الجريدة الرسمية - العدد 9 (مكرر) - السنة الثامنة والخمسون
10 جمادى الأولى سنة 1436 هـ، الموافق أول مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من مارس سنة 2015م, الموافق العاشر من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ أنور رشاد العاصى النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور/ حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبول وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 37 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ جمال على زهران

ضـد

1 - رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد/ رئيس اللجنة العليا للانتخابات.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من فبراير سنة 2015 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد(4, 6، 10) من قانون مجلس النواب الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 2014، وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 فى شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصليًا: الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة. واحتياطيًا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص الفقرة الثانية من المادة (6) من قانون مجلس النواب المشار إليه، ورفض الدعوى فيما عدا ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 26992 لسنة 69 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد المدعى عليه الثالث، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم 1 لسنة 2015 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب 2015، قولاً منه أن هذا القرار مشوب بعيب عدم المشروعية، ومخالفة أحكام الدستور، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نصوص المواد (4, 6, 10) من قانون مجلس النواب والقرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليهما، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع, وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المدعى طلب بجلسة 25/ 2/ 2015 الحكم بعدم دستورية القرارين بقانون المطعون فيهما لعدم تضمينهما نص بعزل أعضاء الحزب الوطنى المنحل وجماعة الإخوان المسلمين، وعدم تضمين نص المادة (8) من قانون مجلس النواب شرط حسن السيرة والسمعة، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه أمام محكمة الموضوع قد اقتصر على نصوص المواد (4، 6، 10) من قانون مجلس النواب وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليهما، وهى النصوص التى انصب عليها تقدير المحكمة لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فإن الدعوى الماثلة تنحل فى هذا الشق إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالمخالفة لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للنصوص المتقدمة.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما تغياه المشرع بنص المادة (30) من قانون المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى البيانات الجوهرية التى تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التى يعرض على المحكمة الدستورية العليا أمر الفصل فيها وكذلك نطاقها، بما ينفى التجهيل بها، كى يحيط كل ذى شأن بجوانبها المختلفة, وليتاح لهم جميعًا - على ضوء تعريفهم بأبعاد المسالة الدستورية المطروحة عليها - إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيباتهم فى المواعيد التى حددتها المادتان (37، 44 مكررًا 1) من قانون هذه المحكمة المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 26 لسنة 2014, بحيث تتولى هيئة المفوضين تحضير الموضوع المعروض عليها وإعداد تقرير برأيها فى شأنه طبقًا لنص المادة (40) من ذلك القانون.
وحيث إن المدعى لم يضمن صحيفة دعواه النصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة طبقًا لنص المادة (30) من قانون هذه المحكمة، بالنسبة للأحكام الخاصة بالانتخاب بالنظام الفردى التى تضمنها نص المادة (4) من قانون مجلس النواب, ونصوص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه، والجداول المرفقة به المتعلقة بهذا النظام، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه النصوص فى الحدود المتقدمة.
وحيث إن المادة (4) من قانون مجلس النواب سالف الذكر تنص على أن: "تُقسم جمهورية مصر العربية إلى عدد من الدوائر تخصص للانتخاب بالنظام الفردى، وعدد (4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منهما عدد (15) مقعدًا لكل منها، ويخصص للدائرتين الأخرتين عدد (45) مقعدًا لكل منهما، ويحدد قانون خاص عدد ونطاق ومكونات كل منها.
.....................................................".
كما تنص المادة (6) من القانون ذاته على أن: "يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل العضو محتفظًا بالصفة التى تم انتخابه على أساسها، فإن فقد هذه الصفة، أو غيَّر انتماءه الحزبى المنتخب على أساسه أو أصبح مستقلاً، أو صدر المستقل حزبيًا، تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس.
وفى جميع الأحوال لا تسقط عضوية المرأة إلا إذا غيَّرت انتماءها الحزبى أو المستقل الذى انتخبت على أساسه".
وتنص المادة (10) على أن "يقدم طلب الترشح لعضوية مجلس النواب، فى الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى، من طالبى الترشح كتابة إلى لجنة انتخابات المحافظة التى يختارها للترشح، خلال المدة التى تحددها اللجنة العليا للانتخابات على ألا تقل عن خمسة أيام من تاريخ فتح باب الترشح.
ويكون طلب الترشح مصحوبًا بالمستندات الآتية:
..........................................................
..........................................................
إيصال إيداع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، تودع خزانة المحكمة الابتدائية المختصة بصفة تأمين.
........................................................
وتسرى الأحكام المنصوص عليها فى الفقرات السابقة على مترشحى القوائم، على أن يتولى ممثل القائمة الانتخابية اتخاذ إجراءات ترشحهم بطلب يقدم على النموذج الذى تعده اللجنة العليا للانتخابات، مصحوبًا بالمستندات التى تحددها اللجنة لإثبات صفة كل مترشح بالقائمة، وبإيصال إيداع مبلغ ستة آلاف جنيه بصفة تأمين للقائمة المخصص لها (15) مقعدًا ويزاد هذا المبلغ إلى ثلاثة أضعاف للقائمة المخصص لها (45) مقعدًا.
..........................................................
وتنص المادة الثانية من قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 فى شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب على أن "تقسم جمهورية مصر العربية إلى مائتين وسبع وثلاثين دائرة انتخابية تخصص للانتخاب بالنظام الفردى، كما تقسم إلى أربع دوائر انتخابية تخصص للانتخاب بنظام القوائم"، وتنص المادة الثالثة على أن "يحدد نطاق ومكونات كل دائرة انتخابية وعدد المقاعد المخصصة لها، ولكل محافظة، طبقًا للجداول المرافقة، بما يراعى التمثيل العادل للسكان، والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين"
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة - وتندمج فيه الصفة - هو من الشروط الجوهرية التى لا تقبل الدعوى الدستورية فى غيبتها، وقوامها أن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو شق منها فى الدعوى الموضوعية، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين أولين يحددان مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا، مستقلاً بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًا أو مجهلاً. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعًا، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عند رفعها.
وحيث إن نص المادة (6) من قانون مجلس النواب تتناول بالتنظيم حالة إسقاط العضوية عند فقد الصفة أو تغيير الانتماء الحزبى الذى تم انتخاب العضو على أساسهما، وكان المدعى لم يكتسب عضوية مجلس النواب، وبالتالى لم ينطبق عليه هذا النص بحسبانه من غير المخاطبين بأحكامه، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة فى هذا الشق من الدعوى تكون منتفية.
وحيث إن دستور سنة 2014 القائم قد أولى صفة "المواطنة" أهمية بالغة إذ قرنها، بنص أولى مؤداه، بسيادة القانون، وجعل منهما أساسًا للنظام الجمهورى الديمقراطى الذى تقوم عليه الدولة، ونص كذلك فى المادة (4) منه على أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، كما كفل فى المادة (87) منه مشاركة المواطن فى الحياة العامة كواجب وطنى، وجعل لكل مواطن الحق فى الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وفى هذا السبيل؛ تلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، وأوجب فى المادة (102) منه مراعاة التمثيل المتكافئ للناخبين، ومؤدى ذلك كله - وفقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن تحقيق السيادة للشعب، لا يتأتى إلا من خلال كفالة حق المواطنين جميعًا فى انتخاب قادتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم، متى توافرت فيهم شروط الانتخاب، ويكون لكل مواطن حق إبداء الرأى فى الانتخابات والاستفتاءات، ومن ثم لا يجوز حرمان أى مواطن من ممارسة هذا الحق الدستورى، إلا إذا حال بينه وبين ممارسته مبرر موضوعى - مؤقت أو دائم - يرتد فى أساسه إلى طبيعة حق الاقتراع وما يقتضيه من متطلبات كبلوغ سن معينة تؤهله لتقدير اختياراته، وألا تعتريه عاهة ذهنية تفقده هذه القدرة، كما أن حق المواطنة يستلزم المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة، ولا يجوز تقييده أو الانتقاص منه إلا لمبرر موضوعى يتطلبه ولا يشكل فى حد ذاته مخالفة دستورية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم؛ وكان المدعى، باعتباره مواطنًا، قد ثبتت له صفة الناخب؛ إعمالاً لما نصت عليه المادة (87) من الدستور من التزام الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، وقد خلت أوراق الدعوى الراهنة مما يستفاد منه أن صفة الناخب قد زايلته أو أنه قد تجرد منها لأى سبب، فضلاً عن أنه لم يثبت بالأوراق قيام أى مانع يحول بينه وبين مباشرة حقوقه السياسية، وكان قد طعن أمام محكمة الموضوع على قرار رئيس اللجنة العليا للانتخابات رقم (1) لسنة 2015؛ طالبًا وقف تنفيذه ثم إلغائه، مستهدفًا وقف إجراء انتخابات مجلس النواب؛ ثم أقام دعواه الدستورية الراهنة طالبًا الحكم بعدم دستورية المادتين(4) و(10) من قانون مجلس النواب والقرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه، لمخالفتها أحكام الدستور، استنادًا إلى أن تلك النصوص قد أهدرت مبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لعدم مساواتها بين عدد المرشحين فى القوائم، ولما كانت النصوص المطعون فيها تمس المركز القانونى للمدعى، بصفته ناخبًا، وتؤثر فيه، ومن ثم تتوافر للمدعى المصلحة الشخصية المباشرة فى دعواه الماثلة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص المادة (4) من قانون مجلس النواب المشار إليه من تخصيص عدد (4) دوائر للانتخاب بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منهما عدد (15) مقعدًا لكل منهما، وتخصص للدائرتين الأخريين عدد (45) مقعدًا لكل منهما، وما تضمنه نص المادة (10) من هذا القانون من إطلاق حرية طالبى الترشح فى الترشح فى المحافظة التى يختارها، وكذا تحديد قيمة التأمين المقرر إيداعه خزانة المحكمة الابتدائية المختصة بالنسبة لطالب الترشح فى الدوائر المخصصة للانتخاب بنظام القائمة المخصص لها عدد (15) مقعدًا، وكذا عجز المادة الثانية من القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 سالف الذكر ونص المادة الثالثة من القرار بقانون ذاته فى مجال انطباقه على الانتخابات بنظام القوائم، وجدول دوائر القوائم المرفق به دون غيرها.
وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة (4) من قانون مجلس النواب، عجز المادة الثانية من القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه ونص المادة الثالثة من القرار بقانون ذاته فى مجال انطباقه على الانتخاب بنظام القوائم، وجدول دوائر القوائم المرفق به، مخالفتها لمبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، لعدم مساواتها بين عدد المرشحين فى القوائم على مستوى الجمهورية.
وحيث إن الدستور قد حرص فى المادة (4) منه على كفالة مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، باعتبارها أساسًا لبناء المجتمع وتحقيق وحدته الوطنية، وقواعد ضابطة لسلطة المشرع فى تنظيم الحقوق والحريات والواجبات العامة، كما قرن العدل بالعديد من نصوصه، كالمواد (8، 27، 81، 93، 99) منه، غير أنه خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده لا يعدو - كما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، وإلا صار القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، مصادمًا لمبادئ العدل، وغدا إلغاؤه لازمًا.
وحيث إن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذى يلتزم المشرع بتحقيقه بين جميع المواطنين دون تمييز، طبقًا لنصوص المواد (4، 9، 27) من الدستور إنما يتصل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية تحدد وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.
وحيث إن مبدأ المساواة الذى كفلته المادتان (4، 53) من الدستور مؤداه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز لأى من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها أو التى حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التى تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التى حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحدد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية, مستلهمًا أهدافًا لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلباتها، كان القانون واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع، ولا يعتبر بالتالى قانونًا مشتبهًا فيه، بل متضمنًا تمييزًا مبررًا، لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها وسعى إليها بعيدة عن الكمال، ولا يكون تطبيقها عملاً قد أخل بها.
وحيث إنه وإن كان للمشرع سلطة تقديرية فى اختيار النظام الانتخابى طبقًا لنص المادة (102) من الدستور، إلا أن سلطته فى هذا الشأن ليست مطلقة بل تجد حدها فى عدم الخروج على القيود والضوابط التى قررها الدستور، وعدم المساس بالحقوق والحريات التى كفلها، والتمكين للواجبات العامة وممارستها دون قيود أو أعباء تثقلها أو تنتقص منها أو من أحد مكوناتها، ومن بين هذه الضوابط والقيود ما استلزمته المادة (102) من الدستور، وأوجبت على المشرع مراعاته عند تقسيم الدوائر الانتخابية، وهو تحقيق التمثيل العادل للسكان والمحافظات، بحيث لا تستبعد من التقسيم وتحديد الدوائر أية محافظة من المحافظات، أو الكتل السكانية، والتى تتوافر لها الشروط والمعايير التى سنها المشرع، والضوابط التى وضعها الدستور لذلك، أو ينتقص من حقها فى هذا الشأن على أى وجه من الوجوه، هذا فضلاً عن وجوب التقيد فى كل ذلك بتحقيق التمثيل المتكافئ للناخبين، بحيث يمثل النائب فى أية دائرة انتخابية ذات العدد من الناخبين الذى يمثله النواب فى الدوائر الأخرى، ولا يعنى ذلك أن يكون التساوى بين أعداد من يمثلهم النائب فى كل دائرة تساويًا حسابيًا مطلقًا، وإنما يكفى أن تكون الفروق بين هذه الأعداد وبين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة فى حدود المعقول، متى كان ذلك، وكانت الأحكام التى تضمنتها نص المادة (4) من قانون مجلس النواب، ونص المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه - فى حدود نطاقها المتقدم - والجدول المرفق به الخاص بدوائر القوائم، قد اختارت للانتخاب بنظام القوائم تقسيم جمهورية مصر العربية إلى عدد (4) دوائر, وخصص لاثنين منها عدد (45) مقعدًا لكل منهما، وتتكون أولاهما وهى دائرة قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا من عدد (6) محافظات، وعدد الناخبين بها 21.280.268 ناخبًا، وعدد سكانها 31.826.460 مواطنًا، وتضم ثانيتهما وهى دائرة قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد (11) محافظة، وعدد الناخبين بها 19.715.314 ناخبًا، وعدد سكانها 33.321.638 مواطنًا, وقد خصص المشرع للدائرتين الأخريين عدد (15) مقعدًا لكل منها، وتشمل أولاهما وهى دائرة قطاع شرق الدلتا (7) محافظات، وعدد الناخبين بها 6.729.018 ناخبًا، وعدد سكانها 10.747.074 مواطنًا، وتضم ثانيتهما وهى دائرة قطاع غرب الدلتا عدد (3) محافظات، وعدد الناخبين بها 7.309.449 ناخبًا، وعدد سكانها 10.918.551 مواطنًا, كما قضت الفقرة الثانية من المادة (4) من قانون مجلس النواب المشار إليه بأن ينتخب عن كل دائرة عدد من الأعضاء يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات والمتكافئ للناخبين، مما مؤداه أن التنظيم المتقدم قد التزم الضوابط الدستورية لتقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد بينها، وأن نعى المدعى على هذه النصوص مخالفتها لمبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص فى غير محله حريًا بالالتفات عنه، وإذ لا تخالف تلك النصوص أى نص آخر من الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى بالنسبة لها فى حدود نطاقها المتقدم.
وحيث إن المدعى ينعى على عبارة "التى يختارها للترشح" الواردة بنص الفقرة الأولى من المادة (10) من قانون مجلس النواب، مخالفتها نص المادة (102) من الدستور، بمقولة أن إطلاق هذا النص حق طالب الترشح فى اختيار المحافظة التى يختارها للترشح، يخالف الضوابط التى حددها نص هذه المادة، والتى تستلزم أن يكون المرشح من أبناء المحافظة أو المولودين أو العاملين بها أو المقيمين فيها.
وحيث إن الدستور نص صراحة فى المادة (87) منه الواردة بالباب الثالث الخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة، على حقى الترشيح والانتخاب باعتبارهما من الحقوق والواجبات العامة للمواطنين، التى حرص الدستور - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم فى البلاد وتكوين المجالس النيابية ورعاية مصالح الجماعة، وهما حقان متكاملان لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما، باعتبارهما لازمين لزومًا حتميًا لإعمال الديمقراطية فى محتواها المقرر دستوريًا، ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة فى حقيقتها عن الإرادة الشعبية ومعبرة تعبيرًا صادقًا عنها، هذا ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى ممارسة هذين الحقين، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة عن طريق ممارستهما واجبًا وطنيًا يتعين القيام به فى أكثر المجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التى كفلها الدستور وأكد عليها فى المادة (4) منه، والتى لا تتحقق لها أبعادها الكاملة إلا بضمان هذين الحقين، وكفالة ممارسة المواطنين لهما ممارسة جدية وفعالة، دون قيود تفرغهما من مضمونهما وتعطل جوهرها، أو تنقض منهما أو تؤثر فى بقائهما، أو تتضمن إهدارًا أو مصادرة لهما، ومن أجل ذلك قضت المادة (92) من الدستور بأن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا، ولم تجز للمشرع عند تنظيم ممارستها أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، وهو الالتزام الذى يقيد المشرع عند تناوله تقسيم الدوائر الانتخابية، طبقًا للمعاير التى تضمنتها المادة (102) من الدستور، والتى أوجبت تحقيق التمثيل العادل للسكان والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين، وعلى ذلك فإذا ما حرص المشرع فى تنظيمه لحق الترشح بنص الفقرة الأولى من المادة (10) من قانون مجلس النواب على إطلاق حق المرشح فى اختيار المحافظة التى يترشح فيها، هادفًا بذلك كفالة هذا الحق وضمان حرية ممارسته بما يحقق له مضمونه وأطره الدستورية، باعتباره أحد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، وأحد الوسائل الديمقراطية للتعبير عن آرائهم وإسهامهم فى الحياة العامة، فإن هذا النص لا يكون مصادمًا لنص المادتين (87، 102) من الدستور، كما لا يخالف أى نص آخر فيه، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى بالنسبة له.
وحيث إن المدعى ينعى على التفرقة التى حواها نص المادة (10) من قانون مجلس النواب فى قيمة التأمين المقرر إيداعه خزانة المحكمة الابتدائية المختصة بالنسبة لطالب الترشح فى الدوائر المخصصة للانتخاب، بالنظام الفردى، والقائمة المخصص لها عدد (15) مقعدًا، تضمنها تمييزًا غير مبررًا بينهما يخالف مبدأ المساواة.
وحيث إن المادة (10) من قانون مجلس النواب، قد ألزمت طالب الترشح بأن يرفق بطلب الترشح إيصال إيداع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه خزانة المحكمة الابتدائية كتأمين بالنسبة لطالب الترشح فى الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى، ومبلغ ستة آلاف جنيه بالنسبة للقائمة المخصص لها (15) مقعدًا، وكانت الغاية من هذا التأمين، كما أوضحها نص المادة (26) من القانون مجلس النواب هى خصم تكاليف إزالة الملصقات الانتخابية منه، على أن يرد هذا المبلغ أو المتبقى منه بعد خصم تلك التكاليف إلى المرشح خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، وإذ راعى المشرع فى تقدير قيمة التأمين مقدار التكلفة الفعلية لإزالة الملصقات، والمسئولية عن ذلك، وكان تقديره فى كل هذا قائمًا على أسس موضوعية، هادفًا إلى تحقيق غايات لا خلاف حول مشروعيتها، وكافلاً تطبيقها على من تتماثل مراكزهم القانونية بما لا يجاوز متطلباتها، فإن نعى المدعى مخالفة ذلك النص لمبدأ المساواة، يكون فى غير محله حقيقًا بالالتفات عنه، وإذ لا يخالف النص المطعون فيه أى نص آخر فى الدستور، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى طعنًا عليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر النائب الأول لرئيس المحكمة