الجريدة الرسمية - العدد 26 (تابع) - السنة الخامسة والخمسون
8 شعبان سنة 1433هـ، الموافق 28 يونيه سنة 2012م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الخميس، الرابع عشر من يونيه سنة 2012م، الموافق الرابع والعشرين من رجب سنة 1433هـ.
برئاسة السيد المستشار/ فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى وأنور رشاد العاصى والدكتور/ حنفى على جبالى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه والدكتور/ عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 193 لسنة 29 قضائية "دستورية".

المقامة من:

شركة النصر للكيماويات الدوائية.

ضـد:

1 - السيد رئيس الجمهورية.
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 - السيد رئيس مجلس الشعب.
4 - السيد وزير العدل.
5 - السيد وزير التجارة والصناعة.
6 - السيد/ على عبد اللطيف محمد الشربانى، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة ديباك للمستحضرات الطبية.


الإجراءات

بتاريخ 15 من أغسطس سنة 2007، أودعت الشركة المدعية قلم كتاب هذه المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، بطلب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (189) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليًا الحكم: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الشركة المدعى عليها السادسة كانت قد أقامت الدعوى رقم 90 لسنة 2004 كلى تعويضات، أمام محكمة الخانكة الابتدائية، ضد الشركة المدعية وآخرين، بطلب الحكم بإلزامها بأداء مبلغ عشرة ملايين جنيه، كتعويض لها عن عدم تجديد عقد الوكالة التجارية المؤرخ 12/ 6/ 2001، على سند من أن الشركة المدعية أبرمت معها عقد وكالة للمنتجات والأدوية البيطرية بجمهورية مصر العربية، ونص البند الثالث عشر من العقد على أن "مدة هذا العقد ثلاث سنوات ويبدأ تنفيذه اعتبارًا من 1/ 7/ 2001 وحتى 30/ 6/ 2004، ويجدد لمدد أخرى مماثلة ما لم يخطر أى طرف الآخر برغبته فى عدم التجديد قبل نهاية المدة بثلاثة أشهر على الأقل وبخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول..."، وبتاريخ 18/ 1/ 2004، أخطرتها الشركة الموكلة بعدم رغبتها فى تجديد العقد، لمرور فترة طويلة على تنفيذه، ووجود متغيرات تقتضى مراجعة شروطه، رغم عدم وقوع خطأ من الشركة أثناء تنفيذ العقد، وتحقيقها نجاحًا ظاهرًا وزيادة فى حجم المبيعات وعدد العملاء، فوق ما تحملته من نفقات وجهد فى الدعاية والإعلان وعقد الندوات العلمية والبحثية للترويج للأدوية محل عقد الوكالة، وإقامة المخازن والمنشآت والتجهيزات اللازمة لتنفيذ العقد، مما ألحق بالشركة أضرارًا مادية وأدبية جسيمة، يضحى معها إنهاء الوكالة من قبل الشركة الموكلة وعدم تجديدها تعسفًا منها فى استعمال حقها، تستحق معه الشركة الوكيلة تعويضًا قدرته بمبلغ عشرة ملايين جنيه. وأثناء نظر الدعوى دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 189 من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت دعواها الماثلة.
وحيث إن المادة (189) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 تنص على أن:
"1 - إذا كان العقد محددًا المدة، ورأى الموكل عدم تجديده عند انتهاء أجله، يكون للوكيل الحق فى تعويض يقدره القاضى، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك.
2 - ويشترط لاستحقاق هذا التعويض:
( أ ) ألا يكون قد وقع خطأ أو تقصير من الوكيل أثناء تنفيذ العقد.
(ب) أن يكون نشاط الوكيل قد أدى إلى نجاح ظاهر فى ترويج السلعة أو زيادة عدد العملاء".
3 - ويراعى فى تقدير التعويض مقدار ما لحق الوكيل من ضرر وما أفاده الموكل من جهوده فى ترويج السلعة وزيادة العملاء".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى على سند من خلو أوراق الدعوى من بيان أو تحديد أية أضرار فعلية أو متوقعة تكون قد أصابت الشركة المدعية من جراء قصر الحق فى طلب التعويض على الوكيل دون الموكل، بما يجعل نعيها على النص الطعين لهذا السبب مجرد طرح لرؤى واجتهادات نظرية لا تحقق لها مصلحة شخصية مباشرة فى الدعوى. وذلك مردود، بأن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (189) المطعون فيه قد قرر للوكيل، فى وكالة العقود محددة المدة، الحق فى التعويض الذى يقدره القاضى فى حالة عدم تجديد الموكل العقد عند انتهاء أجله، ولو وجد اتفاقًا يخالف ذلك، متى تحققت فى شأنه شروط استحقاق هذا التعويض، وبمراعاة أسس تقديره، التى تضمنتها الفقرتان الثانية والثالثة من هذا النص، والتى ترتبط بنص الفقرة الأولى المطعون فيها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، بما يجعلها مطروحة حكمًا على هذه المحكمة، وهى فى جملتها القواعد الحاكمة لاستحقاق التعويض الذى تطالب به الشركة المدعى عليها السادسة، والمردد أمام محكمة الموضوع، وتبعًا لذلك فإن الفصل فى مدى دستورية هذا النص برمته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، الأمر الذى تتحقق معه المصلحة الشخصية المباشرة فى الطعن عليه، مما يتعين معه رفض الدفع المشار إليه.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد (29، 30، 33) من دستور سنة 1971، قولاً منها إنها باعتبارها إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، المخاطبة بأحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، فإن أموالها تعد من الأموال العامة، وأن استحقاق الوكيل التعويض المقرر بالنص الطعين كجزاء على استخدامها لحقها فى عدم تجديد العقد المحدد المدة يؤثر سلبًا على الذمة المالية للشركة وينتقص منها دون مقتضى بما يمثل اعتداءً على الملكية العامة. كما نعت الشركة المدعية على هذا النص مخالفته لمبدأ المساواة المقرر بالمادة (40) من الدستور المذكور على سند من أن الأحكام التى تضمنها جاءت متعارضة مع التنظيم الذى أورده القانون المدنى للعقود، وقررت للوكيل الحق فى التعويض عند عدم تجديد العقد من قبل الموكل بعد انتهاء أجله دون كفالة ذلك الحق للموكل فى حالة ما إذا كان عدم التجديد راجعًا إلى الوكيل، فضلاً عما يترتب عليها من حمل الموكل على عدم استعمال حقه فى عدم تجديد العقد بعد انتهاء مدته، حتى لا يتعرض للمطالبة بالتعويض، بما يحيل عقد الوكالة محدد المدة إلى عقد مؤبد.
وحيث إن المادة الأولى من مواد إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 تقضى بأنه يقصد بقطاع الأعمال العام، الشركات القابضة والشركات التابعة لها الخاضعة لأحكام هذا القانون، وتتخذ هذه الشركات بنوعيها شكل الشركة المساهمة، ويسرى عليها، فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى هذا القانون وبما لا يتعارض مع أحكامه نصوص قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، ولا تسرى أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 على الشركات المشار إليها. وعملاً بنص المادة الثانية من مواد الإصدار تحل الشركة القابضة محل هيئات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983، كما تحل الشركات التابعة محل الشركات التى تشرف عليها هذه الهيئات، وذلك اعتبارًا من تاريخ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991، ودون حاجة إلى إجراء آخر. وبمقتضى نص المادة (1) من قانون شركات قطاع الأعمال العام تعتبر الشركة القابضة من أشخاص القانون الخاص، وتتخذ الشركة التابعة - وفقًا لنص المادة (16) من هذا القانون - شكل الشركة المساهمة وتثبت لها الشخصية الاعتبارية من تاريخ قيدها فى السجل التجارى. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية هى إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، وتدخل فى عداد شركات قطاع الأعمال العام، وتعتبر شركة مساهمة تتولى فى نطاق أغراضها، وعلى ضوء الوسائل التى تنتهجها، إدارة أموالها وشئونها وفقًا لقواعد القانون الخاص، ومن ثم فإنها تندرج ضمن أشخاص القانون الخاص، وتعتبر أموالها أموالاً خاصة، وتدخل بحكم ملكية الدولة الكاملة لها ضمن الدومين الخاص للدولة. ولا ينال من ذلك، النص فى المادة (52) من قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن "تعتبر أموال الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون فى حكم الأموال العامة"، والذى بمقتضاها تعتبر أموال هذه الشركات مشبهة حكمًا بالأموال العامة، وذلك فيما يتصل بوسائل حماية تلك الأموال، دون أن يغير من طبيعتها، وتتقيد تلك الحماية، فى نطاقها ومداها وأغراضها، بطبيعة تلك الشركة كشخص من أشخاص القانون الخاص، مما يتعين معه الالتفات عما أثارته الشركة فى هذا الشأن على النحو المتقدم ذكره.
وحيث إن من المقرر أن حرية التعاقد هى قاعدة أساسية يقتضيها الإعلان الدستورى الصادر فى 30/ 3/ 2011 - الحاكم للمسألة المعروضة - صونًا للحرية الشخصية، التى يمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التى ينبغى أن تتوافر لكل شخص، فلا يكون بها كائنًا يحمل على ما لا يرضاه بل بشرًا سويًا، كما أن حرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بحق الملكية، الذى يكون هو أو أحد الحقوق التى تنبثق عنه محلاً للتعاقد، ومجالاً لأعمال إرادة الاختيار وسلطة اتخاذ القرار فى شأن هذا التعاقد، وإذا ساغ للسلطة التشريعية استثناءً أن تتناول أنواعًا من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر يكون مستندًا إلى مصلحة مشروعة، إلا أن هذه السلطة ذاتها لا يسعها أن تدهم الدائرة المنطقية التى تباشر فيها الإرادة الحرة حركتها، فلا يكون لسلطاتها بعد هدمها من أثر، لما فى ذلك من إنهاء لوجودها، ومحو كامل للحرية الشخصية فى واحدة من أكثر مجالاتها تعبيرًا عنها، ممثلاً فى إرادة الاختيار استقلالاً عن الآخرين، بما يصون لهذه الحرية مقوماتها ويؤكد فعاليتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القرائن القانونية - قطعية كانت أم غير قطعية - هى التى يقيمها المشرع مقدمًا ويعممها بعد أن يصوغها على ضوء ما يكون راجح الوقوع عملاً، وكان المشرع بتقريره لها، إنما يتوخى إعفاء الخصم من التدليل على واقعة بذاتها، بعد أن أحل غيرها محلها، وأقامها بديلاً عنها، ليتحول الدليل إليها، فإن أثبتها الخصم اعتبر ذلك إثباتًا للواقعة الأصلية بحكم القانون، فلا تكون القرائن القانونية بذلك إلا اثباتًا غير مباشر، مرتبطًا أصلاً بالمسائل المدنية، ويشترط دائمًا فى الواقعة البديلة أن ترشح فى الأغلب الأعم من الأحوال لاعتبار الواقعة الأصلية ثابتة بحكم القانون، وأن تربطها بها علاقة منطقية، وإلا غدت القرينة غير مرتكزة على أسس موضوعية، ومجاوزة - تبعًا لذلك - للضوابط التى تحقق اتساقها مع أحكام الدستور.
وحيث إن الأصل فى العقود محددة المدة، أن يعتبر العقد منتهيًا بقوة القانون بانتهاء أجله المتفق عليه بين طرفيه، وما يستتبع ذلك من انفصام عرى العلاقة العقدية بينهما، لتعود لكل منهما سلطاته الكاملة المتفرعة عن حق الملكية وحرية التعاقد. غير أن المشرع، خروجًا على هذا الأصل، جاء بقاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ضمنها النص المطعون فيه، جعل بموجبها خيار الموكل فى وكالة العقود التى تنتهى بانتهاء أجلها، قاصرًا على أحد أمرين، إما تجديد عقد الوكالة، وإما الالتزام بالتعويض الذى يقدره القاضى للوكيل طبقًا للشروط والأوضاع التى أوردها النص الطعين، ومقيمًا مسئولية الموكل فى هذه الحالة - على ما جاء بمضبطة مجلس الشعب الجلسة الثالثة والثلاثين المعقودة فى 31/ 1/ 1999 - على أساس قانونى، حدده فى إساءة استعماله لحقه. غير أنه استثناءً من الأصل العام المقرر فى القانون المدنى، الذى تناولت المادة (5) منه تنظيم القاعدة العامة فى المسئولية عنه، والتى مردها إلى قواعد المسئولية فى هذا القانون، أقام النص المطعون فيه مسئولية الموكل على خطأ مفترض، يقوم فى حقه ومعه قصد الإضرار بالوكيل فى حالة عدم تجديد الموكل عقد الوكالة بعد انتهاء أجله، مع عدم ارتكاب الوكيل خطأ أو تقصير أثناء تنفيذ الوكالة، وتحقيقه نجاحًا ظاهرًا فى الترويج للسلعة أو زيادة عدد العملاء، بحيث يكون إثبات ذلك قرينة على ثبوت الخطأ فى حق الموكل، بما مؤداه أن المشرع حوَّل الإثبات فى النص المطعون فيه من محله الأصلى إلى واقعة بديلة، اعتبر إثباتها إثباتًا للخطأ فى حق الموكل بحكم القانون، وما يتبعه من اعتبار عدم تجديده للعقد بعد انتهاء أجله داخلاً فى دائرة الاستعمال غير المشروع وغير الجائز لحقه - وتبعا لذلك - قيام مسئوليته عن تعويض الضرر الذى لحق بالوكيل. وهذه القرينة وإن كانت غير قاطعة - ذلك أن القرينة القاطعة لا تكون إلا بنص خاص يقرر عدم جواز هدمها - إلا أنها تتخذ من الالتزامات العقدية للوكيل وتنفيذه لها طبقًا لشروط العقد وأحكام القانون قرينة على ثبوت الخطأ فى حق الموكل، إذ الأصل فى عقد الوكالة عدم إخلال الوكيل بالتزاماته العقدية أثناء تنفيذه، أو ارتكاب أى خطأ أو تقصير فى ذلك، وإلا قامت مسئوليته العقدية عما يقع منه فى هذا الشأن. كما أن الالتزام الأساسى للوكيل طبقًا لنص المادة (177) من قانون التجارة هو أن يتولى على وجه الاستمرار فى منطقة نشاطه الترويج والتفاوض وإبرام الصفقات باسم الموكل ولحسابه مقابل أجر، بما مؤداه التزام الوكيل ببذل المجهود وعمل الدعاية والإعلان لجذب العملاء والترويج للسلعة، بوصف أن تكوين العملاء والترويج للسلعة هما الهدف الرئيسى فى عقد وكالة العقود، وعلى ذلك فإن نجاح الوكيل الظاهر فى الترويج للسلعة أو زيادة عدد العملاء، لا يعدو أن يكون نتيجة طبيعية لتنفيذ عقد الوكالة بحسن نية، ووفاءً من الوكيل بالتزام قانونى يقع على عاتقه طبقًا لنصوص العقد وأحكام القانون، والذى حصل على أجره الذى ارتضاه مقابل لذلك، وطبقًا للعقد. كما أن النجاح الظاهر الذى اشترطه النص المطعون فيه كان للسلعة، وهى محل عقد الوكالة، وكذا الدور المنوط بالموكل بوصفه أحد أطراف العلاقة العقدية الناشئة عن العقد، أثرهما الفاعل والأكيد فى تحقيقه، بما يجعل هذا النجاح الظاهر ثمرة للتعاون المشترك بين الوكيل والموكل، لتغدو القرينة التى أقامها النص الطعين، والتى بمقتضاها يعتبر الخطأ مفترضًا فى حق الموكل متى أثبت الوكيل تحقق الشرطين المشار إليهما، غير مستنده إلى أسس موضوعية، إذ لا يرشح إثبات هذين الشرطين، فى الأغلب الأعم من الأحوال، لاعتبار الخطأ ثابتًا فى حق الموكل، ولا تربطهما به علاقة منطقية، خاصة مع الوضع فى الاعتبار أن انتهاء العقد بانتهاء أجله، والتزام الموكل والوكيل بأحكام العقد سواء فى تنفيذه أو إنهائه لا يؤهل بحسب طبائع الأمور لنشوء الاعتقاد لدى الوكيل باستمرار علاقته العقدية مع الموكل. كما أن الموكل إنما يستعمل حقه فى عدم تجديد العقد بعد انتهاء مدته المتفق عليها، وأن الأصل الذى قننه القانون المدنى فى المادة (4) منه أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعًا لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر، وأن الخروج على هذا الأصل يستلزم ضبط قواعد المسئولية لتتسق مع أحكام الإعلان الدستورى الصادر فى 30/ 3/ 2011، وبذلك تغدو القرينة التى أقامها النص المطعون فيه، إقحامًا لها فى غير موضعها، لتستحيل الأحكام التى حواها هذا النص إلى قيود فرضها المشرع على حرية الاختيار وهى جوهر حرية التعاقد، باعتبارها أحد روافد الحرية الشخصية التى كفلتها المادة (8) من الإعلان الدستورى، كما تعد كذلك إخلالاً منه بالتوازن بين طرفى العلاقة الناشئة عن عقد وكالة العقود، والذى تعتبر كفالته التزامًا على عاتق المشرع تفرضه قواعد العدالة التى حرص الإعلان الدستورى على توكيدها فى المادة (5) منه، باعتبارها من منظورها الاجتماعى أساسًا للنظام الاقتصادى، والتى بمقتضاها يلتزم المشرع - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن يزن بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، فضلاً عما يمثله هذا النص من مساس بحق الملكية وانتقاصًا منه باقتحامه ماديًا دون مقتضى أو مصلحة مشروعة تبرره، وذلك بالمخالفة لنص المادة (6) من الإعلان الدستورى، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه برمته، وبسقوط البند رقم (1) من المادة (190) من قانون التجارة المشار إليه والذى ينص على أن: "تسقط دعوى التعويض المشار إليها فى المادة السابقة بمضى تسعين يومًا من وقت انتهاء العقد"، لارتباطه بالنص الطعين ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة رقم (189) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وسقوط نص البند رقم (1) من المادة (190) من هذا القانون، مع إلزام الحكومة بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة