الجريدة الرسمية - العدد 46 (مكرر) - السنة السابعة والخمسون
23 شعبان سنة 1436ه، الموافق 16 نوفمبر سنة 2014م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2014م، الموافق الخامس عشر من المحرم سنة 1436ه.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد العزيز الشناوى ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 235 لسنة 26 قضائية "دستورية".

المقامة من

الممثل القانونى لشركة الكان كونسلت.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد وزير التأمينات والشئون الاجتماعية.
4 - السيد رئيس مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية.


الإجراءات

بتاريخ الثانى والعشرين من ديسمبر سنة 2004، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 12/ 10/ 2014، تقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بمذكرة طلبت فى ختامها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى واحتياطيًا برفضها، وبالجلسة ذاتها قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح للشركة المدعية بتقديم مذكرات خلال أسبوع، وبتاريخ 9/ 7/ 2014، أودعت الشركة المدعية مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم بطلباتها الواردة بصحيفة دعواها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الشركة المدعية كانت قد أقامت، أمام محكمة جنوب القاهرة، الدعوى رقم 24005 لسنة 2003 كلى، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم بعدم أحقية هيئة التأمينات الاجتماعية، فى مطالبتها بمبلغ عشرة آلاف وثلاثمائة وثلاثة عشر جنيهًا وأربعة وعشرين قرشًا، قيمة مديونية على الشركة الوطنية للصناعات المعدنية، على سند من القول بأن الهيئة المشار إليها قد اعتبرت الشركة المدعية خلفًا للشركة السالف ذكرها، المدينة للهيئة، بالمبلغ المطالب به، تأسيسًا على أن العين المؤجرة للشركة المدعية، ضامنة لهذه المديونية، ولما لم تُجدِ الاعتراضات المقدمة من الشركة المدعية على هذه المطالبة، فقد أقامت الدعوى السالف ذكرها، وأثناء نظرها، دفع الحاضر عن الشركة بعدم دستورية نص المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وبعد أن قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، المطعون فيها، تنص على أن "تضمن المنشأة، فى أى يد كانت، مستحقات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، ويكون الخلف مسئولاً، بالتضامن، مع أصحاب الأعمال السابقين، عن الوفاء بجميع الالتزامات المستحقة عليهم للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى.
على أنه فى حالة انتقال أحد عناصر المنشأة إلى الغير بالبيع، أو الإدماج، أو الوصية، أو الإرث، أو النزول، أو غير ذلك من تصرفات، تكون مسئولية الخلف فى حدود قيمة ما آل إليه ".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - إنما يتحدد على ضوء عنصرين أولين، يحددان مضمونها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر، أو يندرج فيها، وإن كان استقلالهما عن بعضهما لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين، لا يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح.
أولهما: أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا، ومستقلاً بعناصره، ممكنًا إدراكه، ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا، أو نظريّا، أو مجهلاً - ثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود عليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية، يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى، بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إنه من المقرر، فى قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ فى تأويل، أو تطبيق النصوص القانونية، لا يوقعها فى حمأة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة فى ذاتها، وأن الفصل فى دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التى فهمها القائمون على تنفيذها، وأن مرد اتفاقها مع الدستور، أو خروجها عليه، إلى الضوابط التى فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعًا.
وحيث إن نصوص قانون التأمين الاجتماعى تعتبر كلاً واحدًا، يكمل بعضها بعضًا، ويتعين أن تفسر عباراته، بما يمنع أى تعارض بينها، إذ إن الأصل فى النصوص القانونية، التى تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون، فيما بينها، وحدة عضوية، تتكامل أجزاؤها،وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها، ليكون نسيجها متآلفًا، وكانت المادة (143) من قانون التأمين الاجتماعى المار ذكره، تقرر امتيازًا لمستحقات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، على جميع أموال المدين، من منقول وعقار، وهذا الامتياز، هو الذى يخول الهيئة حق تتبع أموال مدينها فى أى يد كانت، ولذلك قضت المادة (146) من القانون ذاته، بأن تضمن المنشأة، فى أى يد كانت، مستحقات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، على أن ضمان المنشأة لمستحقات الهيئة المذكورة، لا يمكن أن يسرى، إلا على ما يكون مملوكًا لمدينها من العناصر المادية والمعنوية للمنشأة، التى كان يزاول بها نشاطه، بواسطة عمال استخدمهم لهذا الغرض، وأصبح ملتزمًا بالتأمين عليهم لديها. فإذا انتقلت المنشأة بعناصرها المادية والمعنوية إلى خلف خاص أو عام، فإنها تنتقل محملة بهذا الضمان، إضافة إلى مسئولية الخلف بالتضامن، مع صاحب العمل السابق، عن الوفاء بجميع الالتزامات المستحقة عليه للهيئة. أما إذا انتقلت المنشأة إلى آخر خالية من عناصرها المادية والمعنوية، زال هذا الضمان، ولاسيما إذا كانت المنشأة مستأجرة، وليست مملوكة لمدين الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، وإنما تعود ملكيتها لآخر، قام بتحرير عقد إيجار جديد لمكان المنشأة السابقة إلى مستأجر آخر، ليست له من صلة بمستأجرها السابق، لأنه لم يتلق منه حقًا، إذ لم يتنازل له عنها، حتى يمكن أن تنتقل إليه المنشأة محملة بهذا الضمان. يؤيد ذلك أن المستأجر لا يعتبر خلفًا خاصًّا للمؤجر، بل دائنًا له، فالمؤجر لا ينقل إلى المستأجر حقًّا من الحقوق القائمة فى ذمته، بل هو ينشئ له الحقوق المتولدة عن عقد الإيجار، وأهمها الحق فى تمكينه من استيفاء منفعة العين المؤجرة، فإن تنازل المستأجر عن الإيجارةَ، ففى هذه الحالة ينقل إلى المتنازل إليه الحقوق والالتزامات، التى استقرت فى ذمته، ويعتبر المتنازل له خلفًا خاصًا له، والأمر غير ذلك، إذا كان المستأجر الجديد للعين ذاتها، قد استأجرها من مالكها، أو مؤجرها،ولم تؤول إليه من مستأجرها السابق. وترتيبًا على ذلك، فإن ما ورد بالنص المطعون عليه، من أن " تضمن المنشأة، فى أى يد كانت، مستحقات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى "، لا ينفذ إلا فى مواجهة ورثة صاحب النشاط الأصلى، الذين انتقلت إليهم المنشأة، التى كان يباشر فيها مورثهم نشاطه، والمالك الجديد للمنشأة، إذا كانت مملوكة للمالك السابق، والمستأجر الجديد لها، إذا تنازل له المستأجر السابق عنها، أما من استأجر العين خالية من مالكها، بعد أن أعادها مستأجرها السابق إليه، فلا يعد مخاطبًا بالحكم الوارد بصدر المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، وتنتفى، من ثم، مصلحته فى الطعن عليه.
يؤكد ما تقدم، أن المشرع التأمينى،عندما نظم أحكام الضمان فى القانون رقم 108 لسنة 1976 بشأن التأمين الاجتماعى على أصحاب الأعمال ومن فى حكمهم، نص، صراحة، على أن يكون الخلف مسئولاً بالتضامن مع المالكين، أو المستأجرين السابقين عن الوفاء بجميع الالتزامات المستحقة عليهم، ولو أراد المشرع التسوية فى الحكم فى القانونين، لنص على ذلك صراحة فى المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى. كما نحى فى القانون الأول.
وحيث إن الحاضر عن الشركة المدعية تقدم بجلسة التحضير 13/ 4/ 2014، أمام هيئة المفوضين بحافظة مستندات طويت على صورة ضوئية لعقد استئجارها للعقار خاليًا صادرًا من مالكيه، ولم يجحدها أى من المدعى عليهم، ومن ثم فلا تعد الشركة المدعية خلفًا عامًا أو خاصًا للشركة الوطنية للصناعات المعدنية (المستأجر السابق للعقار)، كما لم يثبت من الأوراق أن الشركة المدعية تلقت من الشركة المستأجرة السابقة للعقار أى حق يرتبط بالعين المؤجرة، أو أنه قد انتقل إليها أحد عناصر المنشأة السابقة، ومن ثم فلا تعد الشركة المدعية من المخاطبين بحكم المادة (146) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، وتنتفى بالتالى مصلحتها فى الطعن عليها بعدم الدستورية، الأمر الذى تضحى معه الدعوى الماثلة غير مقبولة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة