الجريدة الرسمية - العدد 12 مكرر (ب) - السنة الثامنة والخمسون
5 جمادى الآخرة سنة 1436هـ، الموافق 25 مارس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م, والموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى اسكندر والدكتور نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 25 قضائية "دستورية" .

المقامة من:

السيدة/ افتراج مختار على.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد المستشار وزير العدل.
4 - السيد المستشار النائب العام.
5 - السيد/ عصام زكى عبد العال.


الإجراءات

بتاريخ السادس عشر من يناير سنة 2003، أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس أقام بطريق الادعاء المباشر الجنحة رقم 6342 لسنة 2002 جنح قسم بولاق الدكرور قِبَلَ المدعية، بطلب عقابها بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة (305) من قانون العقوبات، وإلزامها أن تؤدى له تعويضًا مؤقتًا مقداره (2000) جنيه، بوصف أنها أبلغت كذبًا، وبسوء قصد، باعتدائه عليها بالضرب فقضت محكمة جنح بولاق الدكرور بمعاقبة المتهم بالحبس شهرًا مع الشغل، وإلزامها أن تؤدى للمدعى بالحقوق المدنية (2000) جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وإذ لم ترتض المتهمة هذا الحكم فاستأنفته، وقُيَّدَ استئنافها برقم 16546 لسنة 2002 جنح مستأنف بولاق الدكرور، وحال نظر الاستئناف، دفعت بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (305) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 تنص على أن "وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكورة ولم تقم دعوى بما أخبر به".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكانت المدعية قد قدمت للمحاكمة الجنائية، بوصف قيامها بالإبلاغ كذبًا، وبسوء قصد، باعتداء المدعى عليه الخامس عليها بالضرب، وكان ذلك الفعل هو صورة التجريم التى تضمنتها المادة(305) من قانون العقوبات. ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية خضوع الفعل المشار إليه النموذج التجريم الوارد بذلك النص، يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على دستوريته، ويتحدد به نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه أنه ورد خاليًا من تحديد العقوبة الواجبة التطبيق على من يخالف شق التكليف الوارد بها، فلم تحدد المادة العقوبة لا تصريحًا ولا إحالة إلى غيرها من المواد، مخالفة بذلك ما أوجبه الدستور من أن تحدد الجرائم تحديدًا منضبطًا، من خلال نصوص قانونية واضحة، يبين منها أركان الجريمة، والعقوبة المقررة لها، مما يصم النص المطعون فيه بالغموض؛ على نحو يكون معه إنفاذه مرتبطًا بمعايير شخصية قد تخالطها الأهواء، وهو ما يخل بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. كما أن تقييد المحكمة التى تفصل فى دعوى البلاغ الكاذب بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وبالحكم الصادر عن الواقعة التى كانت محلاً للجريمة، يمثل إخلالاً بحق المتهم فى محاكمة منصفة، يكف له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه؛ الأمر الذى يتعارض مع ما توجبه المادتان (10)، (11) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، كما يتعارض مع المواد (64)، (65)، (165) من دستور سنة 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. لما كان ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه فى ضوء أحكام الدستور الحالى الصادر فى 18/ 1/ 2014
وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة، لا خفاء فيها أو غموض. فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها، أو بخفائها، من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، قد صبغت عباراته بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها؛ وكان البين من مطالعة الباب السابع من الكتاب الرابع من قانون العقوبات، أن المادة (302) منه عرفت جريمة القذف، وحددت المادة (303) منه عقوبة تلك الجريمة، ثم أحال نص المادة (305) "النص المطعون عليه" فى بيان العقوبة على أقرب عقوبة مذكورة، وهى عقوبة جريمة القذف، الواردة فى المادة (304), وبحسبان أن البلاغ الكاذب، صورة خاصة من صور جريمة القذف؛ فإن ما تنعاه المدعية على النص المطعون عيه من عدم تقريره لعقوبة ما لجريمة البلاغ الكاذب، يكون قد جاء على غير سند.
وحيث إن افتراض أصل البراءة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتميًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتكوّن من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة. ولما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أورد بيانًا لصورة الركن المادى المكون للجريمة، وما يجب أن يقارنها من قصد عمدى من علم وإرادة، وكلها عناصر تتناضل النيابة العامة، والمتهم، فى إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، والتى لا تقضى بإنزال العقوبة بالمتهم بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها، وتكوّن من مجموعها عقيدتها ومن ثم، فإن ما تنعاه المدعية على النص الطعين من إخلال بضمانات المحاكمة المنصفة، والحق فى الدفاع، يكون لا أساس له.
وحيث إنه من المقرر أيضًا فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التى تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التى يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذ كان مجاوزًا حدود الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. متى كان ذلك، وكان المشرع قد توخى بالنص المطعون فيه حماية مصلحة اجتماعية معتبرة، بهدف الحفاظ على كيان المجتمع ولحمته، تتمثل فى وجوب حماية الأغراض، وصون سمعة الأفراد، وتجنبهم مغبة المكايدة وجرهم إلى ساحات المحاكم، أو مجالس التحقيق، دونما ذنب جنوه أو جريرة اقترفوها، إلا رغبة الجانى التشهير بالمجنى عليه، واغتيال سمعته، والنيل من مكانته فضلاً عن صون مرفق العدالة من الاضطراب، وحمايته من شغله بما لا طائل من ورائه ولا جدوى من إشغاله به، فتتعطل مصالح من يلجأ له من المواطنين، وتضحى الحقوق عرضة للضياع، أو تأخير اقتضائها على أفضل الفروض. وإذ رصد المشرع فى النص المطعون فيه عقوبة الغرامة التى لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه، لكل من أبلغ السلطات بواقعة مكذوبة، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم يكذب البلاغ، وإرادة الإبلاغ رغم ذلك، وأن يثبت فوق ما تقدم سوء قصد الفاعل؛ بانتوائه الإضرار بالمجنى عليه، واغتيال سمعته، والتشهير به، وجاءت العقوبة التى رصدها النص المطعون فيه، فى إطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسب مع الإثم الجنائى لمرتكب تلك الجناية، دون أن يصيبها غلو، أو يداخلها تفريط، فإنها تدخل فى إطار سلطة المشرع التقديرية فى اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص من سلطة القاضى فى تقديرها فى ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضى بسلطة تقديرية فى الحكم بمقدار الغرامة المناسبة للفعل الذى قارفه الجاني، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها. ومؤدى ما تقدم جميعه، أن النص المطعون فيه قد التزم جميع الضوابط الدستورية المتطلبة فى مجال التجريم والعقاب، موضوعًا وصياغة بما لا مخالفة فيه لأى من المواد (94، 95، 151، 184) من الدستور الحالي، أو أى من أحكامه الأخرى، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة

صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره، أما السيد المستشار الدكتور عادل عمر شريف، الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار رجب عبد الحكيم سليم.

  رئيس المحكمة