الجريدة الرسمية - العدد 6 مكرر (ب) - السنة الستون
18 جمادى الأولى سنة 1438هـ، الموافق 15 فبراير سنة 2017م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من يناير سنة 2017م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم - نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل - رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع - أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 227 لسنة 25 قضائية "دستورية".

المقامة من

1 – وفاء حسين أبو شليب
2 - حازم حسين أبو شليب
3 - ولاء حسين أبو شليب

ضـد

أولاً: 1 - رئيس الجمهورية.
2 - رئيس مجلس النواب.
3 - رئيس مجلس الوزراء.
4 - وزير العدل.
5 - وزير التنمية المحلية
ثانيًا: ورثة المرحوم/ أحمد إسماعيل القصاص، وهم:
6 - إسماعيل أحمد إسماعيل القصاص
7 - عبد الناصر أحمد إسماعيل القصاص
8 - مبروكة أحمد إسماعيل القصاص
9 - اعتماد أحمد إسماعیل القصاص
10 - وجنات إبراهيم الفلال
ثالثًا: 11 - عبد الغنى إسماعيل القصاص
12 - منیر عبد الغنى إسماعیل القصاص
13 - محمد عبد الغنى إسماعیل القصاص
14 - رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة بسيون
15 - رئيس الوحدة المحلية بصا الحجر مركز بسيون


الإجراءات

بتاريخ الثالث من أغسطس سنة ٢٠٠٣، أقام المدعون الدعوى المعروضة، بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بطلب الحكم بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلب فيها الحكم أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعويين رقمى 2623، 4481 لسنة 1998 مدنى كلى "حكومة"، أمام محكمة طنطا الابتدائية، مختصمين فيها المدعى عليهم من السادس حتى الثالث عشر، بطلب الحكم بطردهم من المنزلين المبينين فى صحيفة الدعوى، وتسليمهما للمدعين خاليين من جميع الشواغل، مع إلزام المدعى عليهما الأخيرين بصفتيهما بتدبير مسكنين بديلين للمدعى عليهم. وذلك على سند من أن مورثى المدعى عليهم آنفى الذكر، كانا يستأجران أرضًا زراعية من مورث المدعين، طبقًا لأحكام المرسوم بقانون رقم 128 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، بموجب عقدى إيجار مؤرخين 30/ 9/ 1963 و1/ 1/ 1984، وذلك بزمام عزبة أبو شليب، ببار الحمام مركز بسيون، وقد قام مورث المدعين بتسليم مورثى المدعى عليهم منزلين للإقامة بهما، من منازل العزبة المملوكة لهما، حتى يتمكنا من خدمة الأرض التى يستأجرانها، ثم صدر القانون رقم 96 لسنة
1992، الذى أنهى عقود الإيجار التى كانت سارية وقت العمل به بنهاية السنة الزراعية 1996/ 1997، ونفاذًا لذلك، قام المدعى عليهم بتسليم الأراضى الزراعية للمدعين، بيد أنهم امتنعوا عن تسليم المنزلين الكائنين على تلك الأرض، والمُسلَّمين لهما بغرض خدمة الأرض الزراعية التى كانت مؤجرة لمورثيهم. وهو ما يصير معه بقاؤهم فى هذين المنزلين مفتقرًا للسند القانونى ويُعد عصبًا. وإبان تدوول نظر الدعوى الأولى، وجه المدعى عليهم دعوى فرعية ضد المدعين، بثبوت ملكیتهم للمنزلین موضوع التداعى، بوضع الید المدة الطويلة المكسبة للملكية.
وبجلسة 16/ 12/ 1998، قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 4481 لسنة 1998مدنى كلى طنطا، للدعوى رقم 2623 لسنة 1998 مدنى كلى طنطا. وبجلسة 27/ 11/ 2002، قضت المحكمة فى الدعوى رقم 2623 لسنة 1998 مدنى كلى طنطا، بعدم قبول الدعوى الفرعية، وبرفض الدعوى الأصلية فيما يتعلق بطلب طرد المدعى عليهم من السادس إلى الثالث عشر من منزلى التنازع، وبعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر طلب إلزام المدعى عليهما الأخيرين بصفتيهما بتدبير مسكنين بديلين للمدعى عليهم فى تلك الدعوى، وبإحالة هذا الشق من الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى بطنطا. وقضت المحكمة فى الدعوى رقم 4481 لسنة 1998 مدنى كلى طنطا برفضها.
