الجريدة الرسمية - العدد 10 (مكرر) - السنة الثامنة والخمسون
16 جمادى الأولى سنة 1436هـ، الموافق 7 مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من مارس سنة 2015م،
الموافق السادس عشر من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ أنور رشاد العاصى النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هينة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 37 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ مايكل جيروم منييه اسكندر،
وشهرته (مايكل منير).

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد رئيس اللجنة العليا للانتخابات.


الإجراءات

بتاريخ الثانى عشر من فبراير سنه 2015، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستوريه بعض مواد قانون مجلس النواب الصـادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنه 2014 وهى: 1 - نص البند (1) من المادة (8) فيما لم يتضمنه من استثناء المصريين المقيمين بالخارج من شرط الجنسية المنفردة، 2 - نص المادة (4) فيما لم يتضمنه من إنشاء دوائر خارج الجمهورية تمثل القارات التى يقيم فيها المصريون بالخارج وفقًا للتمثيل المتكافئ للناخبين منهم، 3 - نص المادة (5) فيما تضمنه من أن يكون للمصريين المقيمين بالخارج مترشح بالقائمة المخصص لها 15 مقعدًا وثلاثة مرشحين بالقائمة المخصص لها 45 مقعدًا ليكون جمله عددهم 8 مقاعد.
وقدمت هيئه قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم؛ أصليًا: بعــدم قبول الدعـوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئه المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة؛ وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام ضد المدعى عليه الثالث الدعوى رقم 30265 لسنه 69 قضائية أمام محكمــــــه القضاء الإدارى، طالبًا الحكم: بصفه مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم (20) لسنه 2015 بفتح باب الترشح لعضوية مجلس النواب لسنه 2015، والتصريح باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستوريه البند (1) من المادة (8) من قانون مجلس النواب الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنه 2014، والمادتين (4 و5) من القانون ذاته، وذلك لمخالفتها نصوص المواد (1 و9 و53 و87 و88 و244) من الدستور، وفى الموضــــوع بإلغاء القرار المطعون فيه. وإذ قدرت محكمه الموضوع جديه الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث أن المادة (4) من قانون مجلس النواب الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنه 2014 تنص على أن " تقسم جمهورية مصر العربية إلى عدد من الدوائر تخصص للانتخاب بالنظام الفردى، وعدد (4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منها عدد (15) مقعدًا لكل منها، ويخصص للدائرتين الأخيرتين عدد (45) مقعدًا لكل منها، ويحدد قانون خاص عدد، ونطاق، ومكونات كل منها.
ويُنتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء، الذى يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات، والمتكافئ للناخبين".
وتنص المادة (5) من القانون ذاته على أن "يجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية عددًا من المترشحين يساوى العدد المطلوب انتخابه فى الدائرة وعددًا من الاحتياطيين مساويًا له.
وفى أول انتخابات لمجلس النواب تُجرى بعد العمل بهذا القانون، يتعين إن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد (15) مقعدًا الأعداد والصفات الآتية على الأقل:
..................................................................
مترشح من المصريين المقيمين فى الخارج.
..................................................................
ويتعين أن تتضمن كل قائمه مخصص لها عدد (45) مقعدًا الأعداد والصفات الآتية على الأقل:
...................................................................
ثلاثة مترشحين من المصريين المقيمين فى الخارج".
...................................................................
وتنص المادة (8) من القانون ذاته على أنه "مع عدم الإخلال بالأحكام المقررة فى قانون تنظيم مباشره الحقوق السياسية، يُشترط فيمن يترشح لعضويه مجلس النواب:
1 - أن يكون مصريًا متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة، ومتمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية.
....................................................................
وحيث إن هيئه قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فيها، إذ أن المدعى لم يُقدم ما يفيد ترشحه فى الانتخابات البرلمانية، ولم يبين بدعواه الموضوعية صفته، ومصلحته فيها.
وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسالة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمه الموضوع، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين؛ أولهما: أن يقيم المدعى - فى الحدود التى اختصم فيها النص المطعون عليه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، وليس ضررًا متوهمًا، أو نظريًا، أو مجهلاً. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر، فى هذا الضرر، إلى النص التشريعى المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببيه بينهما؛ فإذا لم يكن هذا النص قد طُبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك إن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عمليه، يمكن إن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى عما كان عليه قبلها.
وحيث إن دستور سنه 2014 القائم قد أولى صفه "المواطنة" أهميه بالغة، إذ قرنها، بنص أولى مواده، بسيادة القانون، وجعل منهما أساسا للنظام الجمهورى الديمقراطى الذى تقوم عليه الدولة، ونص كذلك فى المادة (4) منه على أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، كما كفل فى المادة (87) منه مشاركه المواطن فى الحياة العامة كواجب وطنى، وجعل لكل مواطن الحق فى الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وفى هذا السبيل؛ تلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب.
وحيث انه متى كان ما تقدم؛ وكان المدعى، باعتباره مواطنًا، قد ثبتت له صفه الناخب؛ إعمالا لما نصت عليه المادة (87) من الدستور من التزام الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، وقد خلت أوراق الدعوى الراهنة مما يستفاد منه إن صفه الناخب قد زايلته أو انه قد تجرد منها لأى سبب، فضلاً عن أنه لم يثبت بالأوراق قيام أى مانع يحول بينه وبين مباشره حقوقه السياسية، وكان قد طعن، إمام محكمه الموضوع على قرار رئيس اللجنة العليا للانتخابات رقم (20) لسنه 2015 بفتح باب الترشح لعضوية مجلس النواب لسنه 2015؛ طالبًا وقف تنفيذه ثم إلغائه، مستهدفًا وقف إجراء انتخابات مجلس النواب؛ ثم أقام دعواه الدستورية الراهنة، طالبًا الحكم بعدم دستورية المواد (4) و(5) و(البند"1") من المادة (8) من قانون مجلس النواب، لمخالفتها المواد (1) و(9) و(53) و(87) و(88) و(244) من الدستور، ولما كانت المواد المطعون فيها تمس المركز القانونى للمدعى، بصفته ناخبًا، وتؤثر فيه، ومنها ما يقف حجر عثرة فى سبيله كطالب للترشح، ومن ثم تتوافر للمدعى المصلحة الشخصية المباشرة فى دعواه الماثلة؛ وينحصر نطاقها فى الطعن على نص المادة (4) من قانون مجلس النواب المشار إليه فيما لم يتضمنه من إنشاء دوائر خارج الجمهورية تمثل القارات التى يقيم فيها المصريون المقيمون بالخارج وفقًا للتمثيل المتكافئ للناخبين منهم، وكذا المادة (5) منه فيما تضمنه من أن يكون للمصريين المقيمين فى الخارج مترشح بالقائمة المخصص لها (15) مقعدًا، وثلاثة مترشحين بالقائمة المخصص لها (45) مقعدًا، ليكون جمله عددهم (8) مقاعد. وكذا نص البند (1) من المادة (8) فيما نص عليه من عبارة "متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة"
وحيث إن المدعى ينعى على نص البند (1) من المادة (8) من قانون مجلس النواب المشار إليه والذى اشترط فى المترشح أن يكون متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة، مخالفته حكم المادتين (88، 102) من الدستور، والتى تلزم أولهما: الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وتنظيم مشاركتهم فى الانتخابات والاستفتاءات، والتزامًا بذلك النص كان يتعين على المشرع أن يستثنى المصريين المقيمين بالخارج من شرط حمل الجنسية المصرية منفردة، وتطلبت ثانيتهما: فى المترشح أن يكون مصريًا.
وحيث أن المادة (87) من الدستور تنص على أن: " مشاركه المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالات محددة يبينها القانون.
وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، كما تلتزم بتنقية هذه القاعدة بصورة دورية وفقًا للقانون. وتضمن الدولة سلامه إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها،......................................................... ".
وتنص المادة (88) من الدستور على أن: "تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفاله حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع وإسهامهم فى تنميه الوطن.
وينظم القانون مشاركتهم فى الانتخابات والاستفتاءات بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم، دون التقيد فى ذلك بأحكام الاقتراع والفرز وإعلان النتائج المقررة بهذا الدستور، وذلك كله مع توفير الضمانات التى تكفل نزاهة عملية الانتخاب أو الاستفتاء وحيادها".
كما تنص المادة (102) من الدستور على أن: "يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوًا، يُنتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر. ويُشترط فى المترشح لعضوية المجلس أن يكون مصريًا، متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلاً على شهادة إتمام التعليم الأساسى على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنه ميلادية.
ويبين القانون شروط الترشح الأخرى، ونظام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية، بما يراعى التمثيل العادل للسكان، والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين، ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابى الفردى أو القائمة أو الجمع بأى نسبة بينهما. كما يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء فى مجلس النواب لا يزيد على 5 %، ويحدد القانون كيفيه ترشيحهم.
وحيث أن حق الانتخاب، المقرر لكل مواطن وفقًا لما تنص عليه المادة (87) من الدستور، يندرج ضمن الحقوق العامة، التى حرص الدستور على كفالتها، وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم، ورعاية مصلحه الجماعة، وعلى أساس أن حقى الانتخاب والترشح، على وجه الخصوص، هما حقان متكاملان، لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما، ولا تتحقق للسيادة الشعبية إبعادها الكاملة إذا اُفرغا من المضمون، الذى يكفل ممارستهما ممارسة جدية وفعالة، ومن ثم كان هذان الحقان لازمين لزومًا حتميًا لإعمال الديمقراطية فى محتواها المقرر دستوريًا، ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة فى حقيقتها عن الإرادة الشعبية، ومعبرة تعبيرًا صادقًا عنها، ولذلك لم يقف نص المادة (87) من الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى الانتخاب والترشح، وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة، عن طريق ممارسته لتلك الحقوق، واجبًا وطنيًا، يتعين القيام به فى أكثر المجالات أهمية؛ لاتصالها بالسيادة الشعبية التى تُعتبر قوامًا لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين، ولئن أجاز الدستور للمشرع، بنص تلك المادة ذاتها، تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المشار إليها، فانه يتعين عليه أن يراعى فى القواعد التى يتولى وضعها تنظيمًا لتلك الحقوق، ألا تؤدى إلى مصادرتها، أو الانتقاص منها، وألا تنطوى على التمييز المحظور دستوريًا، أو تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص، الذى كفلته الدولة لجميع المواطنين ممن تتماثل مراكزهم القانونية، وبوجه عام ألا يتعارض التنظيم التشريعى لتلك الحقوق مع أى نص فى الدستور؛ بحيث يأتى التنظيم مطابقًا للدستور فى عموم قواعده وأحكامه؛ وعلى النحو الذى يضمن للناخبين ألا يكون حقهم فى الانتخاب مثقلاً بقيود يفقدون معها أصواتهم من خلال تشويهها، أو إبدالها، أو التأثير فى تكافؤها وزنًا، وتعادلها أثرًا.
وحيث أن الدولة القانونية، وعلى ما تنص عليه المادة (94) من الدستور، هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها - أيا كانت وظائفها أو غاياتها - بقواعد قانونيه تعلو عليها، وتردها على أعقابها أن هى جاوزتها، فلا تتحلل منها، وكان مضمون القاعدة القانونية التى تعتبر إطارًا للدولة القانونية، تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد من منظور المفاهيم الديمقراطية التى يقوم عليها نظام الحكم على ما تقضى به المواد (1) و(4) و(5) من الدستور.
وحيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها قصدًا من الشارع الدستورى أن يكون النص عليها فى الدستور قيدًا على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيًا، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستورى، بأن قيد حرية أو حقًا ورد فى الدستور مطلقًا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًا، وقع عمله التشريعى مشوبًا بعيب مخالفة الدستور.
وحيث أن الأصل فى سلطه المشرع، فى تنظيمه للحقوق التى قررها الدستور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطه تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة، ألا أن يكون الدستور، ذاته، قد فرض فى شان مباشرتها ضوابط محدده، تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامة بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع بإتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صوره صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يُباشر الحق فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره.
وحيث أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على قمة البناء القانونى للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها فى تشريعها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، وهو ما يعد اصل مقرر وحكم لازم لكل نظام ديمقراطى سليم.
وحيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن تفسير نصوص الدستور يكون باعتبارها وحده واحده يكمل بعضها بعضًا، فلا يفسر نص منه بمعزل عن نصوصه الأخرى، وإنما متساندًا معها بما يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض، فالأصل فى النصوص الدستورية أنها تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجًا متآلفًا.
وحيث إن نص المادة (102) من الدستور قد حسم أمر الشروط المتطلبة فى طالب الترشح لمجلس النواب بلا لبس أو غموض مقررًا أن " يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، ويشترط فى المرشح لعضوية المجلس أن يكون مصريًا، متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلاً على شهادة إتمام التعليم الأساسى على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية. ويبين القانون شروط الترشح الأخرى، ونظام الانتخاب....."، ومن ثم فقد أورد المشرع الدستورى الشروط الرئيسية والجوهرية بحيث لا يجوز للمشرع العادى الخروج عليها سواء بتقييدها أو بالانتقاص منها بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها، ومن بين هذه الشروط حمل الجنسية المصرية على نحو مطلق من أى قيد أو شرط، خلافًا لما قرره نص (المادة 141) من الدستور، من أنه يشترط فيمن يترشح رئيسًا للجمهورية أن يكون مصريًا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل، أو أى من والديه، أو زوجه جنسية دولة أخرى", وكذلك ما قرره نص (المادة 164) من الدستور من أنه يشترط فيمن يعين رئيسًا لمجلس الوزراء "أن يكون مصريًا من أبوين مصريين، وألا يحمل هو أو زوجه جنسيه دوله أخرى"، ويتبين مما تقدم أن المشرع الدستورى قد غاير فى شرط حمل الجنسية المصرية بالنسبة للمترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ومن يعين رئيسًا لمجلس الوزراء، باشتراطه ألا يكون أيهما يحمل جنسيه دوله أخرى، وإسقاط هذا الشرط بالنسبة للمترشح لعضويه مجلس النواب، فمن ثم كان على المشرع العادى الالتزام بحدود وضوابط ممارسته التشريعية وبمراعاة مراتب التدرج التشريعى، فإذا ما خرج عنه وأحل نفسه موضع المشرع الدستورى وأضاف للنص المطعون فيه قيدًا وشرطًا جديدًا بالانفراد بالجنسية المصرية، فانه يكون قد انطوى على مخالفة لنصوص المواد (87) و(88) و(102) من الدستور، مما يستوجب القضاء بعدم دستوريته فى النطاق المحدد سلفًا.
ولا ينال مما تقدم ما نصت عليه المادة (102) من الدستور من تفويض المشرع العادى فى تحديد شروط الترشح الأخرى، ذلك أن البادى من سياق تلك المادة أن تفويض المشرع العادى فى تحديد شروط الترشح الأخرى، إنما وردت بصدر الفقرة الثانية من تلك المادة، وطبقًا لقواعد التفسير السليم لنصوص الدستور فان تلك العبارة لا تنصرف إلى الشروط التى أوردها النص الدستورى حصرًا، وإنما قصد بها تفويض المشرع فى وضع شروط من طبيعة أخرى غير تلك الشروط، فضلاً على أن المادة (92) من الدستور قد أفصحت عن إن الحقوق والحريات اللصيقة، بشخص المواطن - ومن بينها حقا الترشح والانتخاب - لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها أو جوهرها.
كما لا ينال مما تقدم ما ذهبت إليه هيئه قضايا الدولة، ومن قبلها المذكرة الإيضاحية للقانون من أن الشخص الذى يحمل جنسية دول أخرى بجانب الجنسية المصرية، يكون متعدد الولاء، وهو ما حدا بالمشرع إن يتطلب فيمن يُرشح نفسه نيابة عن الشعب أن يكون غير مشارك فى ولائه لمصر ولاءً لوطنٍ آخر، وذلك استنادًا إلى القسم الذى يؤديه عضو مجلس النواب، فذلك القول مردود بما يلى: -
أولاً: إن الولاء أمر يتعلق بالمشاعر، ومحلها القلب، والأصل فى المصرى الولاء لبلده ووطنه، ولا يجوز افتراض عدم ولائه أو انشطاره إلا بدليل لينحل ذلك الفرض - حال ثبوته - إلى مسالة تتعلق بواجبات العضوية التى يراقب الإخلال بها مجلس النواب ذاته.
ثانيًا: إن المادة (6) من الدستور نصت على أن "الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية.........". وهو ما قد يؤدى إلى حمل أولاد الأم المصرية لجنسيتين، إذا كانت جنسيه والدهم تقوم على أساس الدم، فلا يجوز بحال إن يُوصم هؤلاء الأولاد بتعدد الولاء، ومن ثم فلا يجوز اتخاذ ذلك تكئة لحرمانهم من حقهم فى الترشح لمجلس النواب، رغم ثبوت حقهم فى المشاركة فى انتخاب أعضائه.
ثالثًا: أن المشرع وهو بصدد تنظيم الجنسية المصرية بموجب القانون رقم 26 لسنة 1975 أجاز للمصرى أن يحمل جنسية أجنبية بقرار يصدر من وزير الداخلية, ولا يجوز أن يكون استعمال الحق المقرر قانونًا سببًا فى سقوط حقوق أخرى, خاصة إذا كانت هذه الحقوق قد قررها الدستور.
رابعًا: أن المشرع عند تنظيمه الهجرة ورعاية المصريين فى الخارج بالقانون رقم 111 لسنة 1983 منح المصريين فرادى أو جماعات الحق فى الهجرة الدائمة أو المؤقتة إلى الخارج, وقرر احتفاظهم بجنسيتهم المصرية طبقًا لأحكام القانون الخاص بالجنسية المصرية, ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التى يتمتعون بها بوصفهم مصريين طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية, ولم يتنازلوا عنها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على نص المادة (4) من قانون مجلس النواب, فيما لم يتضمنه من تحديد دوائر انتخابية خارج الجمهورية للمصريين المقيمين بالخارج مخالفته أحكام الدستور, مردود بما يلى:
أولاً: أن الدستور عهد بنص المادة (102) للمشرع العادى اختيار النظام الانتخابى, وتقسيم الدوائر إلا بمراعاة قيدين هما التمثيل العادل للسكان, والمحافظات, والتمثيل المتكافئ للناخبين, وتلك الضوابط الدستورية تنحصر فى النطاق الجغرافى لجمهورية مصر العربية, ولا تمتد إلى خارج ذلك النطاق.
ثانيًا: أن إنشاء دوائر انتخابية للمصريين المقيمين بالخارج يستتبع عدم احتساب أعدادهم ضمن عدد السكان أو الناخبين داخل الجمهورية لعدم جواز حسابهم مرتين, وفى ذلك تقطيع للوشائج والأواصر التى تربطهم بالوطن.
ثالثًا: أن المادة (88) من الدستور تنص على أن "تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج ........ وينظم القانون مشاركتهم فى الانتخابات والاستفتاءات، بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم، دون التقيد فى ذلك بأحكام الاقتراع والفرز وإعلان النتائج المقررة بهذا الدستور......"، وما قصده المشــــرع الدستورى بعبارة "بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم" لا يمكن تفسيره بعيدًا عن سياقها فى النص وعلى ضوء العبارة التالية لها مباشرة وهى "دون التقيد فى ذلك بأحكام الاقتراع والفرز وإعلان النتائج المقررة بهذا الدستور".
رابعًا: أن القول بإنشاء دوائر انتخابية فى البلدان التى يقيم بها المصريين المقيمين بالخارج تتيح لهم فرصة النفاذ إلى مجلس النواب. قول غير صحيح ذلك أن المشرع لم يلتزم بمعيار الإقامة سواء بالنسبة للداخل أو الخارج، فيحق لأى مصرى الترشح فى أى محافظة بالجمهورية دون اشتراط الإقامــــة فيها، نزولاً على ما قررته المادة (10) من قانون مجلس النواب، من أن " يقدم طلب الترشح........ من طالبى الترشح كتابة إلى لجنة انتخابات المحافظة التى يختارها للترشح.......... " وهو ما انتهت هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 1/ 3/ 2015 فى الدعوى رقم 16 لسنة 37 قضائية "دستورية" إلى اتفاقه مع أحكام الدستور، وفى هذا تحقيق لمبدأ المساواة بين المصريين جميعًا، سواء المقيم منهم بالداخل أو بالخارج.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على نص المادة (5) من قانون مجلس النواب فيما تضمنه من تحديد المقاعد المخصصة للمقيمين بالخارج مخالفته أحكام الدستور، فمردود بما يلى:
أولاً: أن المشرع حدد بنص المادة (5) المطعون فيها الأعداد والصفات التى يتعين تضمينها القائمة، فنص على ضرورة تضمين القائمة المخصص لها عدد خمسة عشر مقعدًا مترشحًا من المصريين المقيمين فى الخارج، كما نص على تضمين القائمة المخصص لها عدد خمسة وأربعون مقعدًا عدد ثلاثة مترشحين من المصريين المقيمين بالخارج، ولم يورد المشرع تلك الأعداد على سبيل الحصر، ولكنه أشار إلى أنها تمثل الحد الأدنى الذى يجب تضمينه القائمة، حيث تضمنت الفقرتان الثانية والثالثة عبارة "على الأقل".
ثانيًا: أنه ليس ثمة ما يمنع المصريين المقيمين بالخارج من الترشح على المقاعد الفردية بمجلس النواب، والتى تبلغ 420 مقعدًا، وهو الأمر الذى يرشح لزيادة عددهم داخل المجلس.
وإذ كان ما تقدم، وكان النصان المطعون فيهما لا يخالفان حكمًا آخر فى الدستور، فإن القضاء برفض الدعوى بشأنهما يكون متعينًا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية عبارة "متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة" الواردة بالبند (1) من المادة (8) من قانون مجلس النواب الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 46 لسنة 2014، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر النائب الأول رئيس المحكمة