الجريدة الرسمية - العدد 8 مكرر (و) - السنة الثامنة والخمسون
6 جمادى الأولى سنة 1436ه، الموافق 25 فبراير سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم.
وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 200 لسنة 32 قضائية " دستورية ".

المقامة من

السيد/ إيهاب محمد محمد درويش.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد وزير العدل.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد محافظ أسوان.
5 - السيد رئيس الوحدة المحلية لمدينة ومركز أسوان.


الإجراءات

بتاريخ التاسع من ديسمبر سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا،طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (434) من القانون المدنى، فيما تضمنته من سقوط حق المشترى فى طلب إنقاص الثمن بمقدار العجز فى المساحة إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًّا.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى،أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة،وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 43 لسنة 2009مدنى أمام محكمة أسوان الجزئية، طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهما الرابع والخامس بصفتيهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضًا عن إخلالهما بمسئوليتهما العقدية المترتبة على شرائه المحل التجارى المبين بالأوراق، وإلزامهما بتعديل سعر الفائدة المستحقة على هذا المبيع فى حدود المساحة الفعلية بواقع 3%. وأوضح المدعى أنه اشترى من المدعى عليهما الرابع والخامس بصفتيهما المحل المذكور، وتضمن تكراسة الشروط أن مساحته تبلغ 30,78 م2، إلا أنه فوجئ بعد استلام المحل أن مساحته الفعلية تبلغ 17,86 م2، بما يفيد إخلال المدعى عليهما بصفتيهما بتعاقدهما المبرم معه مما يستحيل تنفيذه عينًا ويحق له أن يرجع عليهما بالتعويض استنادًا إلى قواعد المسئولية العقدية. وبجلسة 20/ 6/ 2009، قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًا بنظر الدعوى، وأحالتها إلى محكمة أسوان الابتدائية فقيدت أمامها برقم 406 لسنة 2009،وبجلسة 26/ 10/ 2009، قضت المحكمة بندب خبير لتنفيذ ما جاء بمنطوق ذلك القضاء، وبعد أن أودع الخبير تقريره، قضت بجلسة 31/ 1/ 2010، بسقوط حق المدعى فى المطالبة بإنقاص الثمن استنادًا إلى ما قررته المادة (434) من القانون المدنى، من تقادم دعوى إنقاص الثمن بانقضاء سنة من تاريخ التسليم الفعلى للمبيع، وإذ كان المدعى قد تسلم العين فى 12/ 2/ 2000، وأقام دعواه فى 12/ 5/ 2009، فإن مطالبته بإنقاص ثمن المبيع تكون قد سقطت بالتقادم الحولى. وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 268 لسنة 29 ق مدنى. استئناف قنا. كما طعن عليه المدعى عليهما الرابع والخامس بالاستئناف رقم 358 لسنة 29 ق مدنى أمام المحكمة ذاتها. وبعد أن ضمت تلك المحكمة الاستئنافين المشار إليهما، دفع الحاضر عن المدعى بجلسة 1/ 11/ 2010، بعدم دستورية المادة (434) من القانون المدنى فيما تضمنته من سقوط حق المشترى فى طلب إنقاص الثمن بمقدار العجز فى المساحة إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًا، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المادة (434) من القانون المدنى تنص على أنه: - " إذا وجد فى المبيع عجز أو زيادة، فإن حق المشترى فى طلب إنقاص الثمن أو فى طلب فسخ العقد وحق البائع فى طلب تكملة الثمن يسقط كل منهما بالتقادم إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًا".
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهو شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى بدعواه الموضوعية إنقاص ثمن المحل الذى اشتراه بما يوازى مساحته الفعلية، إلا أن دعواه ووجهت بقضاء محكمة أول درجة بسقوط حقه فى المطالبة بإنقاص الثمن بالتقادم الحولى لمرور أكثر من سنة على تسلمه العين المبيعة إعمالاً لحكم المادة (434) من القانون المدنى، فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحقق بالفصل فى دستورية ما تضمنته المادة (434) من القانون المدنى من أنه إذا وجد فى المبيع عجز فإن حق المشترى فى طلب إنقاص الثمن يسقط بالتقادم إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًّا. وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وترتيبًا على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال الدستور المعَدَّل الصادر فى سنة 2014.