الجريدة الرسمية - العدد 27 (مكرر) - السنة الخمسون
24 جمادى الآخرة سنة 1428هـ، الموافق 9 يوليه سنة 2007م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 1 يوليو سنة 2007م، الموافق 16 من جمادى الآخرة سنة 1428هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح والدكتور/ حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه والدكتور/ عادل عمر شريف، وحضور السيد المستشار: رجب عبد الحكيم سليم - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 131 لسنة 21 قضائية "دستورية".
المقامة من: السيد/ عادل عطية محمد شريف.

ضد

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد وزير العدل.
4 - السيد وزير المالية.
5 - الممثل القانوني لبنك ناصر الاجتماعي.


الإجراءات

بتاريخ السابع عشر من يوليو سنة 1999، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين (12) و(80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 معدلاً بالمادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1989
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم؛ أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لما جاوز الفقرة الثانية من المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه، ثانياً: برفض الدعوى. كما قدم المدعى عليه الخامس مذكرة طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبيَّن من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 3653 لسنة 1998 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد كل من المدعى عليه الرابع، ومدير عام مأمورية ضرائب الدمغة في مواجهة المدعى عليه الخامس؛ بطلب الحكم برد مبلغ 14335.381 جنيه مضافاً إليه الفوائد القانونية، وذلك على سند من القول إنه بتاريخ 14/ 10/ 1987 تم إبرام عقد اتفاق بين المدعي والمدعى عليه الخامس؛ موضوعه التزام الأول بأعمال (الإصلاح والسمكرة والدوكو) لبعض سيارات مشروع (ليموزين) التابع للآخر، في مقابل استحقاق المدعي ما يعادل نسبة (63%) من قيمة هذه الأعمال. وخلال الفترة من تاريخ إبرام العقد المشار إليه حتى 30/ 6/ 1997 قام المدعى عليه الخامس بخصم قيمة ضريبة الدمغة محسوبة بنسبة (100%) من قيمة الأعمال التي أنجزها المدعي؛ إعمالاً لنص المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه، وقام بتوريدها إلى المدعى عليه الرابع مع تحميله كامل قيمة ضريبة الدمغة المستحقة على تلك الأعمال التي أنجزها، بما فيها حصة المدعى عليه الخامس التي تعادل نسبة (37%) من قيمة تلك الأعمال، ومن ثم فقد أقام دعواه الموضوعية السالفة الذكر. وبجلسة 19/ 4/ 1998 دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (12) و(80) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه؛ معدلاً بالمادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1989، بيد أن المحكمة ارتأت عدم جدية هذا الدفع، وقضت في موضوع الدعوى برفضها، فطعن المدعي على هذا الحكم بالاستئناف رقم 12634 لسنة 115 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة. وبجلسة 25/ 5/ 1999 دفع المدعي مجدداً بعدم دستورية المادتين المشار إليهما، وإذ قدرت محكمة الموضوع (جدية الدفع) وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 تنص على أنه "لا تسري الضريبة على المعاملات التي تجرى بين الجهات الحكومية أو بينها وبين شخص معفي من الضريبة.
وإذا كان التعامل بين جهة حكومية وشخص غير معفي من الضريبة، فيتحمل هذا الشخص كامل الضريبة المستحقة على التعامل.
على أنه في حالة تعدد النسخ أو الصور التي تحتفظ بها الجهة الحكومية لدواعي العمل بها، فلا يتحمل المتعامل معها سوى الضريبة المستحقة على نسخة أو صورة واحدة من تلك النسخ أو الصور.
وتعفى من الضريبة أوراق حركة النقود المملوكة للحكومة".
وتنص المادة (80) من القانون ذاته على أنه "فيما عدا المرتبات والأجور والمكافآت، وما في حكمها والإعانات، تُستحق على كل مبلغ تصرفه الجهات الحكومية من الأموال المملوكة لها، وسواء أتم الصرف مباشرة أم بطريق الإنابة، علاوة على الضريبة المبينة في المادة السابقة، ضريبة إضافية مقدارها ثلاثة أمثال الضريبة المشار إليها.
ويُقصد بالصرف عن طريق الإنابة أن تعهد الجهة الحكومية إلى أي شخص بمبلغ مملوك لها ليتولى الصرف منه نيابة عنها".
وتنص المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1989 المشار إليه على أن "تُزاد بمقدار المثل ضريبة الدمغة المنصوص عليها في قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 المعدل بالقانون رقم 104 لسنة 1987، وذلك عدا الأوعية المبينة في الجدول المرفق فتكون الضريبة عليها، وفقاً لما هو مبين قرين كل منها".
وقد تضمن الجدول المذكور زيادة الضريبة التي فرضها نص المادة (79) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه على ما تصرفه الجهات الحكومية وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية من المرتبات والأجور والمكافآت وما في حكمها والإعانات؛ وذلك بالنسب المئوية المقررة لكل شريحة منها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع. فإذا لم يكن النص التشريعي المطعون عليه قد طُبق على المدعي أصلاً أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه؛ فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن المدعي كان قد أقام دعواه الموضوعية السالفة الذكر بطلب الحكم برد قيمة ضريبة الدمغة المستحقة على حصة المدعى عليه الخامس التي تعادل نسبة (37%) من قيمة الأعمال وفقاً للعقد المبرم بينهما، وكان نص الفقرة الثانية من المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه يحمل الشخص غير المعفي من الضريبة بكامل الضريبة المستحقة على تعامله مع جهة حكومية، مما يحول بين المدعي وبين استرداد قيمة الضريبة المخصومة منه سداداً لحصة المدعى عليه الخامس، الأمر الذي تتوافر معه للمدعي المصلحة في الدعوى الدستورية طعناً على هذا النص في ذلك النطاق فقط، لما للحكم بعدم دستوريته في هذه الحالة من انعكاس على طلباته في الدعوى الموضوعية، ومن ثم تنتفي مصلحته في سائر النصوص القانونية المطعون عليها في الدعوى الدستورية الماثلة.
وحيث إن المدعى عليه الخامس قد دفع - في مذكرته المشار إليها - بسقوط حق المدعي في استرداد الضريبة؛ إعمالاً لما تنص عليه المادة (26) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه من سقوط حق الممول في المطالبة برد المبالغ المسددة كضرائب بدون وجه حق بمضي خمس سنوات من يوم أدائها، مما يترتب عليه انتفاء مصلحة المدعي في دعواه الدستورية الماثلة، وكانت الفترة التي يطالب المدعي باسترداد الضريبة عنها تبدأ من 14/ 10/ 1987 حتى 30/ 6/ 1997 وأقام دعواه الموضوعية بتاريخ 16/ 3/ 1998 مما تنقطع معه مدة سقوط الحق المشار إليها، وكان من المقرر - وفقاً لقضاء هذه المحكمة - أن الدفع بالتقادم المسقط للحق يقتضي ابتداءً تحديد ما إذا كانت المدة التي عينّها المشرع لسقوطه قد اكتمل مداها بدءاً من التاريخ المحدد لسريانها، أم أن عارضاً اعتراها مستوجباً وقفها أو انقطاع جريانها؛ وجميعها من الشروط التي تنفرد محكمة الموضوع بتحقيقها والفصل فيها، ولا شأن لها بالتالي بالخصومة الدستورية التي تنفصل في موضوعها وبواعثها عنها، ومن ثم يضحى الدفع المشار إليه وارداً على غير أساس؛ متعيناً الالتفات عنه.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون عليه - في النطاق السالف البيان - أنه بنقله عبء الضريبة من شخص معفي منها إلى شخص آخر، فإنه يكون قد أخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، وأهدر العدالة الاجتماعية التي يقوم النظام الضريبي عليها، وانتقص من الحماية المقررة للملكية الخاصة فضلاً عن مصادرة حرية الفرد في اختيار طريقة استثمار أمواله؛ مما يخالف أحكام المواد 4 و23 و32 و34 و38 و40 و61 و119 من الدستور.
وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة؛ وفقاً لنص المادة (8) من الدستور - وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - يتصل في مضمونه بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية - في مجال الانتفاع بها - لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتصل بفرص قائمة تتعهد الدولة بتقديمها، بما مؤداه انتفاء إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق هذا النص الطعين، وبالتالي يكون النعي عليه بمخالفته نص المادة (8) من الدستور وارداً على غير أساس؛ جديراً بالالتفات عنه.
وحيث إنه من المقرر - وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن لكل ضريبة وعاء - يُعبر عنه أحياناً بقاعدة الضريبة - ويتمثل في المال الذي تُفرض عليه، وكان تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ويتعين - في هذا الإطار - أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها، محققاً ومحدداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققاً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص؛ ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها، وباعتباره منسوباً إليه ومحمولاً عليه، وفق الشروط التي يقدر معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور، وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها، والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها. والأعباء التي يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها - وسواء أكان ضريبة أم رسماً هي التي نظمها الدستور بنص المادة (119) منه، وكان الدستور كذلك، وإن خصَّ النظام الضريبي بالمادة (38) منه؛ متطلباً أن تكون العدالة الاجتماعية مضموناً لمحتواه وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها تمثل في جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها؛ شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمتها المادة (119) من الدستور، ويتعين بالتالي - وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها - أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمناً عليها بمختلف صورها، محدداً الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعاً في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث إن الحماية التي أظلَّ بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على الصور التي تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق الأصلية جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز؛ باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم من حقوق الملكية الأدبية أم الفنية أم الصناعية، وإلى هذه الأموال كلها تنبسط الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، فلا تخلص لغير أصحابها، ولم يعد جائزاً بالتالي أن ينال المشرع عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها، أدخل إلى مصادرتها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الثانية من المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة المشار إليه قد حمَّل المدعي، باعتباره غير معفي من الضريبة، كامل قيمتها المستحقة عن تعامله مع المدعى عليه الخامس "بنك ناصر الاجتماعي" كونه جهة حكومية وفقاً لنص المادة (14) من القانون ذاته؛ إذ يعد هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية طبقاً لنص المادة (1) من قانون إنشائه الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971، وكان تحديد مقدار الضريبة أو دينها يتعين أن يكون مرتبطاً بوعائها، دائراً في إطارها، من أجل أن يظل العدل من منظور اجتماعي مهيمناً عليها بمختلف صورها، مقيماً في شأنها مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، باعتبار أن الضريبة بكل صورها تمثل في جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمتها المادة (119) من الدستور، وهو ما يرتبط كذلك بالحماية الدستورية لحق الملكية التي لا يجوز للمشرع أن ينال من عناصرها أو ينتقص منها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، فإن النص الطعين يكون قد أنشأ رابطة غير منطقية بين دين الضريبة ووعائها؛ فجعل هذا الدين مجاوزاً في تحديد مقداره إطار ذلك الوعاء، مفضياً إلى التحكم في فرض ضريبة لا ترتبط بأي وعاء، مما مؤداه الانتقاص من أموال المدعي الخاضع لهذه الضريبة، والنيل بالتالي من حماية حقه في الملكية، ومن ثم يكون هذا النص الطعين مخالفاً لأحكام المواد (32) و(34) و(38) و(119) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (12) من قانون ضريبة الدمغة الصادرة بالقانون رقم 111 لسنة 1980 فيما تضمنه من تحميل الشخص غير المعفي من الضريبة كامل الضريبة المستحقة على تعامله مع جهة حكومية، مع إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة