الجريدة الرسمية - العدد 12 مكرر (ب) - السنة الثامنة والخمسون
5 جمادى الآخرة سنة 1436هـ، الموافق 25 مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م, والموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور/ حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر والدكتور/ حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لسنة 20 قضائية "دستورية".

المقامة من:

السيد/ محمد حسن فج النور، بصفته رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة الشرق الأقصى.

ضـد:


1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الشعب.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد وزير العدل.
5 - السيد/ محسن عبد الله عبد المعطى أبو سعدة.


الإجراءات

بتاريخ الرابع من يونيه سنة 1998، أودع المدعى صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا فى ختامها الحكم بعدم دستورية نصى الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلب فى ختامها الحكم برفض الدعوى، كما قدم المدعى عليه الخامس مذكرة بدفاعه، طلب فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى عليه الأخير، وهو عضو باللجنة النقابية للعاملين بالبنك المدعى، كان قد أقام الدعوى رقم 639 لسنة 1997 "عمال" أمام محكمة الجيزة الابتدائية؛ طالبًا الحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس إدارة البنك المدعى الصادر بنقله من المركز الرئيسى للبنك الكائن بشارع النيل بالجيزة إلى فرع البنك للمعاملات الإسلامية الكائن بشارع مصدق بالجيزة، وفى الموضوع: بإلغاء هذا القرار، مع إلزام البنك بتعويضه عن الأضرار المترتبة على ذلك؛ استنادًا إلى ما تنص عليه المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 من عدم جواز نقل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من المنشأة داخل أو خارج المدينة التى يوجد بها مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك. وبجلسة 11/ 4/ 1998 دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976.
وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 المستبدلة بالقانون رقم 1 لسنة 1981 تنص على أنه: "لا يجوز وقف عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية عن العمل بالمنشأة التابع لها احتياطيًا أو تأديبيًا أو توقيع عقوبة الفصل عليه إلا بناءً على قرار أو حكم من السلطة القضائية المختصة.
كما لا يجوز ندبه لمدة تزيد على أسبوعين أو نقله من المنشأة داخل أو خارج المدينة التى يوجد بها مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك.
وتسرى أحكام الفقرتين السابقتين على المرشح لعضوية المنظمة النقابية خلال فترة الترشيح لهذه المنظمة.
ويُعتبر باطلاً كل قرار يصدر بالمخالفة لأحكام أى من الفقرات السابقة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول صحة القرار الصادر بنقل المدعى عليه الأخير، هو عضو باللجنة النقابية للعاملين بالبنك المذكور، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة تكون متحققة فى الطعن على ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (48) السالفة الذكر من عدم جواز نقل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من المنشأة داخل أو خارج المدينة التى يوجد بها مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك، وفيها ينحصر نطاق الدعوى الماثلة، ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون فيه.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد (7) و(8) و(40) و(41) و(65) و(68) و(165) من دستور سنة 1971، وذلك تأسيسًا على أنه يمايز - دون مسوغ - بين العامل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية وزميله العامل فى المنشأة ذاتها؛ بأن منح الأول حصانة عدم نقله من مقر عمله، ووضع قيودًا على حرية رب العمل فى تنظيم منشأته؛ فأعدم بذلك سلطته المستمدة من العقد المبرم مع العامل النقابي، ومن القانون الذى أعطاه حق نقل العامل من وظيفة إلى أخرى بلا معقب عليه فى هذا الشأن، مادام أن هذا النقل قد تم طبقًا لمقتضيات مصلحة العمل وخلا من إساءة استعمال السلطة، بالإضافة إلى أن هذا النص قد منح العامل النقابى معاملة تفضيلية تنافى حقائق العدل وتخل بمباشرة السلطة القضائية لولايتها؛ عن طريق إضفاء حصانة خاصة عليه دون سواه من أعضاء النقابات المهنية الأخرى، مما يُعد معه النص المطعون فيه مخلاً بالتضامن الاجتماعى ومهدرًا مبدأ المساواة، فضلاً عن أن مخالفته حق التقاضى ومبدأ خضوع الدولة للقانون.
وحيث عن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (7) و(8) و(40) و(41) و(65) و(68) و(165) من دستور سنة 1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستورية ذاتها التى تنص عليها المواد(8) و(9) و(53) و(54) و(94) و(97) و(184) من دستور سنة 2014
وحيث إن المادة (76) من الدستور تنص على أن: "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية, وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم.
وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية".
وحيث إن الدستور قد كفل - بهذا النص - جوهر الأحكام التى انتظمتها كل من الاتفاقية السابعة والثمانين فى شأن الحرية النقابية، التى اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية فى دورته الحادية والثلاثين، والنافذة أحكامها اعتبارًا من 4 يوليه سنة 1950، والاتفاقية الثامنة والتسعين فى شأن التنظيم النقابي، التى اعتمدها المؤتمر ذاته فى دورته الثانية والثلاثين، والنافذة أحكامها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1951، وتُعتبر مصر طرفًا فى هاتين الاتفاقيتين بتصديقها عليهما؛ وقد خولت أولاهما العمال - دون تمييز من أى نوع - الحق فى تكوين منظماتهم التى يختارونها بغير إذن سابق، ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليها فى دساتيرها وأنظمتها، وهى قواعد تصوغها بإرادتها الحرة وتنظم بها - على الأخص - طرق إدارتها وبرامجها ومناحى نشاطها وبما يحول بين السلطة العامة والتدخل فى شئونها، أو الحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها، كما لا يجوز حل تلك المنظمات أو تعليق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية. وكفلت ثانى الاتفاقيتين المشار إليهما لكل عامل الحماية الكافية من أى أعمال يقصد بها التمييز بين العمال فى مجال استخدامهم؛ إخلالاً بحريتهم النقابية، ويكون ضمان هذه الحماية لازمًا بوجه خاص إزاء الأعمال التى يُقصد بها تعليق استخدام العامل على شرط عدم الانضمام إلى منظمة نقابية، أو حمله على التخلى عن عضويته فيها، أو معاملته إجحافًا لانضمامه إليها أو لإسهامه فى نشاطها بعد انتهاء عمله.
وحيث إن مؤدى ما تقدم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حرية العامل فى تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابة ذاتها فى إدارة شئونها، بما فى ذلك إقرار القواعد التى تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية وأحوال اندماجها فى غيرها ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم بالمخالفة لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديمقراطية أسلوبًا وحيدًا يهيمن على نشاطه ويكفل الموازنة بين حقوقها وواجباتها، وكذلك بناء تشكيلاتها وفقًا الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها. ولا يجوز - بوجه خاص - إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، أو تعلق تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهنًا بإذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابًا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها. وهذه الحقوق التى تتفرع عن الحرية النقابية تُعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها، وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان فى آثارهما، ويتأتيان من مصدرين مختلفين، ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها فى مواجهة العمال غير المنضمين إليها لجذبهم لدائرة نشاطها توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة فى أوضاع الاستخدام فى منشآتهم أو بالتهديد بفصل عمالهم أو بمساءلتهم تأديبيًا، أو بإرجاء ترقياتهم؛ لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي، أو لحملهم على التخلى عن عضويتهم فيه.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن ثمة تدابير تشريعية يتعين ضمانها فى شأن أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية من أجل كفالة الحماية اللازمة لهم لأداء دورهم بصفتهم ممثلين مفوضين عن زملائهم العمال الذين أولوهم ثقتهم للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم؛ وأخصها حرية أولئك العمال فى تكوين تنظيمهم النقابي، فضلاً عن حرية النقابة ذاتها فى إدارة شئونها على أساس ديمقراطي، وهو عين ما حققه النص الطعين؛ إذ كفل استمرار عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية بالمنشأة التى يعمل بها خلال مدة الدورة النقابية، وتبعًا لذلك؛ فلا يجوز نقله من مقر عمله خلال تلك المدة إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه مردود أولاً: بأن تأسيس المواطنين لمجتمعهم على قاعدة التضامن الاجتماعى وفقًا لنص المادة (8) من الدستور، مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها بما يرعى القيم التى يؤمنون بها؛ فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازًا، ولا ينال قدرًا من الحقوق التى يكون بها - دون مقتض - أكثر امتيازًا من سواه، بل يتمتعون جميعًا بالحقوق عينها - التى تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل ذاتها التى تعينهم على ممارستها، فإن تدخل المشرع بكفالة الحماية القانونية للعامل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية، بعدم جواز نقله من مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك، بهدف إقرار حرية العمال فى تكوين تنظيمهم النقابى فضلاً عن حرية النقابة فى إدارة شئونها؛ فإنه لا يعد بذلك متصادمًا مع مبدأ التضامن الاجتماعى المقرر بنص المادة (8) من الدستور.
ومردود ثانيًا: بأن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقًا لنص المادة (9) من الدستور، يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها, وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية فى مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وهى أولوية تتحد وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك فإن مجال إعمال مبدأ تكافؤ الفرص فى نطاق تطبيق النص المطعون فيه يكون منتفيًا؛ إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة فيه - من هذا الوجه - لأحكام الدستور.
ومردود ثالثًا: بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليها فى المادة (53) من الدستور، لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، ولا يقوم كذلك على معارضة جميع أشكال التمييز أيًا كانت مبرراتها الموضوعية؛ ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور - وإن تعذر حصرها - هى وحدها التى يكون قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور, أو القانون. لما كان ذلك، وكان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل فى المراكز القانونية، وكان المركز القانونى للعاملين أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية يختلف عن المركز القانونى لغيرهم من العاملين بالمنشأة من ناحية، كما يختلف عن المركز القانونى لغيرهم من أعضاء النقابات المهنية غير الخاضعة لأحكام قانون النقابات العمالية المشار إليه من ناحية أخرى فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون لها محل.
ومردود رابعًا: بأن حرية التعاقد التى يندرج مفهومها تحت الحرية الشخصية التى كفلها الدستور بنص المادة (54) منه، لا تعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كامل ونهائى فى تكوين العقود وتحديد الآثار التى ترتبها, وقد يورد المشرع فى شأن العقود – حتى ما يكون واقعًا منها فى نطاق القانون الخاص - قيودًا يرعى على ضوئها حدودًا للنظام العام لا يجوز اقتحامها، وقد يعيد إلى بعض العقود توازنًا اقتصاديا اختل فيما بين أطرافها، وهو يتدخل إيجابيًا فى عقود بذواتها محورًا من التزاماتها انتصافًا لمن دخلوا فيها من الضعفاء، مثلما هو الأمر فى عقود الإذعان والعمل، ومازال يقلص من دور الإرادة فى عقود تقرر تنظيمًا جماعيًا ثابتًا؛ كتلك التى تتضمن تنظيمًا نقابيًا, بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدودًا لا يجوز أن يتخطاها سلطانها، ليظل دورها واقعًا فى إطار دائرة منطقية، تتوازن الإرادة فى نطاقها، بدواعى العدل وحقائق الصالح العام، ومن ثم لا تكون حرية التعاقد - محددة على ضوء هذا المفهوم - حقًا مطلقًا، بل موصوفًا، فليس إطلاق هذه الحرية وإعفاؤها من كل قيد، بجائز قانونًا، وإلا آل أمرها سرابًا أو انفلاتًا. إذ كان ذلك، وكان القيد الذى فرضه النص المطعون فيه على سلطة رب العمل فى شأن العاملين أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية، غايته كفالة الديمقراطية النقابية إعمالاً لنص المادة (76) من الدستور، فإن النعى عليه إخلاله بحرية التعاقد، ومخالفته بالتالى لنص المادة(54) من الدستور يكون على غير أساس.
ومردود خامسًا: بأن ضمان الدستور لحق التقاضى - بنص المادة (97) منه - مؤداه إلا يُعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل، بتشكيلها وقواعد تنظيمها ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها, حدًا أدنى من الحقوق التى لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابه ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا، وكان لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق. لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتضمن أى قيود تحول دون النفاذ إلى القضاء أو تعسر الحصول على الحقوق المطلوبة أو تحول دونها، فإن قالة مخالفته لنص المادة(97) من الدستور، لا يكون له محل.
ومردود سادسًا: بأن مبدأ خضوع الدولة للقانون - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يُعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وشخصيته المتكاملة، كما أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون والحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل فى صون رسالتها لا تقل شأنًا عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما. إذ كان ذلك؛ وكان النص المطعون فيه لا ينطوى على أى إخلال بمبدأى خضوع الدولة للقانون واستقلال القضاء، فإن النعى عليه بمخالفته أحكام المادتين (94) و(184) من الدستور، يكون على غير أساس.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد (8) و(9) و(53) و(54) و(94) و(79) و(184) من الدستور، كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة