الجريدة الرسمية - العدد 12 مكرر (ب) - السنة الثامنة والخمسون
5 جمادى الآخرة سنة 1436هـ، الموافق 25 مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م, والموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 323 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المقامة من:

الطائفة اليهودية بالإسكندرية - هيئة دينية مصرية - ويمثلها السيد/ يوسف دافيد هرارى.

ضـد:

1 - السيد/ ينى نيكيتا جافالاس.
2 - السيد رئيس الجمهورية.
3 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
4 - السيد رئيس مجلس الشعب.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من شهر نوفمبر سنة 2001، أودعت الطائفة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (580) من القانون المدني، وذلك فيما تضمنته من تخويل المستأجر الحق فى إجراء تغيير بالعين المؤجرة بدون إذن المؤجر، طالما كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أى ضرر بالمؤجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل فى أنه بموجب عقد إيجار أماكن مؤرخ 17/ 9/ 1973 استأجر المدعى عليه الأول من الطائفة المدعية وحدة بالعقار رقم 63 شارع النبى دانيال، قسم العطارين، بالإسكندرية بغرض استعمالها مكتبًا سياحيًا. وحظر العقد، فى الفقرة الخامسة من البند الرابع منه، على المستأجر أن يجرى فى العين المؤجرة أن تغييرات بالتنسيق أو البناء، أو القيام بأى أعمال هدم أو نقب أو أى عمل من شأنه إفساد معالم العين, ما لم يحصل على إذن كتابى صريح من المالك, وبمراعاة أن تتم الأعمال تحت الإشراف والملاحظة الدقيقة للمهندس الذى يعينه المؤجر.
وإذ خالف المستأجر هذا الخطر، وأجرى بالعين - دون موافقة المؤجر (الطائفة المدعية) - جملة تعديلات إنشائية تضررت منها الأخيرة، فأقامت الدعوى رقم 851 لسنة 1996 (مساكن) أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، وطلب فيها أصليًا الحكم بثبوت استعمال المستأجر للعين المؤجرة استعمالاً ضارًا بسلامه المبنى، وإبان نظرها، تقدمت بطلب احتياطى بتقرير حق الانتفاع المستحق لها عن التعديلات التى أجريت بالعين، فقضت المحكمة بجلسة 27/ 12/ 1999 برفض الطلب الأصلي، وبجلسة 25/ 12/ 2000 برفض الطلب الاحتياطى؛ مما حدا بالطائفة المدعية إلى إقامة دعوى جديدة قيدت برقم 492 لسنة 2001، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، وطلبت فيها الحكم (أولاً) بتقدير المحكمة لجدية الدفع بعدم دستورية المادة (580/ 1) من القانون المدنى فيما تضمنه من تخويل المستأجر الحق فى إجراء تغييرات بالعين المؤجرة بدون إذن المؤجر، طالما كانت تلك التغييرات لا ينشأ عنها أى ضرر به، وذلك لمخالفتها لنص المادتين (34 و41) من دستور سنة 1971، وتمكينها من رفع الدعوى الدستورية بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا. و(ثانيًا) بالحكم في الموضوع الدعوى بإلزام المستأجر بإزالة التغييرات والتعديلات والإنشاءات التى أقامها بالعين المؤجرة، مع إلزامه بإعادة الحال إلى ما كانت عليه، وعلى نفقته الخاصة، حتى ولو لم يكن قد نشأ عن تلك التغييرات والتعديلات أى ضرر للطالبة. و(ثالثًا) إلزام المستأجر بأن يدفع للطالبة غرامة تهديدية، مقدارها خمسون جنيهًا، عن كل يوم من أيام التأخير فى تنفيذ حكم الإزالة، وإعادة الحال إلى ما كانت عليه، وحتى يوم التنفيذ. وأثناء نظر الدعوى, دفعت المدعية مجددًا بعدم دستورية النص الطعين. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (580) من القانون المدنى تنص على أنه:
(1) لا يجوز للمستأجر أن يحدث بالعين المؤجرة تغييرًا بدون إذن المؤجر إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أى ضرر للمؤجر.
(2) فإذا أحدث المستأجر تغييرًا فى العين المؤجرة مجاوزًا فى ذلك حدود الالتزام الوارد فى الفقرة السابقة، جاز إلزامه بإعادة العين إلى الحالة التى كانت عليها وبالتعويض إن كان له مقتض".
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية, فلا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى.
ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى أو حكم الإحالة، وفى الحدود التى اختصم فيها النص المطعون فيه، الدليل على أن ضررًا واقعيًا، اقتصاديًا أو غيره قد لحق به، وثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً عليه، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول طلب الطائفة المدعية إلزام المدعى عليه الأول بإزالة ما أدخله على العين المؤجرة من تغييرات وتعديلات بدون إذنها، وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، على نفقته الخاصة، حتى ولو لم ينشأ عن هذه التعديلات أى ضرر للمدعية، وكذلك إلزام بدفع غرامة تهديدية للمدعية عن كل يوم من أيام التأخير فى تنفيذ حكم الإزالة، وكان نص البند (1) من المادة(580) من القانون المدنى يجيز للمستأجر إحداث تغييرات بالعين المؤجرة بدون إذن المؤجر، متى كانت هذه التغييرات لا ينشأ عنها ضرر للمؤجر فإن الفصل فى دستورية هذا النص يعد لازمًا للفصل فى الدعوى الموضوعية، ومن ثم يتوافر للمدعية المصلحة الشخصية المباشرة فى الطعن عليه، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية تنعى على النص الطعين إخلاله بالحماية المقررة للملكية الخاصة، وإهداره لمبدأ حرية التعاقد، بالمخالفة لنص المادتين (34 و41) من دستور سنة 1971، المقابلتين لنص المادتين (35 و54) من الدستور القائم، تأسيسًا على أن تخويل المستأجر إجراء ما يتراءى له من تعديلات بالعين المؤجرة بالضوابط التى حددها النص الطعين، ودون موافقة أو إذن المالك، وحتى فى الحالات التى يتضمن العقد فيها شرطًا اتفاقيًا بمنع قيام المستأجر من إجراء مثل هذه التعديلات، هو أمر فيه عدوان على حق الملكية الخاصة، وتقييد لها، ومساس بحق المالك فى الحفاظ على التصميم الهندسى والمعمارى لملكه, وإهدار لحجية العقد، واتفاق المتعاقدين.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره. إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتباره أسمى القواعد الآمرة. لما كان ذلك، فإن المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص الطعين فى ضوء أحكام الدستور القائم الصادر فى 18/ 1/ 2014
وحيث إن مما تنعاه المدعية على النص الطعين على النحو المتقدم مردود؛ ذلك أن المقرر قانونًا - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حق الملكية، وباعتباره منصرفًا إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية - هو حق نافذ فى مواجهة الكافة، ليختص صاحبه دون غيره بالأموال التى يملكها، وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها، ولا أن يجردها المشرع من لوازمها، أو يفضل عنها بعض الأجزاء التى تكونها، ولا أن ينال من أصلها، أو يعدل من طبيعتها، أو يفيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع عن تنظيمها إلى حد هدم الشيء محلها. ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها - سواء بطريق مباشر أو غير مباشر - عدوان عليها يتناقض ما هو مقرر قانونًا من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقًا للقانون.
وحيث إن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحًا من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها. إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التقسيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما بعد أخذًا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عين طريق اقتحامها ماديًا. بل إن اقتلاع المزايا التى تنتجها، أو تهميشها مؤداه سيطرة آخرين فعلاً عليها، أو تعطيل بعض جوانبها.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة، وحوطه بسياج من الضمانات التى تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، إلإ أنه فى ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعى لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدمه جل خصائصه. كما جرى قضاء هذه المحكمة أيضًا على أن حرية التعاقد - وهى وثيقة الصلة بالحق فى الملكية - قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صونًا للحرية الشخصية، وهذه الحرية التى تعتبر حقًا طبيعيًا ولازمًا لكل إنسان يستحيل وصفها بالإطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان، فلا تكون حرية التعاقد بذلك إلا حقًا موصوفًا لا يدينها من أهدافه إلا قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها، وبين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها، وبين مروقها مما يحد من اندفاعها وردها إلى ضوابط لا يمليها التحكم. وفى إطار هذا التوازن تتحدد دستورية القيود التى يفرضها المشرع عليها. فإذا ساغ للسلطة التشريعية استثناء أن تتناول أنواعًا من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم أمر، فإ، ذلك لابد أن يكون مستندًا إلى مصلحة مشروعة.
لما كان ذلك، وكان النص الطعين، فى معالجته للمسألة التى نظمها، قد أقام موازنة دقيقة استهدف من وراء إقرارها مراعاة مصالح كل من المؤجر والمستأجر على السواء، حتى لا يمتد الضرر إلى أن منهما، وعلى نحو لا يسمح لأيهما بالاستئثار على الآخر؛ فقصر الالتزام الحصول على الموافقة المسبقة للمؤجر، عند إجراء المستأجر لتعديلات بالعين المؤجرة, على الحالات التى قد يترتب فيها على إحداث مثل هذه التعديلات إضرار بالمؤجر، التى يتمتع وحده، ومؤقتًا، بالحق فى استعمالها طبقًا للعقد. ومن ثم، لا يكون النص الطعين قد انطوى على انتهاك لحقوق المؤجر أو مساس بملكيته؛ وإنما قرر قاعدة موضوعية تفرضها ضرورات منطقية، وتستلزم أن يكون لمن انتقل إليه الحق فى الاستعمال مؤقتًا حرية ممارسة هذا الحق بما ليس فيه إضرار بحقوق المالك. وليس فى ذلك إخلال بحرية التعاقد، ذلك أن حرية التعاقد - وأيًا كان الأصل الذى تتفرع عنه أو تُرد إليه - لا تعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كامل ونهائى فى تكوين العقود، وتحديد الآثار التى ترتبها. وقد يورد المشرع فى شأن بعض العقود - حتى ما يكون واقعًا منها فى نطاق القانون الخاص - قيودًا يرعى على ضوئها حدودًا للنظام العام لا يجوز اقتحامها. وقد يخضعها لقواعد الشهر أو الشكلية ينص عليها. وقد يعيد إلى بعض العقود، توازنًا اقتصاديًا اختل فيما بين أطرافها. وهو يتدخل إبجابيًا فى عقود بذواتها محررًا من التزاماتها انتصافًا لمن دخلو فيها من الضعفاء. بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإدارة حدودًا لا يجوز أن يتخطاها سلطانها، ليظل دورها واقعًا فى إطار دائرة منطقية، تتوازن الإرادة فى نطاقها، بدواعى العدل وحقائق الصالح العام. ومن ثم، لا تكون حرية التعاقد - مُحددة على ضوء هذا المفهوم - حقًا مطلقًا، بل موصوفًا، فليس إطلاق هذه الحرية وإعفاؤها من كل قيد، بجائز قانونًا، إلا آل أمرها سرابًا وانفلاتًا. متى كان ذلك، وكان التنظيم الذى أقامه النص الطعين ليس من شأنه أن يخل بالتوازن المطلوب فى العلاقات الإيجارية، ولا يهدف إلى إثراء المستأجر على حساب المؤجر، وإنما سمح للمستأجر بإجراء التعديلات اللازمة فى العين، بما ليس فيه إضرار بالمؤجر، بما يضمن له مباشرة حقه فى الاستعمال الذى انتقل إليه بصفة مؤقتة من المؤجر خلال فترة الإجارة، وهو ما من شأنه إعمال أحكام العقد وفقًا للمقصود منها، على النحو الذى يحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية، وتتوافق فيه مصالحهما، ولا تتنافر، من الوجهة الاقتصادية، وهو ما يبرأ معه النص الطعين من شبهة المخالفة الدستورية.
وحيث إن النص الطعين لا يخالف الدستور من أى وجه آخر، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الطاعنة المدعية المصروفات. ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة

صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره، أما السيد المستشار الدكتور عادل عمر شريف، الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار محمد خيرى طه.

  رئيس المحكمة