الجريدة الرسمية - العدد 4 (تابع) - السنة الثامنة والخمسون
2 ربيع الآخر سنة 1436ه، الموافق 22 يناير سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من يناير سنة 2015م، الموافق التاسع عشر من ربيع الأول سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور/ حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 205 لسنة 28 قضائية " دستورية ".

المقامة من

السيد الممثل القانونى لشركة توتال مصر (كالتكس مصر سابقًا)

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير النقل البحرى.
4 - السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر.


الإجراءات

بتاريخ الثانى من شهر ديسمبر سنة 2006، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية قرار وزير النقل البحرى رقم 519 لسنة 2003 فيما تضمنته مادته الأولى من قصر منح نسبة تخفيض (60%) من الفئات الواردة بقرار وزير النقل رقم 73لسنة 2003، المعدل بالقرار رقم 142 لسنة 2003، على جميع الأراضى التى تستأجرها شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول بموانئ البحر الأحمر،وإلغاء التمييز بين شركات القطاع العام والخاص والمساواة بينهما فى منح هذا التخفيض.
وقدمت هيئة قضايا الدولة ثلاث مذكرات طلبت فى ختامهن الحكم برفض الدعوى.
كما قدمت الشركة المدعية ثلاث مذكرات تمسكت فيهن بطلباتها الواردة فى صحيفة إقامة الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا أصليًّا برأيها، وآخر تكميليًّا.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث طلب المدعى بجلسة الثامن من نوفمبر سنة 2014، فى مواجهة الحاضرين عن المدعى عليهم، تصحيح شكل الدعوى بعد تغيير اسم الشركة التى يمثلها من شركة كالتكس مصر إلى شركة توتال مصر.
وقررت المحكمة إصدار الحكم فى الدعوى بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الشركة المدعية تشغل بعض الأراضى التابعة للهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر - المدعى عليها الرابعة - بميناء حوض البترول بالزيتيات بالسويس، بموجب تراخيص انتفاع صادرة لها عن الهيئة المدعى عليها منذ سنة 1975، وذلك لاستغلالها كمستودعات بترولية للمواد التى تتولى تسويقها. وقد نشب خلاف بين الطرفين حول قيمة مقابل الانتفاع المستحق عن هذه الأراضى فى ظل العمل بأحكام قرار وزير النقل البحرى رقم 519 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع بالأراضى التى تستأجرها الهيئة المصرية العامة للبترول والشركات التابعة لها، والذى خص شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة تخفيض مقدارها (60%) من قيمة مقابل الانتفاع المستحق على الأراضى التى تستغلها بموانئ البحر الأحمر. حيث رأت الشركة المدعية ضرورة مساواتها فى تحديد مقابل الانتفاع بشركات القطاع العام التى شملها هذا القرار باعتبار أنها تعمل فى المجال ذاته،وقامت بسداد المستحق عليها من مقابل على هذا الأساس، فى حين رأت الهيئة المدعى عليها أن الشركة المدعية لا تستفيد من أحكام ذلك القرار، وعليها سداد قيمة مقابلا لانتفاع كاملة دون خصم نسبة التخفيض. وإزاء ذلك الخلاف، عرضت الهيئة المدعى عليها الأمر على لجنة فض المنازعات المختصة، وقيد طلبها برقم 814 لسنة 2005،وبتاريخ 22/ 3/ 2006 أصدرت اللجنة قرارها بأحقية الهيئة فى طلباتها. وإزاء رفض الشركة المدعية الالتزام بهذا القرار، أقامت الهيئة المدعى عليها الدعوى رقم 2890لسنة 2006 مدنى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الشركة المدعية أن تؤدى لها مبلغ (مليون وتسعمائة تسعة وثلاثين ألفًا وسبعمائة وثمانية وتسعين جنيهًا، وستين قرشًا) باقى قيمة مستحقات الهيئة من مقابل الانتفاع المستحق عليها عن الفترة من 1/ 3/ 2003 إلى 30/ 6/ 2006، بخلاف 5ر4% فوائد تأخير من تاريخ الامتناع عن السداد. وأثناء نظر تلك الدعوى، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية قرار وزير النقل البحرى رقم 519 لسنة 2003 المشار إليه، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن تراخيص الاستغلال التى تنازع الشركة المدعية فى مقدار مقابل الانتفاع المستحق عنها قد صدرت عن الهيئة العامة المدعى عليها الرابعة التى خصها قرار رئيس الجمهورية رقم 217 لسنة 1978 فى المادة(2ب) منه، بإنشاء واستغلال المخازن والمستودعات والساحات داخل الموانئ التى تتولى إدارتها والملاحق المقررة خارجها، وكان الاختصاص بتحديد مقدار مقابل الانتفاع معقودًا لوزير النقل البحرى إعمالاً لما نصت عليه المادة (30) من قانون رسوم الإرشاد والتعويضات ورسوم الموانئ والمنائر والرسو والمكوث الصادر بالقانون رقم 24لسنة 1983، وقد أصدر الوزير قراره رقم 73 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع بالأراضى والمخازن المختلفة والجمالونات المغطاة وحجرات محطات الركاب والمجمعات الإدارية بالموانئ المصرية، محددًا هذا المقابل وفقًا للجدول التفصيلى الذى تضمنته مادته الأولى، واعتبر ذلك هو الحد الأدنى للتعامل مع المستغلين على ما جاء بمادته الثانية، وقضى بأن يعاد النظر فى الفئات التى حددها كل ثلاث سنوات، أو كلما دعت الضرورة لذلك، على ما رددته مادته الثالثة؛ ثم أدخل وزير النقل تعديلاً على فئات مقابل الانتفاع ضمنه قراره رقم 142 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 73 لسنة2003. وقد خص وزير النقل البحرى الهيئة المصرية العامة للبترول - والتى تعمل وفقًا للمادة (1) من قانون إنشائها رقم 20 لسنة 1976 على تنمية الثروة البترولية للبلاد، وحسن استغلالها، وتوفير احتياجات البلاد من المنتجات البترولية – ببعض الأحكام تضمنها قراره رقم 519 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع بالأراضى التى تستأجرها الهيئة المصرية العامة للبترول والشركات التابعة لها. إذ نصت المادة الأولى من هذا القرار على أن " تطبق الفئات الواردة بقرار وزير النقل رقم 73لسنة 2003 المعدل بالقرار رقم 142 لسنة 2003 على جميع الأراضى التى تستأجرها شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول بموانئ الإسكندرية والدخيلة وبورسعيد ودمياط.
وتخفض هذه الفئات بنسبة 60% بالنسبة لأراضى موانئ البحر الأحمر فقط ".
وقضت المادة الثانية من القرار ذاته بأن يستمر العمل بتلك الفئات لمدة خمس سنوات دون زيادة، ويعاد النظر فيها بعد ذلك بالاتفاق بين كل من قطاع النقل البحرى وقطاع البترول، وحددت مادته الثالثة تاريخ العمل به فربطته بتاريخ العمل بقرار وزير النقل رقم 73 لسنة 2003 المعدل بالقرار رقم 142 لسنة 2003، والذى بدأ اعتبارًا من تاريخ نشره بالعدد (59) من الوقائع المصرية فى 17/ 3/ 2003.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، فلا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى. ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى أو حكم الإحالة، وفى الحدود التى اختصم فيها النص المطعون فيه، الدليل على أن ضررًا واقعيًّا، اقتصاديًّا أو غيره قد لحق بالمدعى، وثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً عليه، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه،دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانون ىبعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول طلب الشركة المدعية معاملتها، فيما يتعلق بتحديد مقدار مقابل الانتفاع المستحق عن الأراضى التى تشغلها، المعاملة ذاته الشركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول ومساواتها بها. ومن ثم، فقد طعنت بعدم دستورية ما تضمنه نص المادة الأولى من قرار وزير النقل رقم 519لسنة 2003 المشار إليه، فى فقرته الثانية، من قصر منح تخفيض مقابل الانتفاع بنسبة(60%) على شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول دون غيرها بهدف إسقاط هذا التمييز. إذ كان ذلك، فإن الفصل فى دستورية النص الطعين - فى حدود نطاقه المتقدم - يكون ضروريًّا، ولازمًا للفصل فى الطلبات المثارة فى الدعوى الموضوعية، مما تتوافر معه المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية فى الطعن عليه، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إنه لا ينال من توافر المصلحة الشخصية للشركة المدعية على النحو السابق انتهاء العمل بالنص الطعين لانتهاء المدة المقررة لسريانه، وعدم تجديد العمل به طبقًا لما اعتمده وزير النقل فى ذلك الحين،على ضوء ما كشفت عنه الدراسة من وجود تأثير سلبى لهذا القرار على إيرادات الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر، إذ أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعى المطعون فيه لا يحول دون الفصل فى الطعن بعدم الدستورية بالنسبة لمن طبق عليهم ذلك القانون خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم،وتبعًا لذلك تتوافر لهم مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن بعدم دستوريته. ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التى تتم فى ظلها، أى خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية جديدة، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين. ومن ثم، فإن المراكز القانونية التى نشأت وترتبت آثارها فى ظل أى من القاعدتين - القديمة والجديدة - تخضع لحكمهما، فما نشأ منها وترتبت آثاره فى ظل القاعدة القديمة يظل خاضعًا لحكمها، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره فى ظل القاعدة الجديدة يخضع لها وحدها. وعلى ذلك، فإن انتهاء العمل بالنص الطعين، الذى تضررت الشركة المدعية من عدم استفادتها من أحكامه خلال فترة نفاذه،وترتبت بمقتضاه آثار قانونية فى حقها، لا ينفى مصلحتها فى الطعن عليه بعدم الدستورية، والتى تبقى قائمة ومتحققة فى حدود النطاق السابق بيانه.
وحيث إنه فيما يتصل بتحديد الوثيقة الدستورية التى يحتكم إليها زمنيًّا كمرجع للرقابة الدستورية فى الدعوى الماثلة، فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره. إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومع ذلك، فإذا كان الدستورالقائم ليس له أثر رجعى، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذى صدر التشريع المطعون عليه فى ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا التشريع قد عُمل بمقتضاه إلى أنتم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص المطعون قد صدر وانتهى العمل به فى ظل الدستور الصادر فى عام 1971. ومن ثم،فإن النظر فى أمر دستوريته يخضع لأحكام ذلك الدستور.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص الطعين - محددًا إطارًا على النحو المتقدم - مخالفته لأحكام المواد (4 و8 و40) من دستور سنة 1971، قولاً منها بأن هذا النص يزيد من أعباء الشركات المساهمة الخاصة بالمقارنة بنظيراتها من شركات القطاع العام العاملة فى ذات النشاط، مما يهدر فرص التنافس المشروع بينها، ويؤدى بالأعباء التى فرضها إلى الانتقاص من عائد أموالها وإيراداتها. مما يعد عدوانًا على الملكية الخاصة بالمخالفة لنص المادتين (32 و34)من ذات الدستور.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أنه بصدور قرار وزير النقل البحرى رقم 519 لسنة 2003 المشار إليه مقررًا تخفيضًا بنسبة (60%) من قيمة مقابل الانتفاع المستحق عن الأراضى المرخص بها بموانئ البحر الأحمر لشركات بعينها، هى شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول، دون غيرها من الشركات العاملة فى ذات النشاط، وبالموانئ ذاتها؛ فإنه يكون قد أجرى تفرقة تحكمية غير مبررة مؤداها أن تتمتع شركات القطاع العام التى عناها هذا القرار بمزية تفضيلية لا تشاركها فيها شركات القطاع الخاص العاملة فى المجال ذاته والموانئ ذاتها، على الرغم من تماثل مراكزهم القانونية بما يقتضيه ذلك من تمتعهم بالمزايا ذاتها، وخضوعهم للالتزامات ذاتها بما فى ذلك خضوعهم جميعًا لإشراف الهيئة المصرية العامة للبترول. وقد أدت هذه التفرقة - بالضرورة - إلى إثراء إيجابى فى جانب الذمة المالية للشركات المتمتعة بالإعفاء، قابله انتقاص سلبى فى الذمة المالية للشركات المحرومة منه، مما نتج عنه تحملها بتكاليف أكبر من تلك التى تتحملها الشركات المعفاة، وأخل - بالتالى - بحالة المنافسة المشروعة التى ينبغى أن تسود النشاط الاقتصادى.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذى أرساه دستور سنة 1971 بنص المادة (40) منه - بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعى - لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق التى كفلها الدستور، وإنما يمتد كذلك إلى ما يكون منها قد تقرر بقانون - أو بأداة تشريعية أدنى - فى حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانونًا للانتفاع بها.
وحيث إن تكافؤ المتماثلين فى الحماية القانونية مؤداه أنها ينبغى أن تسعهم جميعًا، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالى أن تكون هذه الحماية تعميمًا مجاوزًا نطاقها الطبيعى، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها.
وحيث إن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التى يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور، وقد تُخِلُّ الآثار التى يحدثها التمييز - من حيث مداها - بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها. ويعتبر التمييز غير مغتفر فى هاتين الحالتين كلتيهما، بل ربما كان التمييز أكثر خطرًا فى الصورة الثانية التى يبدو فيها النص التشريعى المطعون فيه محايدًا فى مظهره، مخالفًا للدستور فى أثره.
وحيث إن المراكز القانونية التى يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقًا لنص المادة (40) من الدستور، هى التى تتحدفى العناصر التى تكون كلاً منها لا باعتبارها عناصر واقعية لم يدخلها المشرع فى اعتباره بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتبًا عليها أثرًا قانونيًّا محددًا، فلا يقوم هذا المركز القانونى إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطًا بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها، ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانونى عنها، أن تكون قيدًا عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التى ربطها بوجوده، إذ هى كامنة فيه، فلا يجوز نقضها. وإذ لم يلتزم النص الطعين بهذه الضوابط، وتبنى تفرقة فى المعاملة بين شركات القطاع العام وشركات القطاع الخاص العاملة فى مجال البترول بموانئ البحر الأحمر، فى مجال مباشرة نشاطها، وعلى نحو غير مبرر، فإنه يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية.
وحيث إن الحماية الدستورية التى كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصيًّا أم عينيًّا أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام؛ وكان النص الطعين بحرمانه الشركة المدعية من مزية التخفيض التى قررها لصالح بعض شركات القطاع العام، يكون قد أرهقها بتكاليف أكبر من تلك التى تتحملها الشركات المعفاة، ومن ثم فإنه يتمحض عدوانًا على الملكية بالمخالفة لنص المادتين (32 و34) من دستور سنة 1971.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النص الطعين يكون مخالفًا للمواد (32 و34 و40) من دستور سنة 1971.
وحيث إن هذه المحكمة، تقديرًا منها للآثار المالية التى ستترتب على الأثر الرجعى للقضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه، فإنها تقرر إعمال الرخصة المخولة لها بنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالى لنشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية تاريخًا لسريانه، وذلك دون إخلال باستفادة الشركة المدعية من ذلك الحكم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً:
بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار وزير النقل البحرى رقم519 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع بالأراضى التى تستأجرها الهيئة المصرية العامة للبترول والشركات التابعة لها فيما تضمنه من قصر التخفيض المقرر على الفئات الواردة بقرار وزير النقل البحرى رقم 73 لسنة 2003 المعدل بالقرار رقم 142 لسنة 2003، بواقع 60%، بالنسبة لأراضى موانئ البحر الأحمر، على شركات القطاع العام التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول دون غيرها من الشركات العاملة فى النشاط ذاته، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ثانيًا: تحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره.

أمين السر رئيس المحكمة