الجريدة الرسمية - العدد 4 (تابع) - السنة الثامنة والخمسون
2 ربيع الآخر سنة 1436ه، الموافق 22 يناير سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من يناير سنة 2015م، الموافق التاسع عشر من ربيع الأول سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور/ حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 165 لسنة 30 قضائية "دستورية". المحالة من المحكمة الإدارية لوزارتى الصحة والمالية بمجلس الدولة بحكمها الصادر فى الدعوى رقم 93 لسنة 50 ق بجلسة 20/ 1/ 2008

المقامة من

السيد/ إبراهيم إسماعيل إبراهيم.

ضـد

1 - السيد وزير النقل والمواصلات.
2 - السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لسكك حديد مصر.


الإجراءات

بتاريخ 10 يونيو سنة 2008، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 93 لسنة 50 قضائية، تنفيذًا للحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتى الصحة والمالية وملحقاتها بمجلس الدولة بجلسة20 يناير سنة 2008، والذى قضى بوقف الدعوى، وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة ثلاث مذكرات، دفعت فيها أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 93 لسنة 50 قضائية، أمام المحكمة الإدارية لوزارتى الصحة والمالية وملحقاتها بمجلس الدولة، طالبًا الحكم بإلغاء القرار رقم 310 لسنة 2002، الصادر من الهيئة القومية لسكك حديد مصر، فيما تضمنه من إحالته للاستيداع لعدم لياقته الطبية لوظيفة قائد قطار، وترشيحه لوظيفة من الفئة الخامسة، مع أحقيته فى تطبيق قرار وزير الصحة رقم 695لسنة 1984 فى شأن تحديد الأمراض المزمنة على حالته، لإصابته بمرض مزمن، بسبب وظيفته وأثناءها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على سند من أنه يعمل بالهيئة القومية لسكك حديد مصر منذ 8/ 5/ 1986 بوظيفة قائد قطارات ديزل، بعد اجتيازه الكشف الطبى وثبوت لياقته الصحية، وخلوه من أية أمراض تمنعه من أداء وظيفته. وبتاريخ4/ 7/ 2002، أصدر المجلس الطبى لمستشفى هيئة السكك الحديدية تقريرًا، متضمنًا إصابته بمرض جزئى مستديم نتيجة مرض السكر الذى أصيب به بسبب أداء وظيفته، وبتاريخ 3/ 8/ 2002، أصدرت الجهة الإدارية القرار رقم 310 لسنة 2002 - المطعون عليه - بإحالته للاستيداع، فتظلم منه بتاريخ 13/ 8/ 2002، ثم تقدم بطلب إلى لجنة التوفيق فى المنازعات، إلا أنه لم يجد استجابة مما حدا به إلى إقامة دعواه تلك. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصرالصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات رقم 17 لسنة 1982، استنت نظامًا قانونيًا خاصًا، مقتضاه إحالة العامل الذى يثبت عدم لياقته الطبية للاستمرار فى شغل وظيفته إلى الاستيداع لمدة أقصاها سنتان، على أن ينقل قبل نهاية مدة الاستيداع إلى وظيفة أخرى مناسبة، ولو كانت أقل من وظيفته الأصلية، بشرط ثبوت لياقته الطبية لها،وقبوله كتابة النقل إليها. وعند عدم وجود وظيفة خالية مناسبة، أو رفض العامل الوظيفة التى تعرض عليه، تنتهى خدمته بالتشريك الطبى الجزئى بانقضاء مدة الاستيداع، فى حين أن العامل الخاضع لنظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والذى يصاب بمرض مزمن، يحصل على إجازة استثنائية بأجر كامل، إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى العمل، أو يتبين عجزه عجزًا كاملاً، وفى الحالة الأخيرة، يمنح إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش، الأمر الذى ينطوى على تمييز غير مبرر بين العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، والعاملين الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، مما يثير شبهة عدم دستورية المادة (108) من اللائحة سالفة الذكر، ومن ثم قضت المحكمة بوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، فيما تضمنه من نقل العامل الذى تثبت عدم لياقته الصحية إلى وظيفة أدنى من تلك التى يشغلها، وما لم يتضمنه من منح العامل الذى يصاب بأحد الأمراض المزمنة إجازة استثنائية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى عمله، أو يتبين عجزه عجزًا كاملاً، وفى الحالة الأخيرة يمنح إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش.
وحيث إن المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر تنص على أنه: - " العامل من طوائف التشغيل الخاضع لنظام الكشف الطبى الدورى الثلاثى طبقًا للائحة الطبية للهيئة الذى تثبت عدم لياقته لاستمرار شغل وظيفته يحال للاستيداع لمدة أقصاها سنتان، ويتقاضى فى هذه الحالة مرتبه كاملاً على أن ينقل قبل نهاية مدة الاستيداع إلى وظيفة أخرى خالية مناسبة ولو كانت أقل من وظيفته الأصلية بشرط ثبوت لياقته الطبية لها وقبوله كتابة النقل إليها قبل انتهاء مدة الاستيداع.
ويكون النقل فى هذه الحالة بذات المرتب الذى كان يتقاضاه قبل إحالته إلى الاستيداع ولو جاوز نهاية مربوط الوظيفة المنقول إليها وتكون علاواته بها بفئة علاوات الدرجة المنقول منها فى حدود نهاية مربوطها، وعند عدم وجود خلوات قبل نهاية مدة الاستيداع أو فى حالة رفض العامل الوظيفة التى تعرض عليه تنتهى خدمته بالتشريك الطبى الجزئى بانقضاء مدة الاستيداع ويسوى معاشه على هذا الأساس طبقًا لقوانين المعاشات دون الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أخرى.
وتكون إحالة العامل إلى الاستيداع بعد استنفاد إجازاته المرضية بمرتب كامل أو مخفض والإجازات الاعتيادية".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة، تأسيسًا على أن النص المطعون عليه تم تعديله بتاريخ11/ 8/ 2008، فلا يكون للمدعى ثمة مصلحة فى الطعن عليه.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعى المطعون فيه لا يحول دون الطعن عليه بعدم الدستورية ممن طبق عليهم خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية فى حقهم، ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التى تتم فى ظلها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت وأحل المشرع محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية - وجودًا وأثرًا - فى ظل القاعدة القانونية القديمة يظل محكومًا بها وحدها، وعلى ذلك فإن استبدال نص المادة (108) سالف الذكر – الذى طبق على المدعى أثناء فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية فى حقه - بنص آخر،لا ينفى مصلحته فى الطعن عليه بعدم الدستورية، ويضحى الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة غير قائم على أساس صحيح متعينًا رفضه.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون عليه أنه إذ يقضى فى فقرته الأولى بنقل العامل الذى تثبت عدم لياقته الطبية للاستمرار فى شغل وظيفته إلى وظيفة أدنى من تلك التى يشغلها، فإنه يكون قد أكرهه على أداء عمل معين بالمخالفة لحكم المادة (13) من الدستور، إذ الأصل فى العمل أن يكون إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر.
وحيث إن هذا النعى مردود، بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وإن كان يعد الشريعة العامة التى تسرى على جميع العاملين بالجهات الإدارية المختلفة، إلا أن الطبيعة الخاصة للنشاط الذى تزاوله بعض هذه الجهات أو الاشتراطات اللازم توافرها فى العاملين بها أو بعضهم، قد تقتضى إفرادهم بأحكام خاصة تختلف باختلاف ظروف ومقتضيات العمل فى هذه الجهات، بما يؤدى إلى المغايرة فى الأوضاع الوظيفية - كلها أو بعضها - بين العاملين الخاضعين لهذه التشريعات الخاصة، وبين أقرانهم من العاملين الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، مراعاة للطبيعة الخاصة لتلك الوظائف، ومن بين هذه الجهات، الهيئة القومية لسكك حديد مصر، التى صدر بإنشائها القانون رقم 152 لسنة 1980 وتضمن نصًّا يقضى بإصدار لائحة خاصة لتنظيم شئون العاملين فيها، وتنفيذًا لذلك صدر قرار وزير النقلرقم 17 لسنة 1982 بإصدار لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر المتضمنة نص المادة (108) المطعون عليه، والذى نص فى فقرته الأولى على أن العامل من طوائف التشغيل الخاضع لنظام الكشف الطبى الدورى الثلاثى طبقًا للائحة الطبية للهيئة الذى تثبت عدم لياقته لاستمرار شغل وظيفته يحال إلى الاستيداع لمدة أقصاها سنتان،ويتقاضى فى هذه الحالة مرتبه كاملاً على أن ينقل قبل نهاية مدة الاستيداع إلى وظيفة أخرى خالية مناسبة ولو كانت أقل من وظيفته الأصلية بشرط ثبوت لياقته الطبية لها وقبوله كتابة النقل إليها قبل نهاية مدة الاستيداع. ورعاية من المشرع لظروف هذا العامل وحتى لا تتأثر أحواله المعيشية قرر الاحتفاظ له براتبه كاملاً الذى كان يتقاضاه، ولو جاوز نهاية مربوط الوظيفة المنقول إليها، كما قرر باستحقاقه العلاوات الدورية بفئة الدرجة المنقول منها فى حدود نهاية مربوطها. والنص على هذا النحو يكون قد أجرى موازنة دقيقة بين حقوق العامل المالية الذى ثبت عدم لياقته الطبية لشغل وظيفته، فاحتفظ له براتبه كاملاً وعلاواته الدورية بفئة الوظيفة التى يشغلها،وفى الوقت ذاته وبالنظر إلى طبيعة عمل وظائف طوائف التشغيل بالهيئة القومية للسكك الحديدية وما تتسم به من أهمية وخطورة لتعلق الأمر بأرواح الجماهير وأموالهم، فقد حرص المشرع على إخضاعهم لنظام طبى دقيق للتيقن من صلاحياتهم ولياقتهم للاستمرار فى الاضطلاع بأعباء وظائفهم، فإذا ما قرر المجلس الطبى المختص عدم لياقتهم الطبية للاستمرار فى شغل وظائفهم، فيتم نقلهم إلى وظائف أخرى مناسبة حتى ولو كانت أقل من وظائفهم الأصلية، ولا مخالفة فى ذلك لأحكام الدستور، مادام أن حقوق العامل المالية لم تتأثر بهذا النقل، إذ الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وجوهرها هو المفاضلة بين البدائل التى تتصل بالموضوع محل التنظيم على ضوء ما يجريه المشرع من موازنات بين المصالح المختلفة، الأمر الذى نحا إليه النص الطعين بأن وازن بين مصلحة العمل فى الهيئة التى تستلزم قدرًا كبيرًا من اليقظة والانتباه فيمن يشغل وظيفة من طوائف التشغيل، وبين حقوق العامل الذى يقرر المجلسالطبى عدم صلاحيته للاستمرار فى شغل وظيفته، والتى تتمثل فى حصوله على مستحقاته المالية الكاملة من راتب وعلاوات بفئة الوظيفة التى كان يشغلها، ومن ثم فإن نعى حكم الإحالة على هذا النص مخالفته حكم المادة (13) من الدستور لا يقوم على أساس صحيح متعين الالتفات عنه.
متى كان ما تقدم، فإن نطاق الدعوى الماثلة والمصلحة الشخصية فيها يتحددان بما نص عليه عجز الفقرة الثانية من المادة (108) من اللائحة المذكورة من أنه:- "وعند عدم وجود خلوات قبل نهاية مدة الاستيداع أو فى حالة رفض العامل الوظيفة التى تعرض عليه تنتهى خدمته بالتشريك الطبى الجزئى بانقضاء مدة الاستيداع ويسوى معاشه على هذا الأساس طبقًا لقوانين المعاشات دون الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أخرى".
وحيث إن نص المادة (108) من لائحة الهيئة القومية لسكك حديد مصر محل الطعن الماثل، قد تم استبداله بنص آخر بتاريخ11/ 8/ 2008، قبل نفاذ الدستور الحالى الصادر فى 18 يناير سنة 2014، ومن ثم فإن المسألة الدستورية المتعلقة بالنص المطعون فيه تخضع لنصوص الدستور الصادر سنة1971، الذى صدرت اللائحة المشتملة على هذا النص فى ظل العمل بأحكامه وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور الصادر عام1971، والذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، والتى لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور حرص فى المادة (17) منه على دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة مد خدماتها فى هذا المجال إلى المواطنين بجميع فئاتهم فى الحدود التى يبينها القانون، من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، ذلك أن مظلة التأمين الاجتماعى هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن فى غده،وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقًا لنص المادة (7) من الدستور، بما يؤكد أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم.
وحيث إن المادة (66) مكررًا من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن: - "استثناء من أحكام الإجازة المرضية يمنح العامل المريض بأحد الأمراض المزمنة التى يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة بناء على موافقة الإدارة العامة للمجالس الطبية إجازة استثنائية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى العمل أو يتبين عجزه كاملاً، وفى هذه الحالة الأخيرة يظل العامل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغ سن الإحالة إلى المعاش".
وحيث إن النص الطعين استن نظامًا قانونيًا خاصًا يتم بمقتضاه إحالة العامل الذى يثبت عدم لياقته الطبية للاستمرار فى شغل وظيفته إلى الاستيداع لمدة أقصاها سنتان يتم بعدها إنهاء خدمته بالتشريك الطبى الجزئى وتسوية معاشه، بالرغم من أن طبيعة العمل لبعض وظائف الهيئة ولا سيما تلك التى اصطلح على تسميتها بطوائف التشغيل - ومن بينهم سائقو القطارات – تنطوى على كثير من المخاطر والمصاعب التى تؤثر فى حالتهم الصحية بدرجة تفوق نظراءهم العاملين المدنيين بالدولة، الأمر الذى كان يتعين معه على المشرع أن يفرد لهم - أى العاملين بالهيئة المذكورة - معاملة أكثر سخاءً من تلك التى تسرى على أفراد الطائفة الأولى، أو على الأقل يتبنى المعاملة ذاتها التى تسرى على العاملين المدنيين بالدولة بأن يمنح العامل الذى يصاب بمرض مزمن إجازة استثنائية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى العمل أو يتبين عجزه كاملاً، وفى هذه الحالة الأخيرة يظل العامل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن المعاش، وذلك لتماثل مراكزهم القانونية فى مجال الرعاية الصحية مع العاملين المدنيين بالدولة، من حيث كونهم جميعًا قد أصيبوا بأحد الأمراض المزمنة الأمر الذى يقتضى معاملة قانونية متكافئة، وإذ لم ينتهج النص الطعين هذا النهج فإنه يكون قد خالف حكم المادة (40) من الدستور.
وحيث إن العامل الذى يصاب بأحد الأمراض المزمنة يحتاج إلى رعاية خاصة نظرًا لطبيعة هذه الأمراض وملازمتها لمن يصاب بها طيلة حياته، ومن ثم فإن الأمر كان يقتضى من المشرع تقرير معاملة مالية تعين أفراد هذه الطائفة على مواجهة هذه الأمراض من جهة، وعجزهم عن العمل من جهة أخرى، وإذ خلا النص الطعين من ذلك فإنه يكون قد أخلَّ بالتزام الدولة بكفالة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى للمواطنين جميعًا على ما تنص عليه المادة (17) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (108) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات رقم 17 لسنة 1982 فيما لم يتضمنه من منح العامل الذى يصاب بأحد الأمراض المزمنة إجازة استثنائية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى العمل، أو يتبين عجزه كاملاً، وفى هذه الحالة الأخيرة يظل العامل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش.

أمين السر رئيس المحكمة