فى إنذاره، حتى تتبين جهة الإدارة إصرار العامل على تركه العمل وعزوفه عنه، وحتى يكون العامل على بينة بالإجراء الذى تنوى الإدارة اتخاذه فى مواجهته، ولما كان المشرع لم يضمن النص المحال شرط الإنذار المسبق للاعتداد بانقطاع العامل عن العمل - قبل إنهاء خدمته - فإن تنظيمه على هذا النحو يكون قاصرًا ومشوبًا بشبهة عدم الدستورية ومخالفة المواد (13، 14، 40، 64) من دستور 1971.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها - وأيًا كان تاريخ العمل بها - لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
إذ كان ذلك، فإن المحكمة تتناول بحث دستورية النص التشريعى المحال على ضوء أحكام الدستور القائم الصادر فى 18/ 1/ 2014، ممثلة فى المواد (12، 14، 53، 94/ 1) المقابلة للأحكام ذاتها التى تضمنتها المواد (13، 14، 40، 64) من دستور 1971، التى ارتأت محكمة الموضوع أن النص التشريعى المحال قد خالفها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها، على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول طلب المدعى وقف تنفيذ وإلغاء قرارى إنهاء خدمته للانقطاع عن العمل بدون إذن أكثر من ثلاثين يومًا متصلة لعدم إنذاره قبل إنهاء خدمته، فإن الفصل فى دستورية النص المحال سوف يكون له انعكاسه على الفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وهو ما يتوافر به شرط المصلحة المباشرة فى الدعوى الماثلة، والتى يتحدد نطاقها فيما لم يتضمنه نص الفقرة (1) من المادة (108) من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية للبريد المشار إليها من ضرورة إنذار العامل المنقطع عن العمل لمدة أكثر من ثلاثين يومًا متتالية قبل إنهاء خدمته، وذلك دون باقى الأحكام التى اشتملت عليها تلك المادة.
وحيث إن المسلم به أن الاستقالة - سواء الصريحة أم الضمنية - إنما تقوم على إرادة العامل، وتستند الاستقالة الصريحة إلى طلب كتابى يقدمه العامل، بينما تقوم الاستقالة الضمنية على اتخاذه موقفًا ينبئ عن اتجاه نيته إلى ترك العمل، فلا تدع ظروف الحال أى شك فى دلالة موقفه على حقيقة المقصود منه، ويتمثل هذا الموقف فى إصرار العامل على الانقطاع دون إذن عن العمل. وقد أخذ المشرع هذا الأمر فى الحسبان عند صياغته للنص المحال وكذا نص المادة (98) من قانون العاملين المدنيين بالدولة بقوله " يعتبر العامل مقدمًا استقالته....." فأراد أن يرتب على الاستقالة الضمنية - إذا ما توافرت عناصرها وتكاملت أركانها - ذات الأثر المترتب على الاستقالة الصريحة وهى انتهاء خدمة العامل. ولخطورة هذه القرينة على الحياة الوظيفية للعامل فقد أحاطها المشرع فى المادة (98) من قانون العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه بإجراءات وضمانات تهدف إلى الاستيثاق من موقف العامل، ورتَّب على مخالفة تلك الإجراءات أن يضحى القرار الصادر بإنهاء الخدمة مخالفًا للقانون.
وحيث إنه يتعين لإعمال أثر القرينة القانونية المترتبة على انقطاع العامل عن عمله بإنهاء خدمته، أن تقوم جهة الإدارة بإنذاره كتابة، على اعتبار أن الإنذار على هذا النحو إجراء جوهرى، الغرض منه أن يتضح لها مدى إصراره على ترك العمل وعزوفه عنه - ومن جهة أخرى - إعلانه بما سوف يتم اتخاذه قبله من إجراءات حيال انقطاعه، حتى يتمكن من إبداء عذره قبل اتخاذ هذه الإجراءات، وكان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الاستقالة الحكمية هى تعبير عن الإرادة الضمنية للعامل، إعرابًا منه عن عزوفه عن العمل وإعراضه عن أدائه، فلا يجوز إجباره عليه، وكلتاهما الاستقالة وما فى حكمها - يأتى تقنينًا لمبدأ حرية العمل والحق فيه المنصوص عليه فى المادة (12) من الدستور، باعتبار أن الأصل فى العمل أن يكون إراديًا قائمًا على الاختيار الحر، ولا يكون الإنهاء إلا بالطريق التأديبى وفقًا لنص المادة (14) من الدستور.
وحيث إن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة يُعد الشريعة العامة التى تسرى على جميع العاملين بالجهات الإدارية المختلفة، إلا أن الطبيعة الخاصة للنشاط الذى تزاوله بعض هذه الجهات أو الاشتراطات اللازم توافرها فى العاملين بها قد تقتضى إفراد هؤلاء العاملين بأحكام خاصة تختلف باختلاف ظروف ومقتضيات العمل فى كل منها، بما قد يؤدى إلى المغايرة فى الأوضاع الوظيفية - أو بعضها - بين العاملين الخاضعين لهذه التشريعات وبين أقرانهم من العاملين الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، مراعاة للطبيعة الخاصة لتلك الوظائف.
وحيث إن الهيئة القومية للبريد الصادر بإنشائها القانون رقم 19 لسنة 1982، من الهيئات التى خوّل المشرع مجلس إدارتها حق اقتراح وضع لوائح بأنظمة خاصة لشئون العاملين بها، وقد صدر بلائحة تلك الهيئة قرار وزير النقل رقم 70 لسنة 1982، إلا أن المشرع لدى وضعه هذه اللائحة لم ير أثرًا للطبيعة الخاصة للنشاط الذى تزاوله الهيئة يقتضى إفراد العاملين بها بأحكام خاصة فى شأن قواعد إنهاء خدمتهم، ومن ثم فقد ورد هذا التنظيم فى مجمله موازيًا ومساويًا للتنظيم العام، بل حرصت اللائحة على تأكيد هذا المعنى بالنص فى المادة (114) منها على اعتبار قانون العاملين المدنيين بالدولة مكملاً لها فيما لم يرد به نص خاص فيها، وإذ أغفل المشرع فى النص المحال اشتراط إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع، وهو ما يشكل إهدارًا لضمانة جوهرية للعامل يتمتع بها سائر العاملين المدنيين بالدولة، ومن ثم يكون قد أخّل بمبدأ المساواة أمام القانون الذى أرساه الدستور بنص المادة (53) منه بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والسلام الاجتماعى - لا يقتصر تطبيقه على الحقوق التى كفلها الدستور، وإنما يمتد كذلك إلى ما يكون منها قد تقرر - بأداة تشريعية أدنى - فلا يجوز تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المخاطبين بأحكامها.
وحيث إنه من المقرر أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وأثارًا يرتبها، من بينها فى مجال حق العمل، ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها محددًا، وإنهاؤه معبرًا حقًا وصدقًا عن إرادة العامل فى العزوف عنه، خاصة إذا كان إنهاء علاقة العمل مرده إلى الإرادة الضمنية للعامل المتمثلة فى إصراره على الانقطاع عن العمل، وسيلة للتعبير عن رغبته فى التحلل من رابطته، ولذا حرص المشرع فى قانون العاملين المدنيين بالدولة على إلزام جهة الإدارة بإنذار العامل المنقطع عن العمل بعد مدد معينة من انقطاعه، حتى يطمئن إلى سلامة إرادة العامل فى الدلالة على رغبته فى فصم عرى رابطة العمل. متى كان ذلك، وكان النص المحال قد أغفل شرط الإنذار الكتابى المسبق للعامل قبل إنهاء خدمته للانقطاع، فإنه بذلك يكون قد أخل بضمانة جوهرية بما ينطوى على تمييز غير مبرر بين العاملين بتلك الهيئة وغيرهم من العاملين الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، رغم عدم تمايز أوضاعهم الوظيفية فى شأن الحقوق التى ينظمها النص الطعين.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن الدستور وإن خوّل السلطة التشريعية تنظيم حق العمل، إلا أنه لا يجوز لها أن تعطل جوهره، وعليها أن تضمن بتنظيمها سلامة شروط أدائه، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، من متطلبات ممارستها وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها، يستوى فى ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية. لما كان ذلك، وكانت لائحة العاملين بهيئة البريد لم تُضمن النص المحال ضمانة جوهرية للوقوف على الإرادة الضمنية للعامل فى ترك العمل، فإن ذلك يحمل شبهة إجباره على ترك عمله على خلاف إرادته الحقيقية، ويصم التنظيم اللائحى فى هذا الشأن بمخالفة نص المادة (12) من الدستور، بل يجعل الأمر على هذا النحو بمثابة فصل غير جائز حصل بغير الطريق التأديبى مخالفًا نص المادة (14) من الدستور التى لا تجيز ذلك إلا فى الأحوال التى يحددها القانون وحيث إن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن كل مخالفة للدستور، يتعين تقويمها. كما أن الدستور يكفل لكل حق أو حرية نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، التى تتمثل فى الضمانة التى يوفرها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم، والتى يعتبر إنفاذها شرطًا للانتفاع بها فى الصورة التى تصورها الدستور نطاقًا فاعلاً لها، وهذه الضمانة ذاتها هى التى يفترض أن يستهدفها المشرع، وأن يعمل على تحقيق وسائلها من خلال النصوص القانونية التى ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات، وشرط ذلك أن يكون تنظيمها كافلاً مباشرتها فى مجالاتها الحيوية، وأن يحيط بكل أجزائها التى لها شأن فى ضمان قيمتها العملية، فإذا نظمها المشرع تنظيمًا قاصرًا، بأن أغفل أو أهمل جانبًا من النصوص القانونية التى لا يكتمل هذا التنظيم إلا بها، كان ذلك إخلالاً بضمانتها التى وفرها الدستور لها، بما يعد مخالفة دستورية. لما كان ذلك، وكان المشرع لم يضمن النص المحال شرط الإنذار المسبق للعامل للاعتداد بانقطاعه عن عمله - قبل إنهاء خدمته - حتى يمكن أن تقوم القرينة على اتجاه إرادته الضمنية إلى تأكيد رغبته فى عدم الاستمرار فى العمل، فإن تنظيمه على هذا النحو يكون قاصرًا ومخالفًا لمبدأ سيادة القانون الذى نصت عليه المادة (94) من الدستور.
وحيث إنه ترتيبًا على ما تقدم، يكون النص المحال قد خالف أحكام المواد (12، 14، 53، 94) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة (1) من المادة (108) من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير المواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982، فيما لم يتضمنه من وجوب إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته لانقطاعه عن العمل بغير إذن أكثر من ثلاثين يومًا متتالية.

أمين السر النائب الأول لرئيس المحكمة