وإذ لم يرتض المدعون هذا القضاء، طعنوا عليه أمام محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، بطلب الحكم أصليًا: بإلغاء الحكم المستأنف فى الدعويين رقمى 2623/ 4481 لسنة 1998 مدنى كلى طنطا، والقضاء لهم مجددًا بطلباتهم المبداة فى صحيفتى افتتاح تلك الدعويين، مع تأييد الحكم الصادر برفض الدعوى الفرعية. واحتياطيًا: بقبول الدفع بعدم دستورية نصر المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992، لمخالفتها نصوص المواد (2، 7، 34، 40، 41) من دستور 1971 وتأجيل نظر الاستئناف لاتخاذ إجراءات الدعوى الدستورية.
كما طعن المدعى عليهما الأخيران، بصفتيهما، على الحكم الابتدائى المشار إليه، أمام محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 152 لسنة 53 قضائية، بطلب الحكم بإلغاء الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2623 لسنة 1998 مدنى كلى طنطا، فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر طلب إلزام جهة الإدارة بتدبير مسكنين بديلين للمدعى عليهم، والقضاء بإعادة الدعوى فى ذلك الشق إلى محكمة أول درجة للفصل فى موضوعها. وبجلسة 28/ 5/ 2003، قررت محكمة استئناف طنطا ضم الاستئناف رقم 152 لسنة 53 قضائية إلى الاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، كما قررت تأجيل نظرهما معًا لجلسة 29/ 10/ 2003، كطلب الحاضر عن المدعين فى الاستئناف رقم 3687 لسنة 52 قضائية، لاتخاذ إجراءات الطعن على المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقام المدعون دعواهم المعروضة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى ينصب على طلب المدعين فى الدعوى الموضوعية طرد المدعى عليهم من السادس حتى الثالث عشر من المنزلين اللذين كانوا يشغلونهما بمناسبة استئجار مورثيهم الأرض المملوكة للمدعين، وذلك بعد انتهاء عقود إيجار تلك الأراضى، وكان النص المطعون فيه يخول مستأجر الأرض الزراعية البقاء فى المسكن الملحق بالأرض إذا كان المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، وذلك حتى تدبر الدولة مسكنًا آخر له بأجرة مناسبة بالوحدة المحلية التى كان يقيم بها، ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة فى الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاق تلك الدعوى بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، فيما نصت عليه من أنه "ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن".
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال لا زال قائمًا ومعمولاً بأحكامه، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم فى ضوء أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.
وحيث إنه باستعراض التطور التاريخى لقوانين الإصلاح الزراعى وآخرها القانون رقم 96 لسنة 1992 (المتضمن النص المطعون فيه)، يتبن أن أول قانون للإصلاح الزراعى صدر بالمرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 محددًا ملكية الشخص للأراضى الزراعية بمائتى فدان، ثم صدر القانون رقم 127 لسنة 1961 بتحديد الحد الأقصى لملكية الشخص للأراضى الزراعية بمائة فدان، ثم صدر القانون رقم 50 لسنة 1969 محددًا ملكية الفرد بخمسين فدانًا، ومائة فدان للأسرة من الأراضى الزراعية وما فى حكمها، وفى ذات السياق حدد المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 مدة عقد إيجار الأراضى الزراعية بما لا يقل عن ثلاث سنوات، ثم صدر القانون رقم 406 لسنة 1953 مقررًا مد عقود الإيجار التى انتهت لمدة سنة أخرى، وهكذا توالت التشريعات على ذات المنوال، حتى صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 67 لسنة 1975 مقررًا امتداد عقود إيجار الأراضى الزراعية دون تقيد بأجل محدد، وعدم جواز إخلاء المستأجر من الأراضى المؤجرة إلا إذا أخل بالتزام جوهرى يقضى به القانون أو العقد، وبتاريخ 28/ 6/ 1992 صدر القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، وبموجب المادة الأولى منه تم استبدال المادة (33 مكررًا ز) من القانون المشار إليه والتى نصت على أن "تنتهى عقود إيجار الأراضى الزراعية نقدًا أو مزارعة السارية وقت العمل بأحكام هذا القانون بانتهاء السنة الزراعية 96/ 1997، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
ولا ينتهى عقد الإيجار بموت المؤجر أو المستأجر، وإذا توفى المستأجر خلال المدة المبينة بالفقرة السابقة ينتقل حق الإيجار إلى ورثة المستأجر حتى انتهاء المدة السابقة.
وتسرى أحكام القانون المدنى, بما فيها ما يتعلق بتحديد القيمة الإيجارية على عقود الإيجار المذكورة فى الفقرتين السابقتين عند انقضاء مدة السنوات الخمس المشار إليها.
وإذا رغب المؤجر فى بيع الأرض المؤجرة قبل انقضاء المدة المبينة فى الفقرة الأولى كان للمستأجر أن يختار بين شرائها بالسعر الذى يتفق عليه، أو أن يخلى الأرض بعد تقاضيه من المؤجر مقابل التنازل عن المدة المتبقية من العقد، ويحسب هذا المقابل بأربعين مثل الضريبة العقارية المقررة عن كل سنة زراعية، أو أن يستمر مستأجرًا للأرض إلى حين انتهاء المدة المشار إليها فى الفقرة الأولى".
ونصت المادة الرابعة من القانون الأخير السالف الذكر (النص المطعون فيه) على أن "لا يترتب على تطبيق أحكام هذا القانون الإخلال بالقواعد القانونية أو التعاقدية المقررة فى تاريخ العمل به لشغل المساكن الملحقة بالأراضى الزراعية المؤجرة.
ومع ذلك إذا ترتب على إنهاء عقد إيجار الأرض الزراعية المؤجرة وفقًا لأحكام هذا القانون إخلاء المستأجر للمسكن الملحق بالأرض الذى يقيم به، وكان هو المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، تكفل الدولة تدبير مسكن آخر له بأجرة مناسبة بالوحدة المحلية التى كان يقيم فيها، ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن".
وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الزراعة والرى ومكتب لجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب عن مشروع القانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى – القانون رقم 96 لسنة 1992 – أن ذلك المشروع كان يتكون من ثلاث مواد ولم يكن يتضمن النص المطعون فيه، وكان ذلك المشروع يستهدف صدور قانون متوازن يحقق العدالة بين طرفى العلاقة الإيجارية فى الأراضى الزراعية، مع توخى أن تأتى نصوص مشروع القانون استجابة لحاجات الضرورية ولخدمة أهداف الإصلاح الاقتصادى مع التوفيق بين وجهات النظر المختلفة للمتخصصين من رجال القانون والقضاء وممثلى الملاك والمستأجرين.
وأثناء مناقشة ذلك المشروع بمجلس الشعب – طبقًا لما تكشف عنه مضبطة الجلسة السابعة والتسعين بتاريخ 23/ 6/ 1992 – اقتراح أحد السادة الأعضاء إضافة النص المطعون فيه والنص الذى يليه، وذلك لمعالجة الأوضاع القائمة والتى تتمثل فى أن بعض المستأجرين عند إخلائهم للأرض الزراعية سوف يضطرون إلى ترك المساكن التى كانوا يعيشون فيها، وبهذا فقد اُقترح إضافة النص المطعون فيه إلى مشروع القانون. ولقد لاقى ذلك الاقتراح معارضة بعض الأعضاء لعدم جدواه، وذهب المعارضون إلى أن الأوفق تعويض الفلاحين الذين انتهت عقود إيجار الأراضى الزراعية التى كانوا ينتفعون بها، عن مساكنهم الملحقة بتلك الأراضى والتى تعتبر السكن الوحيد لإقامتهم ومن يعولونهم، بحسبان القانون قرر انتهاء عقود إيجار الأراضى الزراعية بانتهاء السنة الزراعية 96/ 1997، ومن ثم لم يعد للفلاح بعد تركه الأرض الحق فى البقاء فى المنزل الذى كان يقيم به، اللهم إلا إذا اتفق المالك والمستأجر على ذلك.
وحيث إن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، تقديرًا بأن الأصل فى النصوص التشريعية – فى الدولة القانونية – هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أى تنظيم تشريعى ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائمًا استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيًا للدائرة التى يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التى يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزًا لها، ومناهضًا – بالتالى – لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة (94) من الدستور.
وحيث إن الدستور – إعلاءً من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدًا لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى – كفل حمايتها لكل فرد – وطنيًا كان أم أجنبيًا – ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة – فى الأغلب الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها، بذلك من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريًا لصونها، معبدًا بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققًا من خلالها إرادة الإقدام، هاجعًا إليها لتوفر ظروفها أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنًا فى كنفها إلى يومه وغده، مهيمنًا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتمد، ولا يناجز سلطته فى شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة تفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشروع عليها – فى إطار وظيفتها الاجتماعية – جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، وكلما تدخل المشرع مقوضًا بنيانها من خلال قيود ترهقها أى حد ابتلاعها، كان عمله افتئاتًا عليها منافيًا للحق فيها، ومؤدى ذلك أن بقاء الملكية مع الحرمان من مقوماتها أمران متناقضان، وإذا كان بقاء الملكية بيد أصحابها هو الأصل فيها، فإن إخراجها من ذمتهم يعتبر حرمانًا منها لا يجوز إلا فى الأحوال التى يقررها القانون، وبالطريقة التى رسمها، ومقابل تعويض عادل، وهذه القاعدة عينها هى التى التزمتها الدساتير المصرية المتعاقبة، جاعلة منها قيدًا على السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يحول دونهما ونزع الملكية دون مقتض، أو بغير تعويض، أو دون تقيد بالقواعد التى حددها القانون.
وحيث إن تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة مع إبقائها بيد أصحابها بطريقة تؤدى عملاً إلى تقويض مقوماتها من خلال إهدار قيمتها الاقتصادية إلى حد كبير – ولو كان ذلك تذرعًا بالوظيفة الاجتماعية للملكية – إنما يعد انتقاصًا من حق الملكية تتحدد مشروعيته من زاوية دستورية بأن يكون مقترنًا بالتعويض العادل عن القيود التى يتضمنها ذلك التنظيم.
وحيث إن العدالة الاجتماعية وإن كانت من القيم التى تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفًا بفحواه، وعلى الأخص فى نطاق العلائق الإيجارية التى تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن فى الحقوق التى كفلها المشرع لأطرافها. ذلك أن الملكية – بما يتفرع عنها من الحقوق – ينبغى أن تخلص لأصحابها، فلا يَنقضُّ المشرع على أحد عناصرها، ليقيم بنيانها على غير القواعد التى تتهيأ بها لوظيفتها الاجتماعية أسبابها. ولئن جاز القول بأن لكل حق وظيفة يعمل فى إطارها ليتحدد مداه على ضوئها، إلا أن لكل حق كذلك دائرة لا يجوز اغتيالها حتى يظل الانتفاع به ممكنًا. وكلما فرض المشرع على الحق قيودًا جائرة تنال من جدواه، فلا يكون بها إلا هشيمًا، فإن التذرع بأن لهذه القيود دوافعها من وظيفته الاجتماعية يكون لغوًا.
وحيث إن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحًا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يُعد سلبًا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديًا، بل أن اقتلاع المزايا التى تنتجها، أو تهميشها، مؤداه سيطرة آخرين فعلاً عليها، أو تعطيل بعض جوانبها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد قصد من إقراره القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، تحقيق العدالة، وإعادة التوازن للعلاقة بين ملاك الأراضى الزراعية ومستأجريها، وصولاً إلى تحقيق التوازن العادل بين طرفى هذه العلاقة، فقرر انتهاء عقود الإيجار السارية وقت العمل بأحكام ذلك القانون بانتهاء السنة الزراعية 96/ 1997، ما لم يتفق المالك والمستأجر على غير ذلك، كما قرر انتقال حق الإيجار إلى ورثة المستأجر حتى انتهاء المدة السابقة، وخوَّل المستأجر – فى حالة رغبة المالك فى بيع الأرض المؤجرة – قبل انقضاء تلك المدة – حق الاختيار بين شرائها بالسعر الذى يتفق عليه، أو إخلائها بعد تقاضيه من المؤجر مقابل التنازل عن المدة المتبقية فى العقد، إلا أن المشرع قد نكث على عقبيه وقرر بالنص المطعون فيه أحقية المستأجر الذى انتهى عقد إيجار الأرض الزراعية المؤجرة له فى البقاء فى المسكن الملحق بالأرض والذى يقيم به، متى كان هو المسكن الوحيد لإقامته ومن يعولهم، ولا يجوز إخلاؤه من هذا المسكن قبل تدبير الدولة له مسكنًا آخر بأجرة مناسبة بالوحدة المحلية التى كان يقيم بها، وبذلك يكون المشرع قد حاد عن الهدف والغاية من إقراره القانون رقم 96 لسنة 1992، وعمد إلى تعطيل النتائج التى قصد تحقيقها وهى انتهاء عقود إيجار الأراضى الزراعية، بانتهاء السنة الزراعية 1996/ 1997، طبقًا لما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (33 مكررًا ز) من المرسوم بالقانون رقم 178 لسنة 1952 والمعدل بالقانون رقم 96 لسنة 1992، وهو ما أقرت هذه المحكمة صحته بحكمها الصادر بجلسة 13/ 1/ 2008 والذى قضى برفض الدعوى رقم 70 لسنة 20 قضائية "دستورية" التى أقيمت طعنًا على تلك المادة، وهو ما يوقع النص المطعون فيه فى حومة مخالفة المواد (2، 8، 27، 35، 36) من الدستور.
وحيث إن البين مما تقدم أن النص المطعون فيه قد جاء مفتقدًا للصلة المنطقية بينه والغاية التى قصد المشرع تحقيقها من وراء إقراره القانون رقم 96 لسنة 1992، فضلاً عن أنه فرض قيودًا على الملكية الخاصة يصل مداها إلى حد تقويض دعائمها، فلا يكون الانتفاع بها ممكنًا وميسورًا لأصحابها، وذلك بأن حرم ملاك الأراضى الزراعية التى أعيدت إليهم من جزء من تلك الأراضى، حرمانًا قد يطول أمده إلى غير حد، وموكولاً انتهاؤه إلى السلطة التقديرية للدولة والتى يقع على عاتقها تدبير مسكن آخر للمستأجر الذى انتهى عقد إيجار الأراضى الزراعية المؤجرة له بأجرة مناسبة بالوحدة المحلية التى كان يقيم بها قبل إخلائه من المسكن الذى يشغله، فلا يبقى من الأموال التى يرد عليها الحرمان شئ من منافعها، بل تخرج بتمامها من السلطة الفعلية لأصحابها، مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها، وبما يعطل وظائفها عملاً، وهو ما يعدل – فى الآثار التى يرتبها – نزع الملكية من أصحابها دون تعويض، وفى غير الأحوال التى نص عليها القانون، بما يعتبر غصبًا لها يحيل أصلها عدمًا، بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صورة العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوبًا وإطارًا, وانحرافه عنها قصدًا ومعنى، فلا تكون الملكية التى يكفل الدستور صونها إلا سرابًا أو وهمًا.
وحيث إن بقاء أغيار فى مساكن مرصودة من قبل ملاكها، لمصلحة الأراضى التى يملكونها وخدمتها، بعد أن صاروا منبتى الصلة بهذه الأراضى بانتهاء عقود استئجارهم لها بموجب القانون 96 لسنة 1992 المشار إليه، يمثل عدوانًا على الإنتاج والاستثمار الزراعى، فتلك المساكن قد تم رصدها من قبل ملاكها لخدمة الأراضى الزراعية التى يملكونها، والأصل فيها أن يسكنها من يعمل فى خدمتها، بحسبانها الحل الأمثل لإقامة العاملين على خدمة هذه الأراضى ورعايتها، فإذا ما قرر المشرع أحقية غير القائمين على خدمة هذه الأراضى الزراعية فى شغل تلك المساكن والبقاء فيها إلى غير أمد، فمن ثم يكون النص المطعون فيه مخالفًا لأحكام المادة (29) من الدستور، والتى تنص على أن "الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى".
ولا ينال مما تقدم، قالة أن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يدخل فى سلطة المشرع التقديرية وتخير أنسب الحلول للمشكلات التى يواجهها، ذلك أن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحًا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها، غير أن الحدود التى يتصور أن يبلغها هذا التنظيم، لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يُعد سلبًا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديًا، وطبقًا لنص المادة (92) من الدستور، فإن سلطة المشرع فى تنظيم الملكية الخاصة لا يجوز أن تنال من أصلها أو تفتئت على جوهرها، ومن ثم فاقتلاع المزايا التى تنتجها الملكية أو تهميشها، بما يؤدى إلى سيطرة آخرين فعلاً عليها، وتعطيل بعض جوانبها، إنما يُعد مجاوزة من قبل المشرع لحدود الضوابط التى رسمها الدستور للمشروع وهو بصدد تنظيمه لحق الملكية.
كما لا ينال مما تقدم أيضًا، قالة أن المشرع بإقراره النص المطعون فيه، التزم إطار الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، لإمكان تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها الضرورة الاجتماعية. فذاك مردود بأن الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى إطار وظيفتها الاجتماعية، تفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية، ولا أن يكون ذلك سبيلاً لتسلب الدولة من الالتزام الدستورى الملقى على عاتقها بالمادة (78) من الدستور بتوفير المسكن الملائم والآمن والصحى للمواطن؛ كما سلف البيان.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يغدو مخالفًا لنصوص المواد (2، 8، 27، 29، 35، 36، 78) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 96 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 128 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، فيما نصت عليه من أنه "ولا يجوز إخلاؤه قبل تدبير هذا المسكن"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة