الجريدة الرسمية - العدد 40 (مكرر) - السنة التاسعة والخمسون
11 المحرم سنة 1438هـ، الموافق 12 أكتوبر سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من أكتوبر سنة ٢٠١٦م، الموافق التاسع والعشرين من ذى الحجة سنة ١٤٣٧هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 137 لسنة 32 قضائية "دستورية ". بعد أن أحالت محكمة مصر الجديدة الجزئية الدائرة (3) مدنى جزئى مصر الجديدة بحكمها الصادر بجلسة 30/ 6/ 2009 ملف الدعويين رقمى 463 و464 لسنة 2003 مدنى جزئى مصر الجديدة.

المقامة أولاهما من

السيد/ أحمد عبد الله حافظ خميس.

ضـد

1 - السيد/ عمرو محمد طلعت أبو العزم.
2 - الممثل القانونى لشركة إمرو المتحدة لخدمات الشحن الدولى.

والمقامة ثانيتهما من

1 - السيد/ محمد طلعت السيد أبو العزم.

ضـد

السيد/ أحمد عبد الله حافظ خميس.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من يونيه سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعويين رقمى 463 و464 لسنة 2003 مدنى جزئى مصر الجديدة، بعد أن قضت محكمة مصر الجديدة الجزئية بجلسة 30/ 6/ 2009، بوقفهما، وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادتين (48 و49) من القانون رقم 40 لسنة 1972 بإنشاء نقابة التجاريين.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة, طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى, على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - فى أنه سبق للمحاسب/ أحمد عبد الله حافظ خميس أن تقدم إلى لجنة تقدير الأتعاب بنقابة التجاريين بطلب إصدار أمر تقدير أتعاب ضد السيد/ محمد طلعت السيد أبو العزم بصفته رئيس مجلس إدارة شركة إمرو المتحدة لخدمات الشحن الدولى قيد برقم 416/ 1994، أشار فيه إلى أحقيته فى تقاضى مبلغ عشرة آلاف جنيه من الشركة المذكورة كأتعاب عن الأعمال التى قام بأدائها بناءً على تكليف من الشركة، وبتاريخ 16/ 12/ 1996، أصدرت اللجنة قرارها تقدير الأتعاب بواقع خمسمائة جنيه عن كل سنة من السنوات من 1979 حتى 1995، وبإجمالى سبع سنوات، وإلزام الشركة بسداد مبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه كأتعاب مستحقة للمحاسب المذكور، بالإضافة إلى المصروفات وقدرها خمسمائة جنيه، وإذ لم يرتضِ كل من الطرفين هذا القرار فقد أقام المحاسب/ أحمد عبد الله حافظ خميس الدعوى رقم 429 لسنة 1997 مدنى مستأنف أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الشركة طعنًا على هذا الأمر، بطلب تعديل القرار فيما قضى به من إلزام الشركة بأداء المبلغ المشار إليه، على سند من أن قيمة الأتعاب التى قدرتها اللجنة لا تتناسب مع الأعمال المسندة إليه من الشركة، وما عاد عليها من نفع نتيجة خبرته، كما أقام السيد/ محمد طلعت السيد أبو العزم ضد المحاسب المار ذكره الدعوى رقم 4921 لسنة 1997 مدنى كلى أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بإلغاء قرار اللجنة المشار إليه، واعتباره كأن لم يكن، وبراءة ذمة الشركة من المبلغ سالف الذكر، قولاً منه: إن المحاسب لم يقم بأى عمل يستحق عنه هذه الأتعاب، وأن اللجنة لم تبين بقرارها الأسس التى بنيت عليها هذا التقدير، وبجلسة 26/ 2/ 1998، قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى الدائرة (21) مدنى مستأنف شمال القاهرة، ونفاذًا لذلك أحيلت الدعوى إلى تلك الدائرة وقيدت أمامها برقم 525 لسنة 1998 مدنى مستأنف شمال القاهرة، وبجلسة 22/ 4/ 1998، قررت المحكمة ضم الدعوى الأخيرة للدعوى رقم 429 لسنة 1997 مدنى مستأنف شمال القاهرة للارتباط، وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 30/ 4/ 2003، قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًا بنظر الدعويين، وإحالتهما إلى محكمة مصر الجدیدة الجزئية، حیث تم قیدهما أمامها برقم 463 و464 لسنة 2003 مدنى جزئى مصر الجدیدة، وبجلسة 30/ 6/ 2009، قضت المحكمة بوقف الدعويين، وإحالتهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادتين (48 و49) من القانون رقم (40 لسنة 1972 المشار إليه، وذلك لما ارتأته من مخالفتهما لنصوص المواد (40 و68 و165 و167) من دستور سنة 1971.
وحيث إن المادة (48) من القانون رقم 40 لسنة 1972 بإنشاء نقابة التجاريين تنص على أن "يقدر مجلس النقابة أتعاب العضو بناءً على طلبه أو طلب الموكل وذلك عند عدم الاتفاق عليها كتابة، وللمجلس أن يشكل لجنة أو أكثر تتألف كل منها من رئيس وأربعة أعضاء من أعضائه للفصل فى طلبات التقدير ويكون اجتماعها صحيحًا بحضور ثلاثة من أعضائها ويعتبر القرار الصادر فى هذا الشأن صادرًا من المجلس.
ويجب أن تخطر النقابة المطلوب التقدير ضده بصورة من طلب التقدیر وبالجلسة التى تحددها اللجنة تاب موصى عليه ليحضر أمام المجلس أو لتقديم ملاحظاته كتابة فى المدة التى تحددها اللجنة كما يجب إخطار طالب التقدير بالجلسة المحددة لنظر الطلب قبل موعدها بأسبوع على الأقل ولا يجوز رفع الأمر إلى القضاء قبل عرضه على مجلس النقابة.
وإذا لم يصدر أمر التقدیر خلال ستین یومًا من تاريخ تقديم الطلب جاز الالتجاء إلى القضاء ولا يمنع ذلك من اتخاذ الإجراءات التحفظية التى يراها كل طرف ضرورية للمحافظة على حقوقه.
وعلى العضو أن يعلن موكله بصورة من أمر التقدير الصادر من مجلس النقابة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من رئيس المحكمة الابتدائية أو الجزئية التابع لها محل إقامته حسب الأحوال ولا تكون أوامر التقدير نافذة إلا بعد انتهاء ميعاد الطعن فيها.
وإذا كان المبلغ المطلوب تقديره لا يجاوز مائتى جنيه كان حق الفصل فيه لمجلس النقابة الفرعية فى حدود الأحكام السابقة على أن تبلغ قراراتها إلى مجلس النقابة خلال أسبوعين من تاريخ صدورها.
وفى جميع الأحوال تتبع قواعد الإثبات المقررة قانونًا عند نظر الطلب".
وتنص المادة (49) من هذا القانون على أن "للعضو والموكل الحق في التظلم من أمر التقدير خلال الخمسة عشر يومًا التالية لإعلانه بالأمر، وذلك بتكليف خصمه بالحضور أمام المحكمة التى يقيم الأخير بدائرتها كلية كانت أو جزئية حسب قيمة الطلب".
وحيث إن المصلحة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعى يدور حول الطعن على قرار لجنة تقدير الأتعاب بنقابة التجاريين، من قبل المحاسب مقدم طلب التقدير والشركة المذكورة، وكذا براءة ذمة الشركة من قيمة الأتعاب التى قررت اللجنة إلزام الشركة بأدائها للمحاسب، ومن ثم فإن المصلحة تكون متحققة في الطعن على نص الفقرة الأولى وعجز الفقرة الثانية من المادة (48) من القانون رقم 40 لسنة 1972 المشار إليه، التى تضمنت القواعد الحاكمة لتقدير أتعاب عضو نقابة التجاريين في حالة الخلاف حولها بين الموكل والعضو، بحسبان القضاء في مدى دستورية هذه الأحكام سيكون ذات أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، دون باقى أحكام المادتين (48 و49) من القانون المذكور.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون فيه، محددًا في النطاق آنف الذكر، مخالفته نصوص المواد (40 و68 و165 و167) من دستور سنة 1971، تأسيسًا على أن هذا النص أسند للجنة المشار إليها اختصاصًا بالفصل في منازعة ذات طبيعة قضائية رغم كونها ليست هيئة ذات اختصاص قضائى لخلو تشكيلها من العنصر القضائى، وعدم تمتع اللجنة بكيان ذاتى مستقل عن النقابة، وتشكيلها من أعضاء بحكم موقعهم على القمة من تنظيمهم النقابى، ولم يكفل لطرح المنازعة عليها الضمانات الجوهرية للتقاضى، بما يتضمن استلابًا لولاية القضاء من قاضيها الطبيعى، فضلاً عن إخضاع تقدير أتعاب عضو نقابة التجاريين لنظام إجرائى خاص للفصل فيه، خلافًا لنظام التداعى بشأن تحديد أجر الوكيل، دون الاستناد في ذلك إلى مبرر منطق وأسس موضوعية.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، وإن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه الذى طبق على الحالة المعروضة، وما زال قائمًا ومعمول بأحكامه، وذلك من خلال الدستور الحالى الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للنزاع المطروح.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكلفها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل منطقيًا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع – في مجال إنفاذ حق التقاضى – غير مقيد بأشكال إجرائية محددة تمتد إلى المنازعات جميعها حتى مع اختلاف موضوعها، ذلك أن التنظيم الإجرائى للخصومة القضائية، لا يمكن أن يعكس أنماطًا جامدة موحدة لإطار الفصل فيها، وإلا كان ذلك إغراقًا في الشكلية ولو كان عقمها باديًا، وانحيازًا لتحجر قوالبها وتزمتها ولو كان مصادمًا لحقائق الأشياء، نافيًا ما بين أوضاعها من تغاير، وهو ما يأباه التنظيم الإجرائى للخصومة القضائية؛ إذ يتعين دومًا أن يفاضل المشرع بين صور هذا التنظيم، ليختار منها ما يكون مناسبًا لخصائص المنازعات التى يتعلق بها، ومتطلباتها إجرائيًا، لتتعدد بالتالى الأشكال التى يقتضيها إنفاذ حق التقاضى، وبما لا إخلال فيه بأبعاده التى كفلها الدستور، وعلى الأخص من زاوية ضماناته الرئيسية التى تمثل إطارًا حيويًا لصون الحقوق على اختلافها، برد العدوان عنها، على ضوء قواعد قانونية يكون إنصافها حائلاً دون تحيفها على أحد.
وحيث إن النص المطعون فيه قد خول مجلس النقابة أو لجنة أو أكثر يتولى المجلس تشكيلها، الاختصاص بتقدير أتعاب عضو النقابة، بناءً على طلبه أو طلب الموكل، وذلك عند عدم الاتفاق عليها كتابة، ولم يجز الالتجاء إلى القضاء قبل عرض الأمر على المجلس أو اللجنة، ويعد مجلس النقابة أو اللجنة التى يشكلها حين يباشر هذا الاختصاص من قبل اللجان الفنية التى أولاها المشرع سلطة تقدير الأتعاب بصورة مبدئية، باعتبارها جهة خبرة في مجال إثبات ما تم إنجازه من أعمال وفقًا للمواصفات الفنية، والتى يتم على ضوئها تحديد قيمة أتعاب عضو نقابة التجاريين طبقًا للاتفاق أو العرف الجارى، وقد قصد المشرع من هذا التنظيم محاولة تسوية هذه المنازعات وحسمها بصورة أولية، فإن تعذر ذلك جاز لأطرافها عرض النزاع على القضاء، وقد كفل النص المطعون فيه ممارسة هذا الحق بقواعد عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامه، كما أن الأهداف التى توخاها المشرع من تقرير هذا النص – على النحو المتقدم ذكره – تتصل اتصالاً منطقيًا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به، ومن ثم فإن إخضاع الخلاف حول تقدير الأتعاب بين الموكلين وأعضاء نقابة التجاريين لهذا التنظيم يكون مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ليضحى الادعاء بمخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة الذى كفلته المادتان (4، 53) من الدستور الحالى في غير محله وغير قائم على أساس سليم.
وحيث إن غاية المشرع من التنظيم الذى تضمنه النص المطعون فيه أن يتم حسم المنازعات في تقدير الأتعاب بين الموكلين وأعضاء النقابة على وجه السرعة، وبإجراءات أكثر يسرًا تتفق مع طبيعة تلك المنازعات، جاعلاً من هذا التنظيم وسيلة أطراف النزاع إلى إنهائه وديًا حول الحقوق التى يدعونها، بما قد يغنى عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، ومستوجبًا ولوج هذا الطريق واستنفاد ميعاد الستين يومًا من تاريخ تقديم طلب تقدير الأتعاب، المحدد لإصدار أمر التقدير، كشرط لجواز طلبها قضائيًا، دون أن يعد مجلس النقابة أو لجنة تقدير الأتعاب في ذلك جهة قضاء، ولا تندرج قراراتها في عداد الأعمال القضائية، بل أخضع قراراتها للمراجعة القضائية من خلال التظلم من أمر التقدير أمام المحكمة المختصة، بما لا ينال من حق التقاضى، أو ينتقص من استقلال القضاء، اللذين كفلتهما المواد (94 و97 و184) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

أمين السر رئيس المحكمة