الجريدة الرسمية - العدد 12 مكرر (ب) - السنة الثامنة والخمسون
5 جمادى الآخرة سنة 1436هـ، الموافق 25 مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م, والموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى والدكتور/ حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر والدكتور/ حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية".

المقامة من:

السيد/ سميح أنسى نجيب ساويرس عن نفسه وبصفته رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية.

ضـد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد وزير الاستثمار.
4 - السيد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية


الإجراءات

بتاريخ 20 مايو سنة 2010، أودع المدعى عن نفسه وبصفته رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (65مكررًا) والفقرة الأولى من المادة(68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قدمت المدعي - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة لسوق المال - إلى المحاكمة الجنائية فى الجنحة رقم 2230 لسنة 2009 جنح اقتصادى القاهرة، متهمة إياه بأنه فى غضون أعوام 2004، 2005، 2006، وبصفته المسئول عن الإدارة الفعلية لشركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، لم يواف الهيئة العامة لسوق المال بصورة من القوائم المالية السنوية وربع السنوية وتقرير مجلس الإدارة السنوى عن نشاط الشركة، وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقيد وشطب الأوراق المالية خلال المواعيد القانونية المقررة، وطلبت عقابه بالمواد 16، 65 مكررًا، 68، 69 من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1993، والمادة 20 من قرار مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال رقم 30 لسنة 2002 بشأن قواعد قيد واستمرار قيد وشطب الأوراق المالية ببورصتى القاهرة والإسكندرية المعدل بالقرار رقم 17 لسنة 2004 وبجلسة 26/ 12/ 2009 قضت المحكمة وبتغريمه ألفى جنه عن كل يوم تأخير عن مدة 482 يومًا، وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء، فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 24 لسنة 2010 جنح مستأنف اقتصادى القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نص المادتين (65 مكررًا، 68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المادة (65مكررًا) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004 تنص على أنه " يعاقب بغرامة قدرها ألفا جنيه على كل يوم من أيام التأخير فى تسليم القوائم المالية وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقواعد قيد وشطب الأوراق المالية المنصوص عليها فى المادة(16) من هذا القانون.
ويجوز لرئيس مجلس إدالة الهيئة أو من يفوضه أن يعرض التصالح عن هذه الجريمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى مقابل أداء نصف الغرامة المستحقة.
ويترتب على التصالح وتنفيذه انقضاء الدعوى الجنائية".
وتنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته على أن "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمن ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعى تدور حول المسئولية الجنائية للمدعى بصفته المسئول عن الإدارة الفعلية لشركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، عن عدم موافاة الهيئة العامة لسوق المال بصورة القوائم المالية السنوية وربع السنوية وتقرير مجلس الإدارة السنوى عن نشاط الشركة وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقيد وشطب الأوراق المالية، عن الأعوام 2004، 2005، 2006 فى المواعيد القانونية، وهو الفعل المؤثم بنص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، ونص الفقرة الأولى من المادة (68) من هذا القانون فى مجال انطباقه على نص المادة (65مكررًا) سالفة الذكر، والتى قدم المدعى للمحاكمة الجنائية فى الجنحة رقم 2230 لسنة 2009 جنح اقتصادى القاهرة طبقًا لهما، وطلبت النيابة العامة معاقبته استنادًا إليهما، وصدر الحكم بجلسة 26/ 12/ 2009 بمعاقبته بالغرامة إعمالاً لهما، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تكون متحققة فى الطعن عليهما ذلك أن الفصل فى دستوريتهما سيكون له أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية، وبهذين النصين وحدهما يتحدد نطاق الدعوى الدستورية، ولا يمتد إلى باقى أحكام المادتين المذكورتين.
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما - محددين نطاقًا على النحو المتقدم - مخالفتهما لنصوص المواد (32، 34، 40، 41، 66، 67، 86، 165) من الدستور الصادر سنة 1971 قولاً منه أنهما يخالفان مبدأى المساواة والعادلة بما يتضمناه من معاملة فى مجال التجريم والعقاب تخالف غيرها من الجرائم المالية والضريبية، فضلاً عما فيهما من اعتداء على حق الملكية، وعدم تحديد هذين النصين أركان الجريمة على سبيل الجزم واليقين، ومخالفتهما كذلك لمبدأ شخصية المسئولية الجنائية وشخصية العقوبة، وتناسبها مع الجريمة، وافتراضهما المسئولية الجنائية.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتهما للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات, باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون فيهما من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة - الذى كفلته المادتان (4، 53) من الدستور الحالي - ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، وإذ جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير لتنظيم موضوع محدد، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة رده، فإنه يكون من الجائز تبعًا لذلك أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحدد معطياتها أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض التى يتوخاها.
وحيث إن الدستور الحالى وإن حرص فى المادة (4) منه على كفالة مبادئ العدل باعتبارها أساسًا لبناء المجتمع وتحقيق وحدته الوطنية، وقاعدة ضابطة لسلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والحريات والواجبات العامة للمواطنين، كما قرن العدل بالعديد من نصوصه كالمواد (8، 27، 81، 91، 99) منه، غير أنه خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده لا يعدو - كما جرى قضاء هذه المحكمة - أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا يكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، وإلا صار القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، مصادمًا لمبادئ العدل، وغدا إلغاؤه لازمًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة كذلك أن الجريمة فى مفهومها القانونى تتمثل فى الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وكان المشرع قد أثم بالفقرة الأولى من المادة (65مكررًا) من قانون سوق رأس المال واقعة التأخير فى تسليم القوائم المالية إلى الهيئة العامة لسوق المال، وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقواعد قيد وشطب الأوراق المالية المنصوص عليها فى المادة (16) من القانون المذكور، واعتبر تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليها بالغرامة وقدرها ألفا جنيه عن كل يوم من أيام التأخير فى تسليم القوائم المالية عن المواعيد المقررة قانونًا، ويسأل عن هذه الجريمة المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون رأس المال، والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة، حرصًا منه على مبدأ الإفصاح وتحقيق الشفافية، وهو يسأل عن فعله شخصيًا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، ويفترض هذا النص لقيام الجريمة أن يكون الامتناع عن تسليم القوائم فى المواعيد القانونية نشاطًا سلبيًا قصد به الجانى التنصل من الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع على نحو آمر، وتتحقق تلك الجريمة بتوافر أركانها والتى يتعين على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، بما ينتفى معه معنى التجهيل بأركان هذه الجريمة أو افتراض المسئولية الجنائية بالنسبة لها، وبذلك يتحقق توافقها مع مبدأ شخصية المسئولية الجنائية.
وحيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقرر بنص المادة (95) من الدستور القائم، لا يقتضى لزومًا - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون الجزاء الجنائى فى شأن الأفعال التى أثمها المشرع محددًا تحديدًا مباشرًا، بل يكفى أن يتضمن النص العقابى تلك العناصر التى يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ومعينًا بالتالى من خلالها، فلا يكون الجزاء الوارد به مبهمًا، ولا مفضيًا إلى التحكم، بل قائمًا على أسس حدد المشرع سلفًا ركائزها، وهو ما يقع على الأخص كلما ربط النص العقابى بين الغرامة التى فرضها، وامتناع المخالفين عن الوفاء بالتزامهم القانونى بتسليم القوائم المالية فى المواعيد المقررة قانونًا، محددًا مقدارها بقدر المدة التى امتد إليها الإخلال بواجباتهم التى فرضها القانون، ليكون الحمل على التقيد بها غاية نهائية للغرامة النى يقتضيها، وليس لازمًا بالتالى أن يكون مقدارها واقعًا فى إطار حدين يكون أدناهما وأقصاهما مقررين سلفًا، ليحدد القاضى مبلغها فيما بينهما، بل يجوز أن يتخذ المشرع معيارًا لضبطها يكون به مبلغها محددًا على ضوء المدة التى استغرقها بالامتناع عن تسليم هذه القوائم، دون أن يعد ذلك سلبًا لسلطة القاضى فى تفريد عقوبة الغرامة المقررة بالنص المطعون فيه أو مساسًا بوجوب تناسب العقوبة مع الأفعال المؤثمة ومع الخطورة الإجرامية للفاعل، كما لا يتضمن إهدارًا لمبدأ المساواة، ذلك أن ارتباط تحديد مقدار الغرامات بمدة الامتناع عن تقديم القوائم المالية والتى تختلف من شخص لآخر، لا يغير من وحد التنظيم القانونى للجرائم التى ارتبط بها الجزاء الجنائي، ولا يعدو هذا أن يكون تغايرًا فى الوقائع التى تقرر الجزاء الجنائى بمناسبتها، وليس من شأن تباينها أن يكون تحديد الجرائم وعقوباتها وتطبيقها على المخالفين قد انتقل من المشرع والقاضى إلى أيديهم، أو يمثل تغييرًا فى جوهر الجزاء الجنائى المقرر إلى إتيان هذه الأفعال وتناسبه مع الجريمة محلها، أو يتضمن إخلالاً بقواعد العادلة، أو تمييزًا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره بين المخاطبين بأحكام النص العقابي أو بينهم وبين غيرهم, كما لا يحوى تقرير هذه الغرامة كعقوبة على امتناع أثَّمه القانون مساسًا بحق الملكية الذى كفله الدستور، الأمر الذى يكون معه النصان المطعون فيهما غير مصادمين لنصوص المواد (33، 35، 53، 54، 96، 202، 184) من الدستور القائم، كما لا يخالفان أى حكم آخر من أحكامه الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة