الجريدة الرسمية - العدد 24 مكرر ( أ ) - السنة الخمسون
2 جمادى الآخرة سنة 1428هـ، الموافق 17 يونيه سنة 2007م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 10 يونيه سنة 2007م، الموافق 24 من جمادى الأولى سنة 1428هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي، وحضور السيد المستشار/ رجب عبد الحكيم سليم - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 68 لسنة 25 قضائية "دستورية" المحالة من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) بقرارها الصادر بجلسة 19/ 1/ 2003 في الدعوى رقم 15920 لسنة 56 قضائية.
المقامة من: شركة فريسينيه إيجبت.

ضد

1 - السيد وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية.
2 - السيد رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء.


الإجراءات

بتاريخ السادس من فبراير سنة 2003 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 15920 لسنة 56 قضائية. تنفيذاً لقرار محكمة القضاء الإداري الصادر بتاريخ 19/ 1/ 2003 بوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت فيها عدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 15/ 4/ 2007 حيث مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 15920 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء بعدم تجديد بطاقة عضويتها بالاتحاد تجديداً دائماً. والترخيص لها - بعد تقدير الجدية - بإقامة الدعوى الدستورية طعناً على نص المادة (8) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992 الصادرة بالقرار رقم 205 لسنة 1994 وذلك على قول بأن الشركة المدعية تأسست كشركة مساهمة مصرية برأس مال مصري فرنسي للعمل في نشاط المقاولات العامة منذ سنة 1981 وفقاً لأحكام قانون استثمار المال العربي والأجنبي، ولما تقدمت لتجديد عضويتها السابقة في الاتحاد المشار إليها لم تجب إلى ذلك لرفضها التوقيع على إقرار يفيد عدم وجود أجانب ضمن أصحاب الشركة والمؤسسين أو الممثلين القانونيين لها، مما دفعها إلى إقامة الدعوى بطلباتها السالفة والدفع بعدم دستورية نص المادة الثامنة من اللائحة المشار إليها لاستحداثها شرطاً لم يرد في القانون متعلقاً بالجنسية. وبجلسة 17/ 11/ 2002 تدخلت الشركة العربية لمقاولات حفر الآبار منضمة إلى المدعية في طلباتها الموضوعية. وإذ ثارت لدى محكمة الموضوع شبهة عدم دستورية المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992 لما أبدته كل من الشركة المدعية والشركة المتدخلة شرحاً لدفعهما. فقد أصدرت قرارها بالإحالة للفصل في دستورية تلك المادة.
وحيث إن المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992 بإنشاء الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء الصادرة بقرار وزير التعمير رقم 205 لسنة 1992 تنص على أن "كل من يزاول نشاط مقاولي التشييد والبناء.......... سواء كان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، وأياً كان النظام القانوني الذي يتبعه، أن يتقدم بطلب منه للحصول على العضوية العاملة بالاتحاد، وذلك بالشروط الآتية:
أولاً: بالنسبة للشخص الطبيعي:
1 - أن يكون مصري الجنسية .......
2 - .................................
3 - .................................
4 - .................................
5 - .................................
ثانياً: بالنسبة للشخص الاعتباري:
1 - يكون متخذاً أحد الأشكال القانونية المقررة، ومستوفياً شهره وقيده في السجل التجاري.
2 - أن تتوافر في الشركاء المتضامنين في شركات الأشخاص وفى الأعضاء المؤسسين والممثلين القانونيين لغيرها من الشركات الشروط الواردة في 1، 3، 5 من البند ( أولاً ) ويجب أن ترفق بالطلب جميع المستندات الدالة على توافر الشروط المشار إليها...... وكانت المادة الخامسة من القانون رقم 104 لسنة 1992 بإنشاء الاتحاد المشار إليه قد نصت في فقرتها الثانية على أن "وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات وشروط منح عضوية الاتحاد".
وحيث إنه ولئن كان نطاق الدعوى الماثلة وفقاً لقرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع ينحصر في نص المادة الثامنة من اللائحة المشار إليها فيما تضمنته من اشتراط توافر الجنسية المصرية في جميع الأعضاء المؤسسين والممثلين القانونيين في الشركات الراغبة في الحصول على العضوية العاملة للاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء. إلا أن هذا النطاق، يتعين أن يمتد ليشمل أيضاً - ولو لم يتضمنها الدفع - الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون 104 لسنة 1992 والتي بناءً عليها تضمنت اللائحة النص الطعين إذ أن ذلك يعد كافلاً الأغراض التي توخاها المدعى بدعواه الدستورية فلا تحمل إلا على مقاصده، ولا تتحقق مصلحته الشخصية المباشرة بعيداً عنها.
وحيث إن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصاً ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور. إذ أن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تنسلب من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة، وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها، فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه، كان متخلياً عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة (86) من الدستور ساقطاً بالتالي في هوة المخالفة الدستورية، حيث لا يجوز للسلطة التشريعية وقد اختصها الدستور بسلطة التشريع أن تتخلى بنفسها عن ذلك. ولئن كانت الدساتير بدءاً من دستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور الحالي قد اعترفت بحق السلطة التنفيذية في إصدار اللوائح، إلا أن ذلك لا يكون إلا استثناءً وفى الحدود الضيقة التي بينتها نصوص الدستور حصراً، ويندرج تحتها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين. والتي لا يدخل في مفهومها توليها ابتداءً تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذي يحكمها، فلا تكون اللائحة عندئذ قد فصلت أحكاماً أوردها المشرع إجمالاً، وإنما شرعت ابتداءً من خلال نصوص جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون. ذلك أن الغرض من صدور اللائحة يتعين أن ينحصر في إتمام القانون أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية بلا أدنى مساس. ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه أو أن يضيف إليه أحكاماً تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدِرُها الاختصاص الدستوري المخول له، متعدياً على السلطة التشريعية، وذلك ما تؤكده بالمادة (144) من الدستور حيث نصت على أن "يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل أو إعفاء من تنفيذها".
وحيث إن الدستور قد عهد بنص المادة (56) منه إلى القانون بتنظيم الحق في تكوين الاتحادات على أساس ديمقراطي. وإذ كان هذا الحق هو فرع من حق الاجتماع الذي يتداخل مع حرية التعبير ليكوّن أحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون. ومن ثم فقد صار لازماً - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة امتناع تقييد حرية الاجتماع - ويدخل فيها الحق في تكوين الاتحادات - الأوفق للقانون. باعتبار أنها جميعها أصول دستورية ثابتة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم وكان القانون رقم 104 لسنة 1992 بإنشاء الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء قد نص في الفقرة الثانية من مادته الخامسة على أن "وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات وشروط منح عضوية الاتحاد فصدرت اللائحة وقد نصت في مادتها الثامنة - الطعينة - على الشروط التي يتعين توافرها فيمن يتقدم بطلب للعضوية العاملة للاتحاد سواء كان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً. ومن بين هذه الشروط أن يكون الشخص الطبيعي مصري الجنسية، وأن يكون ذلك للشركاء المتضامنين في شركات الأشخاص والأعضاء المؤسسين والممثلين القانونيين لغيرها من الشركات وهو شرط لم يقرره القانون بل إنه لا يرتبط برابطة منطقية بالأغراض التي حرص المشرع على أن تتحقق بإنشاء الاتحاد وهى تطوير مهنة التشييد والمقاولات والعمل على زيادة الاستثمار في هنا المجال. ومن ثم فإن المشرع إذ أحال أمر تكوين الاتحاد وشروط منح عضويته إلى السلطة التنفيذية دون أن يقيدها بضوابط وأسس عامة تلتزم بها، فصدرت اللائحة بذلك لا تفصل أحكاماً أوردها المشرع إجمالاً، وإنما استحدثت أحكاماً جديدة تتضمن قيوداً على الحق في الانضمام إلى عضوية ذلك الاتحاد تخالف روح التشريع وبغير مقتضٍ مشروع فإن السلطة التشريعية وهى المنوط بها وحدها تقدير هذا المقتضى تكون قد تسلبت من اختصاصها. مخالفة بذلك المواد 41 و54 و56 و57 و86 و144 من الدستور.
وحيث إن المادة الثامنة من قرار وزير التعمير رقم 205 لسنة 1992 الصادر باللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992 وقد صدرت مستندة إلى نص المادة الخامسة من القانون المشار إليه فإن القضاء بعدم دستورية تلك المادة يترتب عليه لزوماً سقوط المادة الثامنة من اللائحة المشار إليها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون رقم 104 لسنة 1992 بإنشاء الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء.
ثانياً: سقوط المادة الثامنة من قرار وزير التعمير رقم 205 لسنة 1992 الصادر باللائحة التنفيذية للقانون رقم 104 لسنة 1992 المشار إليه.

أمين السر رئيس المحكمة