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم - إخلاله بمبدأ المساواة المقرر فى المادة (40)من دستور سنة 1971، التى تقابل المادة (53) من دستور سنة 2014، إذ جعل أجل سقوط حق المشترى فى طلب إنقاص الثمن ينقضى بالتقادم الحولى من وقت استلامه المبيع فعليًا، فى حين أن المادة (140) من القانون المدنى تعطى للمتعاقد الذى يقع فى غلط جوهرى الحق فى طلب إبطال العقد خلال مدة تقادم تبلغ ثلاث سنوات، الأمر الذى يفصح عن المغايرة فى مسلك المشرع، فقد تبنى التقادم الحولى فى شأن المطالبة بإنقاص الثمن،ولكنه أخذ بالتقادم الثلاثى فى حال إبطال العقد للغلط الجوهرى، بالرغم من تماثل المراكز القانونية ففى كلا الحالين، فإن المشترى هو الذى يقيم الدعوى، وكلاهما دائن للبائع، مما يستوجب توحيد القاعدة القانونية التى تسرى على التقادم المسقط لهما، وإذ مايز المشرع فى الحكم بينهما فإنه يكون قد أخل بمبدأ المساواة المقرر فى المادة (40) من دستور عام 1971.
وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التى تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين، والنتائج التى رتبها عليها ليكون التمييز بالتالى موافقًا لأحكام الدستور، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات، كان واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ولو تضمن تمييزًا، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال. لما كان ذلك، وكان المشرع قررسقوط دعوى إنقاص ثمن المبيع إذا وجد فيه المشترى عجزًا بالتقادم الحولى من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًّا، مراعيًا فى ذلك وجوب استقرار التعامل، حتى لا يبقى البائع مهددًا مدة طويلة برجوع المشترى عليه بإنقاص الثمن أو فسخ البيع، وبالتالى فإن هذه الدعوى تتعلق بآثار عقد البيع وحده دون غيره من العقود، ولا تنال من صحة انعقاد العقد أو اكتمال أركانه. فى حين أن المادة (140) من القانون المدنى تقرر سقوط الحق فى طلب إبطال العقد بصفة عامة، إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات فى حالات محددة هى نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه، على أن يبدأ سريان هذه المدة فى حالة نقص الأهلية من اليوم الذى يزول فيه هذا السبب وفى حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذى ينكشف فيه، وفى حالة الإكراه، من يوم انقطاعه، وهو ما يبين منه أن أصل العقد قد اعتوره عيب من العيوب المذكورة، لذا كان من المناسب أن يترك المشرع للمتعاقد الذى شابت إرادته أحد تلك العيوب، فترة زمنية مقبولة، يتمكن خلالها من تقدير التعاقد، بعد أن أدرك حقيقة العقد الذى أبرمه، هذا بالإضافة إلى أن دعوى إنقاص الثمن لا تنهى العلاقة العقدية، وإنما تعيد للعقد توازنه المالى الذى سعى إليه المتعاقدان ابتداءً. فى حين أن دعوى إبطال العقد المقررة بالمادة (140)سالفة الذكر تؤدى إلى إنهاء التعاقد كلية بعد أن شابه أحد العيوب المحددة بالمادة المذكورة.
ومما تقدم جميعه يتبين أن ثمة اختلافًا فى المركز القانونى للمشترى فى دعوى إنقاص الثمن والمركز القانونى للمتعاقد الذى شابت إرادته عيب من العيوب، فالأول يعد مركزًا قانونيًّا يتعلق بتنفيذ العقد، أما الثانى فهو مركز قانونى يتصل بأصل صحة العقد ذاته، وإذ اختلف المركزان، وبرر المشرع التقادم الحولى باستقرار المعاملات وهو تقادم كثيرًا ما لجأ إليه فى أحوال عدة، مرتأيًا فى مدة السنة مدة كافية لبقاء العلاقة العقدية غير مستقرة، يكون فيها البائع مهددًا بالرجوع عليه فى ماله، مقدرًا أن الصالح العام يقتضى إنهاء هذا الوضع فى مدة لا تزيد على سنة حتى تستقر الأوضاع. وهو ما يؤدى إلى استقرار العلاقات القانونية داخل المجتمع وكان تقديره هذا قائمًا على أسس موضوعية مستهدفًا غايات مشروعة واقعًا فى إطار سلطته التقديرية فإن قالة إخلال النص الطعين بمبدأ المساواة تضحى لا سند لها.
وحيث إن النص الطعين لم يخالف حكمًا آخر من أحكام الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة